السؤال: سيرته (صلى الله عليه و آله)
ما هي سيرة الرسول ونسبه وحياته (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
الجواب:

بالنسبة إلى نسب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مفرّة... وينتهي نسبه الشريف الى النبي إبراهيم (عليه السلام).
وبالنسبة إلى سيرته (صلى الله عليه وآله)، فننقل لكم نص ما ورده العلامة المجلسي في (البحار 16 / 195) وللمزيد راجع المصدر المذكور :باب 9 : مكارم أخلاقه وسيره وسننه (صلى الله عليه وآله) وما أدّبه الله تعالى به .
الايات : (آل عمران:159) : (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين )). (الانعام:50 ): (( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي )). (الاعراف:199): (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )). (التوبة:61): (( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم )). (النحل:127): (( واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون )). (الكهف:6): (( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا )).
وقال تعالى: (( فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا * ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لاقرب من هذا رشدا )) (الكهف:22-24). (طه:2): (( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى )).
وقال تعالى: (( فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آنآء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى * ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى * وأمر أهلك بالصلوة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى )) (طه:130-132). (الشعراء:214-220): (( وأنذر عشريك الاقربين * واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين * فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون * وتوكل على العزيز الرحيم * الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين * إنه هو السميع العليم )). (النمل:70): (( ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون )) إلى قوله تعالى: (( فتوكل على الله إنك على الحق المبين )) (النمل:79).
وقال تعالى : (( إنما امرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ وامرت أن أكون من المسلمين * وأن أتلو القرآن )) (النمل:91).
(العنكبوت:45): (( اتل ما اوحي إليك من الكتاب وأقم الصلوة إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون )).
(الروم:60): (( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون )). (الاحزاب:48) : (( وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا * ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا )).
(فاطر:8): (( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون )).
(يس:69): (( وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ))إلى قوله تعالى:(( فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ))(يس:76) .
ثم يذكر مجموعة من الآيات النازلة في حقه (صلى الله عليه وآله). تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : (فبما رحمة) ما زائدة (من الله لنت لهم) أي أن لينك لهم مما يوجب دخولهم في الدين (ولو كنت فظا) أي جافيا سئ الخلق (غليظ القلب) أي قاسي الفؤاد ، غير ذي رحمة (لانفضوا من حولك) لتفرق أصحابك عنك ، (فاعف عنهم) ما بينك وبينهم (واستغفر لهم) ما بينهم وبيني (وشاورهم في الامر) أي استخراج آرائهم ، واعلم ما عندهم ، واختلف في فائدة مشاورته إياهم مع استغنائه بالوحي على أقوال :
أحدها: أن ذلك على وجه التطييب لنفوسهم ، والتألف لهم ، والرفع من أقدارهم .
وثانيها: أن ذلك ليقتدي به امته في المشاورة ، ولا يرونها نقيصة ، كما مدحوا بأن أمرهم شورى بينهم .
وثالثها: أن ذلك لامرين : لاجلال أصحابه ، وليقتدي امته به في ذلك .
ورابعها: أن ذلك ليمتحنهم بالمشاورة ، ليتميز الناصح من الغاش .
وخامسها: أن ذلك في أمور الدنيا، ومكائد الحرب، ولقاء العدو، وفي مثل ذلك يجوز أن يستعين بآرائهم. (فإذا عزمت) أي فإذا عقدت قلبك على الفعل وإمضائه، ورووا عن جعفر بن محمد، وعن جابر بن يزيد (فإذا عزمت) بالضم، فالمعنى إذا عزمت لك و وفقتك وأرشدتك (فتوكل على الله) أي فاعتمد على الله، وثق به، وفوض أمرك إليه، وفي هذه الآية دلالة على تخصيص نبينا (صلى الله عليه واله) بمكارم الاخلاق، ومحاسن الافعال، ومن عجيب أمره أنه كان أجمع الناس لدواعي الترفع، ثم كان أدناهم إلى التواضع، و ذلك أنه (صلى الله عليه واله) كان أوسط الناس نسبا، وأوفرهم حسبا، وأسخاهم وأشجعهم وأزكاهم و أفصحهم، وهذه كلها من دواعي الترفع، ثم كان من تواضعه أنه كان يرقع الثوب، ويخصف النعل، ويركب الحمار، ويعلف الناضح، ويجيب دعوة المملوك، ويجلس في الارض، ويأكل في الارض، وكان يدعو إلى الله من غير زبر ولا كهر ولا زجر، ولقد أحسن من مدحه في قوله .

فما حملت من ناقة فوق ظهرها ***** أبر وأوفى ذمة من محمد
وفي قوله تعالى : (( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله )) أي خزائن رحمته، أو مقدوراته، أو أرزاق الخلائق (ولا أعلم الغيب) الذي يختص الله تعالى بعلمه، وإنما أعلم ما علمني (ولا أقول لكم إني ملك) أي لا أقدر على ما يقدر عليه الملك، فاشاهد من أمر الله وغيبه ما تشاهده الملائكة (إن أتبع إلا ما يوحى إلي) يريد ما أخبركم إلا بما أنزل الله إلي.
أقول : الحاصل أني لا أقدر أن آتيكم بمعجزة وآية إلا بما أقدرني الله عليه ، و أذن لي فيه ، ولا أعلم شيئا إلا بتعليمه تعالى ، ولا أعلم شيئا من قبل نفسي إلا بإلهام أو وحي منه تعالى ، ولا أقول : إني مبرأ من الصفات البشرية من الاكل والشرب وغير ذلك .
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : (( خذ العفو )) أي ما عفا من أموال الناس، أي ما فضل من النفقة، فكان رسول الله (صلى الله عليه واله) يأخذ الفضل من أموالهم ليس فيها شئ موقت، ثم نزلت آية الزكاة فصار منسوخا بها، وقيل: معناه خذ العفو من أخلاق الناس، واقبل الميسور منها، وقيل: هو العفو في قبول العذر من المعتذر، وترك المؤاخذة بالاساءة (وأمر بالعرف) يعني بالمعروف، وهو كل ما حسن في العقل فعله أو الشرع (وأعرض عن الجاهلين) أي أعرض عنهم عند قيام الحجة عليهم، والاياس من قبولهم، ولا تقابلهم بالسفه صيانة لقدرك. وفي قوله تعالى : (( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن )) أي يستمع إلى ما يقال له ويصغى إليه ويقبله (قل اذن خير لكم) أي يستمع إلى ما هو خير لكم وهو الوحي، أو هو يسمع الخير ويعمل به ومنهم من قرأ : (اذن خير لكم) بالرفع والتنوين فيهما، فالمعنى أن كونه اذنا أصلح لكم، لانه يقبل عذركم، ويستمع إليكم، ولو لم يقبل عذركم لكان شرا لكم، فكيف تعيبونه بما هو أصلح لكم؟ (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) أي لا يضره كونه اذنا فإنه اذن خير فلا يقبل إلا الخير الصادق من الله، و يصدق المؤمنين أيضا فيما يخبرونه، ويقبل منهم، دون المنافقين، وقيل : (يؤمن للمؤمنين) أي يؤمنهم فيما يلقي إليهم من الامان (ورحمة للذين آمنوا منكم) أي وهو رحمة لهم لانهم إنما نالوا الايمان بهدايته ودعائه إياهم. وفي قوله تعالى: (( واصبر )): أى فيما تبلغه من الرسالة، وفيما تلقاه من الاذى (وما صبرك إلا بالله) أى بتوفيقه وتيسيره وترغيبه فيه (ولا تحزن عليهم ) أى على المشركين في إعراضهم عنك، فإنه يكون الظفر والنصرة لك عليهم، ولا عتب عليك في إعراضهم (ولا تك في ضيق مما يمكرون) أى لا يكن صدرك في ضيق من مكرهم بك وبأصحابك، فإن الله يرد كيدهم في نحورهم. وفي قوله : (( فعلك باخع نفسك على آثارهم )) أي مهلك وقاتل نفسك على آثار قومك الذين قالوا: (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا)، تمردا منهم على ربهم (إن لم يؤمنوا بهذا الحديث) أي القرآن (أسفا) أي حزنا وتلهفا. وفي قوله تعالى: (( فلا تمار فيهم )) أي فلا تجادل الخائضين في أمر الفتية وعددهم (إلا مرآء ظاهرا) أي إلا بما أظهرنا لك من أمرهم، أي إلا بحجة ودلالة وإخبار من الله سبحانه أو الامرآء يشهده الناس ويحضرونه، فلو أخبرتهم في غير مرأى من الناس لكذبوا عليك، ولبسوا على الضعفة، فادعوا أنهم كانوا يعرفونه، لان ذلك من غوامض علومهم (ولا تستفت فيهم منهم أحدا) أي لا تستخبر في أهل الكهف وعددهم من أهل الكتاب أحدا والخطاب له (صلى الله عليه وآله) والمراد غيره ( ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) فيه وجهان :
أحدهما: أنه نهي من الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه واله) أن يقول: إني أفعل شيئا في الغد إلا أن يقيد ذلك بمشية الله تعالى، فيقول: إن شاء الله تعالى، وفيه إضمار القول.
وثانيهما: أن قوله: (( أن يشآء الله )) بمعنى المصدر، وتقديره : ولا تقولن إني فاعل شيئا غدا إلا بمشية الله، والمعنى لا تقل: إني أفعل إلا ما يشآء الله ويريده من الطاعات.
