تقرير
وليد بدران
بي بي سي آرابيك دوت كوم


ألا يكفي ما مر على كشمير من مصائب؟
هذا ما قلته لنفسي وأنا أتابع أخبار الزلزال القوي الذي ضرب منطقة كشمير، والتي اعتبرها معظم من قام بزيارتها، وأنا منهم، جنة الله في أرضه.
كان أول من أطلق عليها هذا الوصف إمبراطور منغولي قبل عدة قرون، وتذكرته لدى زيارتي لكشمير قبل 4 سنوات، فقد شعرت وسط الخضرة والشلالات أنني انتقلت إلى العالم الأخر وتحديدا إلى الجنة، ولكن سرعان ما اكتشفت لها وجها آخر هو جهنم بعينها.

توتر أمني مستمر منذ أكثر من نصف قرن في كشمير
إن هذه المنطقة فاقت جميع المناطق في جمالها وسوء حظها، وفي سريناجار ومظفر آباد وقرب خط السيطرة الذي يفصل الشطرين الهندي والباكستاني أخذت أقلب في صفحات كتابها، والتي كانت في أغلبها سوداء.
تاريخ
مأساة كشمير التي صنعها البشر بدأت منذ عام 1947 أي مع استقلال الهند وباكستان عن بريطانيا، وتقسيم شبه القارة الهندية أو الهند الموحدة على أساس ديني، فالولايات التي تقطنها أغلبية هندوسية تذهب للهند، في حين تذهب الولايات ذات الأغلبية المسلمة لباكستان.
وكان حاكم كشمير هندوسيا في حين أن أغلب سكانها من المسلمين.
وقد اختار الحاكم الانضمام إلى الهند وسانده في موقفه زعيم إقليمي هو الشيخ عبد الله المعروف بأسد كشمير، وسارعت بعض القبائل إلى طلب النجدة من باكستان، فدخلت القوات الباكستانية المنطقة، وقامت أول حرب بين الدولتين الوليدتين بسبب كشمير عام 1948.

والفقر في القطاعين الباكستاني والهندي
ومنذ ذلك الحين والمنطقة في دوامة حيث دخلت الدولتان حربا ثانية حول الاقليم في عام 1965.
الجنة
وتسيطر الهند على ثلثي الاقليم، وفي القطاع الهندي أجمل المناطق في وادي كشمير ومرتفعات جولمارج حيث الخضرة والشلالات والخيول والغزلان. في حين يخضع 20 بالمئة من مساحة الاقليم لباكستان، و10 بالمئة تسيطر عليها الصين.
واستمر توتر الأوضاع هناك، واندلعت حركة مسلحة في القطاع الهندي عام 1989 تطالب بانسلاخه عن نيودلهي، وترغب بعض الفصائل في الانضمام إلى باكستان، فيما تريد فصائل أخرى حق تقرير المصير والاستقلال.

البيوت القوارب تنتشر في وادي كشمير
وحدي في البحيرة
ذهبت إلى هناك، وكانت البداية في القطاع الهندي وتحديدا في سريناجار، وقد هالني ما رأيت الشوارع شبه خالية في هذه المنطقة الجميلة، والتواجد الأمني مكثف، والاقتصاد الذي من المفترض أنه يعتمد على السياحة منهار، والفقر منتشر، والخدمات شبه معدومة، والاغتيالات والعمليات من قبل المسلحين تكاد تكون يومية.
في هذه الظروف وجدت الشرطة الهندية في المنطقة صحفيا أجنبيا، هو أنا، فوضعوني في عربة مضادة للرصاص، ثم في فندق عائم بوسط إحدى البحيرات تحيط به قوارب الشرطة، وكنت الزبون الوحيد في هذا الفندق .
تحدثت إلى الناس، شعرت بمدى معاناتهم وألمهم، يتوقون إلى الحياة في سلام، ولكنهم يعيشون في فقر مدقع، ويموتون بالرصاص والقنابل، ويظللهم حلم الوحدة ولقاء الأحبة على الجانب الآخر من خط السيطرة الذي يفصل القطاع الهندي عن القطاع الباكستاني.
وأغلب سكان القطاع الهندي من المسلمين، وهم يتركزون في وادي كشمير، غير أن هناك هندوسا في جامو، وأيضا بوذيون في لاداخ.
ومنطقة وادي كشمير ذات أهمية كبيرة لدى الهندوس حيث يعتقدون أن ديانتهم ولدت هناك.

وكأن الزلزال ما كان ينقصهم
اللاجئون
ثم ذهبت إلى القطاع الباكستاني من كشمير وتحديدا مظفر آباد، ورغم أن الحياة تدب في شوارعها حيث أنها أكثر أمنا إلا أن مظاهر الفقر المدقع في كل مكان، والخدمات أيضا تكاد تكون غير موجودة، ويضاف إلى كل هذه المشاكل آلاف اللاجئين الذين فروا من القطاع الهندي خلال الحربين السابقتين وهم يعيشون في ظروف شديدة الصعوبة.
وهكذا، وسط انعدام الأمن، وتمزق الأسرة الواحدة بين أكثر من دولة، والفقر المدقع، جاء الزلزال الأخير ليضيف بعدا آخر إلى مأساة كشمير.
كارثة طبيعية، أضيفت إلى كوارث هذا الاقليم البشرية، أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات الآلاف من هؤلاء البؤساء.