التربية الجنسيّة للأطفال
في مرحلة الطفولة، وقبل سنّ المراهقة تكون الغريزة في حالة كمون وثبات، ولكنّها تعتبر مرحلة مهمّة جدّاً في تشكّل الوعي الجنسيّ لدى الطفل. فهذا الوعي إمّا أن يحصل من الطرق الصحيحة ووفق الأصول والأسس الدينيّة والتربويّة السليمة، وإمّا من خلال طرق غير تربويّة وغير أخلاقية؛ فتكون عواقبها ـ عادة ـ مؤذية ومهلكة ـ أحياناً ـ، خصوصاً على مرحلة المراهقة التي تليها. فمرحلة الطفولة هي مرحلة مفصليّة وتأسيسيّة لما بعدها من المراحل اللاحقة. من هنا، على الأهل أن يتقيّدوا بمجموعة من التوجيهات والتعاليم الدينيّة والتربويّة؛ لتفادي الوقوع في المحذور. من هذه الأمور التي ينبغي مراعاتها والإلفات إليها:
. الحياء:
ينبغي للأمّ والأب أن يُراعيا في شؤون الحياة العائليّة كافّة أصل "الحياء"، وأن يُهيّئا البيئة المناسبة لتربية أولادهما تربية صحيحة وإسلامية من خلال المحافظة على الحياء في المحيط العائليّ، حيث تُراعي الأمّ اللباس الإسلاميّ في حدّه المعقول أمام الأولاد أو أمام محارمهم من إخوتهنّ أو آبائهنّ؛ من أجل إزالة أيّ نوعٍ من العوامل الممهّدة للخطأ والانحراف بين الأبناء. فاللباس غير المناسب والمنافي لآداب الحشمة والستر والمثير للشهوة يستلزم النضوج المبكّر للميول الجنسيّة عند الطفل. حتى أنّه لا ينبغي للأب أن يرتدي لباساً غير مناسب في البيت أو أن يُبقيَ أجزاءً من جسمه عارية كذلك.
. عدم استخدام الألفاظ البذيئة:
على الوالدين أن يُراعيا في كلامهما الأدب واللياقة وحسن الأخلاق، وأن يتجنّبا استخدام ألفاظٍ وكلمات تشير بأيّ نحو إلى مسائل تتعلّق بالجنس، وأن يمتنعا عن نقل أيّ قصص أو طرائف تتعلّق بالأمور الجنسيّة، ولو عن طريق المزاح واللعب.
. الفصل بين الفتية والفتيات:
ينبغي الفصل بين الأبناء الذكور والإناث عند الاستحمام، وعلى الأمّ أن لا تساعد ابنها في الاستحمام بعد أن يبلغ الأربع سنوات. وهذا الأمر ينطبق ـ أيضاً ـ على الآباء في ما يتعلّق ببناتهم. لذا على الوالدين أن يعلّما أولادهما من عمر أربع سنوات أن يستحمّوا بأنفسهم. وأن يثابرا على هذا الأمر لمدّة، حتى لا يحتاجون في هذا المجال إلى أهلهم إذا ما بلغوا سنّ التمييز.
كما على الأهل أن يفصلوا فراش الصبيان عن البنات من بعد عمر سبع سنوات. ولا ينبغي للوالدين أن يدعا أولادهما يبيتون معهما في غرفة واحدة من بعد هذه المرحلة العمريّة. روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "فرّقوا بين أولادكم في المضاجع إذا بلغوا سبع سنين".
وعنه صلى الله عليه واله وسلم أيضاً: "الصبيّ والصبيّ، والصبيّ والصبيّة، والصبيّة والصبيّة، يفرّق بينهم في المضاجع لعشر سنين"
وروي عن الإمام الباقر التربية الجنسية للابناء: "يفرّق بين الغلمان والنساء في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين".
كلّ هذه الدّقّة في الإسلام؛ لأنّ الميل الجنسيّ عند الإنسان لديه أرضيّة خصبة؛ للتحرّك، والتي إذا ما توفّرت دوافع تحريكه وفورانه، فلن يكون الحدّ من الانحرافات الناجمة عنه عملاً سهلاً يسيراً على الإطلاق.
