التلوث البيئي ـ موت بطيء يهدد حياة العراقيين
يعاني العراق من نسبة تلوث كبيرة في الهواء تسببت فيها عوامل عدة منها ما هو راجع لعوامل طبيعية ومنها ما هو من صنع الإنسان في وقت السلم أو الحرب. دويتشه فيله تسلط الضوء على ما يعتبره المختصون "كارثة" تهدد حياة العراقيين.
تلوث الهواء وصل إلى درجة مخيفة في العراق، حسب الخبراء
بعد أن كان العراق يسمى في ماضيه "أرض السواد" لشدة خضرته، حيث يتدفق رافداه بلا انتهاء، ليحيلاه إلى جنة خضراء، باتت ارض الرافدين اليوم تعاني من اتساع رقعة المناطق الصحراوية. وباتت العاصمة بغداد وأغلب المدن العراقية تعاني من مشكلات التغير البيئي الناتجة عن الإهمال الكبير لواقع البيئة في البلاد، ولعل أبرز هذه المشكلات تتمثل في كثرة العواصف الترابية التي بدأت تهب على المدن العراقية بشكل كثير التكرر. وبجانب ذلك فقد ارتفعت معدلات تلوث الهواء بسبب انتشار مصادر حرق الوقود وعوادم السيارات ومولدات الطاقة الكهربائية وغيرها من الأنشطة الصناعية الأخرى. كما أن هناك العديد من مسببات التلوث الأخرى مثل مصانع الأسلحة العراقية السابقة في زمن النظام السابق ومواقع وكالة الطاقة الذرية واستخدام مختلف أنواع الأسلحة والذخائر خلال الحروب. وتتزايد حالات تلوث الهواء وتردي نوعيته بشكل ملفت للانتباه، في حين لم تتوفر لحد الآن أي مبادرات للتقليل من مستويات الملوثات البيئية في هواء.
عوادم السيارات والورش والمصانع تتحول إلى سموم يستنشقها العراقيون
وفي ظل غياب الأرقام الدقيقة عن معدلات هذا التلوث لافتقار الجهات المعنية في العراق إلى المعدات والخبرات اللازمة، صدر مؤخراً تقرير دولي خاص بالبيئة العراقية، أعده فريق من الباحثين الأميركيين في "مركز دراسات الحرب" في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية. وأشار التقرير إلى أن الغبار في العراق يحتوي على 37 نوعاً من المعادن ذات التأثير الخطير على الصحة العامة، إضافة إلى 147 نوعاً مختلفاً من البكتيريا والفطريات التي تساعد على نشر الأمراض.
معاناة مرضى الجهاز التنفسي
"أعاني من أمراض مزمنة في الجهاز التنفسي التي تزداد حدتها مع العواصف الترابية التي اعتاد العراق على هبوبها بشكل مستمر. وعلى إثر تلك العواصف يتم نقلي إلى المستشفى لتلقي العلاج"، هذا ما قاله داود سلمان حسين، في حديثه مع دويتشه فيله. ويضيف داود (60 عاماً)، والذي يرقد في إحدى مستشفيات العاصمة بغداد بأن فصل الصيف أضحى عبءً كبيرا على المصابين بالأمراض التنفسية على خلفية كثرة هبوب العواصف الترابية، بالإضافة إلى الاستخدام الكبير لمولدات الطاقة الكهربائية وما تفرزه من أدخنه ملوثة للهواء. ويشير في الوقت نفسه إلى ضرورة تدخل الدولة لوضع الحلول المناسبة للحد من تلك الملوثات التي تفتك بحياة المواطن العراقي.
فصل آخر من المعاناة
أما رسل احمد عمر، فتعاني هي الأخرى مرض مزمن في الجهاز التنفسي، وتقول بأنها تشعر باختناق وصداع مستمر بسبب العواصف الترابية والغازات المنبعثة من مصادر حرق الوقود وغيرها من الملوثات العالقة في الهواء الجوي.
وبينما تقف عمر (30عاماً) وسط حشد من المرضى المراجعين للصيدليات الخاصة بالأمراض المزمنة في إحدى مستشفيات العاصمة بغداد لاستلام حصتها الشهرية من العلاج تضيف قائلة: "من المؤسف أن يموت الإنسان وهو في سن مبكر من عمره والسبب في ذلك يعود إلى عدم اهتمام الجهات المعنية بصحة المواطن من خلال الرقابة والعمل على تحسين الواقع البيئي في البلاد".
من جانبه يكشف مدير شعبة الأمراض الانتقالية في مدينة الطب ببغداد، الدكتور أحمد عكلة داود عن ارتفاع نسبة الأمراض الناتجة عن التلوث البيئي في العراق، مشيرا في حوار مع دويتشه فيله إلى أن هذه الأمراض وصلت أعلى مستوياتها خلال العقود الماضية بسبب الحروب المتعاقبة وعدم اهتمام الدولة بصحة الإنسان والبيئة بالإضافة إلى الأحداث التي تلت عام 2003، بعد سقوط نظام صدام حسين، وما نتج عنه من انهيار كامل لمؤسسات الدولة.
