الفصاحة هي: الإبانة والظهور، يقال: كاتب فصيح وشاعر فصيح.
والبلاغة هي: الوصول والانتهاء، يقال: كلام بليغ وإنسان بليغ.
ويجمعهما حسن الكلام.
قال أبو هلال العسكري: إنّما يحسن الكلام بسلاسته، وسهولته، وتخيّر لفظه، وإصابة معناه، وجودة مطالعه، ولين مقاطعه، واستواء تقاسيمه، وتعادل أطرافه، وتشبّه إعجازه بهواديه، وموافقة مآخره لمباديه، فتجد المنظوم مثل المنثور، في سهولة مطلعه، وجودة مقطعه، وحسن رصفه وتأليفه، وكمال صوغه وتركيبه، ومتى جمع الكلام بين العذوبة والجزالة، والسهولة والرصانة، والرونق والطلاوة، وسلم من حيف التأليف.
وهذا ينطبق كلّ الانطباق على كلام سيّد الفصحاء، وإمام البلغاء، أمير المؤمنين (عليه السلام)، الذي قيل فيه: كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، وشاهدي على ما أقول هو كتاب نهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي (رضي الله عنه) من كلامه (عليه السلام).
إذا عرفت هذه المقدّمات فاعلم: أنّ هذه الفصاحة العلويّة والبلاغة المرتضوية، قد ورثتها هذه المخدّرة الكريمة، بشهادة العرب أهل البلاغة والفصاحة أنفسهم.
فقد تواترت الروايات عن العلماء وأرباب الحديث بأسانيدهم عن حذلم بن كثير قال: قدمت الكوفة في المحرّم سنة إحدى وستّين عند منصرف عليّ بن الحسين (عليهما السلام) من كربلاء، ومعهم الأجناد يحيطون بهم، وقد خرج الناس للنظر إليهم، فلمّا أقبل بهم على الجمال بغير وطاء، وجعلن نساء الكوفة يبكين وينشدن، فسمعت عليّ بن الحسين (عليهما السلام) يقول بصوت ضئيل - وقد نهكته العلّة، وفي عنقه الجامعة، ويده مغلولة إلى عنقه -: إنّ هؤلاء النسوة يبكين، فمن قتلنا؟ !
قال: ورأيت زينب بنت عليّ (عليه السلام) ولم أرَ خفرة أنطق منها، كأ نّها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدّت الأنفاس وسكنت الأصوات.
فقالت: الحمد لله، والصلاة على محمّد وآله الطيّبين الأخيار، أمّا بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختر والغدر، أتبكون؟ ! فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنّة، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم، ألا وهل فيكم إلاّ الصلف النطف، والكذب الشنف، وملق الإماء، وغمز الأعداء؟ ! أو كمرعى على دمنة، أو كفضّة على ملحودة، ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون، أتبكون وتنتحبون؟ ! إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأ نّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة، ومعدن الرسالة، وسيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومدره سنّتكم، ألا ساء ما تزرون، وبعداً لكم وسُحقاً، فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبُؤتم بغضب من الله، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة، ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم، وأيّ كريمة له أبرزتم، وأيّ دم له سفكتم، وأيّ حرمة له انتهكتم؟ ! ولقد جئتم بها صلعاء عنفاء، سوداء فقماء، خرقاء شوهاء، كطِلاع الأرض، أو ملاء السماء، أفعجبتم أن مطرت السماء دماً! ولَعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفّنّكم المهل، فإنّه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار، وإنّ ربّكم لبالمرصاد.
قال الراوي: فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتّى اخضلّت لحيته بالدموع، وهو يقول: بأبي أنتم واُمّي كهولُكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير النسل، لا يخزى ولا يبزى.
أقول: وهذا حذلم بن كثير من فصحاء العرب، أخذه العجب من فصاحة زينب وبلاغتها، وأخذته الدهشة من براعتها وشجاعتها الأدبية، حتّى أ نّه لم يتمكّن أن يشبهها إلاّ بأبيها سيّد البلغاء والفصحاء، فقال: كأ نّها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.
وهذه الخطبة رواها كلّ من كتب في وقعة الطفّ أو في أحوال الحسين (عليه السلام).
ومن بلاغتها وشجاعتها الأدبية: ما ظهر منها (عليها السلام) في مجلس ابن زياد.
قال السيّد ابن طاووس وغيره ممّن كتب في مقتل الحسين (عليه السلام): إنّ ابن زياد جلس في القصر وأذن إذناً عامّاً، وجيء برأس الحسين (عليه السلام) فوضع بين يديه، واُدخلت عليه نساء الحسين وصبيانه، وجاءت زينب ابنة عليّ (عليه السلام) وجلست متنكّرة، فسأل ابن زياد مَن هذه المتنكّرة؟ فقيل له: هذه زينب ابنة عليّ، فأقبل عليها فقال: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب اُحدوثتكم.
فقالت (عليها السلام): إنّما يفتضح الفاجر ويكذب الفاسق، وهو غيرنا.