. عدم المبيت في فراش واحد بحضور الأبناء:
ينبغي للوالدين أن يُعلّما أبناءهما أن يطرقوا الباب ويستأذنوهما عندما يدخلون عليهما في غرفتهما. وينبغي أن تكون علاقة الأمّ والأب في محضر الأولاد خاليةً تماماً
من التلميحات الجنسيّة. ولا ينبغي لهما في محضر الأولاد أن يبيتا في فراشٍ واحد، وإذا لم يكن لديهما غرفة نوم مستقلّة ينبغي لهما أن يستفيدا من فراشين مستقلين. فقد جاء في الروايات الإسلاميّة وصايا تؤكّد ضرورة اجتناب الأب والأمّ ممارسة العلاقة الزوجيّة تحت مرأى الأطفال ومحضرهم.
روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "والذي نفسي بيده لو أنّ رجلاً غشي امرأته وفي البيت صبيٌّ مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما؛ ما أفلح أبداً؛ إن كان غلاماً كان زانياً، أو جاريةً كانت زانية"
وروي عن الإمام الصادق التربية الجنسية للابناء أيضاً: "لا يُجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبيّ؛ فإنّ ذلك ممّا يورث الزنا"
وينبغي الالتفات إلى هذه المسألة أكثر في حال لم تكن غرفة نوم الأطفال منفصلة عن غرفة نوم الوالدين. فعدم التفات الوالدين واحتياطهما في مثل هذه الحالات ـ غالباً ـ ما يُنتج مشاكل تربويّة جدّيّة وخطيرة.
. الحدّ من التماس الجسديّ مع الأطفال:
على الأهل أن لا يدعا الأطفال من سنّ ستّ سنوات وما فوق (خاصّة الأولاد من الجنس المخالف) والذين بلغوا سنَّ التمييز أن يبيتا في فراشهما، وأن تتلاصق أجسامهما شبه العارية بأجساد أولادهما، وإذا أرادت الأمّ لضرورة ما أن تبيّت ابنتها في فراشها، ينبغي لها أن ترتدي لباساً يمنع من التماس الجسديّ المباشر مع ابنتها.
وينبغي للوالدين أن يتجنّبا بشدّة تحسّس ومداعبة الأعضاء الجنسيّة لأولادهم؛ لأنّ لهذا الفعل آثاراً غير ملائمة تبرز في مرحلتي المراهقة والشباب.
الروايات الإسلاميّة، لا ينبغي
للرجل الذي هو غير محرم أو الطِّفل الصبيّ
أن يُقبّل فتاة الستّ سنوات أو أن يحضنها. والمرأة التي هي غير محرم لا ينبغي لها أن تُقبِّل الصبيّ الذي سنّه سبع سنوات. عن الإمام الصادق التربية الجنسية للابناء: "إذا بلغت الجارية الحرّة ستّ سنين فلا ينبغي لك أن تقبّلها" .
بناءً عليه، ينبغي عند ملاطفة الأطفال الذين بلغوا سنّ التمييز (أي حوالي الستّ سنوات) أو عند التحدّث معهم واحتضانهم مراعاة الحدود والضوابط الشرعيّة الأخلاقيّة.
المراقبة الدائمة لعلاقات الأبناء:
لا ينبغي أن تخرج علاقات الأولاد فيما بينهم عن مراقبة الكبار، ولا يصحّ للأمّ أن تترك أولادها بمفردهم. بل يجب مراقبة العلاقات بين الأولاد، وخاصّة بعد عمر الخمس والستّ سنوات، وعمر مرحلة التعليم الأساسيّ. وينبغي إظهار المراقبة الكافية؛ كي لا يقع الأولاد في علاقات مشبوهة وبعيدة عن الأنظار. فإنَّه ـ للأسف ـ، وبسبب سذاجة الأهل وعدم علمهم وخاصّة الأمّهات، يكون الأولاد ـ أحياناً ـ مورد استغلال مِنْ قِبَل مَنْ هم أكبر سنّاً؛ فيحرفونهم، فمن الممكن أن يلوّث ولدٌ واحدٌ منحرف عشرات الأولاد الآخرين ويحرفهم.
على الآباء أن لا يعتبروا أبناءهم مبرّئين عن هذه المسائل وأن لا يغفلوا عن هذا الخطر، بل ينبغي أن يضعوا دائماً في بالهم احتمال أن ينجرّ ابنهنّ غير البالغ إلى هذا النوع من الانحرافات.
