لا أحد يمكن أن ينكر المكانة العريقة التي تحضى بها المرأة، والدور الأساسي الذي تقوم به داخل المجتمعات في مختلف الميادين والمجالات.
هي إذًا الكائن الرقيق ذو الأحاسيس العظيمة التي ربما لا تستطيع لغات العالم أن تعبر عنها.
في هذا الصدد، هل تخيلت يومًا أن هناك لغة قد تخترع خصيصًا من النساء ولا يفهمها سواهن؟ لغة كاملةٌ بمصطلحاتها وقواعدها؟ غريبة هي الفكرة، لكنها موجودة فعلًا !
من خلال هذا الموضوع، وتزامنًا مع يوم المرأة العالمي سنحاول أن نقدم لغتين غريبتين أُنشأَتا من النساء وإلى النساء.
فكرة اختراع لغة كاملة
إن اختراع لغة خيالية أو وهمية هو أمرٌ ليس بالغريب أو المستحدث، وربما أول ما قد يتبادر لذهنك كمثال للأمر هو اللغات المستخدمة في سلسلة Games of Thrones كلغة Dothraki و Skroth.
لكن، هل يمكن أن يتعدى الأمر إلى لغة رسمية بقواعدها اللغوية ومصطلحاته ومعاجمها الخاصة؟
دعني أخبر بأن الإجابة نعم، وأن الأمر ليس بالمستحيل أو الصعب حتى في الحياة الواقعية. والمثال الغريب هو ما سنقدمه هنا في القادم من الأسطر.
láadan: لغة مخترعة خصيصًا للنساء
بالعودة إلى مقدمة الموضوع، فإن السؤال عما إذا كانت اللغات الطبيعية المتداولة تمكن من التعبير الكامل عن مشاعر وأحاسيس المرأة، رأت الكاتبة الأمريكية سوزيت هادن إلجين في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي ضرورة ملحة إلى تطوير لغة خاصة تمكن كلماتها من التعبير بصورة أقرب إلى الواقع المؤنث والتي تكون، في المقابل، بعيدة عن النظرة الذكورية للأمور.
فكرة الكاتبة هاته مكنتها من دراسة ما يعرف بنظرية النسبية اللغوية (نظرية سابير-هالف) وغيرها من الأبحاث المتوازية التي جعلتها تأكد نظريتها الأساسية وتثبت بذلك أن اللغات الموجودة محدودة التعبير عن المشاعر خاصة تلك التي تخص المرأة والتي تتسم بالتعقيد بالغالب.
تجنبًّا لأي حرب بين الجنسين، واستغلالًا لمهنتها ككاتبة، كتبت هادن ثلاثية Native Tongue (اللغة الأم) والتي طورت فيها اللغة الاصطناعية التي أسمتها لادن أو làadan كمحور أساسي للقصة، حيث تروي باختصار حكاية مجموعة من النساء عالمات اللغة والمهتمات بالدفاع عن حقوق المرأة واللاتي قررن تطوير لغة خاصة بالنساء احتجاجًا على الحكومة المستبدة السائدة والتي منعتهن من حق التصويت.
تطورت هذه اللغة خارج أسوار الرواية –كما أرادت الكاتبة– حيث تم العمل على بناء قواعدها اللغوية الخاصة –المستوحاة من الإنجليزية وبعض اللغات اللاتينية– التي تتسم بالبساطة وتميزها بهيمنية الجنس اللغوي المؤنث على حساب المذكر في عدد كبير من كلماتها.
nüshu: نظام كتابة خاص بالمرأة.. اكتُشف بالصدفة!
nüshu هو نظام كتابة مقطعي مستوحى من رموز اللغة الصينية. انتقل سرًا من جيل إلى آخر وانتشر بين نساء قرية جيانغ يونغ في مقاطعة هونان الصينية.
الغريب في هذه الكتابة أنها ظلت لقرون عدة مجهولة التفسير بين الرجال، حيث تعذر عليهم فك رموزها أو فهم معانيها. وبالتالي، استطاعت nüshu أن تثبت نفسها عالميًّا كنظام الكتابة والتواصل الأول والوحيد الذي اخترع من أجل النساء فقط.
بالإضافة إلى انفراده، فنظام الكتابة هذا ظل مجهولًا لمدة طويلة، ولم يُكتشف إلا بمحض الصدفة خلال عام 1982 أثناء رحلة استكشافية للبروفيسور Gong Zhebing. فخلال قيامه رفقة طلابه بإجراء بحوث حول ثقافة وعادات المجتمعات في جيانغ يونج، وجد مجموعة من الرموز التي لم يستطع فهمها والتي استغرب شكلها.
هنا، وبعد تكثيف بحثه، وجد أنها نظام كتابة nüshu تترجم الكلمة حرفيًّا بـ“كتابة المرأة”.
بمساعدة أستاذ اللغويات Yan Xuejiong، وفريق بحثه، تم جمع العديد من العينات الخطية، مثل المخطوطات المزخرفة، النقوش والتطريز على المناديل، والتي تضمنت أكثر من 20.000 كلمة و 500 رمزًا.
بمعاينتها، تم اكتشاف جانبٍ آخر من ثقافة وتاريخ وهوية شعوب منطقة جيانع يانغ، حيث أن العبارات المحصول عليها كانت تحمل كتابات وأحيانًا أغاني شعبية عن المرأة وكذا الظلم الذي عانى منه المجتمع الإقطاعي في الماضي.
دخل نظام الكتابة nüshu موسوعة جينيس كـ “أكثر لغة محفوظة لجنس ما“.
عام 2004، توفيت يانغ هواني والتي اعتُبرت آخر امرأة تستطيع الكتابة والقراءة باستخدام هذا النظام.
في الأخير، كل عام وكل النساء بألف خيرٍ !
منقول من موقع اراجيك