الاكتئــــــــاب عند الأطفـــــــــــال
يعجب البعض من الحديث عن الاكتئاب في الأطفال لكن للأسف هي حقيقة، بالفعل يصاب الأطفال بالاكتئاب كغيرهم من البالغين وكلما إزداد عمر الطفل كلما ازدادت احتمالية إصابته بالاكتئاب (إذا وجد الاستعداد لحدوثه)، أى أننا نجد الاكتئاب في الفئات العمرية الصغيرة لكن بنسبة أقل ممن هم أكبر سنًا وتتسبب أعراض الاكتئاب في إعاقة الطفل عن ممارسة حياته كباقي الأطفال مما يؤثر على حياته الدراسية والاجتماعية.
تشبه أعراض الاكتئاب في الأطفال إلى حد كبير تلك التي يعاني منها البالغين ولكن ولله الحمد فإن غالبية هؤلاء الأطفال لا يتطور الأمر لديهم حتى يصل إلى الاكتئاب الشديد كما يحدث في البالغين، ورغم أن الطفل قد يعاني من معظم أعراض الاكتئاب المعروفة إلا أن الشكوى الأساسية هى اضطراب المزاج.
ويختلف تعبير الطفل عن معاناته بإختلاف عمره، ففي الأطفال الصغار مثلاً قد يعانون من هلاوس سمعية أو شكاوى جسدية أو إنطواء ويظهر على هؤلاء الأطفال علامات الحزن وغالبًا ما يفقد الطفل الثقة بنفسه، في الأطفال الأكبر سنًا ومن هم على أعتاب المراهقة يختلف الأمر قليلاً فعادةً ما يعاني هؤلاء الأشبال من عرض يسمى "أنهي دنيا" ويتسم باللا مبالاة للأمور الحياتية اليومية.. ونرى فيهم تقلص للنشاط الحركي النفسي أو قد يعانون من ضلالات أو أفكار تدور حول الشعور باليأس كما يتجلى دور المرحلة العمرية في مدى تفاعل المريض مع الأعراض فعلى سبيل المثال: إذا جالت فكرة تمنِّي الموت في ذهن طفل فنادرًا ما يستطيع وضع خطة ينفذ بها عملية الإنتحار أو حتى لو وضع تصور لتلك العملية فيصعب عليها تنفيذها.
ويصبح هؤلاء الأطفال أكثر عرضة للتأثر بالضغوط والتوترات العائلية ومن الملاحظ تحسن حالة هؤلاء الأطفال بزوال تلك الضغوط أو إبتعادهم عن ذلك الجو.
وبصرف النظر عن المرحلة العمرية فإن الأعراض السائدة هى عدم القدرة على التركيز والأرق والشعور بالحزن والضيق أو التوتر.
عادةً ما تظهر أعراض الاكتئاب في صورة نوبات وغالبًا ما يبدأ أولاً بشكل تدريجي ويستمر لفترة غير واضح المعالم ويتطور الأمر ليؤثر سلبًا على علاقة الطفل بزملائه وعلى حياته الاجتماعية كما يؤثر على آدائه الدراسي وكذلك عزوفه عن الألعاب الرياضة التي اعتاد أن يمارسها أو غيرها من أنشطته اليومية. قد يظهر على الطفل أثناء نوبة الاكتئاب بعض الأعراض كالتي نجدها في اضطراب المسلكلكنها غالبًا ما تزول مع زوال نوبة الاكتئاب.
ما مدى انتشار هذا الاضطراب؟
يزداد انتشار الاكتئاب في الأطفال بزيادة السن ومن النادر أن تجد حالات من الاضطرابات المزاجية بصفة عامة والاكتئاب بصفة خاصة في سن ما قبل المدرسة، يقدر معدل وجود حالات الاكتئاب في الأطفال إلى ما يقرب من 3. % بشكل عام وترتفع هذه النسبة بين الذين يترددون على العيادات النفسية، وترتفع هذه النسبة قليلاً لتصل إلى 1% بين الأكبر سنًا من هم على أعتاب مرحلة المراهقة.
