حفلات التخرج التنكرية في الجامعات العراقية.. تجديد وتغيير أم تقليد لعادات الغرب
بغداد - سوزان الشمري
دماء متناثرة و"رؤوس مقطوعة"، سيوف شاهرة ودراكولا يتجول في الشوارع مشاهد ليست من صناعة هوليود لأفلام الرعب انما هي عروض تنكرية لحفلات تخرج طلبة جامعيون، وتعد حفلات التخرج تقليد سنوي يعيشــه طلبة الجامعات والكليات في المرحلة الأخيرة من حياتهم الدراسية، اذ تتوزع بين التقاط الصورة التذكارية الجماعية، واقامة الكرنفالات الطلابية التي تحمل طابع التوديع لنهاية الحياة الجامعية، ورفقة اربع سنوات دراسية جمعتهم.
لكن الصورة العامة لحفلات التخرج الجامعية خرجت في السنوات الاخيرة عن طابعها التقليدي ليسودها طابع الزي التنكري المتنوع بين (الطريــف والمرعــب) وهو الصفة الاغلب للأزياء التنكرية الجامعية والتي هي بحسب اكاديميون ترجمة واقعيةً لصور الموت والتفنن في أشكال القتل لما يدور من أحداث دامية في العراق، فيما يعــد آخرون بعض فعالياتها تجاوزاً لمعايير الذوق العام والعرف الاجتماعي والديني.
(شبكة النبأ المعلوماتية) سلطت الضوء على موضوع الحفلات التنكرية الجامعية واعدت التحقيق التالي، اولى المحطات كانت استعراض لآراء أصحاب الشأن وهم الطلبة الخريجين أذ تقول مروة عادل وهي طلبة مرحلة اخيرة في كلية المنصور الجامعة "انها لا تمانع الازياء التنكرية ضمن حفلات التخرج وتعدها شأن يخص الطلبة ذاتهم كونها فترة عمرية لا تتكرر، وهو جزء من الحرية الشخصية الي يمارسها الطلبة بموافقة جامعاتهم".
وتضيف: "شخصيا كان الزي التنكري خلال حفل تخرجي هو "الفراشة" على اعتباري طالبة في كلية الطب ونسمى في المصطلح العام (بملائكة الرحمة للإنسانية) فيما أختار زملاء لي ازياء تنوعت بين دراكولا يطغى على اجسادهم "شاش طبي " في اشارة لاختصاصهم في العمليات الجراحية.
دراما تنكرية
راس مقطوع تحمله أذرع ملطخة بالدماء يتجول بين أروقة جامعة بغداد في مشهد يبعث الرعب والغبطة لناظريه هو زي تنكري للطالب (مروان خليل) أحد الطلبة المحتفلين بتخرجهم من كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد وفي سؤال مقتضب لــ( شبكة النبأ المعلوماتية) عن سبب اختيار هذا الزي التنكري والغريب؟، أجاب مروان: "الزي رسالة واضحة لسياسة الارهاب الداعشي لقطع الرؤوس اذ يقابلني زميل أخر ارتدى الزي العسكري لأبطال الجيش والحشد الشعبي مثلنا في ذلك دراما مبسطة لكيفية مواجهة الحشد الشعبي والقوات الامنية لسياسة داعش الاجرامية والمستهدفة الابرياء بسلاح قطع الرؤوس".
فيما عبرت روان كريم عن تأييدها لطقوس التخرج التنكرية معتبرة ان "ذلك ينحصر في دائرة التجديد والتغيير، ولا ترى فيه اي خروج عن العادات وان حنة الخريج جاءت من طقوس حنة العريس والعروس، وليس هنالك خروج عن المألوف. وتواصل روان حديثها لـ(شبــكة النبأ المعلوماتية ) " ان حنة الخريج تعتبر لمسة جديدة وتضفي نوعاً من الحيوية على تفاصيل التخرج، وعن نفسها قالت ان من شروطها حين تقبل على التخرج ان تكون مجموعتها موافقة على مبدأ تنكرية حفلة التخرج"، (زينة احمد) وهي طالبة متخرجة ومشاركة لزملائها في الازياء التنكرية بزي طغى عليه الون الابيض وتحمل بيدها مصحف ورود بيضاء وهو ما اعتبرته زينة رسالة للسلام.
