محمد (ص) نبي الرحمة
الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين، إلى قيام يوم الدين.
مقدمة
مفهوم (الرحمة) يشكّل أحد المحاور الأساسية في فكر الإنسان المعاصر، ورغم أن (الرحمة) من القيم المحورية في الإسلام، ولكننا نلاحظ أن الجهات الأخرى تبنّت اليوم هذه القيمة نظرياً وعملياً، ولا نريد الآن البحث في ما إذا كان هذا التبني تبنياً واقعياً أم مزيّفاً، فلهذا مجال آخر، ولكن الشيء الواضح هو أن الجهات الأخرى ترفع اليوم شعار (الرحمة) وتتبناه نظرياً وعملياً، فالمسيحيون مثلاً يحاولون أن يكتسحوا العالم من خلال رفعهم هذا الشعار، وإذاعاتهم تردد (أن المسيح (عليه السلام) رحمة) و(أنه (عليه السلام) افتدانا من لعنة الناموس) و(أنه (عليه السلام) تحمل جميع الآلام للتكفير عن خطايا البشر).
وحتى القوى العظمى ترفع اليوم شعار (الرحمة) والدفاع عن حقوق الإنسان، فالغرب يرفع شعار الدفاع عن حقوق الأطفال في العالم وحقوق المرأة وحقوق السجناء و..، أما نحن المسلمين فمن المؤسف أن تبنّينا لهذه القيمة اليوم ضعيف جداً، سواء من الناحية النظرية أم من الناحية العملية. فلو اعتقل أحد المؤمنين في إحدى البلاد الإسلامية، فربما يبقى أعواماً لا يُعرف عنه شيء، في حين أنه لو اعتقل فرد من دين آخر فإن لجان الدفاع عن حقوق الإنسان توجه ضغوطاً كبيرة إلى الدولة التي تعتقله حتى تطلق سراحه.
لقد بقي الشيخ بهلول معتقلاً في السجون الأفغانية زهاء ثلاثين عاماً ولم يفرّج عنه حتى حدث خلاف بين الحكومة الأفغانية ودولة أخرى قامت بفضح الحكومة الأفغانية في مجال اضطهاد حقوق الإنسان، وأشارت إلى اعتقال الشيخ بهلول، فاضطرت الحكومة الأفغانية إلى إطلاق سراحه، وإلاّ لربما بقي سجيناً حتى نهاية عمره!
الرحمة في النصوص الإسلامية
إن النصوص الإسلامية مشحونة بمفهوم الرحمة، فأول ما تفتح كتاب الله تعالى يواجهك شعار الرحمة: (بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ)، كما أن هذا الشعار مطلع كل سورة في القرآن الكريم.
وقد تكررت كلمة (الرحمة) ومشتقاتها في القرآن الكريم مئات المرات (1)، ولكننا نكتفي هنا بذكر آيتين كريمتين؛ الأولى منهما ترتبط بالجانب التكويني، أما الثانية فترتبط بالجانب التشريعي.
أما الآية الأولى فهي قوله تعالى:(إِلاّ مَن رّحِمَ رَبّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)(2). إن اللغز الذي حيّر العقول منذ القِدَم هو: لماذا خلق الله الإنسان؟ من الواضح أن الله تعالى خلق كل الأشياء من أجل الإنسان، ولكن ما هي الغاية من خلق الإنسان؟
يقول الله تعالى في الجواب على ذلك: (إِلاّ مَن رّحِمَ رَبّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) أي خلقهم كي يرحمهم، فهذا هو الدافع وراء خلق الإنسان، وهذه هي العلة الغائية لوجوده.
أما الآية الثانية فهي قوله تعالى مخاطباً نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله): (وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ) (3)، و(إلاّ) تفيد الحصر، فيكون معنى العبارة أن هدف البعثة متمحض في الرحمة.
اتضح إذن أن (الرحمة) تمثّل قيمة محورية في نظام التشريع، كما تمثّل قيمة محورية في نظام التكوين.