ينتشر الاكتئاب في الأولاد بنفس المعدل في البنات، وبين المراهقين يزداد الانتشار ليصل إلى 6% وتزداد النسبة في البنات لتصل ضعف نسبة البنين إلى 1:2 وبعض الدراسات ذكرت أنه قد تصل النسبة في المراهقين الأكبر سنًا حتى تصل 14 – 25%.
حالات عسر المزاج: بشكل عام فإن حالات عسر المزاج أقل انتشارًا بين تلك الفئات العمرية من حالات الاكتئاب فتمثل فقط 5 حالات بين كل مائة ألف طفل مقارنة بحالات الاكتئاب التي تصل إلى 1% لكن بعض الحالات قد تتدهور في خلال عام من بدايتها لتصبح حالة اكتئاب ومع تقدم السن ومع بلوغ الطفل مرحلة المراهقة تزداد نسبة عسر المزاج بين المراهقين لتصل إلى 5 حالات بين كل ألف حالة.
أسباب إصابة الأطفال بالإكتئاب:
هناك العديد من الأدلة التي تثبت أن أسباب اضطرابات المزاج في الأطفال تشبه إلى حد كبير تلك التي تحدث في البالغين وسنتناول سويًا بعض القرائن التي تشير إلى أسباب حدوث الاكتئاب:
أ.الدراسات الجينية:
أثبتت الدراسات أن هناك جينين (2 جين) تم التعرف عليهما عند إعتلالهما كمؤشر لإحتمال الإصابة بنوبات الاكتئاب:
الجين الأول هو جين "ماو MAO gene " وهو المسئول عن تنظيم عمل إنزيم المونو آمين أوكسيديز.
الجين الثاني هو الجين المسئول عن نقل السيروتونين ودوره مهم في عملية تصنيع مادة السيروتونين بالدماغ.
قام فريق من الأطباء النفسيين بإجراء دراسة طويلة المدى كان هدفها توضيح العلاقة بين الضغوط والمؤثرات البيئية وبين حدوث الاكتئاب في الأطفال وكانت الفئة المستهدفة من الأطفال ممن يعانون من إعتلال في الكروموسومات الحاملة للجينات المكونة لها فوجد أن هذه الكروموسومات أقل نشاطًا في تكوين الأحماض الأمينية اللازمة لتصنيع مادة السيروتونين في خلايا الطفل المصاب.. بينت الدراسة أن هناك ارتباط وثيق بين الأمرين؛ أى لابد من وجود استعداد جيني حتى يتأثر الشخص بضغوط ومؤثرات الحياة ومع اجتماع الأمرين غالبًا ما يظهر الاكتئاب وهذا ما يفسر إصابة بعض الأفراد وخلو غيرهم ممن تعرضوا لنفس الضغوط والأزمات.
ب.العوامل الوراثية:
اضطرابات المزاج عامة والاكتئاب خاصة من الاضطرابات التي تتأثر كثيرًا بالعامل الوراثي فتنتشر بين أسر معينة عن غيرها.. حيث وجد أن احتمال إصابة الطفل بالاكتئاب منتشر بشكل عام بين الأطفال الذين يتوفر لديهم تاريخ مرضي لنوبات اضطرابات في المزاج بين والديهم أو أحد الأقارب.
كما أوضحت تلك الدراسة أن احتمالية إصابة طفل بالاكتئاب يعاني أحد والديه بالاكتئاب ترتفع إلى ضعف الاحتمال بين الأطفال العاديين كما يزيد هذا الإحتمال إلى أربعة اضعاف إذا كان كلا الوالدين مصاب بالإكتئاب قبل سن 18 سنة وكلما زادت أو تكررت عدد النوبات عند الوالدين كلما زادت احتمالية إصابة أبناءهم.
ج.العوامل الحيوية والبيولوجية:
يعاني الأطفال والمراهقين المصابين بالاكتئاب بالعديد من التغييرات والاضطرابات الحيوية مثل زيادة إفراز هرمون النمو أثناء النوم عن غيرهم من الأطفال الذين لا يعانون من اضطرابات مزاجية.. كما لوحظ أن هؤلاء الأطفال يقل إفرازهم لهرمون النمو عندما يقل السكر بالدم عند حقن مادة الأنسولين وتكون نسبة إنخفاض إفراز هرمون النمو بشكل ملحوظ عن غيرهم من الأطفال ممن لا يعانون من أى اضطرابات مزاجية، ووجد أن كلا الإضطرابين السابقين يستمران في الأطفال المصابين بالاكتئاب لمدة لا تقل عن 4 أشهر كما أشارت العديد من الدراسات أنه قد يختل إفراز مادة الكورتيزول فيؤدي إلى زيادتها وقد يتأثر ولكن بشكل محدود.
