محمد حسني البابا... صاحب التكوينات الخطية المدهشة
بوابة الشرق- ناصر الحموي
خطاط دمشقي مبدع، يعتبر من رواد فن الخط العربي اشتهر بأسلوبه المجدد القوي في التراكيب الخطية الفنية المميزة والمدهشة، وخاصة خط الثلث، والتي أعجزت أساطين الخط في إسطنبول، سافر إلى القاهرة عام 1912، واستطاع بفنه ومهارته أن يفوز بإعادة فن الخط إلى مصر، ليصبح من أشهر وأكبر الخطاطين على المستوى العربي والإسلامي.
ولد الخطاط محمد حسني 1894، وهو من أصول تركية وينتسب لعائلة البابا التي اشتهرت في بلاد الشام بالإنشاد والغناء، نشأ في دمشق وتلقى علومه الأولى، وأحب الخط منذ حداثته، وكان له واقعة طريفة، عندما اصطحبه خاله إلى المدرسة، وهو طفل صغير، وأجلسه في تمرين الخط العربي، على سبيل المزاح، وأعطاه أحد التلاميذ القلم وطلب منه أن يقلد حرف الكاف، بالخط الثلث، وهو من أصعب الخطوط، فقلده بمهارة وسط دهشة الفصل كله، فبدأ التعلم على الفور لمهارته الفطرية، وكان يحاكي خطوط عزت قاضي عسكر، وتعلم قواعد الخط العربي على يد الخطاط التركي الشهير يوسف رسا الذي أوفده السلطان عبدالحميد إلى دمشق لكتابة خطوط الجامع الأموي عند تجديده.
وكان تلميذًا لمحمد شوقي ونِدًّا لأحمد عارف الفلبوي، هاجر إلى مصر عام 1331هـ، 1912م حيث عمل في الخط. وقد أفاده صغر سنه في الحركة بين المطابع الحجرية ليكتب الخطوط اللازمة لها وكان سريعًا جدًا. اشترى بيتًا في خان الخليلي كان يمارس عمله فيه قبل أن يفتتح لنفسه مكتبًا خاصًا وورشة للحفر والزنكوغراف عام 1348هـ، 1929م. وبعد أن ذاع صيته واشتهر بجمال خطه ورشاقته وأسلوبه المتميز في التراكيب الخطية وتجويده لأنواع الخطوط جميعًا، اتصل بكبار الخطاطين في مصر واستفاد من الخطاطَيْن نجيب الهواويني والشيخ عبدالعزيز الرفاعي.
وكان من الأساتذة الأوائل الذين تم اختيارهم من قبل الملك فاروق ليتولى التدريس في مدرسة تحسين الخطوط الملكية عند إنشائها عام 1341هـ، 1922م، كما دَرَّس في المعهد العالي للتربية الفنية في الأربعينيات من القرن العشرين الميلادي، وتعد الفترة من 1958 بداية نجومية محمد حسني، في الخط العربي على المستوى الدولي، وتميزت لوحاته، بإقامة حوار فني بين الأحرف، حيث اهتم بالناحية العضوية للتكوين، كما قام بزخرفة كسوة الكعبة المشرفة حينما كان يعمل في القصر الملكي السعودي .
وقد تتلمذ عليه عدد كبير من الخطاطين في المدرسة وخارجها، وكان من أبرز تلاميذه الخطاط الإسكندري الكبير محمد إبراهيم مؤسس المدرسة المعروفة باسمه، ومحمد علي المكاوي، ومحمد أحمد، ومحمد سعد الحداد. وأجاز عددًا كبيرًا من الخطاطين منهم الخطاط الكبير هاشم محمد البغدادي. ترك عددًا كبيرًا من اللوحات والآثار الخطيّة وكتب آلافًا من الخطوط للسينما الصامتة وللكتب والمطبوعات المختلفة، وحاز دكتوراه فخرية في فلسفة الخط من كندا 1385هـ، 1965م. وكان لا يحب الارتباط الوظيفي وينزع إلى الحرية في عمله وفنه. تُوفي في القاهرة عام 1964 عن عمر ناهز 75 عاما، ودُفن فيها مخلفًا عائلة من الفنانين (نجاة الصغيرة وسعاد حسني).
في عام 2012، عرضت في مهرجان القاهرة للخط العربي الذي نظمه بيت السناري الأثري بحي السيدة زينب بالقاهرة، لوحة لرائد الخط العربي الراحل محمد حسني، وذلك لأول مرة، وكانت اللوحة من مقتنيات الفنان حمدي الشريف تلميذ محمد حسني البابا .