ارتفاع معدلات الطلاق .. أزمة تهدد العراقيين وغياب للدور الحكومي







يعاني المجتمع العراقي تصدعاً كبيراً في الأواصر الرابطة لأفراده خصوصاً في السنوات الأخيرة التي ساهمت بتفاقم المشكلات العائلية وزيادة الخلافات بين الازواج وهو ما أدى بدوره إلى ارتفاع حالات الطلاق بنسب مخيفة تظهره الأرقام الرسمية التي أعلنت عنها السلطات المعنية في البلاد .
ارتفاع مهول في حالات الطلاق تكشفه الإحصائيات
أعلن المتحدث الرسمي باسم السلطة القضائية القاضي عبد الستار بيرقدار بأن محاكم البلاد سجلت أكثر من 5200 حالة طلاق، خلال الشهر الماضي فقط، مقابل (8341) زواجاً.
وأكد البيرقدار أن محاكم رئاسة استئناف بغداد الرصافة ، سجلت أعلى معدل لحالات الزواج حيث بلغت 3185 حالة، فيما سجلت المحاكم ذاتها 1202 حالة طلاق، تلتها رئاسة استئناف بغداد الكرخ الاتحادية بتسجيل 2095 حالة زواج و661 حالة طلاق . ما يعني زيادة واضحة لحالات الطلاق بالمقارنة مع حالات الزواج، فيما أكد محللون ومختصون تعدد الأسباب التي تساهم بارتفاع تلك الحالات.

و يرى الباحث القانوني والمحامي عمار الشمري ، أن ارتفاع حالات الطلاق في العراق عن المعدلات الاعتيادية تعود أسبابه إلى أزمات اجتماعية واقتصادية متصاعدة تجتاح المجتمع العراقي منذ عام 2003.

وأشار الشمري في تصريح لـ(باسنيوز) إلى أبرز أسباب تزايد حالات الطلاق، ومنها لجوء الكثير من العائلات إلى قبول تزويج بناتهم إلى اشخاص ليست لديهم وظيفة أو عمل بل يعيشون مع عائلاتهم، كما أن بعض العائلات تجبر بناتها القاصرات على الزواج مقابل مصالح مادية أو بسبب تحكم الأعراف والتقاليد التي تحتم تلك الزيجات بين بعض القبائل والعشائر، بينما شجعت الرواتب الكبيرة لبعض الموظفين وخاصة العسكريين والتجار والمقاولين، على الزواج المبكر أو تكرار الزواج مرة أو أكثر لمجرد وجود إمكانية مالية لديهم .

ولفت الشمري إلى ضعف الوازع الديني لدى بعض الأشخاص حيث بدأ ينظر إلى الطلاق وكأنه مسألة عابرة متناسياً ما يترتب عليه من آثار نفسية واجتماعية، فضلاً عن الغزو الإعلامي الذي أدى إلى ثقافات دخيلة على المجتمع العراقي .

وكانت إحصائية السلطة القضائية سجلت أكثر من 681 الف حالة طلاق منذ عام 2004 احتل من بينها الصدارة عام 2011 بـأكثر من 59.5 الف حالة فيما أخلت مسؤوليتها عن 70% من تلك الحالات كونها تمت لدى رجال دين .

وعزا المركز الإعلامي للسلطة القضائية في بيان تلقت(باسنيوز) نسخة منه بشأن معدلات الطلاق ارتفاع نسب حالات الطلاق إلى "الوضع الاقتصادي، وما ينتج عن البطالة وعدم توفر سكن مستقل للزوجين، والتباين الثقافي بين الزوجين"، عاداً "الزواج المبكر كان من بين تلك الاسباب، حيث ذكرت المحاكم أن اغلب الطلاقات تحصل لمن هم من مواليد (2001- 1999)، بالاضافة الى الاستخدام السلبي لوسائل التطور التكنولوجي، وموجة الهجرة والنزوح" . مؤكداً أن “الإحصاءات السنوية ذكرت بأن 70% من حالات الطلاق تتم خارج المحاكم لدى رجال الدين ومن ثم يمثل الزوجين أمام القاضي لتصديق هذا الطلاق".