- دراسات أشعة الرنين المغناطيسي MRI:
بعد إجراء أشعة الرنين المغناطيسي لحوالي مائة طفل يعانون من اضطرابات في المزاج وجد أن هناك صغر في حجم الفص الجبهي للمخ كما وجد إتساع في بطين الدماغ وهذا لا يختلف عما وجد في آشعة الرنين المغناطيسي التي أجريت على البالغين ممن يعانون من الإكتئاب، كما بينت الدراسات التشريحية أن هناك ضمور في بعض خلايا الفص الجبهي للمخ ومن بينها خلايا مسئولة عن تنظيم السيروتونين ويكون لإصابة الفص الجبهي دور واضح في تمثيل الأعراض التي يعاني منها المريض.
- دور الهرمونات:
وُجِد في الأطفال الذين يعانون من الاكتئاب انخفاض مستوى مادة السيروكسين الكلي الحر FT4 وهذا على الرغم من أن عدم تأثير أو إعتلال مستوى الهرمون المحفز للغدة الدرقية TSH لذا من المحتمل أن يكون انخفاض مستوى الغدة الدرقية سببًا في ظهور أعراض الاكتئاب وهذا مما وجه التفكير لإمكانية استخدام هرمون الغدة الدرقية كمحفز لعمل مضادات الاكتئاب في البالغين.
د.العوامل الاجتماعية:
بينت الدراسات التي تمت على التوائم أحادية البويضة أو ما تسمى التوائم المتطابقة التي تتفق 100% في شكل الجينات ان الإصابة بالاكتئاب لم تكن بنسبة 100% بين التوائم أى أنه عندما يصاب أحد التوائم بالاكتئاب فليس قطعًا أن يصاب التوأم الثاني بالاكتئاب لكن فقط تزداد احتمالية الإصابة لكن هذه الاحتمالية لم تبلغ 100%، إذن هناك عوامل أخرى غير الجينات مسئولة عن حدوث المرض.. وهو ما وضحته الدراسة للعامل الاجتماعي.
وكما ذكرنا سابقًا لابد من توفر العاملين معًا (الاستعداد الجيني+ التعرض للظروف الاجتماعية والضغوط) مثل الاضطرابات الأسرية أو تعرض الطفل للإساءة أو الإهمال كما يؤثر مستوى الأسرة الاجتماعي والمادي على الطفل أو إنفصال الوالدين والطلاق وغيرها..
كل هذا ربما يكون له دور في ظهور أعراض الاكتئاب، ومما أثبتته الدراسات أيضًا أن الأولاد الذين يتوفى آباؤهم قبل بلوغهم سن 13 عام يكونون أكثر عرضة عن غيرهم للإصابة بالاكتئاب، وكما تؤثر العوامل الاجتماعية على الطفل مؤدية إلى إصابته بالاكتئاب فنلاحظ أن إصابته بالاكتئاب تؤثر هي الأخرى على شكل حياته الاجتماعية وعلاقاته الاجتماعية وآدائه الدراسي وغيرها من جوانب حياته.
الصورة الإكلينيكية والتشخيص:
1 – الاكتئاب:
من السهل التعرف على الاكتئاب في الأطفال عندما يأتي بشكل حاد وخاصةً عند غياب أى أعراض نفسية أخرى.. ووفقًا للتصنيف الدولي الرابع للأمراض النفسية DSM IV للنقاط التشخيصية يلزم على الأقل توفر خمسة أعراض ولمدة على الأقل أسبوعين ويجب أن تؤثر هذه الأعراض على أداء الطفل الأكاديمي والاجتماعي.