مظاهر مستفزة
وأنتقدت زينــة في حديثا لـ(شبــكة النبأ المعلوماتية ) الازياء المرعبة لقطع الرؤوس ،والدماء معتبرة أن" تلك الشخصيات هو اساءة وتفاقم لحالة الخوف والرعب والموت التي يعيشها الواقع العراقي وترويج للفكر التفكيري .
واضافت: الحفلات التنكرية ظاهرة جميلة بعد ان شهدت بعض الكليات ازياء جميلة كالافلام الكارتونية او شخصيات ابطال هوليود لكن من المستفز أن تشاهد عروض تنكرية لطلبة جامعيون (بزي الخرفان) كما حدث في حفل تخرج طلبة كلية الزراعة ،او تلك التي شوهدت لطلبة كلية الاداب اللغة الانكليزية حيث ارتدت الطلبات ازياء مشابهة لشخصيات "الايمو" بشكل تجاوز الالتزام بالحشمة في أختيار الملابس ناهيك عن المخالطة بين الطلبة والطالبات والغير مقبولة ضمن العرف الاجتماعي العراقي .
صور من الواقع
مظاهر الدماء، والرؤوس المقطوعة، والشخصيات المرعبة، كانت وبحسب أكاديميون ترجمة واقعيةً لصور الموت والتفنن في أشكال القتل لما يدور من أحداث دامية في العراق اذ يبين الدكتور احسان الياسري استاذ علم الاجتماع في كلية الاداب جامعة بغداد : "ان الازياء التنكرية للطلبة في حفلات التخرج ما هي الا انعكاسة واضحة للواقع العراقي اليوم وهو يعد صورة غير مباشرة يقدمها الطلبة للعالم بأن الدماء والموت وقطع الروؤس واقع نعيشه يتطلب مساندة عالمية ووقفة شعبية للخروج من تداعياته".
فيما انتقدت التدريسية بكلية الآداب قسم علم النفس أ. دعاء صباح "غياب الوعي والمتابعة الموضوعية عن جميع مؤسسات الدولة بما فيها الجامعات، وتقبل المؤسسات والأفراد لهذه الحالات الشاذة والبشعة يدفع الطلبة والشباب إلى تقليد حالات الرعب والدماء في المناسبات العامة مثل حفلات التخرج الذين يجدون فيها متنفسا لإظهار مكنونات نفوسهم والتعبير عن العنف الخفي داخلها".
راي الدين
فيما سبق من اعوام كانت حفلات التخرج الجامعية توصف بــ( التقليدية) بمعنى عدم تجاوزها الصورة الجماعية بزي موحد لكلا الجنسين اضافة لحفلات متواضعة عبارة عن ملتقى لتوادع فيما بين الطلبة واساتذتهم لكن تلك التقليدة خرجت عن اطارها العام بحفلات عدت للبعض صاخبة ومنافية للعادات والتقاليد والاعراف الدينية، الامر الذي دعا رئاسة ديوان الوقف الشيعي لانتقادها والابتعاد عما وصفها بـ"المظاهر السلبية وغير اللائقة" التي ترافق حفلات التخرج لطلبة الكليات العراقية.
اذ طالب رئيس الوقف علاء الموسوي " بالالتزام بأخلاقيات الإسلام عبر الابتعاد عن المظاهر السلبية غير اللائقة أثناء حفلات التخرج خصوصا فيما يتعلق بإقامة الحفلات التنكرية، واعتبر ان ان الرسالة التعليمة لها من مكانتها الكبيرة".
وكانت المرجعية الدينية قد وجهت، خلال خطبة الجمعة في وقت سابق، انتقادات إلى حفلات التخرج التي تقام في الجامعات العراقية "لما يجري فيها من تصرفات وسلوكيات غير لائقة" ودعت إدارات الكليات إلى عدم السماح بممارسات تبتعد عن الأخلاق بعدما لوحظت في بعض تلك الحفلات.
