الزَّهرَاءُ (ع) عَبقَرِيَّةُ التَّربِيَةِ النَّبَوِيَّةِ



١/ لقد حملت الآية (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) في طيَّاتها وجوهرِها كلَّ فلسفة علوم التَّنمية البشريَّة التي بات الإِنسان المُعاصر يُنظِّر لها ويحدِّد أُسسها ويرسم معالمها ويتعلَّمها ويُعلِّمها ويدرسها ويُدرِّسها بشكلٍ واسعٍ من أَجل تحقيقِ المبادئ الثَّلاثة التي تحقِّق التَّنمية المُستدامة والتقدُّم والرُّقيِّ والتي هي [النَّجاح والإِنجاز والإنتاجيَّة].
٢/ مُشكلتنا أَنَّنا حصرنا مفهوم الآية بعِدَّة مناقبيَّات تصوَّرنا أَنَّها هي المعنيَّة بالآيةِ الكريمةِ، منها مثلاً الصِّدق والوفاء والشَّجاعة! وغفلنا عن أَنَّ الأَخلاق لا تعني هذه المُصطلحات فقط وإِنَّما هيَ أَوسعُ بكثيرٍ جدّاً، فهي تغطِّي كلَّ مناحي الحياة بِدءاً من الإِنسان - الفرد وإِنتهاءاً بالإِنسان - المُجتمع مُروراً بالمجتمعِ - المُجتمع! فَلَو دقَّقنا النَّظر في المفهوم الرِّسالي والقرآني للمُصطلح [الأَخلاق] لانتبهنا إِلى أَنَّهُ كما ذكرتُ للتوِّ! واسعٌ جدّاً وشاملٌ جدّاً!.
٣/ ولقد ربَّى رسولُ الله (ص) إِبنتهُ الطَّاهرة فاطمة الزَّهراء (ع) بهجة قلبهُ (ص) على كلِّ المنظُومة الأَخلاقيَّة التي شرَّعتها السَّماء ونصَّ عليها القرآن الكريم! فلم يركِّز (ص) على خصالٍ دون أُخرى كما أَنَّهُ لم يهتمَّ بعُمرٍ محدَّدٍ من مراحل حياتِها ويتجاهل مراحلَ أُخرى! أَبداً، ولذلكَ يمكنُ القول بحقٍّ أَنَّ الزَّهراء البتول سيِّدة نساء العالَمين من الأَوَّلين والآخِرين (ع) هي نموذج عبقريَّة التَّربية النَّبويَّة التي لم تفرِّط في شيءٍ قُلامةَ ظُفرٍ!.
٤/ أَمَّا مُشكلة التَّربية عندنا فتبرُز في ثلاثٍ؛
الأَوَّل؛ عدم مُراعاة نفسيَّة الأَبناء خاصَّةً في مراحلهِم العمريَّة الأُولى، فنتعامل بطرُقٍ تحطِّم نفسيَّتهم وتكرِّس عندهُم العُقد النفسيَّة التي يشبُّون وتشبُّ معهُم! لنلمِسها في شخصيَّتهِم وفِي طريقة تفكيرهِم وفِي سلوكيَّاتهِم وفي طريقةِ تعاملهِم معَ الآخَرين عندما يكبرُون ويصبحُونَ جُزءاً من المنظُومةِ التي تنشط وتؤَثِّر ورُبما تقود المُجتمع بطريقةٍ أَو بأُخرى!.
الثَّاني؛ إِستصغار الأَبناء، فنتجاهلهُم لأَنَّهم صِغار ولا نُراقب حديثنا وسلوكيَّاتنا أَمامهُم لأَنَّهم بعدهُم صغار لا يفهمونَ شيئاً، ونقمعهُم ولا نفسح لهُم المجال للتَّعبير عن شخصيَّتهِم ونمنعهُم من الحديثِ في مجالسِ الكبارِ لأَنَّهم بعدهُم صغار! وهكذا، فبينما يتصوَّر الوالدَين أَنَّ أَبناءهُم صِغاراً لا يفهمُون شيئاً تكون شخصيَّتهُم قد تقوَلَبت في ظلِّ هذهِ الطَّريقة من التَّفكير! وعندما ينتبه الآباء لهم يكونُ الوقتُ قد فاتَ!.
ثالثاً؛ ولأَنَّهم صغارٌ لا يفهمُونَ شيئاً، مهما كبرُوا! لذلكَ ينبغي أَن نُعيِّن أَنفسنا وكلاءَ عنهُم، نفكِّر بالنِّيابة عنهُم ونختار الملبس بالنِّيابةِ عنهُم ونغيِّر ونبدِّل تسريحة شعرهُم كما نحبُّ لا كما يحبُّونَ ونختار الإِختصاص العلمي والجامعة وكلَّ شيءٍ بالنِّيابةِ عنهُم، حتَّى الحبُّ والبغضُ والصَّداقات والعداوات نحنُ الذين نحدِّدها ومختارها نيابةً عنهم! وهكذا حتى لقد أَلغينا شخصيَّتهم وأَحللنا بدلاً عنها شخصيَّة أُخرى هي إِمّا من الماضي أَو من جيلٍ قديمٍ لا يستوعب أَبداً حاجة الجيلِ الجديدِ وتطلُّعاتهِ وطريقةِ فهمهِ للأُمور مهما تقمَّص شخصيَّتهُ وحاولَ أَن يضعَ نفسهُ مكانهُ!.
٥/ إِذا أَردنا أَن نوقفَ هذا الإِنهيار المُتسارع في مجتمعِنا، وعلى مُختلفِ الأَصعدةِ، يلزمنا أَن نهتمَّ أَوَّلاً وقبلَ كلِّ شيءٍ بتربيةِ وتعليمِ أَطفالِنا وهم في بدايةِ أَعمارهِم لنبني جيلاً يتمتَّع بصحَّةٍ نفسيَّةٍ جيِّدةٍ لا يحمل في داخلهِ عُقَداً نفسيَّةً، فلا يكفي أَن نُغذِّيه أَفضل وأَحسن وأَكثر الأَطعمة صحِّيَّةً لنبني أَجسامهُم وعضلاتهُم فقط بل ينبغي الإِهتمام بصحَّتهِم النفسيَّة كذلك! فالبناءُ النَّفسي لا يقِلُّ أَهمِّيَّةً عن بناءِ الأَجسامِ وكمالِها! بل هوَ أَهمُّ!.
يقولُ العُلماء أَنَّ قياس صحَّة وسلامة أَيَّ مُجتمعٍ تتمُّ من خلالِ معرفة عدد الأَطبَّاء النفسانيِّين فكلَّما زادَ عددهُم كان ذلك مُؤَشِّرٌ على أَنَّهُ مجتمعٌ يتمتَّع بحالةٍ صحيَّة [نفسيَّةٍ] جيِّدة!.
أَمَّا المجتمعُ الذي يخجلُ فيهِ المرءُ من زيارةِ الطَّبيب النَّفسي مُعتبراً مثلَ هذهِ الزِّيارة مُؤَشِّرٌ على الجنُونِ والخَبَل، مثلَ مُجتمعِنا، فذلك دليلٌ على أَنَّهُ مُجتمعٌ مريضٌ!.
ومن علاماتِ مرضهِ كَثرة الخصُومات والعصبيَّة وضيق الصَّدر وتزايد حالات الطَّلاق يوماً بعدَ آخَر!.