ومن الأعراض الهامة التي نجدها في هؤلاء الأطفال هو الشعور بالحزن والكآبة أو الشعور بالتوتر أو فقدان الاهتمام وعدم الاحساس بالمتعة التي كانت عادةً ما تصاحب الأمور التي تدخل البهجة والسرور عليه.. ومن العلامات الهامة هى بداية ملاحظة نقص وزن الطفل عما هو متوقع في مثل سنه كما يضطرب نظام النوم فربما يصاب بالأرق أو قد يعاني من الرغبة المتزايدة في النوم أو زيادة ساعات النوم.
وبالنسبة لنشاط الطفل (النشاط النفسي الحركي) قد يلاحظ زيادته بشكل واضح أو قد يحدث العكس فيقل نشاطه بشكل واضح..
كذلك يعاني الطفل من الإرهاق وفقدان الطاقة والهمة والشعور باليأس وفقدان الثقة بالنفس والشعور بالذنب وتقل قدرة الطفل على التركيز أو التفكير و ربما يتبادر إلى ذهنه أفكار تتعلق بالموت.
ولكى نشخص الإكتئاب لابد أن تصل حدة هذه الأعراض إلى الدرجة التي تؤثر على حياة الطفل الاجتماعية أو أدائه الأكاديمي، الجدير بالذكر أنه لابد من السؤال عن تعرض الطفل أو المراهق إلى أى عقاقير قد تصيبه بالاكتئاب (الكحوليات مثلاً) أو التأكد من خلوه من أى أمراض عضوية قد تسبب حدوث الاكتئاب.
وكذلك يجب مراعاة أنه لو تعرض الطفل لوفاة أحد ممن يحبهم كأحد الوالدين مثلاً.. فلو حدث وتأثرت حالة الطفل خلال شهرين من الحادثة فلا نعطي ذلك تشخيص "اكتئاب" حيث أنه من الطبيعي أن يمر بفترة من الحزن وتعتبر هذه الفترة طبيعية لو استمرت مدة أقل من شهرين، أما لو زادت عن ذلك فهنا يصبح الأمر مرضيًا مما يحتاج إلى استشارة طبيب نفسي، وفي بعض الأحيان وفي خلال الشهرين يمكن أن نشخص الطفل على أنه يعاني من اكتئاب ولكن بشرط تأثير ذلك الحادث الشديد على حياته اليومية أو عند احساسه بالذنب أو التفكير في الانتحار أو إذا اشتكى من أعراض ذهانية أو بطء نشاطه النفسي الحركي بشكل ملحوظ جدًا.
وفي الفترة ما قبل سن البلوغ عادةً ما يشكو المريض من أعراض جسمانية كزيادة النشاط النفسي الحركي وفي بعض الأحيان قد يعاني من هلاوس وبالطبع تتوافق مع حالته النفسية السيئة وغالبًا ما يعاني من اللامبالاة وفقد الشعور باللذة والشعور باليأس وقد يعاني من ضلالات، وفي المراهقين (الأكبر سنًا) تبدأ مشاكل اضطرابات النوم والشهية للطعام.
وقد نرى في بعض المراهقين بعض التصرفات العدوانية أو المضادة للمجتمع وعدم انصياعه للأنظمة والروتين العام كما قد يتطور الأمر في بعض المراهقين لتعاطي بعض المواد المخدرة... ونجد أيضًا في المراهقين بعض الأمور الأخرى مثل الشعور بعدم الارتياح أو العدوانية والتسيب والإنطواء بعيدًا عن حياته الاجتماعية المعتادة وقد يرغب بعض المراهقين في ترك المنزل.
عادةً ما يعاني المريض من صعوبات دراسية نتيجة لضعف التركيز وقلة النشاط العام وقد لا يبالي المريض بمظهره العام فيبدو مهملاً على غير عادته.
ويمكننا الاعتماد على الطفل في معرفة مشاعره وسؤاله عن أسباب سلوكياته الحالية وعن علاقاته وما يعانيه من مشاكل اجتماعية، وقد يصعب في بعض الأحيان التعبير عن مشاعره بالألفاظ والمصطلحات التي يتفق عليها الكبار وهنا يأتي دور المعالج الذي يمكنه تسهيل هذا الأمر عليه بتقديم بعض الخيارات مثل (هل تشعر بالحزن، بالفراغ، بالتوتر)، ولابد من السؤال عن مدة الأعراض.. متى بدأت ومدى استمراريتها، أو هل تأتي على شكل فترات فقط؟... وبالطبع لابد من السؤال عن الأحداث المحزنة في حياة الطفل ومدى ارتباطها بظهور الأعراض.