كيف يكون نبينا (ص) رحمةً للعالمين؟
وهنا سؤالان قد يخطران في الأذهان عن قوله تعالى: (وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ):
السؤال الأول: إذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) رحمةً للعالمين، فلماذا لم ينتفع الكفار بهذه الرحمة؟ وإذا كان العلماء يقولون: (ما يعلم أنه لا يترتب على شيء لا يعقل أن يكون غرضاً منه) فكيف يكون الغرض من بعثة الرسول (صلى الله عليه وآله) هو (الرحمة) للجميع مع أنها لم تترتب عليه؟
هناك إجابات عديدة على هذا السؤال ولكنا نكتفي بالإشارة إلى إحداها وهي: إن (الرحمة) من الحقائق المشكّكة ـ حسب الاصطلاح الفلسفي ـ أي إن لها مراتب، وبعض مراتب هذه الرحمة شملت الجميع.
لقد كان السيد الوالد(4) (رضوان الله عليه) قبل زهاء شهرين من وفاته، يحثّ العلماء والكتّاب الذين يزورونه على الكتابة عن فضل النبي (صلى الله عليه وآله) على الحضارة المعاصرة، وكان يقول: يمكن تأليف كتاب ضخم في هذا المجال ولكن ليس لي الوقت الكافي للقيام بذلك، ولذلك أؤكد عليكم أن تقوموا أنتم بذلك، فإن ما ينعم به إنسان اليوم من خير مدين به للنبي (صلى الله عليه وآله).
لقد كان الغرب في القرون الوسطى يغطّ في ظلام الجهل والتخلف في كل المجالات، كما يعترف مؤرخوهم بذلك. ففي المجال الصحي كانت مستشفياتهم كاصطبلات الحيوانات، أما الوضع العلمي فيكفي أن نعرف أنهم كانوا يقتلون علماءهم ويحرقونهم، و(المقصلة) الموجودة في لندن والتي كانت تفصل رؤوس العلماء وغيرهم، عن أجسادهم شاهدة على ذلك.
وأما المرأة فكانت محتقرة أيما احتقار، حتى بُعث نبينا (صلى الله عليه وآله) وغمر العالم بأنواره، وما مبادئ حقوق الإنسان وحرية الرأي وما يعبّر عنه بالديمقراطية في عالم اليوم إلاّ حصيلة احتكاك الغرب بالحضارة الإسلامية. فإذا كان الإنسان المعاصر ينعم بقدر من الحرية والأمن والعلم والمعرفة فإنما ذلك ببركة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله). ولقد أشارت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى بعض الجوانب من هذه النقلة النوعية التي حققها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قولها: (فأنقذكم الله برسوله)(5).
اتضح إذن أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) لم يكن رحمةً للمؤمنين أو المسلمين فقط، بل كان رحمة للعالمين جميعاً.
لا منافاة بين الرحمة والعقوبات الإسلامية
السؤال الثاني: إذا كان الإسلام دين الرحمة، والرسول (صلى الله عليه وآله) نبي الرحمة، فكيف نفسر العقوبات الجزائية في الإسلام، أليست هذه العقوبات منافية للرحمة؟
نشير في الجواب ـ على نحو الإجمال أيضاً ـ إلى نقطتين:
النقطة الأولى: إن نظام العقوبات يمثّل جزءً محدوداً من الإسلام، وإن قيمته الكاملة تكمن في كونه يمثّل جزءً من النظام الإسلامي كله، ولو فصلنا أي جزء من المجموعة التي ينتمي إليها وعرضناه على أنه يمثل الكل فإن الصورة التي يعكسها هذا الجزء قد لا تكون جميلة، بل ربما تكون قبيحة منفرة.
والمشكلة أن بعض الناس يتصور أن الإسلام ليس سوى نظام عقوباته الجزائية، فما إن يذكر اسم النظام الإسلامي حتى يتبادر إلى ذهنه أنه النظام الذي يطبق تلك العقوبات، فإذا قيل له مثلاً: لنعمل من أجل أن يصل الإسلام إلى الحكم، قفزت إلى ذهنه قطع يد السارق وإقامة الحد على الزاني، مع أن الإسلام أوسع من ذلك بكثير، ولو راجعتم كتب الفقه فسترون أن الحيّز الذي يشغله النظام الجزائي ـ ككتاب الحدود والقصاص والديات ـ صغير قياساً إلى باقي الأجزاء مثل العبادات والمعاملات والعقود والإيقاعات وغيرها.
