النعمان بن امرئ القيس ملاك الحيرة
موقع الحيرة:
كانت الحيرة على بعد ثلاثة أميال من الكوفة،فى موضع يقال له النجف،على الضفة الغربية من نهر الفرات.و قد اختلف الباحثون فى تحليل أسمها،فقال بعضهم إنها سميت بذلك نسبة إلى الحيرة و الضلال و قال أخرون أنها من الحوار أى البياض،وذلك لبياض أبنيتها.لكن المرجح أن الأسم سريانى الأصل و يعنى الحصن أو المعسكر و لذلك كانوا يعرفونها بقولهم:"حيرة النعمان" و "حيرة المنذر" أى حصنة معلقة.
تاريخ الحيرة:
كان البدو يفدون على الحيرة لبيع ما يفيض من نتاجهم و أبتياع ما يحتاجون،كما قدمت إليها جماعات من أنحاء العراق و الجزيرة،فأصبح سكانها فى الفرن الثالث للميلاد خليطاً من القبائل العرب.ولما قامت الدولة الساسانية فى فارس سنة 226م حاولت طرد العرب لكنها لم تستطع.فرأت من حسن السياسة الأنتفاع بهم،فأسست امارة الحيرة سنة 240م،و عينت "عمر بن نصر اللخمى" اميراً عليها.وفى اوائل القرن السادس عدل ملوك الفرس عن سياسة أستخدام عرب الحيرة فى اغراضهم الحربية و السياسية،كما عمدوا إلى إزالة استقلال هذه المملكة.وكانت النتيجة ان وقعت الحرب بين قبيلة بكر التى احتمى بها النعمان بن المنذر أمير الحيرة،وبين ملوك الفرس،فدارت الدوائر على الفرس فى موقعة "ذى قار" بالقرب من الأنبار.
وبذلك أستعاد المناذرة سلطتهم على الحيرة.وقد تولى أمارتها المنذر بن النعمان سنة 628م وظل والياً عليها إلى ان فتحها خالد بن الوليد فى عهد ابى بكر الصديق.
النعمان بن امرئ القيس:
يعد النعمان من أشهر ملوك الحيرة،أمتد حكمه قرابة ثمانية و عشرون عاماً،فقد تسلم الحكم سنة 403م و توفى سنة 431م،وعاصر ملوك الفرس "يزدجرد الأول" و "بهرام جور".و كان من أشد ملوك العرب نكاية بأعدائه،فغزا الشام مراراً و أكثر من القتل و السبى،وكان له أسلوب خاص فى تنظيم الجند.و كانت عنده كتيبتان،أحداهما مؤلفة من رجال فرس اسمها "الشهباء" و الأخرى من تنوخ اسمها "دوسر" فكان يغزو بهما من لا يدين له من العرب.وكان صارماً،حازماً،ضابطاً لملكه،فأجتمع له من الأموال و الرقيق ما لم يملكه أحد من ملوك الحيرة،و للنعمان بن امرئ القيس وولده المنذر بن النعمان فضل كبير على أكاسرة الفرس: بهرام جور ووالده يزدجرد .فكسرى يزدجرد كان لا يعيش له ولد بسبب ما كان يصيب أولاده من علل.وقد اصيب ابنه بهرام جور فى عهد الطفولة بعلة،فأشار عليه أطباؤه بأن يخرجه إلى بلاد العرب،فأرسله الى النعمان.فلما بلغ خمس سنين أحضر له مؤدبين علموه القرأة و االكتابة،كما أحضر حكيماً من الفرس.فلما بلغ الثانية عشرة من عمره أظهر تفوقه على معلميه فأمرهم النعمان بالأنصراف.و أحضر معلمى الفروسية فأخذ عنهم بهرام كل ما يتعلق بهذا العلم.كما تعلم ركوب الخيل و الرماية و الصيد.فلما توفى يزدجرد،تحالف امراء الفرس على ان لا يملكوا بهرام جور لنشأته العربية و تخلقه بأخلاق العرب.فأستعان بهرام بالمنذر بن النعمان فنصره و رد عليه ملكه بالسيف،فأطاعه الجميع.كما أعلن المنذر بهرام جور فى حروب كثيرة أهمها حربه مع الروم.فبسبب اضطهاد الفرس للنصارى حاصر الروم مدينة "نصيبين" فهب المنذر للنجدة،و انتهت الحرب بمعاهدة صلح.
قصر الخورنق:
أشتهرت الحيرة بعمارتها فتغنى الشعراء بقصورها التى كان من أشهرها الخورنق،و هو قصر بظاهر الحيرة.و أختلف فى شأن أشتقاق اسمه و معناه،فمنهم من يقول إنه عربى الأصل و معناه الصغير من الأرانب،و منهم من يقول إنه حرف من العبرية و معناه المزرعة.وذهب فريق ثالث إلى إنه فارسى معرب من "خورن كاه" أى موضع الأكل و الشرب،و هذا هو الأرجح.
و قد أمر ببناء الخورنق النعمان بن امرئ القيس،و ذلك على مرتفع يشرف على النجف و ما يليه من بساتين النخل و الأنهار مما يلى الغرب،و على الفرات مما يلى الشرق.و يستفاد من أقوال الشعراء فى وصف الخورنق انه كان يجمع بين العظمة و بهاء الزخرفة و روعة الموقع.و قد قام ببنائه "سنمار" البناء الرومى"،و أجاد فى صنعه الأجادة كلها،حتى كان يقولون يتلألأ ليلاً و نهاراً بالألوان المختلفة.و قد أعجب النعمان ببناء الخورنق فأنعم على "سنمار" بالهبات و العطايا فلما رأى ذلك "سنمار" قال له: " لو علمت إنك تستجيد هذا القصر هذا الأستجادة لأبدعت صنائع أعجب منه بكثير".
فتأثر النعمان من هذا الحديث و أمر بإلقاء سمار من أعلى القصر،حتى لا يبنى لغيره قصراً مثله.
هناك قصر اخر هو السدير، يقرن اسمه فى كثير من الأحيان بالخورنق فى قصائد الشعراء،و الذى أمر ببناء قصر السدير هو النعمان أيضاً.و معنى السدير فى العربية كثيرة النخيل،وذلك فى قولهم : أرى سدير نخل،أى كثرته و سواده.و لكن الراجح أنه فارسى معرب لأن الكلمة مكونة من "سه" بمعنى ثلاثة، و " الدير" بمعنى القبه،أى القصر ذو القباب الثلاثة.
وقد بلغ من شهرة الخورنق و السدير ما حمل الفنانيين فى حقل البناء على جعلهما نموذجيين للطراز الحيرى فى الفن المعمارى.و قد أكثر خلفاء الدولة العباسية من أستعمال هذا الطراز فى مبانيهم الخاصة و العامة.
رد مع اقتباس