فينبغي ـ مثلاً ـ مراقبة الأبناء؛ لكي لا يقيموا بقدر الإمكان صداقات مع المراهقين الذين يفوقونهم عمراً نسبياً. وفي العلاقة مع الأقارب ينبغي ـ أيضاً ـ إظهار المراقبة اللازمة والاطمئنان من صحّة هذه العلاقات وسلامتها.
كما يلزم الحؤول دون تردّد الأولاد إلى منازل الأصدقاء والجيران وحتى الأقارب بعيداً عن مراقبة الأهل الجدّيّة. وهذه المسألة تُعتبر أهمّ بالنسبة للفتيات اللواتي
يتضرّرن أكثر في مثل هذه الحالات.
كذلك، ينبغي أن لا تكون علاقات الإخوة والأخوات في البيت الواحد بمنأىً عن مراقبة الوالدين. فكونهم محارم قد يحدّ من مقدار هذا الميل الجنسيّ، ولكن لا يزيله. لذا، لا يمكننا بالاستناد إلى كونهم محارم أن نريح بالنا ونمتنع عن المراقبة، ولدينا تجارب مريرة في هذا المجال غالباً ما تكون ناشئةً من عدم ملاحظة الوالدين واطّلاعهما.
فللأسف تغفل بعض العائلات عن أهمّيّة هذه المراقبة؛ لأسباب عديدة، كالانشغالات الحياتيّة وهمومها، أو الثقة الزائدة بالأبناء فلا يخطر ببالهم أنّ ابنهم معرّض في أيّ لحظة للسقوط. وهذه النظرة المبنيّة على حسن الظنّ المفرِط صادرةٌ عن انعدام البصيرة، وغفلة الأبوين عن القيام بوظائفهما تجاه أبنائهما. لذا ينبغي للوالدين أن يكون لديهما معرفة كاملة بعلاقات أبنائهما وصداقاتهم.
النوم والاستراحة:
ينبغي أن يتعلّم الأبناء أن يرتدوا لباساً مريحاً عند النوم، وأن تكون ساعات نومهم منظّمة وأبكر من ساعة نوم والديهم، وأن يضعوا رؤوسهم وأيديهم خارج اللحاف، ويتجنّبوا النوم على بطونهم. ومن المهمّ أن يعتاد الولد على ترك مخدعه بعد أن يستيقظ مباشرة ولا يتمرّغ فيه.
التبوّل والنظافة:
ينبغي أن يعتاد الأولاد منذ مرحلة الطُّفولة أن يقضوا حاجتهم كلّما شعروا بالحاجة للتبوّل، وأن يعتادوا الذّهاب إلى الحمّام كلّ ليلة قبل النوم. لأنَّ حبس البول؛ ينتج عنه ضررٌ جسماني، ويُسبّب في بعض الموارد تحريكاً للشهوة والميول الجنسيّة.كما أنّ للنظافة أثراً مهمّاً جدّاً أيضاً لا ينبغي الاستهانة به. فمن الثابت أنّ المحافظة على نظافة الأعضاء التناسليّة ومجاري إدرار البول تسهم بشكل أساس في الحدّ من الانحرافات الجنسيّة.
تعليم غسل الجمعة:
من الإجراءات المتعلّقة بالتربية الجنسيّة والتي هي في الواقع مقدّمةٌ لورود دنيا البلوغ والمراهقة؛ مسألة تعليم الأغسال. وبداية هذا التعليم يكون بغسل الجمعة. من خلال ترغيب الأهل أولادهم على غسل الجمعة، وبيان درجة ثوابه وفوائده بلغةٍ بسيطة وقابلة للفهم. ومن الأفضل أن يشرعوا بهذا الأمر من سنِّ التَّاسعة وما بعده. على أن يتولّى الأب تعليم ابنه، والأم تعليم ابنتها.
تعليم مفهوم المَحْرم وغير المَحْرم:
يمكن للوالدين أن يُعلّما أولادهما مفاهيم المحرم وغير المحرم من عمر ستّ سنوات وما فوقه، وأن يُهيِّئاهم لذلك. والوالدان أنفسهما هما أفضل أنموذج في تبيان مصاديق المحرم وغير المحرم أمام الأولاد، فهم في علاقاتهما وتعاطيهما مع مختلف الأفراد، ينبغي أن يُلقّنا أولادهما درساً عمليّاً في مجال تحديد المحارم من غير المحارم من الأفراد.