وكان السيد الوالد يذهب ـ على تفصيل ذكره ـ إلى أن نظام العقوبات لا يُطبّق إلاّ إذا طبّق الإسلام كمجموعة متكاملة، فكان يقول: ينبغي أن يكون النظام الاقتصادي إسلامياً وكذلك النظام الاجتماعي والسياسي ثم نقوم بعد ذلك بإجراء الحدود.
وقد روي أنه جيء برجل سارق عند المأمون ـ العباسي ـ ليقطع يده، فاعتذر الرجل باضطراره، فالتفت المأمون للإمام الرضا (عليه السلام) وسأله: ما تقول؟ فقال الإمام (عليه السلام): فللّه الحجة البالغة، أي لقد احتج عليه فرُدّه بالحجة، فغضب المأمون على الإمام(6)!.
فكأنّ الإمام (عليه السلام) يقول في جواب المأمون: إذا كان النظام الاقتصادي فاسداً فقام فقير بالسرقة مضطراً، فلا معنى لتطبيق العقوبة عليه.
ولذلك نلاحظ أنه عندما كان النظام الإسلامي مطبقاً إلى حد مّا، لم يكن القضاة يعرفون بعض الحدود(7)، لأنهم لم يكونوا بحاجة إلى تنفيذها، ولقد روى المؤرخون أن سارقاً سرق في عهد الإمام الجواد (عليه السلام) وجيء به إلى القضاء، ولكن القضاة لم يعرفوا من أين ينبغي أن تقطع يده واختلفوا، حتى أن قاضي القضاة لم يعرف الجواب فلجئوا إلى الإمام (عليه السلام) فبين لهم الحكم!
أما النقطة الثانية: فهي أن كلّ قانون بحاجة إلى ضمانة تنفيذية، ومن دونها لا ينجح القانون، والعقوبات تشكّل إحدى الضمانات لتنفيذ القانون، وعلى هذا جرت سيرة العقلاء؛ ولذلك يقول علماء الكلام: إن محركية القانون لا تتم إلاّ بالوعد والوعيد.. ففي ظلّ نظام لا يعاقب المجرمين يفقد الناس الأمان ويطاردهم شبح العدوان على أموالهم وأعراضهم وأرواحهم... ولا يهنئون بعيشهم؛ ولذلك قال الله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ) (9).
فإن في موت القتلة حياة من سواهم من الأبرياء، وهذا يعني أن العقوبات الإسلامية رحمة للناس لأنها تحقق لهم حياةً آمنة.
وظيفتنا تجاه الإسلام
إذا عرفنا أن الإسلام دين الرحمة، وأن نبينا (صلى الله عليه وآله) هو نبي الرحمة، كما روي عنه أنه (صلى الله عليه وآله) قال عن نفسه الشريفة:(إنما أنا رحمة مهداة)(10)، فما هي وظيفتنا تجاه هذا الدين الذي هو دين الرحمة؟
نقول في الجواب: إن وظيفتنا الأولى تجاه الإسلام هو عرضه، ولا يكفي عرضه نظرياً، بل لابد من عرضه عملياً أيضاً.
إن كثيراً من الناس لا يعرفون حقيقة الإسلام، ولو عرف الناس الإسلام على حقيقته لأقبلوا عليه، فإن في الإسلام دقائق تكشف عن عظمته. إن الإسلام ليس رحمة للإنسان فحسب بل هو رحمة للحيوان أيضاً. ولو راجعتم كتب الروايات للاحظتم روايات عجيبة في هذا المجال. فهناك حقوق يذكرها الإسلام للحيوان لم تصل إليها الحضارة المعاصرة رغم الشعارات التي ترفعها في الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الحيوان.
من الروايات العجيبة في هذا المجال ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (نظفوا مرابض الغنم وامسحوا رغامهن)(11).