تجارة رائجة
وبعيدا عن الانتقاد او القبول والرفض فان الازياء التنكرية التي لقت رواجا كبير لدى الطلبة الخريجين كانت سوقا رابحة لتجار بيعها المتواجدين في مناطق محدودة ضمن اسواق العاصمة بغداد واهما (سوق الباب الشرقي، السوق العربي ، الشورجة حيث شارع الرشيد) أضافة الي الخياطين.
اذ يقول جعفر خضر صاحب محال تجارية للألبسة والذي بدا خلال السنتين الماضيين باستيراد الازياء التنكرية تزامنا مع حفلات التخرج التي تبدا من شهر شباط فبراير حتة نهاية شهر ايار اذ يقول خضر: راجت تجارة الازياء التنكرية خلال العامين الماضيين والاقبال كبير جدا اذ ان غالبية مصادر تلك الازياء يكون من الاسواق الاسيوية، ويضيف لــ(شبكة النبأ المعلوماتية) ان الاقبال على محالنا لا يكون من اجل تصميم بدلة التخرج الرسمية، وانما من اجل تصميم ازياء غير تقليدية مميزة وحسب طلب الزبون واغلبها تكون غريبة ومضحكة فهناك طلب من خريج لتصميم بدلة دراكولا وسبايدر مان الوطواط اما الطالبات فان اغلبهن يرغبن بتصميم الزي الهندي او الخليجي وشخصيات كارتونية منها زي ساندي بيل وسندرلا وغيرها هذا بالنسبة للحفلة التنكرية اما بالنسبة لحـــــــفلة ما يسمى بالحنة فلها ازياء خاص تعبر عن التراث العراقي).
الاستعداد او المشاركة ضمن حفلة التخرج لا ينحصر ضمن زي تنكري وحسب بل الامر يتطلب اعداد ميزانية تترواح بين (750 الف والمليون دينار) الامر الذي يمثل عبء جديد ومكلف يتحمله أولياء الأمور الذين يكونوا في اغلب الاحيان مرغمين لا مخيرين بحجة ان هذه المناسبة لا تتكرر.
فجارتي ام سارة وهي أرملة وام لثلاثة ابناء اكبرهم سارة واصغرهم هند كانت قد اشتركت ضمن العائلة بسلفة (500) الف وكانت تركز على ان يتم تسليمها ( السلفة ) في شهر نسيان، وبفضول صحفي واصراري على معرفة سبب تحديد شهر نيسان فكان جوابها (خالة لحفلة تخرج سارة) وعنــد ابدائي برائي الشخصي عندما قلت لها البيت والاولاد في غنى عن تبذير ذلك المبلغ فكان الجواب قاطعا!! سارة مصرة على مشاركتها حفلة التخرج ليس بودي حرمانها من هذه المناسبة التي لن تكرر بالنسبة لحياتها الدراسية.
فيما عبر ابو حيدر عن امتعاضه من المبالغة في تكاليف التخرج الجامعي فيقول : لدي ثلاثة أبناء جامعيين أثنان منهم في سنتهم الاخيرة فهل يعقل أن انفق ما بين المليون ونص المليون على حفل صاخب لا جدوى منه سوى المرح والمزايدة بين الطلبة والتفاخر فيما بينهم خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور.
فيما اكدر الطالب المتخرج ابراهيم طه لــ( شبكة النبأ المعلوماتية) ان زي التنكر الخاص به والذي مثل زي الشخصية السينمائية (سبايدر مان) كلفة 150 الف دينار فيما كلفت خياطة زي فستان (السندريلا) لطالبة متخرجة 170 الف دينار .ولا تقتصر تكاليف حفلة التخرج الجامعية على ما يحدد من مبالغ لاختيار الزي التنكري فالمشاركة بحفل التخرج يتضمن طقوس مختلفة وهي (الجنة – حفلة النادي الجامعي – حفلة القاعة الخارجية – وصورة التخرج الجماعية).