فقال: كيف رأيتِ صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟
فقالت: ما رأيت إلاّ خيراً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتُحاجّ وتُخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك اُمّك يا بن مرجانة.
فغضب اللعين وهمَّ أن يضربها، فقال له عمرو بن حريث: إنّها امرأة، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.
فقال لها ابن زياد لعنه الله، لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك.
فقالت: لعمري لقد قتلت كهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاؤك فلقد اشتفيت.
فقال لعنه الله: هذه سجّاعة، ولعمري لقد كان أبوها سجّاعاً شاعراً.
فقالت: يا بن زياد، ما للمرأة والسجاعة، وإنّ لي عن السجاعة لشغلا.
ومن ذلك: خطبتها في مجلس يزيد بن معاوية في الشام، رواها جماعة من العلماء في مصنّفاتهم، وهي من أبلغ الخطب وأفصحها، عليها أنوار الخطب العلوية، وأسرار الخطبة الفاطمية، ونحن ننقلها هنا من الاحتجاج للطبرسي.
قال: روى شيخ صدوق من مشائخ بني هاشم وغيره من الناس: أ نّه لمّا دخل عليّ بن الحسين (عليهما السلام) وحرمه على يزيد وجيء برأس الحسين (عليه السلام) ووضع بين يديه في طشت، وجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده وهو يقول:
ليتَ أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسلْ
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً***ثمّ قالوا: يا يزيد لا تُشل
لعبت هاشم بالملك فلا***خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل
فقامت زينب بنت عليّ بن أبي طالب، واُمّها فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقالت: الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه حيث يقول: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أسَاؤُوا السُّوءَى أنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُونَ)، أظننت يا يزيد - حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الاُسراء - أنّ بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة، وأنّ ذلك لعِظَم خطرك عنده، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، تضرب أصدريك فرحاً، وتنفض مذوريك مرحاً([5])، جذلان مسروراً حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والاُمور متّسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلا مهلا، أنسيتَ قول الله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أ نَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)، أمِن العدل يا بن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهنّ أهل المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد، والدنيّ والشريف، ليس معهنّ من رجالهنّ وليّ، ولا من حماتهن حمي، وكيف يرتجى مراقبة ابن مَن لفظ فوه أكباد الأذكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء؟ ! وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت مَن نظر إلينا بالشنف والشنآن، والإحن والأضغان؟ ! ثمّ تقول غير متأثّم ولا مستعظم.
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً***ثمّ قالوا يا يزيد لا تَشَل
منحنياً على ثنايا أبي عبد الله - سيّد شباب أهل الجنّة - تنكثها بمخصرتك، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذرّية محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب، وتهتف بأشياخك زعمت أ نّك تناديهم، فتلردنّ وشيكاً موردهم، ولتودنّ أ نّك شللت وبكمت، ولم تكن قلت ما قلت، وفعلت ما فعلت، اللهمّ خُذ لنا بحقّنا، وانتقم ممّن ظلمنا، واحلُل غضبكَ بمن سفك دماءنا، وقتل حُماتنا، فوالله يا يزيد ما فريت إلاّ جلدك، ولا حززت إلاّ لحمك، ولترِدَنَّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما تحمّلت من دماء ذرّيته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله تعالى شملهم، ويلمّ شعثهم، ويأخذ بحقّهم (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أمْوَاتاً بَلْ أحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) وحسبك بالله حاكماً، وبمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) خصيماً، وبجبرائيل ظهيراً، وسيعلم مَن سوّل لكَ وأمكنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلا، وأ يّكم شرّ مكاناً وأضعف جنداً، ولئن جرَّت عليّ الدواهي مخاطبتك، إنّي لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكثر توبيخك، لكنّ العيون عبرى، والصدور حرّى، ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلّب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفرها اُمّهات الفراعل، ولئن اتّخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك، وما ربّك بظلاّم للعبيد، وإلى الله المشتكى، وعليه المعوّل، فكِد كيدك، واسعَ سعيَك، وناصِب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا تدحض عنك عارها، وهل رأيك إلاّ فند، وأيّامك إلاّ عدد، وجمعك إلاّ بدد، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين، فالحمد لله ربّ العالمين، الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنّه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فقال يزيد:
يا صيحةً تحمد من صائح***ما أهون النوح على النوائح
ومن شجاعتها الأدبية في مجلس يزيد: ما نقله أرباب المقاتل وغيرهم من رواة الأخبار: أنّ يزيد لعنه الله دعى بنساء أهل البيت والصبيان فاُجلسوا بين يديه في مجلسه المشؤوم، فنظر شاميّ إلى فاطمة بنت الحسين، فقام إلى يزيد وقال: يا أمير هَب لي هذه الجارية تكون خادمة عندي، قالت فاطمة بنت الحسين (عليه السلام): فارتعدت فرائصي، وظننت أنّ ذلك جائز لهم، فأخذتُ بثياب عمّتي زينب، فقلت: عمّتاه اُوتمتُ واُستخدم، فقالت عمّتي للشامي: كذبتَ والله ولؤمتَ، ما جعل الله ذلك لكَ ولا لأميرك، فغضب يزيد وقال: كذبتِ والله، إنّ ذلك لي، ولو شئت أن أفعل لفعلت، قالت: كلاّ والله ما جعل الله ذلك لك، إلاّ أن تخرج من ملّتنا وتدين بغير ديننا، فاستطار يزيد غضباً وقال: إيّاي تستقبلين بهذا الكلام، إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك، فقالت زينب: بدين أبي وأخي اهتديتَ أنتَ وأبوك وجدّك إن كنت مسلماً، قال: كذبت يا عدوّة الله، قالت: يا يزيد أنتَ أمير تشتم ظالماً، وتقهر بسلطانك، فكأ نّه استحيى وسكت، فأعاد الشامي كلامه: هبْ لي هذه الجارية، فقال له يزيد: اسكُتْ وهب الله لك حتفاً قاضياً.