فالإسلام يقول لأتباعه: حتى مرابض الغنم ينبغي أن تكون نظيفة، والأعجب من ذلك أنه يدعوهم لمسح رغامها أي ما يخرج من أنوفها، فهل تجدون نظيراً لذلك في عالم اليوم؟
وهناك رواية مروية عن الإمام الصادق (عليه السلام) يعدد فيها ستة حقوق للدابة على صاحبها؛ يقول:
1: (لا يحملها فوق طاقتها).
2: (ولا يتخذ ظهرها مجالس يتحدث عليها) فإنه إذا كان معذوراً أن يركبها حال السفر والتنقل، فهذا لا يعني أن يُتعبها من دون ضرورة، فلا ينبغي له أن يظل راكباً عليها يحدث صديقاً له، بل ينبغي له أن يترجل عنها ثم يحدث!.
3: (ويبدأ بعلفها إذا نزل). وهذا أيضاً من عجائب التشريع الإسلامي؛ فإن السفر يتعب الإنسان عادة، وعندما يصل المسافر يكون عادة منهكاً يفكر في راحته وغذائه أولاً، وهذا ما نلمسه عندما نسافر اليوم، فكيف إذا كان السفر على الدواب وعبر الطرق القديمة، ولكن الإمام (عليه السلام) يقول: ينبغي أن تفكر في علف الدابة أولاً وليس في طعامك وشرابك.
ومن الحقوق:
4: (ولا يسمها) فإنهم كانوا يضعون علامات على الدواب عن طريق كيها في مواضع من بدنها، فنهاهم الإسلام عن ذلك.
5: (ولا يضربها في وجهها فإنها تسبح)
6: (ويعرض عليها الماء إذا مر به)(12).
وفي رواية أخرى: (ولا يضربها على النفار)(13)، أي عندما تنفر.
والروايات في هذا الباب كثيرة سواء عن النبي (صلى الله عليه وآله) أو عن الإمام الصادق (عليه السلام) وهكذا عن سائر الأئمة (عليهم السلام)، وما أعظم قول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا المجال: (والله لو اُعطيتُ الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جُلب شعيرة ما فعلتُه)(14).
ولصاحب كتاب الحدائق بحث حول حقوق الحيوان فيه بنود متعددة، يقول في البند (د): (قد صرحوا (أي الفقهاء) بأنه حيث إن ديدان القز إنما تعيش بالتوت (أي على أوراق التوت) فعلى مالكها القيام بكفايتها منه (أي هذه وظيفته الشرعية) وحفظها من التلف، فإن عز الورق (وشح في السوق مثلاً وغلا ثمنها) ولم يعتن بها (فإن المالك قد لا يعتني في مثل هذه الحالة لأنه يرى أن ذلك يكلفه) باع الحاكم من ماله واشترى لها منه ما يكفيها)(15).
وهكذا نلاحظ أن رحمة الإسلام تشمل حتى ديدان القز، فكما إن للإنسان حقوقاً فكذلك للحيوان، بل إن رحمة الإسلام تشمل حتى النبات أيضاً كما يظهر بمراجعة (بحث النفقات) من كتاب (النكاح)، ولو عرضت أحكام الإسلام وتعاليم النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) ورواياتهم على العالم عرضاً صحيحاً لأقبل نحوها أيما إقبال. ولا بأس أن نستطرد لنذكر ما نقله أحد الأخوة المؤمنين وكان يعيش في الغرب، حيث ذكر أنه أقيم احتفال لشخص يسمى (هارفي) باعتبار أنه مكتشف الدورة الدموية الصغرى، فارتقى المنصة وتحدث عن اكتشافه، فصفّق له الحاضرون، يقول الأخ: وبعد أن انتهى تصفيقهم أخذت أصفق وحدي، فأخذوا ينظرون إلي وسألوني عن سبب هذا العمل، فقلت لهم: إنني لم أصفق لهارفي بل صفقت لرجل منا نحن المسلمين كان يعيش قبل حوالي ألف وأربعمائة عام، والذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى، فقيل لي: من هو؟ قلت إنه إمامنا جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، فقد ذكر ذلك لتلميذه المفضل بن عمر كما ورد في كتاب (توحيد المفضل) ويمكنكم مراجعة الكتاب والتأكد مما أقول، فصفق الحاضرون كلهم هذه المرة معي ولكن للإمام الصادق (عليه السلام). إن تراثنا غني جداً، ولكنا مع الأسف حصرناه في زوايا محدودة ولم ننشره للعالم.