(( واذكر ربك إذا نسيت )) أي إذا نسيت الاستثنآء ثم تذكرت فقل : إن شآء الله، وإن كان بعد يوم أو شهر أو سنة، وقد روي ذلك عن أئمتنا (عليهم السلام)، ويمكن أن يكون الوجه فيه أنه إذا استثنى بعد النسيان فإنه يحصل له ثواب المستثني من غير أن يؤثر الاستثنآء بعد انفصال الكلام في الكلام، وفي إبطال الحنث وسقوط الكفارة في اليمين، وقيل : معناه واذكر ربك إذا غضبت بالاستغفار ليزول عنك الغضب، وقيل : إنه أمر بالانقطاع إلى الله تعالى، ومعناه واذكر ربك إذا نسيت شيئا بك إليه حاجة يذكره (بحار الانوار مجلد: 16 من ص 201 سطر 19 الى ص 209 سطر 18) لك، وقيل : المراد به الصلاة، والمعنى إذا نسيت صلاة فصلها إذ ذكرتها. أقول: يحتمل أن يكون الخطاب متوجها إليه صلى الله عليه واله والمراد به غيره ، ويمكن أن يكون المراد بالنسيان الترك ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى . ثم قال في قوله: (( وقل عسى أن يهدين ربي لاقرب من هذا رشدا )) أي قل: عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات على النبوة ما يكون أقرب إلى الرشد وأدل من قصة أصحاب الكهف .
قوله تعالى: (( طه )) ذهب أكثر المفسرين إلى أن معناه يا رجل بلسان الحبشية أو النبطية، وقيل: هو من أسماء النبي (صلى الله عليه واله) .
وقال الطبرسي: روي عن الحسن أنه قرأ (طه) بفتح الطاء وسكون الهاء، فإن صح فأصله (طأ) فابدل من الهمزة هآء، ومعناه طأ الارض بقدميك جميعا، فقد روي أن النبي صلى الله عليه واله كان يرفع إحدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه، فأنزل الله : (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) فوضعها، وروي ذلك عن أبي عبدالله (عليه السلام)، وقال قتادة : كان يصلي الليل كله ويعلق صدره بحبل حتى لا يغلبه النوم، فأمره الله سبحانه أن يخفف عن نفسه، وذكر أنه ما أنزل عليه الوحي ليتعب كل هذا التعب.
قوله تعالى: (( ما أنزلنا عليك القران لتشقى )) قال البيضاوي: ما أنزلناه عليك لتتعب بفرط تأسفك على كفر قريس، إذ ما عليك إلا أن تبلغ، أو بكثرة الرياضة وكثرة التهجد والقيام على ساق، والشقآء شائع بمعنى التعب، وقيل : رد وتكذيب للكفرة، فإنهم لما رأوا كثرة عبادته قالوا : إنك لتشقى بترك ديننا، وإن القرآن انزل عليك لتشقى به (إلا تذكرة) لكن تذكيرا، وانتصابه على الاستثناء المنقطع (لمن يخشى) لمن في قلبه خشية ورقة يتأثر بالانذار، أو لمن علم الله منه أنه يخشى بالتخويف منه، فإنه المنتفع به.
قوله تعالى: (( وسبح بحمد ربك )) قيل: أي وصل وأنت حامد لربك على هدايته وتوفيقه، أو نزهه عن الشرك وعن سائر ما يضيفون إليه من النقائص حامدا له على ما ميزك بالهدى، معترفا بأنه المولى للنعم كلها (قبل طلوع الشمس) يعني الفجر (وقبل غروبها) يعني الظهر والعصر، لانهما في آخر النهار، أو العصر وحده (ومن آناء الليل) ساعاته (فسبح) يعني المغرب والعشآء، وقيل: صلاة الليل (وأطراف النهار) تكرير لصلاتي الصبح والمغرب، إرادة الاختصاص، أو أمر بصلاة الظهر، فإنه نهاية النصف الاول من النهار، وبداية النصف الاخير (لعلك ترضى) أي سبح في هذه الاوقات طمعا أن تنال عند الله ما به ترضى نفسك (ولا تمدن عينيك) أي نظر عينيك (إلى ما متعنا به) استحسانا وتمنيا أن يكون لك مثله (أزواجا منهم) أصنافا من الكفرة (زهرة الحيوة الدنيا) الزهرة : الزينة والبهجة، منصوب بمحذوف دل عليه (متعنا) أو به على تضمينه معنى أعطينا (لنفتنهم فيه) أي لنبلوهم ونختبرهم فيه، أو لنعذبهم في الآخرة بسببه (ورزق ربك) وما ادخره لك في الآخرة، أو ما رزقك من الهدى والنبوة (خير) مما منحهم في الدنيا (وأبقى) فإنه لا ينقطع.
(( وأمر أهلك بالصلاة )) قال الطبرسي: أي أهل بيتك وأهل دينك بالصلوة، روى أبوسعيد الخدري قال: لما نزلت هذه الآية كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يأتي باب فاطمة وعلي تسعة أشهر وقت كل صلاة فيقول: الصلاة يرحمكم الله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. ورواه ابن عقدة من طرق كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام وعن غيرهم، مثل أبي بردة، وأبي رافع. وقال أبوجعفر (عليه السلام): أمره الله تعالى أن يخص أهله دون الناس ليعلم الناس أن لاهله عند الله منزلة ليست للناس، فأمرهم مع الناس عامة، وأمرهم خاصة.
(( واصطبر عليها )) أي وأصبر على فعلها وعلى أمرهم بها (لا نسألك رزقا) لخلقنا ولا لنفسك، بل كلفناك للعبادة وأداء الرسالة، وضمنا رزق جميع العباد (نحن نرزقك) الخطاب للنبي صلى الله عليه واله، والمراد به جميع الخلق، أى نرزق جميعهم ولا نسترزقهم (والعاقبة للتقوى) أى العاقبة المحمودة لاهل التقوى . قوله تعالى: (( واخفض جناحك )) أي لين جانبك لهم، مستعار من خفض الطائر جناحه: إذا أراد أن ينحط (الذى يراك حين تقوم) أي إلى التهجد، أو للانذار (وتقلبك في الساجدين) أى ترددك في تصفح أحوال المتهجدين، كما روي أنه صلى الله عليه واله لما نسخ فرض قيام الليل طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعاتهم، فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع من دندنتهم بذكر الله والتلاوة، أو تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والركوع والسجود والقعود إذا أمهم .
قال الطبرسي : وقيل معناه وتقلبك في أصلاب الموحدين من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبيا، وهو المروى عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام )، قالا : في أصلاب النبيين نبي بعد نبي حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح، من لدن آدم.
قوله تعالى: (( إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر )) أى سبب للانتهاء عن المعاصي حال الاشتغال بها وغيرها، من حيث أنها تذكر الله وتورث للنفس خشية منه، أو الصلاة الكاملة هي التي تكون كذلك، فإن لم تكن كذلك فكأنها ليست بصلاة، كما روى الطبرسي مرسلا عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من أحب أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل؟ فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء والمنكر، فبقدر ما منعته قبلت منه ( ولذكرالله أكبر) أى ذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته، أو ذكر العبد لله في جميع الاحوال أكبر الطاعات، أو أكبر في النهي عن الفحشآء والمنكر، وسيأتي لها في كتاب الامامة تأويلات اخر. قوله تعالى: (( فاصبر )) أى على أذاهم (إن وعد الله) بنصرتك وإظهار دينك على الدين كله (حق ولا يستخفنك) أى ولا يحملنك على الخفة والقلق (الذين لا يوقنون) بتكذيبهم.
قوله تعالى: (( وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا )) على سائر الامم (ولا تطع الكافرين والمنافقين) تهييج له على ما هو عليه من مخالفتهم (ودع أذاهم) أى إيذاءهم إياك، ولا تحتفل به، أو إيذاءك إياهم مجازاة ومؤاخذة على كفرهم، و لذلك قيل: إنه منسوخ (وكفى بالله وكيلا) موكولا إليه الامر في الاحوال كلها.
قوله تعالى: (( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات )) أى فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيهم وإصرارهم على التكذيب. (إن الله عليم بما يصنعون) فيجازيهم عليه.
قوله تعالى: (( وما علمناه الشعر )) قال البيضاوى: رد لقولهم: إن محمدا شاعر، أى ما علمناه الشعر بتعليم القرآن، فإنه غير مقفى ولا موزون، وليس معناه ما يتوخاه الشعراء من التخييلات المرغبة والمنفرة (وما ينبغي له) وما يصح له الشعر ولا يتأتى له إن أراد قرضه على ما اختبرتم طبعه نحوا من أربعين سنة، وقوله:

أنا النبي لا كذب ***** أنا ابن عبدالمطلب
وقوله:
هل أنت إلا أصبع دميت ***** وفي سبيل الله ما لقيت
اتفاقي من غير تكلف وقصد منه إلى ذلك، وقد يقع مثله كثيرا في تضاعيف المنثورات، على أن الخليل ما عد المشطور من الرجز شعرا، وروي أنه حرك البائين، و كسر التاء الاولى بلا إشباع، وسكن الثانية، وقيل : الضمير للقرآن أى وما يصح للقرآن أن يكون شعرا .