وعادةً ما نلاحظ أن المرض قد أثر على معظم محاور حياته مثل علاقاته الاجتماعية وعلاقته بأقرانه وأفراد أسرته وتأثر أدائه الدراسي، وفي بعض الأحيان عندما يمتلك الطفل قدرات خاصة مثل الطفل عالي الذكاء قد يلحظ الأعراض مثل قلة التركيز ويتغلب على ذلك بزيادة ساعات المذاكرة أو طريقة المذاكرة مما لا يؤدي في النهاية إلى تدهور مستواه الدراسي، فالاكتئاب عادةً ما يعيق عدة أمور هى من شأنها أن تساعد على التحصيل الجيد فنجد فيه:
- قلة التركيز.
- بطء التفكير.
- ضعف الذاكرة.
- فقد الدافع والنشاط للتحصيل.
- الشعور بالإرهاق.
- الشعور بالنعاس.
- التململ.
- انشغال الذهن بالأفكار السلبية.
- الكسل والخمول وبطء الحركة.
كل هذه الأعراض تعيق التحصيل الدراسي للطفل وهذا مما قد يجدر بالبعض أن يخطئ التشخيص ويتصور أن هذا الطفل يعاني من صعوبات في التعلمويمكن الرجوع إليها بالتفصيل على الموقع للتعرف عليها، وببساطة عندما يتم علاج أعراض الاكتئاب سرعان ما تزول كل هذه العوائق ويرجع الطفل إلى مستواه المعتاد في التحصيل الدراسي.
ولو عانى المريض من أعراض ذهانية كالضلالات والهلاوس فعادةً ما يتناسب محتوى هذه الضلالات والهلاوس مع حالته المزاجية ولا تكون الهلاوس كتلك المميزة للفصام كالهلاوس التي هى عبارة عن صوت يعلق على كل أفعال الشخص أو هلاوس الأصوات التي تكون في شكل حوار بين شخصين أو أكثر وهذه الأنواع من الهلاوس لا نراها إلى في حالات الفصام.. لكن الهلاوس السمعية في مريض الاكتئاب -إن وجدت- فتأخذ شكل صوت شخص يتحدث إلى المريض وعادةً ما يصفه المريض بأنه صوت من الخارج أو صوت يأتي من دماغه وعادةً ما يحتوي الحوار على أفكار تدور حول الانتحار وإزدراء النفس.
وأيضًا في حالة وجود ضلالات فإن محتواها مرتبط بشكل وثيق بحالة الاكتئاب فنراها مليئة بالشعور بالذنب أو تدور حول الموت وعدم الثقة بالنفس والشعور بالعدمية.. وقد يصل الأمر إلى أن يعاني المريض من ضلالات الاضطهاد، ويندر أن نرى الأعراض الذهانية في المرحلة العمرية ما قبل المراهقة لكنها توجد بصورة غير قليلة في المراهقين ممن يعانون من الاكتئاب ويكون من الصعب تشخيص الاضطرابات المزاجية عامة في المراهقين الذين يعانون للمرة الأولى من اضطرابات مزاجية عندما تصاحب هذه الاضطرابات تناول الكحول أو غيره من المواد المخدرة التي بدورها تؤثر على الحالة المزاجية ومن ثم تؤدي إلى عدم وضوح السبب.. هل السبب المادة المخدرة أم السبب هو الاكتئاب الذي أدى بالمريض إلى تناول المادة المخدرة.
2 – عسر المزاج
وبالرجوع إلى النقاط التشخيصية لتشخيص اضطراب عسر المزاج بين الأطفال والمراهقين نرى أنه حتى نشخص حالة عسر المزاج لابد من شكوى المريض من تغيرات مزاجية على مدى فترة زمنية تمتد إلى عام وليس عامين كالبالغين.