عوامل طبيعية وأخرى من صنع الإنسان ساهمت في ثلوث البيئة في العراق
"ازدياد نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية"
وعن الأمراض الناتجة من التلوث البيئي يقول داود إن نسبة الإصابة بالأمراض المتسرطنة كالأورام والتشوهات الخلقية وشلل الأطراف واضطراب الأعصاب ازدادت في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى أمراض الجهاز التنفسي والعقم، "وكل هذه الأمراض ناتجة عن التلوث المستفحل في الهواء والماء والتربة". ويضيف داود بالقول إن انخفاض معدلات الأعمار في المجتمع العراقي بالإضافة إلى كثرة الإصابة بالأمراض المزمنة التي تصيب الصغار والشباب بعد أن كانت تصيب الإنسان بمراحل متقدمة من العمر "كلها ناتجة عن التلوث البيئي". ويشير المسؤول العراقي إلى أن وزارة الصحة العراقية عملت على تشكيل غرفة عمليات في كل المستشفيات التابعة لها لمراقبة الحالات المرضية الناتجة عن تلوث الهواء. كما خاطبت الجهات المعنية والمتمثلة بوزارة البيئة وأمانة بغداد للحد من التلوث الجوي، "إلا أن نتائج هذا التنسيق بقيت حبراً على ورق ولم تدخل حيز التنفيذ بصورة فعالة".
وتخضع المستشفيات العراقية إلى حالة إنذار قصوى لاستقبال مئات المرضى المصابين بحالات اختناق عند هبوب العواصف الترابية. وذكرت مصادر طبية في بغداد ومدن عراقية بأن أكثر من 4360 شخصاً نقلوا إلى مستشفيات عدة بسبب حالات ضيق التنفس الناجمة عن تلك العواصف التي ضربت ربوع العراق منتصف يونيو/ حزيران فقط.
وعن الإجراءات التي اتبعتها وزارة البيئة للحد من تلوث الهواء يشير مدير عام الدائرة الفنية التابعة لوزارة البيئية العراقية قاسم بلاسم خلف، إلى وجود تنسيق مشترك بين وزارته والمؤسسات الأخرى كوزارة الزراعة والمرور العامة والبلديات وأمانة بغداد لاتخاذ التدابير الأزمة كزرع البؤر المسببة للعواصف الترابية بغطاء نباتي وزيادة الأحزمة الخضراء التي تحيط بالمدن لتحسين نوعية الهواء بالإضافة إلى رفع المركبات القديمة من الشوارع لما تسببه من تلوث كبير على تلوث الهواء فضلاً عن تحسين نوع وقود الكازولين أو استخدام التكنولوجيات النظيفة بيئياً في المعامل أو وسائط النقل.
ويبين مدير عام الدائرة الفنية بوزارة البيئية، عن وجود ارتفاع كبير في نسبة تلوث الهواء الجوي في اغلب المدن العراقية، والذي تبلغ ذروته خلال فصل الصيف بسبب الارتفاع المستمر في درجات الحرارة التي تصل إلى درجات قياسية تفوق الخمسين درجة مئوية.
العواصف الترابية عامل أساس لتلوث الهواء
الكثير من الأمراض ناجمة عن تلوث الهواء كما يقول الأطباء
ويعزي خلف في حوار مع دويتشه فيله، سبب الارتفاع في نسبة تلوث الهواء الجوي وانخفاض جودته إلى جملة أسباب، أبرزها كثرة العواصف الترابية التي تهب بمعدل أسبوعي في كافة أنحاء العراق بسبب الطبيعة الصحراوية التي تتميز بها أغلب الأرضي العراقية والتي يصعب صدها لارتفاعها لمئات الأمتار في الجو. كما أن لزيادة الكبيرة في أعداد المركبات المرورية التي تطلق آلاف الأطنان من العوادم تزيد من حدة هذه "الكارثة البيئية"، بالإضافة لما تسببه الورش الفنية ومولدات الطاقة الكهربائية بجميع إحجامها المنتشرة في الشوارع وداخل الأحياء السكنية والمنازل من انبعاث الغازات السامة، حسب قوله.
ويكشف المسؤول العراقي عن ازدياد نسبة الغازات السامة في الهواء الجوي والتي يستنشقها الإنسان بشكل مستمر وينتج عنها إصابات خطيرة كالأمراض المسرطنة وغيرها من أمراض الجهاز التنفسي الناتج عن العواصف الترابية وما يرافقها من رقائق ترابية قابلة للاستنشاق. ونوه خلف إلى خطورة ملوثات آخر ناتج عن احتراق مادة البنزين المحتوي على مركبات الرصاص المسرطنة والى ضرورة تخفيف نسبة الكبريت من مادة الديزل لحماية البيئة والصحة العامة.
يذكر بان مركز الإشعاع والطب النووي التابع لوزارة الصحة العراقية كشف عن أن العراق يعاني من "كارثة صحية" وذلك بارتفاع حالات الإصابة بمرض السرطان بعد تسجيل قرابة 7000 حالة سرطان في العراق خلال عام 2010.