وفي قوله تعالى: (( واستغفر لذنبك )) : وأقبل على أمر دينك وتدارك فرطاتك بترك الاولى والاهتمام بأمر العدى بالاستغفار، فإنه تعالى كافيك في النصر وإظهار الامر (وسبح بحمد ربك بالعشي والابكار) : ودم على التسبيح والتحميد لربك، وقيل: صل لهذين الوقتين، إذ كان الواجب بمكة ركعتان بكرة، وركعتان عشآء. وفي قوله تعالى: (( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة )) : أي في الجزاء وحسن العاقبة (إدفع) أي السيئة حيث اعترضتك (بالتي هي أحسن) منها وهي الحسنة، أو بأحسن ما يمكن رفعها به من الحسنات (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) أي إذا فعلت ذلك صار عدوك المشاق مثل الولي الشفيق (وما يلقاها) أي هذه السجية وهي مقابلة الاساءة بالاحسان (إلا الذين صبروا ) فإنها تحبس النفس عن الانتقام (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) من الخير وكمال النفس، وقيل: الحظ العظيم: الجنة (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ) أي نخس، شبه به وسوسته لانها بعث على ما لا ينبغي كالدفع بما هو أسوء (فاستعذ بالله) من شره ولا تطعه (إنه هو السميع ) لاستعاذتك (العليم) بنيتك أو بصلاحك.
وفي قوله تعالى: (( وقيله )) : عطف على (الساعة) أي وقول الرسول (فاصفح عنهم) فأعرض عن دعوتهم آيسا عن إيمانهم (وقل سلام) تسلم منكم ومتاركة (فسوف يعلمون) تسلية للرسول، وتهديد لهم.
وفي قوله تعالى: (( ولا تستعجل لهم )) : أي لكفار قريش بالعذاب فإنه نازل بهم في وقته لا محالة (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) استقصروا من هو له مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبونها ساعة (بلاغ) أى هذا الذي وعظتم به، أو هذه السورة كفاية، أو تبليغ من الرسول (صلى الله عليه واله).
قوله تعالى: (( فاعلم أنه لا إله إلا الله )) قال الطبرسي رحمه الله: أي أقم على هذا العلم، واثبت عليه، وقيل: يتعلق بما قبله، أي إذا جاءتهم الساعة فاعلم أنه لا إله إلا الله، أي يبطل الممالك عند ذلك فلا ملك ولا حكم لاحد إلا الله، وقيل: إن هذا إخبار بموته، أي فاعلم أن الحي الذي لا يموت هو الله وحده، وقيل: إنه صلى الله عليه واله كان ضيق الصدر من أذى قومه فقيل له: فاعلم أنه لا كاشف لذلك إلا الله (واستغفر لذنبك) الخطاب له والمراد به الامة، وقيل: المراد به الانقطاع إلى الله تعالى، فإن الاستغفار عبادة يستحق به الثواب. (والله يعلم متقلبكم ومثواكم) أي متصرفكم في أعمالكم في الدنيا، ومصيركم في الآخرة إلى الجنة أو إلى النار، وقيل: متقلبكم في أصلاب الآبآء إلى أرحام الامهات، (ومثواكم) أي مقامكم في الارض، وقيل: متقلبكم من ظهر إلى بطن، ومثواكم في القبور، وقيل: متصرفكم بالنهار، ومضجعكم بالليل.
وقال البيضاوي في قوله تعالى: (( وسبح بحمد ربك )) : أي نزهه عن العجز عما يمكن، والوصف بما يوجب التشبيه، حامدا له على ما أنعم عليك من إصابة الحق وغيرها (قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) يعني الفجر والعصر (ومن آناء الليل فسبحه) أي وسبحه بعض الليل (وأدبار السجود) وأعقاب الصلاة، وقيل: المراد بالتسبيح الصلاة، فالصلاة قبل الطلوع الصبح، وقبل الغروب الظهر والعصر، ومن الليل العشآء آن والتهجد، وأدبار السجود النوافل بعد المكتوبات، وقيل: الوتر بعد العشاء.
وقال الطبرسي رحمه الله: (وأدبار السجود) فيه أقوال:
أحدها: أن المراد به الركعتان بعد المغرب (وإدبار النجوم) الركعتان قبل الفجر عن علي والحسن بن علي (عليهم السلام).
وثانيها: أنه التسبيح بعد كل صلاة.
وثالثها: أنه النوافل بعد المفروضات.
ورابعها: أنه الوتر من آخر الليل، وروي ذلك عن أبي عبدالله (عليه السلام).
قوله تعالى: (( وما أنت عليهم بجبار )) قال البيضاوي: أي بمسلط تقسرهم على الايمان، أو تفعل بهم ما تريد، وإنما أنت داع.
وفي قوله تعالى: (( واصبرك لحكم ربك )) : بإمهالهم وإبقائك في عنائهم (فإنك بأعيننا) في حفظنا بحيث نراك ونكلاك (وسبح بحمد ربك حين تقوم) عن أي مكان قمت، أو من منامك، أو إلى الصلاة (( ومن الليل فسبحه )) فإن العبادة فيه أشق على النفس وأبعد عن الرئاء (وإدبار النجوم) وإذا أدبرت النجوم من آخر الليل.
وقال الطبرسي رحمه الله: يعني الركعتين قبل صلاة الفجر وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله ع(ليهما السلام).
وقال البيضاوي في قوله تعالى: (( ن )) : من أسمآء الحروف، وقيل: اسم الحوت والمراد به الجنس أو اليهموت وهو الذي عليه الارض، أو الدواة، فإن بعض الحيتان يستخرج منه شئ أسود يكتب به.
وقال الطبرسي: روي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه واله قال: هو نهر في الجنة قال الله له: كن مدادا فجمد، وكان أبيض من اللبن، وأحلى من الشهد، ثم قال للقلم: اكتب فكتب القلم ما كان وهو كائن إلى يوم القيامة، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام).
(( والقلم )) قال البيضاوي: هو الذي خط اللوح، أو الذي يخط به، أقسم به لكثرة فوائده (وما يسطرون) وما يكتبون، والضمير للقلم بالمعنى الاول على التعظيم، أو بالمعنى الثاني على إرادة الجنس، وإسناد الفعل إلى الآلة وإجرائه مجرى اولي العلم لاقامته مقامه، أو لاصحابه، أو للحفظة، وما مصدرية أو موصولة (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) جواب القسم، والمعنى ما أنت بمجنون منعما عليك بالنبوة وحصافة الرأي (وإن لك لاجرا) على الاحتمال أو الابلاغ (غير ممنون) مقطوع، أو ممنون به عليك من الناس، فإنه تعالى يعطيك بلا توسط (وإنك لعلى خلق عظيم) إذ تحتمل من قومك ما لا يحتمله أمثالك (فستبصر ويبصرون * بأيكم المفتون) أيكم الذي فتن بالجنون، والباء مزيدة، أو بأيكم الجنون، على أن (المفتون) مصدر، أو بأي الفريقين منكم الجنون ؟ أبفريق المؤمنين، أو بفريق الكافرين ؟ أي في أيهما من يستحق هذا الاسم (فاصبر لحكم ربك) وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم (ولا تكن كصاحب الحوت) يونس (إذ نادى) في بطن الحوت (وهو مكظوم) مملو غيظا في الضجرة فتبتلى ببلائه.
وقال الطبرسي رحمه الله: (إنك لعلى خلق عظيم) أي على دين عظيم، وقيل: معناه إنك متخلق بأخلاق الاسلام، وعلى طبع كريم، وقيل: سمي خلقه عظيما لاجتماع مكارم الاخلاق فيه، ويعضده ما روي عنه (صلى الله عليه واله) أنه قال: (إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق)، وقال (صلى الله عليه واله): (أدبني ربي فأحسن تأديبي)
وقال: وأخبرني السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني، عن أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن الضحاك بن مزاحم قال: لما رأت قريش تقديم النبي صلى الله عليه واله عليا عليه السلام وإعظامه له نالوا من علي (عليه السلام)، وقالوا: قد افتتن به محمد صلى الله عليه واله، فأنزل الله تعالى (ن والقلم وما يسطرون) قسم أقسم الله به (ما أنت) يا محمد (بنعمة ربك بمجنون * وإنك لعلى خلق عظيم) يعني القرآن إلى قوله: (بمن ضل عن سبيله) وهم النفر الذين قالوا ما قالوا (وهو أعلم بالمهتدين) علي ابن أبي طالب (عليه السلام).
وقال البيضاوي في قوله تعالى: (( ملتحدا )) أي منحرفا وملتجئا (إلا بلاغا من الله) استثناء من قوله: (لا أملك) فإن التبليغ إرشاد وإنفاع، أو من (ملتحدا) و (رسالاته) عطف على (بلاغا من الله).
(( ومن يعص الله ورسوله )) في الامر بالتوحيد، إذ الكلام فيه (حتى إذا رأوا ما يوعدون) في الدنيا كوقعة بدر أو في الآخرة (قل إن أدري) أي ما أدري (أم يجعل له ربي أمدا) غاية يطول مدتها، كأنه لما سمع المشركون (حتى إذا رأوا ما يوعدون) قالوا: متى يكون ؟ إنكارا، قيل: قل: إنه كائن لا محالة، ولكن لا أدري وقته (فلا يظهر) فلا يطلع (على غيبه أحدا) أي على الغيب المخصوص به علمه (إلا من ارتضى)يعلم بعضه حتى يكون له معجزة (من رسول) بيان (من).
(( فإنه يسلك من بين يديه )) من بين يدي المرتضى (ومن خلفه رصدا) حرسا من الملائكة يحرسونه من اختطاف الشياطين وتخاليطهم (ليعلم أن قد أبلغوا) أي ليعلم النبي الموحى إليه أن قد أبلغ جبرئيل والملائكة النازلون بالوحي، أو ليعلم الله أن أبلغ الانبياء بمعنى ليتعلق علمه به موجودا (رسالات ربهم) كما هي محروسة عن عن التغيير (وأحاط بما لديهم) بما عند الرسل (وأحصى كل شئ عددا) حتى القطر والرمل .