3 – الحداد Bereavement :
هى حالة من الحزن والحداد على فقدان شخص محبوب والتي عادةً ما تظهر بصورة تشبه إلى حد كبير حالة الاكتئاب، فعادةً ما يعاني الشخص من شعور بالحزن واضطرابات النوم وضعف الشهية.. وقد يؤدي هذا إلى نقص الوزن في بعض الأحيان ويؤدي شعور الطفل بالحزن والحداد إلى الانعزال عمن حوله من أصحابه ورفاقه وأفراد أسرته.
وتعتبر كل هذه الأعراض تفاعلات مقبولة أو لنقل طبيعية في مثل هذا الموقف.. فمن الطبيعي عند فقد شخص عزيز أن ينشغل الإنسان بالحزن ويفقد بعض اهتماماته المعتادة ولكنها تعتبر غير طبيعية عند استمرارها مدة أكثر من شهرين وعندها يتم تشخيص هذه الأعراض على أنها اكتئاب وليس حالة من الحداد..
وكما ذكرنا سالفًا أنه قد يتم تشخيص الاكتئاب في هؤلاء قبل شهرين إذا كانت شدة الأعراض عالية مما يتعدى حدود الأمور الطبيعية المقبولة.
وتعتمد مدة الحداد التي يعيشها الطفل على عدة عوامل منها توفر المواساة والمساندة والرعاية بعد الحادث فمن الأمور الهامة عند فقد أحد الوالدين أن يتم الانتقال بالطفل إلى مكان آخر حتى نقلل من شعوره بفقد هذا الوالد حيث أن وجوده في مسرح أحداثه اليومية المعتادة سيشعره بالفراغ الذي تركه غياب هذا الفرد.
كما يؤثر على طول فترة الحداد مدى استعداد الطفل لتلقي خبر فقد أحد الوالدين كأن يكون الوالد مريضًا مرضًا مزمنًا وتوقعه لوفاته في أي لحظة، وقد تتطرق فكرة غريبة إلى هؤلاء الأطفال ألا وهى أنهم السبب في موت هذا الوالد أو الوالدة بسبب سوء أخلاقهم أو لأنهم لم يكونوا على ما يرام.
الفحوصات المعملية المساعدة في التشخيص:
لا يتوفر حتى الآن تحاليل أو آشعات أو إجراءات معينة تقطع بتشخيص الاكتئاب ولكن قد يساعد إجراء تحليل الغدة الدرقية في الكشف عن سبب حدوث الاكتئاب عند شكوى المريض من الأعراض.. وهناك تحليل يسمى "اختبار توقف الديكساميسازون" حتى تتم متابعة وتقييم الاستجابة للأدوية.
التشخيصات المشابهة:
هناك العديد من الاضطرابات التي تشبه أعراضها أعراض الاكتئاب مثل:
- اضطرابات المزاج الناتجة عن تعاطي العقاقير:
قد يؤدي تعاطي المواد المخدرة إلى تغيرات مزاجية منها الاكتئاب ويمكن التفريق في التشخيص فقط بعد زوال تأثير هذه المواد وخروجها من الجسم، فإذا اختفت الأعراض فهى بسبب المواد التي تعاطاها المريض وإذا استمرت عندها يكون الأمر واضحًا.
يعاني مرضى القلق من عدة أعراض تشبه الاكتئاب.
هو اضطراب سلوكي في الأطفال غالبًا ما يظهر فيه الطفل عدم الانصياع للأعراف والنظام العام مع التصرف بطريقة عدوانية نحو الآخرين.. ومثل هذه الأمور قد تظهر في بعض الأطفال عندما يعانون فقط من الاكتئاب.
ذكرنا سالفًا أن هناك بعض الأطفال يضطرب سلوكهم الحركي النفسي فقد يقل أو يزيد عن معدله الطبيعي وعند زيادته يتشابه التشخيص مع اضطراب فرط النشاط وقلة الانتباه.. لكن في الاضطراب الأخير تكون زيادة الحركة دائمة ومنذ نشأة الطفل الأولى وليست منذ فترة قريبة التي هى بداية المرض كما في الاكتئاب، وقلما يعاني الأطفال من الصورة التقليدية للإكتئاب المصحوب بزيادة النشاط النفسي الحركي لكن مظاهر النشاط الزائد في نوبات من الغضب أو عدم القدرة على الجلوس في مكانه لفترة طويلة نسبيًا وبالطبع تتضح الصورة عند زوال أعراض الإكتئاب وعندها يعود الطفل إلى طباعه المعتادة ويمكنك الإطلاع علىاضطراب فرط النشاط وقلة الانتباه في الأطفال بالتفصيل على الموقع.