بعد الحملة العالمية التي شنت على الإسلام والتي رمته بالإرهاب والعنف، سألت أحد الأخوة المؤمنين الذين يعيشون في الغرب عن أثر هذه الحملات على المجتمع الغربي؟ فقال: لقد ولّدت عندهم رغبة جامحة في التعرف على هذا الدين. فقلت له: أهي مجرد رغبة في المعرفة أم هناك اعتناق أيضاً. فأجابني: المعرفة طريق الاقتناع والاعتناق. وقد نُقل أن في الغرب اليوم الإقبال على تعلم اللغة العربية لأنها لغة القرآن، كما نُقل أن المصاحف الكريمة نفدت من الأسواق الغربية.
إن القرآن حق، ومن طبيعة الحق أنه يهزم الباطل. إن الحق يخيف أهل الباطل، لأن الناس إذا عرفوه تركوا الباطل واتجهوا إليه، كالشمس عندما تشرق، حتى تطفأ المصابيح التي كانت مسرجة طوال اليوم ويتم الاستغناء عنها، بل المصابيح الكهربائية نفسها عندما اخترعت قضت على المصابيح النفطية والشموع القديمة.
إن القرآن الكريم يؤثر في أعماق الإنسان، وإنه ليؤثر فينا ويهزنا نحن الذين عشنا في أجوائه منذ نعومة أظفارنا، فكيف بمن يسمعه لأول مرة؟! ما ألذّ سماع القرآن وهو ينطلق من المآذن خاصة في الأسحار! وما أعظم أثره في النفوس!
إن الطاقة التي يولّدها القرآن في النفوس لا تماثلها طاقة.
وهكذا الأمر في أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) وأحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) وأحاديث سائر الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، كنهج البلاغة والصحيفة السجادية. إن الشعوب إذا عرفت الإسلام أقبلت عليه، ولكن الحكومات المعادية للإسلام هي التي تتهم الإسلام بالإرهاب وتسعى لتضليل شعوبها وتزييف وعيها من خلال إلصاق التهم بالإسلام. وقد قال أحد الأخوة المؤمنين ممن يعيشون في الغرب: إن البقال الذي كان يتبضع منه، طلب منه بعد الأحداث المعروفة(16) أن لا يأتي إلى محله بعد ذلك، وعندما سأله عن السبب قال: إني أشعر بالخوف عند مشاهدتك لأنك مسلم!! هكذا ملئوا أدمغة الناس بالتهم والأباطيل؟!
كما نقل أخ آخر أنه التقى شخصاً من كبارهم فقال له:
إني عندما أرى هذه المشاهد يقشعر بدني وأقول أحقاً هذا هو الإسلام؟
يقول الأخ المؤمن: فقلت في جوابه: لا تظلم الإسلام، فهؤلاء لا يمثلون الإسلام إنما هم فئة منحرفة؛ لأن نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) هو نبي العفو والرحمة والتسامح والصفح والأخلاق العظيمة، وإنه عفا حتى عمن جيّش الجيوش ضده وقاد الجبهة التي قاومته وهو أبو سفيان، وعفا عن كل أهل مكة، وعندما سألهم وقد ربح المعركة: ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء(17).
ثم قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن(18)! وأبو سفيان بالنسبة للمسلمين كان كهتلر بالنسبة إليكم، فهل كنتم ستعاملون هتلر لو ظفرتم به كما عامل النبي (صلى الله عليه وآله) أبا سفيان وقد أظفره الله تعالى به ونصره عليه نصراً مبيناً؟! إذن علينا أن نعرض الإسلام من خلال سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وقد روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: (فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)(19).
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لذلك وأن يجعل يوم(20) ميلاد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) الذي هو إمام الرحمة كما في دعاء التوسل، ويوم ميلاد حفيده مظهر الحقائق الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) مباركاً لنا ولكم ولجميع المؤمنين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.