وفي قوله تعالى: (( يا أيها المزمل * قم الليل... )) أي قم إلى الصلاة، أو داوم عليها (إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه) الاستثناء من (الليل) و (نصفه) بدل من (قليلا) وقلته بالنسبة إلى الكل، والتخيير بين قيام النصف والزائد عليه كالثلثين، والناقص عنه كالثلث، أو (نصفه) بدل من (الليل)والاستثناء منه، والضمير في (منه) و (عليه) للاقل من النصف كالثلث، فيكون التخيير بينه وبين الاقل منه كالربع، والاكثر منه كالنصف، أو للنصف، والتخيير بين أن يقوم أقل منه على البت، وأن يختار أحد الامرين من الاقل والاكثر، أو الاستثناء من أعداد الليل، فإنه عام، والتخيير بين قيام النصف و الناقص عنه والزائد عليه (ورتل القرآن ترتيلا) اقرأه على تؤدة وتبيين حروف بحيث يتمكن السامع من عدها (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) يعني القرآن. فإنه لما فيه من التكاليف الشاقة ثقيل على المكلفين، أو رصين لرزانة لفظه ومتانة معناه، أو ثقيل على المتأمل فيه لافتقاره إلى مزيد تصفية للسر، وتحديد للنظر، أو ثقيل في الميزان، أو على الكفار والفجار، أو ثقيل تلقيه لقول عائشة: رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فينفصم عنه، وإن جبينه ليرفض عرقا (إن ناشئة الليل) إن النفس التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة، من نشأ من مكانه: إذا نهض، أو قيام الليل على أن الناشئة له، أو العبادة التي تنشأ بالليل، أي تحدث، أو ساعات الليل، فإنها تحدث واحدة بعد اخرى، أو ساعاتها الاول من نشأت: إذا ابتدأت (هي أشد وطأ) أى كلفة، أو ثبات قدم (وأقوم قيلا) وأسد مقالا، أو أثبت قراءة لحضور القلب، وهدوء الاصوات (إن لك في النهار سبحا طويلا) تقلبا في مهامك واشتغالا بها، فعليك بالتهجد، فإن مناجات الحق تستدعي فراغا (واذكر اسم ربك) ودم على ذكره ليلا ونهارا (وتبتل إليه تبتيلا) وانقطع إليه بالعبادة، وجرد نفسك عما سواه (رب المشرق والمغرب) خبر محذوف، أو مبتدأ خبره (لا إله إلا هو).
(( فاتخذه وكيلا )) مسبب عن التهليلة، فإن توحده بالالوهية يقتضي أن توكل إليه الامور (واصبر على ما يقولون) من الخرافات (واهجرهم هجرا جميلا) بأن تجانبهم وتداريهم ولا تكافيهم، وتكل أمرهم إلى الله كما قال: (وذرني والمكذبين) دعني وإياهم، وكل إلي أمرهم (اولي النعمة) أرباب التنعم، يريد صناديد قريش (ومهلهم قليلا) زمانا أو إمهالا (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه) استعار الادنى للاقل، لان الاقرب إلى الشئ أقل بعدا منه، و (نصفه) و (ثلثه) عطف على (أدنى).
(وطائفة من الذين معك) ويقوم ذلك جماعة من أصحابك (والله يقدر الليل والنهار) لا يعلم مقادير ساعاتهما كما هي إلا الله (علم أن لن تحصوه) أي لن تحصوا تقدير الاوقات، ولن تستطيعوا ضبط الساعات (فتاب عليكم) بالترخيص في ترك القيام المقدور، ورفع التبعة فيه (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل، عبر عن الصلاة بالقراءة كما عبر عنها بسائر أركانها، قيل: كان التهجد واجبا على التخيير المذكور، فعسر عليهم القيام به فسنخ به، ثم نسخ هذا بالصلوات الخمس، أو فاقرؤا القرآن بعينه كيفما تيسر عليهم (علم أن سيكون منكم مرضى) استيناف يبين حكمة اخرى مقتضية للترخيص والتخفيف، ولذلك كرر الحكم مرتبا عليه، وقال: (وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله) والضرب في الارض: ابتغآء للفضل، أو المسافرة للتجارة، وتحصيل العلم .
(( يا أيها المدثر )) أي المتدثر، وهو لابس الدثار، وسيأتي القول فيه (قم) من مضجعك، أو قم قيام عزم وجد (فأنذر) مطلق للتعميم، أو مقدر بمفعول دل عليه قوله: (وأنذر عشيرتك الاقربين).
(( وربك فكبر )) وخصص ربك بالتكبير وهو وصفه بالكبرياء عقدا وقولا (و ثيابك فطهر) من النجاسات فإن التطهير واجب في الصلاة، محبوب في غيرها، وذلك بغسلها أو بحفظها عن النجاسة كتقصيرها مخافة جر الذيول فيها، وهو أول ما امر به من رفض العادات المذمومة، أو طهر نفسك من الاخلاق والافعال الذميمة أو فطهر دثار النبوة عما يدنسه من الحقد والضجر وقلة الصبر (والرجز فاهجر) واهجر العذاب بالثبات على هجر ما يؤدي إليه من الشرك وغيره من القبائح (ولا تمنن تستكثر) ولا تعط مستكثرا، نهي عن الاستغزاز، وهو أن يهب شيئا طامعا في عوض أكثر، نهي تنزيه، أو نهيا خاصا به (صلى الله عليه واله)، أو لا تمنن على الله بعبادتك مستكثرا إياها، أو على الناس بالتبليغ مستكثرا به الاجر منهم، أو مستكثرا إياه (ولربك) ولوجهه أو أمره (فاصبر) فاستعمل الصبر، أو فاصبر على مشاق التكاليف وأذى المشركين.
وفي قوله تعالى: (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) أي كل واحد من مرتكب الاثم، الداعي لك إليه، ومن الغالي في الكفر الداعي إليه (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا) أي وداوم على ذكره، أو دم على صلاة الفجر والظهر والعصر، فإن الاصيل يتناول وقتيهما (ومن الليل فاسجد له) وبعض الليل فصل له، ولعل المراد به صلاة المغرب والعشآء (وسبحه ليلا طويلا) وتهجد له طائفة طويلة من الليل.
لى: أبي، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان الاحمر، عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: جآء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) وقد بلي ثوبه، فحمل إليه اثنى عشر درهما، فقال: يا علي خذ هذه الدراهم فاشتر لي ثوبا ألبسه، قال علي (عليه السلام): فجئت إلى السوق فاشتريت له قميصا باثنى عشر درهما، وجئت به إلى رسول الله (صلى الله عليه واله)، فنظر إليه فقال: يا علي غير هذا أحب إلي، أترى صاحبه يقيلنا ؟ فقلت: لا أدري، فقال: انظر، فجئت إلى صاحبه فقلت: إن رسول الله (صلى الله عليه واله) قد كره هذا يريد ثوبا دونه فأقلنا فيه، فرد علي الدراهم، وجئت به. إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) فمشى معي إلى السوق ليبتاع قميصا، فنظر إلى جارية قاعدة على الطريق تبكي، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه واله): ما شأنك ؟ قالت: يا رسول الله إن أهل بيتي أعطوني أربعة دراهم لاشتري لهم بها حاجة فضاعت فلا أجسر أن أرجع إليهم، فأعطاها رسول الله (صلى الله عليه واله) أربعة دراهم، وقال: ارجعي إلى أهلك، ومضى رسول الله (صلى الله عليه واله) إلى السوق فاشترى قميصا بأربعة دراهم، ولبسه وحمد الله، وخرج فرأى رجلا عريانا يقول: من كساني كساه الله من ثياب الجنة، فخلع رسول الله (صلى الله عليه واله) قميصه الذي اشتراه وكساه السائل، ثم رجع إلى السوق فاشترى بالاربعة التي بقيت قميصا آخر، فلبسه وحمد الله ورجع إلى منزله، وإذا الجارية قاعدة على الطريق، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما لك لا تأتين أهلك ؟ قالت: يا رسول الله إني قد أبطأت عليهم وأخاف أن يضربوني، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله): مري بين يدي ودليني على أهلك، فجآء رسول الله (صلى الله عليه واله) حتى وقف على باب دارهم، ثم قال: السلام عليكم يا أهل الدار، فلم يجيبوه، فأعاد السلام فلم يجيبوه، فأعاد السلام فقالوا: عليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال لهم: ما لكم تركتم إجابتي في أول السلام والثاني ؟ قالوا: يا رسول الله سمعنا سلامك فأحببنا أن تستكثر منه، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله): إن هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤاخذوها، فقالوا: يا رسول الله هي حرة لممشاك، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله): الحمد لله، ما رأيت اثنى عشر درهما أعظم بركة من هذه، كسى الله بها عريانين، وأعتق بها نسمة
لى: ابن الوليد، عن الصفار، عن عبدالله بن الصلت، عن يونس، عن ابن حميد، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): خمس لا أدعهن حتى الممات: الاكل على الحضيض مع العبيد، وركوبي الحمار مؤكفا، وحلبي العنز بيدي، ولبس الصوف، والتسليم على الصبيان، لتكون سنة من بعدي
ن، ع: المظفر العلوي، عن ابن العياشي، عن أبيه، عن علي بن الحسن ابن فضال، عن محمد بن الوليد، عن العباس بن هلال، عن الرضا، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) مثله. ل: ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، وصفوان معا عن الحسين بن مصعب، عن أبي عبدالله، عن آبائه (عليهم السلام) مثله
بيان: الاكل على الحضيض: الاكل على الارض من غير أن يكون خوان، قال الجوهري: والحضيض: القرار من الارض عند منقطع الجبل، وفي الحديث (إنه اهدي إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) هدية فلم يجد شيئا يضعه عليه، فقال: ضعه بالحضيض، فإنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد) يعني بالارض. وقال الفيروزآبادي: إكاف الحمار ككتاب وغراب ووكافه: برذعته، والاكاف: صانعه، وآكف الحمار إيكافا وأكفه تأكيفا: شده عليه. أقول: سيأتي شرح الخبر بتمامه في كتاب الآداب والسنن إن شاء الله تعالى.
