هي سودة بنت زمعة بن قيس العامريَّة القرشيَّة أم المؤمنين (ت 54هـ= 674م)، وهي أوَّل امرأةٍ تزوَّجها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد خديجة رضي الله عنها، وأمها الشموس بنت قيس بن عمرو النجارية.

إسلام السيدة سودة

أسلمت قديمًا وبايعت، وكانت عند ابن عمٍّ لها يقال له: السكران بن عمرو، وأسلم أيضًا، وهاجروا جميعًا إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، فلمَّا قَدِما مكة مات زوجها، وقيل: مات بالحبشة، فلمَّا حلت خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوَّجها.

زواج السيدة سودة من النبي صلى الله عليه وسلم

عن ابن عباس قال كانت سودة بنت زمعة عند السكران بن عمرو -أخي سهيل بن عمرو- فرأت في المنام كأن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل يمشي حتى وطئ على عنقها، فأخبرت زوجها بذلك، فقال: وأبيك لئن صدقت رؤياك لأموتَنَّ وليتزوجنَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: حجرًا وسترًا (تنفي عن نفسها ذاك). ثم رأت في المنام ليلةً أخرى أنَّ قمرًا انقضَّ عليها من السماء وهي مضطجعة، فأخبرت زوجها، فقال: وأبيك لئن صدقت رؤياك لم ألبث إلَّا يسيرًا حتى أموت، وتتزوجين من بعدي. فاشتكى السكران من يومه ذلك، فلم يلبث إلَّا قليلًا حتى مات وتزوَّجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

قالت خولة بنت حكيم السلمية امرأة عثمان بن مظعون: (أيْ رسول الله، ألا تزوَّج؟ قال: "مَنْ؟" قلت: إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا. قال: "فَمَنِ الْبِكْرُ؟" قلت: ابنة أحب خلق الله إليك: عائشة بنت أبي بكر. قال: "وَمَنِ الثَّيِّبُ؟" قلت: سودة بنت زمعة بن قيس، آمنت بك، واتبعتك على ما أنت عليه. قال: "فَاذْهَبِي فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ". فجاءت فدخلت بيت أبي بكر...

ثم خرجتُ فدخلتُ على سودة، فقلتُ: يا سودة، ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة!
قالت: وما ذاك؟
قلت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبك عليه.
قالت: وَدِدْتُ، ادخلي على أبي فاذكري ذلك له.
قلت: وهو شيخٌ كبيرٌ قد تخلَّف عن الحج، فدخلتُ عليه، فقلتُ: إنَّ محمد بن عبد الله أرسلني أخطب عليه سودة.
قال: كفءٌ كريم، فماذا تقول صاحبتك؟
قالت: تحبُّ ذلك.
قال: ادعيها. فدعتها، فقال: إنَّ محمد بن عبد الله أرسل يخطبك وهو كفءٌ كريم، أفتحبِّين أن أزوِّجك؟
قالت: نعم.
قال: فادعيه لي. فدعته، فجاء فزوَّجها إيَّاه.

موقف أخيها عندما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم

عن عائشة قالت: تزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة، فجاء أخوها عبد بن زمعة من الحج فجعل يحثو التراب على رأسه، فقال بعد أن أسلم: إني لسفيهٌ يوم أحثو في رأسي التراب أن تزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم بسودة بنت زمعة.

من ملامح شخصية السيدة سودة

حبها للصدقة:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: اجتمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقلنا: يا رسول الله، أيُّنا أسرع لحاقًا بك؟

قال: "أَطْوَلُكُنَّ يَدًا". فأخذنا قصبةً نذرعها، فكانت سودة بنت زمعة بنت قيس أطولنا ذراعًا. قالت: وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت سودة أسرعنا به لحاقًا، فعرفنا بعد ذلك أنما كان طول يدها الصدقة، وكانت امرأة تحب الصدقة.

فطنتها:

آثرت بيومها حبَّ رسول الله تقرُّبًا إلى رسول الله، وحبًّا له، وإيثارًا لمقامها معه، فكان يقسم لنسائه ولا يقسم لها وهي راضيةٌ بذلك، مؤثرة -رضي الله عنها- لرضا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن عائشة أن سودة وهبت يومها وليلتها لعائشة تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن النعمان بن ثابت التيمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسودة بنت زمعة: "اعتَدِّي". فقعدت له على طريقه ليلة، فقالت: يا رسول الله، ما بي حبُّ الرجال ولكنِّي أحبُّ أن أُبْعَث في أزواجك، فأرجعني. قال: فرجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من مواقف السيدة سودة مع الرسول

عن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال: قُدِم بأُسَارى بدر وسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء في مَنَاخِهِمْ على عوف ومعوذ ابني عفراء، وذلك قبل أن يُضرب عليهم الحجاب، قالت: قُدِم بالأسارى فأتيتُ منزلي، فإذا أنا بسهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه، فلمَّا رأيته ما ملكت نفسي أن قلت: أبا يزيد، أُعطيتم ما بأيديكم! ألا مُتُّمْ كِرامًا! قالت: فوالله ما نبَّهني إلَّا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من داخل البيت: "أَيْ سَوْدَةُ، أَعَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ؟" قلت: يا رسول الله، والله ما ملكت نفسي حيث رأيت أبا يزيد أنْ قلتُ ما قلتُ.