وتُعد حالات الطلاق من أخطر الحالات التي يمكن أن تؤثر في المجتمعات، بوصفها سبباً جوهرياً في تقويض دعائم الأسرة وتشتيت أفرادها، فيما ساهمت البطالة المتفشية في العراق بارتفاع معدلات الطلاق، والاصطدام بمتطلبات الزوجة التي كثيراً ما ترهق كاهل رب الأسرة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها العراق إضافة إلى عدم الوعي للعلاقة الزوجية إذ لا يوجد في العراق مراكز للتثقيف والتوعية بين الزوجين ومعرفة إبعاد الزواج وآثاره والحقوق والواجبات لكل منهما ما يؤدي في حالات كثيرة إلى الشقاق .
وسائل التواصل الاجتماعي تقوّض الحياة الزوجية
في ظل التطور التكنولوجي في وسائل التواصل الاجتماعي ودخول التطبيقات الجديدة لمعترك الحياة باتت تشكل تلك الوسائل ضغوطاً على الحياة الزوجية وعوامل هدم للبيت والأسرة، خصوصاً الاستخدام السيئ لتلك الوسائل، وأهم تلك الوسائل والتطبيقات الفيس بوك والفايبر والتي بدورها تؤدي إلى عدم الاكتفاء لدى الزوج وخروجه عن العلاقة الزوجية الشرعية، حيث يرجح محامون وحقوقيون أن نسب الطلاق بسبب مواقع التواصل الاجتماعي" فيس بوك" تصل لـ35% إذ يدمن الأشخاص عليها ويستخدمونها بصورة خاطئة، وهو ما يؤثر تاثيراً سلبياً على الفرد والمجتمع .
الحكومة تتنصل من دورها
أكدت الباحثة الاجتماعية ندى العابدي أن حالات الطلاق تعادل نصف حالات الزواج في العراق في السنوات الـ5 الأخيرة، وعلى الحكومة العراقية اليوم أن تبحث عن جذور المشكلة التي تتمثل بعدم وجود ثقافة عن الحياة الزوجية والمشكلة الأهم هي البطالة التي انتشرت بشكل كبير في المجتمع العراقي وانعدام فرص العمل .

وأضافت العابدي في تصريح لـ(باسنيوز) أن " الإحصاءات العراقية تكشف عن أن أغلب حالات الطلاق تقع بین الازواج صغيري الأعمار، وهذه من نتائج الزواج المبكر المنتشر بين العراقيين".

وأشارت العابدي إلى التجربة الماليزية إبان حكم مهاتير محمد وكيف تمكنت تلك التجربة من أن تحد من حالات الطلاق التي كانت منتشرة في المجتمع الماليزي، من خلال الاعتماد على دورات تأهيلية للمتزوجين ولا يسمح بالزواج دون الحصول على الشهادة من معهد مختص وهو ما ساهم بحل تلك القضية التي تهدد المجتمعات .

وعن قدرة الحكومة العراقية على احتواء تلك الأعداد من المطلقات وإعادة تأهيلهن للاندماج في المجتمع أكدت العابدي عدم وجود ایة خطط لدى الحكومة العراقية والجهات المعنية بسبب انعدام المبالغ المالية المرصودة لمثل تلك القضايا، والاعتماد الرئيسي الآن على منظمات المجتمع المدني وهي أيضاً تواجه مشاكل كبيرة في مهمتها بسبب نظرة المجتمع إلى المطلقة.

وتعاني المرأة في العراق أوضاعاً مأساوية بسبب الظروف غير الطبيعية التي تواجه البلد فضلاً عن التحديات الأمنية والاقتصادية التي يمر بها العراق، بحيث أصبح النساء ضحية لعدم الاستقرار والتطورات المتسارعة في المجتمع، وخاصة في المناطق التي تتعرض للعمليات العسكرية أو التي تخضع لسيطرة تنظيم داعش وما نجم عنها من نزوح وتهجير الملايين وسقوط الكثير منهم ضحايا العنف أغلبهم من النساء والأطفال، مما حمل النساء قدرا كبيرا من مسؤولية رعاية عائلاتهن.