لى: العطار، عن أبيه، عن ابن عيسى، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن العيض بن القاسم قال: قلت للصادق جعفر بن محمد (عليه السلام): حديث يروى عن أبيك (عليه السلام) أنه قال: ما شبع رسول الله (صلى الله عليه واله) من خبز بر قط، أهو صحيح ؟ فقال: لا، ما أكل رسول الله صلى الله عليه وآله خبز بر قط، ولا شبع من خبز شعير قط
لى: ابن إدريس، عن ابن عيسى، عن محمد بن يحيى الخزاز، عن موسى بن إسماعيل، عن أبيه، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إن يهوديا كان له على رسول الله (صلى الله عليه واله) دنانير فتقاضاه فقال له: يا يهودي ما عندي ما أعطيك فقال: فإني لا افارقك يا محمد حتى تقضيني، فقال: إذا أجلس معك، فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشآء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله) يتهددونه ويتواعدونه، فنظر رسول الله صلى الله عليه واله إليهم فقال: ما الذي تصنعون به ؟ فقالوا يا رسول الله يهودي يحبسك ؟ فقال صلى الله عليه واله: لم يبعثني ربي عزوجل بأن أظلم معاهدا ولا غيره، فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلا لانظر إلى نعتك في التوراة، فإني قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبدالله مولده بمكة ومهاجره بطيبة، وليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب، ولا متزين بالفحش، ولا قول الخنآء، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله (صلى الله عليه واله)، وهذا مالي، فاحكم فيه بما أنزل الله، وكان اليهودي كثير المال، ثم قال (عليه السلام): كان فراش رسول الله صلى الله عليه واله عباءة، وكانت مرفقته أدم حشوها ليف، فثنيت له ذات ليلة، فلما أصبح قال: لقد منعني الفراش الليلة الصلاة، فأمر عليه السلام أن يجعل بطاق واحد. بيان: قال الجزري: فيه من قتل معاهدا لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، يجوز أن يكون بكسر الهآء وفتحها على الفاعل والمفعول، وهو في الحديث بالفتح أشهر وأكثر، والمعاهد: من كان بينك وبينه عهد، وأكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة ما، وقال: الشطر: النصف. وقال الجوهري: طيبة على وزن شيبة: اسم مدينة الرسول صلى الله عليه واله، والصخب بالصاد وبالسين: الضجة، واضطراب الاصوات للخصام. قوله عليه السلام: ولا متزين، في بعض النسخ بالزآء المعجمة، أي لم يجعل الفحش زينة كما يتخذه اللئام، وفي بعضها بالرآء أي لا يدنس نفسه بذلك. والخنآء أيضا الفحش في القول، والمرفقة بالكسر: الوسادة
فس: أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) في بيت ام سلمة في ليلتها، ففقدته من الفراش، فدخلها في ذلك ما يدخل النسآء، فقامت تطلبه في جوانب البيت حتى انتهت إليه وهو في جانب من البيت (بحار الانوار مجلد: 16 من ص 217 سطر 19 الى ص 225 سطر 18) قائم رافع يديه يبكي وهو يقول: (اللهم لا تنزع مني اللهم لا تشمت بي عدوا ولا حاسدا أبدا، اللهم ولا تردني في سوء استنقذتني منه أبدا، اللهم ولا تكلني إلي نفسي طرفة عين أبدا) قال: فانصرفت ام سلمة تبكي حتى انصرف رسول الله (صلى الله عليه واله) لبكائها فقال لها: ما يبكيك يا ام سلمة ؟ فقالت: بأبي أنت وامي يا رسول الله ولم لا أبكي وأنت بالمكان الذي أنت به من الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، تسأله أن لا يشمت بك عدوا أبدا، وأن لا يردك في سوء استنقذك منه أبدا، وأن لا ينزع منك صالحا أعطاك أبدا، وأن لا يكلك إلى نفسك طرفة عين أبدا ؟ فقال: يا ام سلمة وما يؤمنني ؟ وإنما وكل الله يونس بن متى إلى نفسه طرفة عين وكان منه ما كان
ابن طريف، عن ابن علوان، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: جاء إلى النبي (صلى الله عليه واله) سائل يسأله، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله): هل من أحد عنده سلف ؟ فقام رجل من الانصار من بني الجبلى فقال: عندي يا رسول الله، قال: فأعط هذا السائل أربعة أوساق تمر، قال: فأعطاه، قال: ثم جآء الانصاري بعد إلى النبي (صلى الله عليه واله) يتقاضاه فقال له: يكون إن شآء الله ثم عاد إليه فقال: يكون إن شآء الله، ثم عاد إليه الثالثة فقال: يكون إنشآء الله، فقال: قد أكثرت يا رسول الله من قول: يكون إن شآء الله، قال: فضحك رسول الله، وقال: هل من رجل عنده سلف ؟ قال: فقام رجل فقال له: عندي يا رسول الله، قال: وكم عندك ؟ قال: ما شئت، قال: فأعط هذا ثمانية أوسق من تمر، فقال الانصاري: إنما لي أربعة يا رسول الله، قال رسول الله (صلى الله عليه واله): وأربعة أيضا .
ابن طريف، عن ابن علوان، عن جعفر، عن أبيه (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يورث دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة ولا شاة ولا بعيرا، ولقد قبض (صلى الله عليه واله) وأن درعه مرهونة عند يهودي من يهود المدينة بعشرين صاعا من شعير استلفها نفقة لاهله.
أبو البخترى، عن جعفر، عن أبيه (عليه السلام) أن المساكين كانوا يبيتون في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه واله، فأفطر النبي صلى الله عليه واله مع المساكين الذين في المسجد ذات ليلة عند المنبر في برمة فأكل منها ثلاثون رجلا، ثم ردت إلى أزواجه شبعهن
محمد بن الوليد، عن ابن بكير قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة قاعدا أو يتوكأ على عصا، أو على حائط ؟ فقال: لا، ما شأن أبيك وشأن هذا ؟ ما بلغ ابوك هذا بعد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ما عظم أو بعد ما ثقل كان يصلي وهو قائم، و رفع إحدى رجليه حتى أنزل الله تبارك وتعالى: (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) فوضعها.
بيان: لعل تحمل هذه الاثقال في العبادة كان في الشريعة ثم نسخ.
محمد بن عمر الحافظ البغدادي، عن إسحاق بن جعفر العلوي، عن أبيه جعفر بن محمد، عن علي بن محمد العلوي المعروف بالمشلل، عن سليمان بن محمد القرشي، عن إسحاق بن أبي زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خمس لست بتاركهن حتى الممات: لباسي الصوف، وركوبي الحمار مؤكفا، وأكلي مع العبيد، وخصفي النعل بيدي، وتسليمي على الصبيان لتكون سنة من بعدي
بالاسانيد الثلاثة، عن الرضا، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): أتاني ملك فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام، ويقول: إن شئت جعلت لك بطحآء مكة ذهبا، قال: فرفع رأسه إلى السمآء وقال: يا رب أشبع يوما فأحمدك، وأجوع يوما فأسألك. عمر بن محمد، عن ابن مهرويه، عن داود بن سليمان، عنه عليه السلام مثله.
بإسناد التميمي، عن الرضا، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: كان النبي (صلى الله عليه واله) يضحى بكبشين أملحين أقرنين.
بهذا الاسناد قال: إن النبي (صلى الله عليه واله) كان يتختم في يمينه.
وبهذا الاسناد قال: ما شبع النبي (صلى الله عليه واله) من خبز بر ثلاثة أيام حتى مضى لسبيله.
الحسين بن أحمد البيهقي، عن محمد بن يحيى الصولي، عن سهل بن القاسم النوشجاني قال: قال رجل للرضا (عليه السلام): يابن رسول الله إنه يروى عن عروة بن زبير أنه قال: توفي النبي (صلى الله عليه واله) وهو في تقية، فقال: أما بعد قول الله عزوجل: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) فإنه أزال كل تقية بضمان الله عزوجل له وبين أمر الله، ولكن قريشا فعلت ما اشتهت بعده، وأما قبل نزول هذه الآية فلعله.
المفيد، عن الحسين بن محمد التمار، عن محمد بن إسكاب، عن مصعب بن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه واله) كان إذا رأى ناشئا ترك كل شئ، وإن كان في صلاة، وقال: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه) فإن ذهب حمد الله، وإن أمطر قال: (اللهم اجعله ناشئا نافعا) والناشئ: السحاب، والمخيلة أيضا: السحابة. بيان: قوله: والناشئ إلى آخر الكلام إما كلام الشيخ، أو بعض الروات و قال الجزرى: فيه كان إذا رأى ناشئا في افق السمآء، أي سحابا لم يتكامل اجتماعه و اصطحابه.