وروى السيّد ابن طاووس في اللهوف هذه الرواية كما يأتي: قال نظر رجل من أهل الشام إلى فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين هبْ لي هذه الجارية، فقالت فاطمة لعمّتها زينب (عليها السلام): اُوتمتُ واُستخدم، فقالت زينب (عليها السلام): لا ولا كرامة لهذا الفاسق، فقال الشامي: مَن هذه الجارية؟ فقال يزيد: هذه فاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، وتلك زينب بنت عليّ بن أبي طالب، فقال الشامي، الحسين بن فاطمة، وعليّ بن أبي طالب؟ قال: نعم، فقال الشامي: لعنك الله يا يزيد، أتقتل عترة نبيّك وتُسبي ذرّيته، والله ما توهّمت إلاّ أ نّهم سبي الروم، فقال يزيد: لاُلحقنّك بهم، ثمّ أمر به فضُربت عنقه.
والذي يظهر أنّ هاتين القضيّتين كلتيهما وقعتا في ذلك المجلس المشؤوم.
أقول: إنّ بلاغة زينب (عليها السلام) وشجاعتها الأدبيّة ليس من الاُمور الخفيّة، وقد اعترف بها كلّ مَن كتب في وقعة الطف بكربلاء، ونوّه بجلالتها أكثر أرباب التاريخ.
ولعمري إنّ مَن كان أبوها عليّ بن أبي طالب، الذي ملأت خطبه العالم، وتصدّى لجمعها وتدوينها أكابر العلماء، واُمّها فاطمة الزهراء، صاحبة خطبة فدك الكبرى، وصاحبة الخطبة الصغرى التي ألقتها على مسامع نساء قريش ونقلها النساء لرجالهنّ.
نعم، إنّ من كانت كذلك فحريّة بأن تكون بهذه الفصاحة والبلاغة، وأن تكون لها هذه الشجاعة الأدبية، والجسارة العلوية.
ويزيد الطاغية يوم ذاك هو السلطان الأعظم، والخليفة الظاهري على عامّة بلاد الإسلام، تؤدّي له الجزية الفرق المختلفة والاُمم المتباينة، في مجلسه الذي أظهر فيه اُبّهة الملك، وملأه بهيبة السلطان، وقد جرّدت على رأسه السيوف، واصطفّت حوله الجلاوزة، وهو وأتباعه على كراسي الذهب والفضّة، وتحت أرجلهم الفرش من الديباج والحرير.
وهي صلوات الله عليها في ذلّة الأسر، دامية القلب باكية الطرف، حرّى الفؤاد من تلك الذكريات المؤلمة والكوارث القاتلة، قد أحاط بها أعداؤها من كلّ جهة، ودار عليها حسّادها من كلّ صوب.
ومع ذلك كلّه ترمز للحقّ بالحقّ، وللفضيلة بالفضيلة، فتقول ليزيد - غير مكترثة بهيبة ملكه، ولا معتنية باُبّهة سلطانه -: أمِنَ العدل يا بن الطلقاء، وتقول له أيضاً: ولئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك، إنّي لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكثر توبيخك.
وما أبدع ما قاله الشاعر المفلق الجليل السيّد مهدي ابن السيّد داود الحلّي، عمّ الشاعر الشهير السيّد حيدر الحلّي (رحمهما الله)، في وصف فصاحتها وبلاغتها من قصيدة:
قد أسّروا مَن خصّها بآية الـ***ـتطهير ربّ العرش في كتابهِ
إن اُلبسَتْ في الأسر ثوب مذلّة***تجمّلت للعزّ في أثوابهِ
ما خطبت إلاّ رأوا لسانها***أمضى من الصمصام في خطابهِ
وجلببت في أسرها آسِرَها***عاراً رأى الصغار في جلبابهِ
والفصحاء شاهدوا كلامها***مقال خير الرسل في صوابهِ
منقول من انوار الولاية