هل يساعد فيتامين دي على التعامل مع الاضطرابات العاطفية الموسمية؟
لا تُعرف أيام الشتاء القاتمة بدرجات الحرارة المنخفضة للغاية الأقرب إلى التجمد فقط، فبالنسبة للبعض تعتبر أيضًا فترة من السنة حيث يمكن أن يتعرضوا للاضطرابات العاطفية الموسمية أو حتى نوبات الاكتئاب التي يمكن أن تؤثر على سير حياتهم اليومية، مما يجعلهم يبحثون عن مخرج من هذه الوضعية المعقدة.
من بين الطرق الشائعة لعلاج الاضطرابات العاطفية يمكن ذكر الفيتامين دي، الذي يحصل عليه معظم الأشخاص بشكل طبيعي من خلال الطعام، وبشكل خاصة نتيجة التعرض لضوء الشمس، الأمر الذي يصبح نادرا خلال فصل الشتاء. ويعتقد البعض أن الفيتامين دي يمكن أن يساعد في التخفيف من الأعراض المرهقة لهذه الحالة، التي تشمل تراجع الشعور بالحماس إزاء ممارسة أي نشاط يذكر وتغيرات في أنماط النوم، وزيادة حدة الانفعالات العاطفية والحزن.
ولكن هل الفيتامين دي ناجع حقا في التصدي لهذه المشاكل؟
وفقًا للخبراء، لا يمكننا الجزم بصحة هذا الأمر بشكل حاسم. من جهتها، قالت شاري هاردينج، وهي أستاذة تمريض في كلية ريجيس في ماساتشوستس وخبيرة في الاضطرابات العاطفية الموسمية، إن "النتائج كانت متباينة فيما يتعلق بالدور المحتمل لفيتامين دي في التقليل من أعراض الاضطرابات الموسمية". وقد ذكرت دراسة صغيرة نشرت سنة 1999 أن هذه الاضطرابات يمكن أن تحدث عندما يكون مستوى الفيتامين دي في الجسم منخفضا. كما وجدت أن هذا الفيتامين يمكن أن يكون مفيدًا في علاج أعراض الاضطراب، ولكنها شددت على أن هناك حاجة ماسة لإجراء المزيد من الأبحاث.
علاوة على ذلك، أشارت دراسة أخرى أُجريت سنة 2014، ونشرت في مجلة "النظريات الطبية" أن انخفاض مستوى الفيتامين دي في الجسم يمكن أن يساهم في تطور الاضطرابات العاطفية الموسمية. وفي هذا الإطار، قال الباحثون القائمون على هذه الدراسة إن فيتامين دي يلعب دورا في إنتاج مادة السيروتونين والدوبامين وهي الهرمونات المسؤولة عن السعادة، التي عادة ما تكون تنخفض نسبتها عندما يعاني شخص ما من الاكتئاب. ومع ذلك، وجدت دراسة أخرى نشرها باحثون من الدنمارك سنة 2014، أن مكملات فيتامين دي لم تحسن من أعراض الاضطرابات العاطفية الموسمية.
وفقا لما ذكرته وكالة بي بي سي البريطانية، وجدت التحاليل التلوية التي نشرت سنة 2018، أن هناك صلة بين انخفاض مستويات فيتامين دي والاكتئاب، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه سبب المرض، ولكنها تحيل إلى معاناة المريض من العارضين في نفس الوقت. (وبما أن أحد أعراض الاكتئاب يتمثل في العزلة، فمن المحتمل أن الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات العاطفية لم يخرجوا بما فيه الكفاية للحصول على كميات طبيعية من فيتامين دي من خلال التعرض لأشعة الشمس).
نظرا إلى أن هذه الاضطرابات العاطفية الموسمية تعتبر مرضا معقد، لا يمكن للخبراء أن يثبتوا أن الإصابة بهذه الاضطرابات سببها نقص فيتامين دي. في الحقيقة، تتطور الاضطرابات النفسية عادة بسبب البيئة التي يعيش فيها الشخص أو الظروف أو الأمراض العضوية التي قد يعاني منها أو نتيجة تضافر كل هذه العوامل في الآن ذاته.