ابن حشيش، عن أحمد، عن سليمان بن أحمد الطبراني، عن: عمرو ابن ثور، عن محمد بن يوسف، عن سفيان الثوري، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قال: ما شبع آل محمد (عليه السلام) ثلاثة أيام تباعا حتى لحق بالله عزوجل.
ابن مخلد، عن الخالدي، عن الحسن بن علي القطان، عن عباد ابن موسى، عن إبراهيم بن سليمان، عن عبدالله بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يجلس على الارض، ويأكل على الارض، و يعتقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير.
حمويه بن علي، عن محمد بن محمد بن بكر الهزالي، عن الفضل بن الحباب، عن سلم، عن أبي هلال، عن بكر بن عبدالله أن عمر بن الخطاب دخل على النبي (صلى الله عليه واله) وهو موقوذ - أو قال: محموم - فقال له عمر: يا رسول الله ما أشد وعكك أو حماك ؟ فقال: ما منعني ذلك أن قرأت الليلة ثلاثين سورة فيهن السبع الطول، فقال عمر: يا رسول الله غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر وأنت تجتهد هذا الاجتهاد ؟ فقال: يا عمر أفلا أكون عبدا شكورا ؟ . بيان: قال الفيروزآبادي: الموقوذ: الشديد المرض المشرف، ووقذه: صرعه، و سكنه، وغلبه، وتركه عليلا كأوقذه، وقال: الوعك: أدنى الحمى ووجعها ومغثها في البدن، وألم من شدة التعب.
علي بن حاتم، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن الحسين بن موسى، عن أبيه، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) مكفرا لا يشكر معروفه، ولقد كان معروفه على القرشي والعربي والعجمي، ومن كان أعظم معروفا من رسول الله صلى الله عليه وآله على هذا الخلق ؟ وكذلك نحن أهل البيت مكفرون لا يشكر معروفنا، وخيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم.
أبي، عن القاسم بن محمد بن علي بن إبراهيم النهاوندي، عن صالح بن راهويه، عن أبي جويد مولى الرضا عليه السلام عن الرضا (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل على النبي (صلى الله عليه واله) فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام، ويقول: إن الابكار من النسآء بمنزلة الثمر على الشجر، فإذا أينع الثمر فلا دواء له إلا اجتناؤه، وإلا أفسدته الشمس، وغيرته الريح، وإن الابكار إذا أدركن ما تدرك النساء فلا دواء لهن إلا البعول، وإلا لم يؤمن عليهن الفتنة، فصعد رسول الله صلى الله عليه واله المنبر فجمع الناس ثم أعلمهم ما امر الله عزوجل به، فقالوا: ممن يا رسول الله ؟ فقال: من الاكفاء، فقالوا: ومن الاكفاء ؟ فقال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض، ثم لم ينزل حتى زوج ضباعة من المقداد بن الاسود، ثم قال: أيها الناس إني زوجت ابنة عمي المقداد ليتضع النكاح.
محمد بن الحسين، عن جعفر بن محمد بن يونس، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن النبي (صلى الله عليه واله) كان في مكان ومعه رجل من أصحابه وأراد قضاء حاجة، فقام إلى الاشائين يعني النخلتين، فقال لهم اجتمعا، فاستتر بهما النبي (صلى الله عليه واله) فقضى حاجته، ثم قام فجاء الرجل فلم ير شيئا. بيان: قال الجوهري: الاشاء بالفتح والمد: صغار النخل.
الصدوق: عن عبدالله بن حامد، عن أحمد بن محمد بن الحسين، عن محمد بن يحيى أبي صالح، عن الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، أن جابر بن عبدالله قال: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه واله) بمر الظهران يرعى الغنم، وإن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: عليكم بالاسود منه فإنه أطيبه، قالوا: ترعى الغنم ؟ قال: نعم وهل نبي إلا رعاها ؟
الصدوق، عن أبيه، عن محمد العطار، عن الاشعري، عن سيف بن حاتم، عن رجل من ولد عمار يقال له: أبو لؤلؤه سماه عن آبائه قال: قال عمار رضي الله عنه: كنت أرعى غنيمة أهلي، وكان محمد صلى الله عليه واله يرعى أيضا، فقلت: يا محمد هل لك في فخ فإني تركتها روضة برق ؟ قال: نعم، فجئتها من الغد وقد سبقني محمد (صلى الله عليه واله) وهو قائم يذود غنمه عن الروضة قال: إني كنت واعدتك فكرهت أن أرعى قبلك. بيان: قال الفيروزآبادي: البرق محركة: الحمل معرب برة، وقال: الابرق: غلظ فيه حجارة ورمل وطين مختلطة، والبرقة بالضم: غلظ، الابرق وبرق: ديار العرب تنيف على مائة منها: برقة الاثمار، والاوجال، والاجداد، وعدها إلى أن قال: والنجد، ويثرب، واليمامة، هذه برق العرب.
أبي، عن النوفلي، عن أبيه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خلق الله العقل فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل، ثم قال: ما خلقت خلقا أحب إلى منك، فأعطى الله محمدا تسعة وتسعين جزء، ثم قسم بين العباد جزء واحدا.
عن الرضا، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): ضعفت عن الصلاة والجماع، فنزلت علي قدر من السماء، فأكلت منها فزاد في قوتي قوة أربعين رجلا في البطش والجماع.
عن الرضا، عن آبائه (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): كنا مع النبي (صلى الله عليه واله) في حفر الخندق إذ جاءت فاطمة ومعها كسيرة من خبز فدفعتها إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال النبي (صلى الله عليه واله): ما هذه الكسيرة ؟ قالت: خبزته قرصا للحسن والحسين جئتك منه بهذه الكسيرة، فقال النبي (صلى الله عليه واله): يا فاطمة أما إنه أول طعام دخل جوف أبيك منذ ثلاث. بالاسانيد الثلاثة عنه (عليه السلام) مثله.
علي بن الحكم، عن أبي المغرا، عن ابن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يأكل أكل العبد، ويجلس جلوس العبد، و يعلم أنه عبد. بيان: أكل العبد: الاكل على الارض كما مر، وجلوس العبد: الجلوس على الركبتين.
أبي، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يأكل أكل العبد، ويجلس جلسة العبد، وكان يأكل على الحضيض، وينام على الحضيض.
صفوان، عن ابن مسكان، عن الحسن الصيقل قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: مرت امرأة بدوية برسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يأكل وهو جالس على الحضيض، فقالت: يا محمد والله إنك لتأكل أكل العبد، وتجلس جلوسه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه واله): ويحك أي عبد أعبد مني ؟ قالت: فناولني لقمة من طعامك، فناولها، فقالت: لا والله إلا التي في فمك، فأخرج رسول الله (صلى الله عليه واله) اللقمة من فمه فناولها، فأكلتها، قال أبوعبد الله عليه السلام: فما أصابها داء حتى فارقت الدنيا . مكا: من كتاب النبوة، عن أبي عبدالله عليه السلام مثله. كا: علي، عن أبيه، عن صفوان مثله (4).
روي عن الصادق (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه واله) أقبل إلى الجعرانة فقسم فيها الاموال، وجعل الناس يسألونه فيعطيهم حتى ألجؤوه إلى الشجرة، فأخذت برده وخدشت ظهره حتى جلوه عنها وهم يسألونه، فقال: أيها الناس ردوا علي بردي، والله لو كان عندي عدد شجر تهامة نعما لقسمته بينكم، ثم ما ألفيتموني جبانا ولا بخيلا، ثم خرج من الجعرانة في ذي القعدة، قال: فما رأيت تلك الشجرة إلا خضراء كأنما يرش عليه الماء.
وفي رواية اخرى: حتى انتزعت الشجرة ردائه، وخدشت الشجرة ظهره. بيان: قال الجوهري: جلوا عن أوطانهم وجلوتهم أنا، يتعدى ولا يتعدى.
