وسط كل أخبار القتل والعنف والتفجيرات والاحتجاجات واستخدام الرصاص ومسيلات الدموع في عدد من البلدان العربية، يأتي أخيراً خبرٌ مفرحٌ من الصومال الشقيق، بإعلان تشكيل الحكومة الجديدة!إعلان تشكيل الحكومة جاء بعد عشرين عاماً من سقوط الرئيس سياد بري، وشيوع حالة من الفوضى والاحتراب الداخلي والتناحر بين القبائل والفصائل المختلفة، التي تقاسمت الصومال كغنائم حرب، وخصّصت كل منها لنفسها عَلَماً ونشيداً وطنياً وجيشاً وشرطة شغب لقمع المعارضين الملاعين! وهكذا استمر الحال حتى تشكيل الحكومة الديمقراطية الجديدة.الجديد والمهم والمفاجئ في الموضوع، أن رئيس الوزراء الصومالي الجديد، عبد فارح شردون، أعلن عن تشكيل حكومة مكونة من 10 حقائب فقط، بعد إلغاء عددٍ من الوزارات الأخرى، توفيراً للموازنة العامة، ووقفاً للهدر في المال العام، ومحاربةً لما يعرف بالبطالة المقنّعة التي تسببت فيها الواسطة والمحسوبيات.فلسفة تقليص الوزارات أن هناك وزارات زائدة عن الحاجة، وفي مقدمتها وزارة السياحة، فلا يوجد في الصومال أماكن سياحية يمكن أن تجذب السياح الأجانب، وجوّها صحراويٌ حارٌ، وليس فيها فنادق أو شقق مفروشة. كما أنها لا تقع في منطقة غنية بالمال السائل، فكل جيرانها دول فقيرة وشعوبها بالكاد تحصل على قوت يومها، وليس لديهم فائضٌ للسياحة غير النظيفة!وهكذا جرى الحديث عن وزارة التراث الوطني الصومالي، ووزارة الثقافة، ووزارة الإعلام، كلها وزارات زائدة عن الحاجة. ولن تتعطل الحياة حين يتم تسريح مئات المثقفين العواجيز الذين يستلمون ألف شلن صومالي شهرياً بحجة التفرغ للإبداع دون أن ينتجوا شيئاً طوال العام!مفاجأة أخرى تتعلق بالصحف التي تتلقى دعماً مباشراً من الحكومة وتستنزف الموازنة العامة، حيث طُرحت فكرة سحب الدعم عنها، خصوصاً أنها تكتب نفس المقالات، وتقوم بنشر نفس الأخبار الرسمية والتغطيات، وإذا كان المطلوب إقناع الرأي العام بما تفعله الحكومة، فتكفي صحيفة واحدة. وحين اعترض أحد الوزراء بدعوى أن الصحافيين سيموتون من الجوع وتزداد أعداد العاطلين، ردّ عليه زميله: وماذا ينتجون حضراتهم؟ أليسوا عاطلين عن العمل الآن؟المفاجأة الأخرى التي لا تقل أهميةً عن تقليص عدد الوزارات، تعيين وزيرتين في الحكومة الجديدة، فقد أسندت وزارة الخارجية لأول مرةٍ في تاريخ الصومال والقرن الإفريقي، إلى السيدة فوزية يوسف حاج آدم، والتي تشغل في الوقت نفسه منصب نائب رئيس الوزراء. أما حقيبة الوزارة الأخرى، التنمية والخدمة الاجتماعية، فتشغلها السيدة مريم قاسم.إنها تجربة تستحق التفكير فعلاً، فهذه أصغر حكومةٍ تُشكّل في تاريخ البلاد، كما أن الصومال شهد انتخاباتٍ ديمقراطيةً حقيقيةً في سبتمبر/ أيلول الماضي، انتخب فيها حسن شيخ محمد رئيساً، وعيّن عبدي فارح سعيد رئيساً جديداً للوزراء، دون أن يصر الرئيس السابق شريف شيخ أحمد على البقاء في السلطة ثلاثين عاماً حتى يظن نفسه إلهاً ويفكّر في توريث السلطة لابنه كما فعل حسني مبارك، أو يتهم منافسيه بالحشرات والثعابين كعلي عبدالله صالح، أو يسألهم باحتقارٍ مثل القذافي: من أنتم؟
منقول\صحيفه الوسط البحرينيه