حيال هذا الشأن، قالت هاردينج، إن "هناك أدلة تفيد بأن بعض الأشخاص المصابين بالاكتئاب قد يعانون من نقص في الفيتامين دي. لكن، يظل الدور الذي يلعبه النقص في هذا الفيتامين غير واضح فيما يتعلق بأعراض الاكتئاب. كما توجد العديد من العوامل التي تؤثر على ظهور أعراض الاكتئاب، لذلك يجب فحص مستوى الفيتامين "دي" من قبل القائمين على الرعاية الصحية". وأضافت هاردينج، قائلة: "تستطيع الحصول على المستويات الموصى بها من الفيتامين دي، الذي يعتبر أمرا جيدا لصحة العظام، عند إقحام مصادره في صلب حياتك اليومية. ويشمل ذلك التعرض لأشعة الشمس واستهلاك الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على الفيتامين دي، على غرار الحليب والحبوب والسلمون".
في السياق ذاته، أفادت هاردينج، أن "الأشخاص الذين يعيشون في مناخ تغيب فيها أشعة الشمس في وقت مبكر من اليوم معرضون لخطر عدم الحصول على القدر الكافي من الفيتامين دي، مما يدفعهم للجوء إلى مكملات هذا الفيتامين. لكن هذا الفيتامين يعتبر قابلا للذوبان في الدهون، وبالتالي من الممكن أن يحصل الفرد على نسبة مبالغ فيها من هذا الفيتامين ليصل إلى مستويات سامة. وتتمثل الطريقة المثلى لتناول هذا الفيتامين في أن يتم فحص مستواه في الجسم ومن ثم التحدث إلى المشرف على الرعاية الصحية حول أفضل الخيارات المتاحة أمامك".
يعلم الخبراء أن الاضطرابات العاطفية الموسمية من شأنها أن تتفاقم بسبب نقص الضوء، وهو السبب الذي يجعل هذا النوع من الاضطرابات الأكثر انتشارا في الأجزاء الشمالية من الولايات المتحدة نظرا لعدم وجود الكثير من الشمس خلال فصل الشتاء. وقد نجح الأفراد الذين يعانون من الاكتئاب الشتوي والاضطرابات العاطفية الموسمية في الحد من آثاره بفضل العلاج بالضوء، الذي يتمثل أساسا في التعرض للضوء الاصطناعي من خلال جهاز يحاكي الضوء الطبيعي الذي يتعرض إليه الجسم في الخارج. وحسب عيادة مايو، "يُعتقد أن العلاج بالضوء يؤثر على المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ التي ترتبط أساسا بالمزاج والنوم، مما يخفف من أعراض الاضطرابات العاطفية الموسمية".
باختصار، إذا كنت تواجه أي مشاكل تتعلق بصحتك النفسية، خلال أي مرحلة من مراحل السنة، فمن المهم أن تعترف بها وتتحدث عنها مع طبيب مختص. تتضمن بعض العلامات التحذيرية لهذا النوع من الاضطراب، صعوبة في إنهاء المهام العادية والانسحاب من الأنشطة الاجتماعية فضلا عن التغيرات في المزاج أو السلوك واضطرابات في الأكل أو النوم. وتعتبر جميع هذه الأعراض مقلقة بشكل خاص إذا كانت تؤثر على حياتك اليومية.
من جانبها، أكدت هاردينج، أن "أهم شيء يجب معرفته حول الاضطرابات العاطفية الموسمية أنه أمر لا ينبغي الاستهانة به من حيث شدته أو أثره نظرا لكونه يصنف كنوع من أنواع الاكتئاب. ويجب على الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يعانون من هذه الاضطرابات أن يلجؤوا إلى العلاج، كما يجب عليهم ألا يعتمدوا فقط على تغير نمط الحياة للتعامل مع أعراض هذا المرض. ويمكن أن يسبب الاكتئاب غير المشخص بشكل جيد والذي لم يقع معالجته مشاكل خطيرة، خاصة وأن الأفراد يترددون في بعض الأحيان في مباشرة الطبيب وتلقي العلاج".
منقول