أما آدابه (صلى الله عليه واله):
فقد جمعها بعض العلمآء والتقطها من الاخبار: كان النبي (صلى الله عليه واله) أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم، لم تمس يده يد امرأة لا تحل، وأسخى الناس، لا يثبت عنده دينار ولا درهم، فان فضل ولم يجد من يعطيه و يجنه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرء منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر والشعير، ويضع سائر ذلك في سبيل الله، ولا يسأل شيئا إلا أعطاه، ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شئ، وكان يجلس على الارض، وينام عليها، ويأكل عليها، وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويفتح الباب، ويحلب الشاة، ويعقل البعير فيحلبها، ويطحن مع الخادم إذا أعيا، ويضع طهوره بالليل بيده، ولا يتقدمه مطرق، ولا يجلس مكتئا، ويخدم في مهنة أهله، ويقطع اللحم، وإذا جلس على الطعام جلس محقرا، وكان يلطع أصابعه، ولم يتجشأ قط، ويجيب دعوة الحر والعبد ولو على ذراع أو كراع، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويأكلها، ولا يأكل الصدقة، لا يثبت بصره في وجه أحد، يغضب لربه ولا يغضب لنفسه، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، يأكل ما حضر، ولا يرد ما وجد، لا يلبس ثوبين، يلبس بردا حبرة يمينة، وشملة جبة صوف، والغليظ من القطن والكتان، وأكثر ثيابه البياض، ويلبس العمامة، ويلبس القميص من قبل ميامنه، وكان له ثوب للجمعة خاصة، وكان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا، وكان له عباء يفرش له حيث ما ينقل تثنى ثنيتين، يلبس خاتم فضة في خنصره الايمن، يحب البطيخ، ويكره الريح الردية: ويستاك عند الوضوء، يردف خلفه عبده أو غيره، يركب ما أمكنه من فرس أو بلغة أو حمار، ويركب الحمار بلا سرج وعليه العذار، ويمشي راجلا و حافيا بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة، ويشيع الجنائز، ويعود المرضى في أقصى المدينة، يجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين، ويناولهم بيده، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم، و يتألف أهل الشرف بالبر لهم، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلا بما أمر الله، ولا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر إليه، وكان أكثر الناس تبسما ما لم ينزل عليه قرآن أو لم تجر عظة، وربما ضحك من غير قهقهة، لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا ملبس، ما شتم أحدا بشتمة ولا لعن امرأة ولا خادما بلعنة، ولا لاموا أحدا إلا قال: دعوه، ولا يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته، لا فظ ولا غليظ، ولا صخاب في الاسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يغفر ويصفح، يبدأ من لقيه بالسلام، ومن رامه بحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، ما أخذ أحد يده فيرسل يده حتى يرسلها، وإذا القي مسلما بدأه بالمصافحة، وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله، وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه، وقال: ألك حاجة ؟ وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعا، يجلس حيث ينتهى به المجلس، وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة، وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه، ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته، وكان في الرضا والغضب لا يقول: إلا حقا، وكان يأكل القثاء بالرطب و الملح، وكان أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب، وأكثر طعامه الماء والتمر، و كان يتمجع اللبن بالتمر ويسميهما الاطيبين، وكان أحب الطعام إليه اللحم، ويأكل الثريد باللحم، وكان يحب القرع، وكان يأكل لحم الصيد ولا يصيده، وكان يأكل الخبز والسمن، وكان يحب من الشاة الذراع والكتف، ومن القدر الدبا، ومن الصباغ الخل، ومن التمر العجوة، ومن البقول الهندبا والباذروج والبقلة اللينة.
بيان: قوله: لا يتقدمه مطرق، أي كان أكثر الناس إطرافا إلى الارض حياء، يقال: أطرق، أي سكت ولم يكلم، وأرخى عينيه ينظر إلى الارض، والمهنة بالفتح و الكسر: الخدمة، ولطع الاصابع: لحسها ومصها بعد الطعام: والكراع كغراب من البقر والغنم: مستدق الساق. وقال الفيروزآبادي: المجيع: تمر يعجن بلبن، وتمجع: أكل التمر اليابس باللبن معا، وأكل التمر وشرب عليه اللبن.
في تواضعه وحيائه:
عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يعود المريض، ويتبع الجنازة، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار، وكان يوم خيبر ويوم قريظة والنضير على حمار مخطوم بحبل من ليف تحته اكاف من ليف. وعن أنس بن مالك قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه لما يعرفون من كراهيته.
وعن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يجلس على الارض، ويأكل على الارض ويعتقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك.
وعن أنس بن مالك قال: إن رسول الله (صلى الله عليه واله) مر على صبيان فسلم عليهم وهو مغذ.
عن أسمآء بنت يزيد أن النبي (صلى الله عليه واله) مر بنسوة فسلم عليهن.
وعن ابن مسعود قال: أتى النبي (صلى الله عليه واله) رجل يكلمه فأرعد، فقال: هون عليك، فلست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القد.
عن أبي ذر قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يجلس بين ظهراني أصحابه فيجئ الغريب فلا يدري أيهم هو، حتى يسأل، فطلبنا إلى النبي (صلى الله عليه واله) أن يجعل مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكانا من طين، وكان يجلس عليه، ونجلس بجانبيه.
وسئلت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه واله يصنع إذا خلا ؟ قالت: يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويصنع ما يصنع الرجل في أهله. وعنها: أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه واله الخياطة.
وعن أنس بن مالك قال: خدمت النبي (صلى الله عليه واله) تسع سنين فما أعلمه قال لي قط: هلا فعلت كذا وكذا ؟ ولا عاب علي شيئا قط.
وعن أنس بن مالك قال: صحبت رسول الله (صلى الله عليه واله) عشر سنين، وشممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من نكهته، وكان إذا لقيه واحد من أصحابه قام معه، فلم ينصرف حتى يكون الرجل ينصرف عنه، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناولها إياه، فلم ينزع عنه حتى يكون الرجل هو الذى ينزع عنه، وما أخرج ركبتيه بين جليس له قط، وما قعد إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) رجل قط فقام حتى يقوم .
وعن أنس بن مالك قال: إن النبي (صلى الله عليه واله) أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجبذه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله (صلى الله عليه واله) وقد أثرت به حاشية الردآء من شدة جبذته، ثم قال له: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله (صلى الله عليه واله) فضحك وأمر له بعطآء.
عن أبي سعيد الخدري يقول: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) حييا لا يسأل شيئا إلا أعطاه.
وعنه قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) أشد حيآء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه.
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): لا يبلغني أحد منكم عن أصحابي شيئا، فإني احب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر .
في جوده:
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) أجود الناس كفا، وأكرمهم عشرة، من خالطه فعرفه أحبه.
من كتاب النبوة عن ابن عباس، عن النبي (صلى الله عليه واله) قال: أنا أديب الله وعلي أديبي، أمرني ربي بالسخآء والبر، ونهاني عن البخل والجفاء، وما شئ أبغض إلى الله عزوجل من البخل وسوء الخلق، وإنه ليفسد العمل كما يفسد الطين العسل.
وبرواية اخرى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان إذا وصف رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: كان أجود الناس كفا، وأجرء الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة: وأكرمهم عشرة، ومن رآه بديهة هابه، ومن خالطه فعرفه أحبه، لم أر مثله قبله ولا بعده.
وعن ابن عمر قال: ما رأيت أحدا أجود ولا أنجد ولا أشجع ولا أوضأ من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وعن جابر بن عبدالله قال: ما سئل رسول الله (صلى الله عليه واله) شئ قط قال: لا.
وعن ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهن، قال: نعم، قال: عندى أحسن العرب وأجمله ام حبيبة ازوجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال: نعم، قال مرني حتى اقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين، قال: نعم، قال ابن زميل: ولو لا أنه طلب ذلك من النبي (صلي الله عليه وآله) ما أعطاه، لانه لم يكن يسأل شيئا قط إلا قال: نعم.
وعن عمر أن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه واله) فقال: ما عندي شئ، ولكن اتبع علي، فإذا جاءنا شئ قضينا، قال عمر: فقلت: يا رسول الله ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، قال: فكره النبي (صلى الله عليه واله)، فقال الرجل: أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا، قال: فتبسم النبي (صلى الله عليه واله) وعرف السرور في وجهه.
في شجاعته:
عن علي (عليه السلام) قال: لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي (صلى الله عليه واله) وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا.
وعنه (عليه السلام) قال: كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله (صلى الله عليه واله) فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه.
وعن أنس بن مالك قال: كان بالمدينة فزغ فركب النبي (صلى الله عليه واله) فرسا لابي طلحة، فقال: ما رأينا من شئ وإن وجدناه لبحرا.
وبرواية اخرى عن أنس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) أشجع الناس، وأحسن الناس، وأجود الناس، قال: فزع أهل المدينة ليلة فانطلق الناس قبل الصوت، قال: قتلقاهم رسول الله (صلى الله عليه واله) وقد سبقهم وهو يقول: لن تراعوا، وهو على فرس لابي طلحة وفي عنقه السيف، قال: فجعل يقول للناس: لم تراعوا وجدناه بحرا، أو أنه لبحر . في علامة رضاه وغضبه:
عن ابن عمر قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يعرف رضاه وغضبه في وجهه، كان إذا رضي فكأنما تلاحك الجذر وجهه، وإذا غضب خسف لونه واسود.
عن كعب بن مالك قال: كان رسول الله(صلى الله عليه واله)إذا سره الامر استنار وجهه كأنه دارة القمر.
عن امير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) إذا رأى ما يحب قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
عن عبدالله بن مسعود، يقول: شهدت من المقداد مشهدا لان أكون أنا صاحبه أحب إلي مما في الارض من شئ، قال: كان النبي (صلى الله عليه واله) إذا غضب احمر وجهه.
عن ابن عمر قال: كان النبي (صلى الله عليه واله) يعرف رضاه وغضبه بوجهه، كان إذا رضي فكأنما تلاحك الجدر وجهه، وإذا غضب خسف لونه واسود.
قال أبو البدر: سمعت أبا الحكم الليثي يقول: هي المرآة توضع في الشمس فيرى ضوءها على الجدار يعني قوله: تلاحك الجدر.
في الرفق بامته:
عن أنس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه، فإن كان غائبا دعا له، وإن كان شاهدا زاره، وإن كان مريضا عاده.