وعن ابن عباس قال: ماتت شاة لسودة بنت زمعة فقالت: يا رسول الله، ماتت فلانة. يعني الشاة، فقال: "فَلَوْلَا أَخَذْتُمْ مَسْكَهَا". فقالت: نأخذ مسك شاة قد ماتت. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145]، فَإِنَّكُمْ لاَ تَطْعَمُونَهُ إِنْ تَدْبُغُوهُ فَتَنْتَفِعُوا بِهِ". فَأَرْسَلَتْ إليها فسلختْ مَسْكها فدبغته، فاتَّخذتْ منه قربةً حتى تخرَّقتْ عندها.

وعن عائشة قالت: استأذنت سودة بنت زمعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن لها فتدفع قبل أن يدفع، فأذن لها -وقال القاسم: وكانت امرأةً ثبطة؛ أي ثقيلة- فدفعتْ وحُبِسنا معه حتى دُفِعْنَا بدفعه. قالت عائشة: فلأن أكون استأذنت رسول الله كما استأذنت سودة فأدفع قبل الناس، أَحَبُّ إليَّ من مفروحٍ به.

مواقف السيدة سودة مع الصحابة

موقفها مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجت سودة بعدما ضُرِب الحجاب لحاجتها وكانت امرأةً جسيمةً لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة، أَمَا والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين؟ قالت: فانكفأتْ راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وإنَّه ليتعشَّى وفي يده عرق، فدخلت فقالت: يا رسول الله، إني خرجتُ لبعض حاجتي فقال لي عمر: كذا وكذا. قالت: فأوحى الله إليه ثم رُفِع عنه وإنَّ العرق في يده ما وضعه، فقال: "إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ".

موقفها مع السيدة عائشة رضي الله عنها:

قالت عائشة رضي الله عنها: دخلتُ على سودة بنت زمعة فجلستُ ورسول الله بيني وبينها وقد صنعت حريرة، فجئتُ بها فقلت: كُلِي. فقالت: ما أنا بذائقتها. فقلت: والله لتأكلين منها أو لألطخَنَّ منها بوجهك. فقالت: ما أنا بذائقتها. فتناولت منها شيئًا فمسحت بوجهها، فجعل رسول الله يضحك وهو بيني وبينها، فتناولتْ منها شيئًا لتمسح به وجهي، فجعل رسول الله يخفض عنها رُكْبته وهو يضحك لتستقيد مني، فأخذت شيئًا فمسحت به وجهي ورسول الله يضحك.

موقفها مع السيدة عائشة والسيدة حفصة:

عن خُليسة مولاة حفصة في قصَّة حفصة وعائشة مع سودة بنت زمعة، ومزحهما معها بأنَّ الدجال قد خرج، فاختبأت في بيتٍ كانوا يوقدون فيه واستضحكتا، وجاء رسول الله فقال: "مَا شَأْنُكُمَا؟" فأخبرتاه بما كان من أمر سودة، فذهب إليها فقالت: يا رسول الله، أَخَرَج الدجال؟ فقال: "لَا، وَكَأَنْ قَدْ خَرَجَ". فخرجت وجعلت تنفض عنها بيضَ العنكبوت.

بعض ما روته السيدة سودة عن النبي صلى الله عليه وسلم

روى البخاري بسنده عن سودة أنها قالت: "ماتتْ لنا شاة فدبغنا مسكها ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صار شَنًّا".

وعنها رضي الله عنها قالت: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع أن يحج. قال: "أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ عَنْهُ، قُبِلَ مِنْهُ؟" قال: نعم. قال: "فَاللَّهُ أَرْحَمُ، حُجَّ عَنْ أَبِيكَ".

وعنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُبْعَثُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً، قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ وَبَلَغَ شُحُومَ الآذَانِ". فقلت: يبصر بعضنا بعضًا؟ فقال: "شُغِلَ النَّاسُ {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37]".

وعنها رضي الله عنها: أنها نظرت في رَكْوةٍ فيها ماء، فنهاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: "إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْهُ الشَّيْطَانَ".

أثر السيدة سودة في الآخرين

ممَّن روى عنها من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما، وممَّن روى عنها من التابعين يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن، ويوسف بن الزبير، ومولى الزبير بن العوام.

وفاة السيدة سودة رضي الله عنها

توفيت أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها في آخر زمان عمر بن الخطاب، ويقال: ماتت رضي الله عنها سنة 54هـ.

قصة الإسلام