هل سيظل طفلي هكذا؟
يعتمد مسار الاكتئاب وكذلك ما سيؤل إليه على عدة عوامل منها: سن الطفل عند بداية الاضطراب، شدة النوبة التي عانى منها ووجود أمراض أخرى مصاحبة من عدمه... فكلما بدأ المرض مبكرًا وكلما تكررت النوبات وكلما كان هناك أمراض مصاحبة كلما كان مآل المرض سيئًا..
ومن الدراسات التي أجريت بشكل واسع على الأطفال والمراهقين الذين يعانون من الاكتئاب وجد أن متوسط مدة النوبة حوالي 9 أشهر وأن احتمالية ظهور الأعراض في خلال عامين من النوبة كان حوالي 40% وتزيد هذه الاحتمالية مع الوقت لتصل إلى 70% في خلال الخمس سنوات التالية لحدوث النوبة.
وتزداد احتمالية تكرار نوبات الإكتئاب للأطفال الذين يعانون من الاكتئاب في الأسر التي تعاني من نظرة سلبية أو تشاؤمية في التعامل مع أمور الحياة، وعند وجود أعراض ذهانية أو قلة النشاط النفسي الحركي و وجود تاريخ مرضي في الأسرة للاضطراب الوجداني فإن كل هذا يرفع من احتمال إصابة الطفل فيما بعد بالنوع الأول من الاضطراب الوجداني ومع استمرار وجود الأعراض يتأثر أداء الطفل الدراسي والاجتماعي مما يؤدي إلى تدهوره نسبيًا عما قبل.
ويختلف الأمر بالنسبة لحالات عسر المزاج: وجد أن متوسط طول فترة المرض قد يصل إلى 4 سنوات.. كلما كانت بداية ظهور اضطراب عسر المزاج مبكرًا كلما زادت احتمالية الإصابة بالاكتئاب لتصل النسبة في بعض الأحيان إلى 70% أو قد يصاحب وجود عسر المزاج وجود الاضطراب الوجداني في 13% في الحالات أو أن يصاحب وجود عسر المزاج تعاطي المريض موادًا مخدرة وقد وجد ذلك في 15% من حالات عسر المزاج.. وقد يزداد الأمر سوءًا بين المراهقين ليصل إلى التفكير في الموت في بعض الحالات.
العــــــــــــــــــلاج
دخول المستشفى:
عند التعامل مع طفل أو مراهق يعاني من الاكتئاب يأتي أمر توفير الأمن والسلامة في أول قائمة الأمور التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لذا يجب الإجابة على سؤال: "هل من المهم دخول المريض إلى المستشفى من عدمه" من الأمور التي يجب أن يؤخذ فيها قرارًا مبكرًا، ويتوقف هذا على مدى وجود أفكار أو محاولات انتحارية عند الطفل حتى نوفر له الحماية من أى محاولات قد تؤذيه.. ويعتبر دخول المستشفى ضرورة أيضًا في حالة مصاحبة الأعراض تعاطي المريض لأى مادة مخدرة فهنا يصبح من الصعب القيام بالعلاج خارج المستشفى.
العلاج النفسي
في دراسة كبيرة عالية المستوى تهدف إلى تحديد أفضل طرق علاج الاكتئاب أجريت على 440 من الأطفال والمراهقين ممن يعانون من الاكتئاب كانت أعمارهم بين 12 و 17 سنة تم تقسيم هذا العدد إلى 3 مجموعات لتحديد أفضل سبل العلاج وخضع هذا العدد للعلاج لمدة 12 أسبوع.
تلقت المجموعة الأولى علاجًا دوائيًا فقط وكان عقار الفلوكستين بجرعة من 10 إلى 40 ملجم.
تلقت المجموعة الثانية علاجًا نفسيًا فقط وكان في صورة علاج معرفي سلوكي.
تلقت المجموعة الثالثة النوعان من العلاج المعرفي السلوكي + العلاج الدوائي.