عن جابر بن عبدالله قال: غزا رسول الله (صلى الله عليه واله) إحدى وعشرين غزوة بنفسه، شاهدت منها تسعة عشر، وغبت عن اثنتين، فبينا أنا معه في بعض غزواته إذ أعيانا ضحى تحتي بالليل فبرك، وكان رسول الله (صلى الله عليه واله) في آخرنا في آخريات الناس، فيزجي الضعيف ويردف ويدعو لهم، فانتهى إلي وأنا أقول: يا لهف امياه، وما زال لنا ناضح سوء، فقال: من هذا ؟ فقلت: أنا جابر بأبي أنت وامي يا رسول الله، قال: شأنك ؟ قلت: أعيا ناضحى، فقال: أمعك عصا ؟ فقلت: نعم، فضربه، ثم بعثه، ثم أناخه ووطئ على ذراعه، وقال: اركب فركبت فسايرته فجعل جملي يسبقه، فاستغفر لي تلك الليلة خمس وعشرين مرة، فقال لي: ما ترك عبدالله من الولد ؟ يعني أباه، قلت: سبع نسوة، قال: أبوك عليه دين ؟ قلت: نعم، قال: فإذا قدمت المدينة فقاطعهم، فإن أبوا فإذا حضر جذاذ نخلكم فأذني، وقال: هل تزوجت ؟ قلت: نعم، قال: بمن ؟ قلت: بفلانة بنت فلان بأيم كانت بالمدينة، قال: فهلا فتاة تلاعبها وتلاعبك ؟ قلت: يا رسول الله كن عندي نسوة خرق، يعني أخواته: فكرهت أن آتيهن بامرأة خرقآء، فقلت: هذه أجمع لامري، قال: أصبت ورشدت، فقال: بكم اشتريت جملك ؟ فقلت: بخمس أواق من ذهب، قال: قد أخذناه، فلما قدم المدينة أتيته بالجمل فقال: يا بلال أعطه خمس اواق من ذهب يستعين به في دين عبدالله، وزده ثلاثا واردد عليه جمله، قال: هل قاطعت غرمآء عبدالله ؟ قلت: لا يا رسول الله، قال: أترك وفآء ؟ قلت: لا، قال: لا عليك إذا حضر جذاذ نخلكم فأذني، فأذنته فجآء فدعا لنا فجذذنا واستوفى كل غريم كان يطلب تمرا وفآء، وبقي لنا ما كنا نجذ وأكثر، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله): ارفعوا ولا تكيلوا فرفعناه وأكلنا منه زمانا.
وعن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) إذا حدث الحديث أو سأل عن الامر كرره ثلاثا ليفهم ويفهم عنه.
وعن ابن عمر قال: قال رجل: يا رسول الله، فقال: لبيك.
وروي عن زيد بن ثابت أن النبي (صلى الله عليه وآله) كنا إذا جلسنا إليه إن أخذنا بحديث في ذكر الآخرة أخذ معنا، وإن أخذنا في الدنيا أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا، فكل هذا احدثكم عن رسول الله صلى الله عليه واله.
عن أبي الحميسآء قال: بايعت النبي (صلى الله عليه واله) قبل أن يبعث فواعدنيه مكانا فنسيته يومي والغد، فأتيته يوم الثالث، فقال (صلى الله عليه واله): يا فتى لقد شققت علي، أنا هاهنا منذ ثلاثة أيام.
وعن جرير بن عبدالله أن النبي (صلى الله عليه واله) دخل بعض بيوته فامتلا البيت، ودخل جرير فقعد خارج البيت، فأبصره النبي (صلى الله عليه واله) فأخذ ثوبه فلفه فرمى به إليه، وقال: اجلس على هذا، فأخذ جرير فوضعه على وجهه فقبله.
عن سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو متكئ على وسادة فألقاها إلي، ثم قال: يا سلمان ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقى له الوسادة إكراما له إلا غفر الله له.
في بكائه صلى الله عليه واله:
عن أنس بن مالك قال: رأيت إبراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو يجود بنفسه فدمعت عيناه، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله): تدمع العين، ويحزن القلب، ولا أقول: إلا ما يرضى ربنا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون.
عن خالد بن سلمة المخزومي قال: لما اصيب زيد بن حارثة انطلق رسول الله (صلى الله عليه واله) إلى منزله، فلما رأته ابنته جهشت فانتحب رسول الله (صلى الله عليه واله)، وقال له بعض أصحابه: ما هذا يا رسول الله ؟ قال: هذا شوق الحبيب إلى الحبيب.
في مشيه (صلى الله عليه واله):
عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما يتقلع من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثله.
عن جابر قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) إذا خرج مشى أصحابه أمامه، وتركوا ظهره للملائكة.
عن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله)إذا مشى مشى مشيا يعرف أنه ليس بمشي عاجز ولا بكسلان.
عن أنس بن مالك قال: كنا إذا أتينا النبي (صلى الله عليه واله) جلسنا حلقة.
وروي أن رسول الله لا يدع أحدا يمشي معه إذا كان راكبا حتى يحملهم معه، فإن أبى قال: تقدم أمامي، وأدركني في المكان الذي تريد، ودعاه (صلى الله عليه واله) قوم من أهل المدينة إلى طعام صنعوه له ولاصحاب له خمسة، فأجاب دعوتهم، فلما كان في بعض الطريق أدركهم سادس فماشاهم، فلما دنوا من بيت القوم قال للرجل السادس: إن القوم لم يدعوك، فاجلس حتى نذكر لهم مكانك ونستأذنهم بك.
في جمل من أحواله وأخلاقه:
من كتاب النبوة عن علي (عليه السلام) قال: ما صافح رسول الله (صلى الله عليه واله) أحدا قط فنزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده، وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل ينصرف، وما نازعه الحديث حتى يكون هو الذي يسكت، وما رأى مقدما رجله بين يدي جليس له قط، ولا عرض له قط أمران إلا أخذ بأشدهما، وما انتصر نفسه من مظلمة حتى ينتهك محارم الله فيكون حينئذ غضبه لله تبارك وتعالى، وما أكل متكئا قط حتى فارق الدنيا، وما سئل شيئا قط فقال: لا، وما رد سائلا حاجة إلا بها أو بميسور من القول، وكان أخف الناس صلاة في تمام، وكان أقصر الناس خطبة وأقله هذرا، وكان يعرف بالريح الطيب إذا أقبل، وكان إذا أكل مع القوم كان أول من يبدأ، وآخر من يرفع يده، وكان إذا أكل أكل مما يليه، فإذا كان الرطب والتمر جالت يده، وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس، وكان يمص المآء مصا، ولا يعبه عبا، وكان يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وإعطائه، كان لا يأخذه إلا بيمينه، ولا يعطي إلا بيمينه، وكان شماله لما سوى ذلك من بدنه، وكان يحب التيمن في كل اموره: في لبسه وتنعله وترجله، وكان إذا دعا دعا ثلاثآ، وإذا تكلم تكلم وترا، وإذا استأذن استأذن ثلاثا، وكان كلامه فصلا يتبينه كل من سمعه، وإذا تكلم رأى كالنور يخرج من بين ثناياه، وإذا رأيته قلت: أفلج الثنيتين، وليس بأفلج، وكان نظره اللحظ بعينه، وكان لا يكلم أحدا بشئ يكرهه، وكان إذا مشى ينحط من صبب، وكان يقول: إن خياركم أحسنكم أخلاقا، وكان لا يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا يتنازع أصحابه الحديث عنده، وكان المحدث عنه يقول: لم أر بعيني مثله قبله ولا بعده صلى الله عليه وآله. عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه واله إذا رئي في الليلة الظلمآء رئي له نور كأنه شقة قمر.
عنه (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال: إن الله جل جلاله يقرئك السلام ويقول لك: هذه بطحآء مكة تكون لك رضراضه ذهبا، قال: فنظر النبي (صلى الله عليه واله) إلى السمآء ثلاثا ثم قال: لا يارب، ولكن أشبع يوما فأحمدك، وأجوع يوما فأسألك.
وعنه (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يحلب عنز أهله.
وعنه (عليه السلام) قال: كان رسول الله صلى الله عليه واله يحب الركوب على الحمار مؤكفا، والاكل على الحضيض مع العبيد، ومناولة السائل بيديه.
وعن جابر بن عبدالله قال: في رسول الله (صلى الله عليه واله) خصال: لم يكن في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرفه، أو ريح عرقه، ولم يكن يمر بحجر ولا مدر إلا سجد له.
وعن ثابت بن أنس بن مالك قال: إن رسول الله (صلى الله عليه واله) كان أزهر اللون، كأن لونه اللؤلؤ، وإذا مشى تكفأ، وما شممت رائحة مسك ولا عنبر أطيب من رائحته، ولا مسست ديباجة ولا حريرا ألين من كف رسول الله (صلى الله عليه واله) كان أخف الناس صلاة في في تمام.
عن جرير بن عبدالله قال: لما بعث النبي (صلى الله عليه واله) أتيته لابايعه، فقال لي: يا جرير لاي شئ جئت ؟ قال: قلت: جئت لاسلم على يديك يا رسول الله فألقى لي كسآءه ثم أقبل على أصحابه فقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.
وعن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه واله) وعد رجلا إلى الصخرة، فقال: أنا لك هاهنا حتى تأتي، فاشتدت الشمس عليه، فقال له أصحابه: يا رسول الله لو أنك تحولت إلى الظل، قال: وعدته إلى هاهنا، وإن لم يجئ كان منه المحشر.
وعن عائشة قال: قلت: يا رسول الله لو أنك إذا دخلت الخلاء فخرجت دخلت في أثرك فلم أر شيئا خرج منك، غير أني أجد رائحة المسك، قال: يا عايشة إنا معشر الانبيآء ينبت أجسادنا على أرواح أهل الجنة، فما خرج منا من شئ ابتلعته الارض.
وعن ابن عباس قال: إن رسول الله (صلى الله عليه واله) دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبيه، فقال: يا نبي الله لو اتخذت فراشا، فقال: ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها.
وعن ابن عباس قال: إن رسول الله (صلى الله عليه واله) توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعا من شعير، أخذها رزقا لعياله.
وعن أبي رافع قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول: إذا سميتم محمدا فلا تقبحوه، ولا تجبهوه ولا تضربوه، بورك لبيت فيه محمد، ومجلس فيه محمد، ورفقة فيها محمد .