وكان تقييم شدة المرض لهؤلاء الأطفال يتم بواسطة أحد المقاييس النفسية يسمى "الإصدار المراجع من معدل الاكتئاب عند الأطفال CDRS-R" بالإضافة للتقييم الإكلينيكي.. وعند نهاية فترة البحث المحددة وهى 12 أسبوع تم إعادة تقييم هذا العدد من المرضى وكانت أفضل النتائج موجودة في المجموعة الثالثة (التي تلقت العلاج النفسي بالإضافة إلى العلاج الدوائي).. وباستخدام المقاييس النفسية كان التحسن في المجموعة الثالثة التي تلقت علاجًا نفسيًا (العلاج المعرفي السلوكي)بجانب الفلوكستين يصل إلى 71% من هذه المجموعة، وكان التحسن 61% للمجموعة الأولى (التي تلقت دواء الفلوكستين فقط) بينما كان 43% فقط في المجموعة التي تلقت علاجًا نفسيًا فقط.
وكانت محصلة هذه الدراسة أن أفضل طرق العلاج أن يتم خضوع المريض للعلاج الدوائي جنبًا إلى جنب مع العلاج النفسي (المعرفي السلوكي).
أ – العلاج النفسي (المعرفي السلوكي):
يعتبر العلاج النفسي من العلاجات الفعالة في الأطفال والمراهقين.. والهدف من العلاج المعرفي السلوكي أن يتم تغيير المعتقدات والأفكار التي تعيق الشخص عن التأقلم مع ضغوط الحياة اليومية وتعليمه مهارات مواجهة الأمور الصعبة وحل المشاكل بطريقة سلسة بمعنى أدق تصحيح الإنحرافات والتشوهات المعرفية التي تبناها المراهق المكتئب مثل الشعور بالإحباط والفشل وأنه لا أمل وكل الأمور سيان اجتهدنا أم لم نجتهد والنظر لنفسه نظرة سلبية و النظر للعالم أو البيئة المحيطة نظرة إعتمادية أو عدوانية والنظر للمستقبل بتوقع الفشل و المعاناة
و هذه النظرية هى التي نعتمد عليها في العلاج المعرفي لمريض الإكتئاب حيث يكون الهدف تعديل هذه النظرة.. ويمكنك الرجوع إلى العلاج المعرفي للاكتئاب في الموقع لمزيد من التفاصيل والعلاج الكامل.
والأطفال والمراهقين مثلهم مثل البالغين تتحسن لديهم أعراض الاكتئاب بخضوعهم للعلاج النفسي.
ب– الاسترخاء:
تعلم تمارين الاسترخاء يساعد كثيرًا في حالات الاكتئاب وخاصةً في الحالات البسيطة والمتوسطة.. وتظهر نتائج الاسترخاء على المدى البعيد، قد يحتاج المريض للخضوع لهذه التمارين لفترة طويلة ولكن مع استمرار المريض لعدة أسابيع من ممارسة تلك التمارين يشعر بالتحسن كلما زادت مدة التمارين (ارجع لموضوع الاسترخاء على الموقع).
ج – أنواع اخرى من العلاج النفسي:
هناك طرق أخرى مثل مجموعات المساندة والعلاج السلوكي الأسري تحقق نتائج لا بأس بها.. ودور الأسرة مهم جدًا في العلاج لذا لابد من التثقيف الصحي وتوضيح دور الأسرة في نشأة المرض ودورها في العلاج.. فطريقة تعامل الأسرة مع الأزمات ينعكس على نفسية الطفل... هل يصنع من الحبة قبة أم يتم التعامل بهدوء مع المشاكل، هل هناك أولويات في حل المشاكل أم أن الأسرة تضع في أجندتها الحالية أزمات ستحدث بعد 30 سنة.. يجب أن تتعلم الأسرة الطريقة المثلى للتعامل مع ضغوط الحياة، ويحتاج الطفل لدعم نفسي لفترة طويلة حتى يستعيد علاقاته الاجتماعية.
العلاج الدوائي:
تأتي مجموعة الأدوية التي تسمى (مثبطات استرجاع السيروتونين الاختياريةSSRIs) خط العلاج الأول في الأطفال والمراهقين وخاصةً في الحالات المتوسطة أو الشديدة.
وأثبتت أحدث الدراسات أن عقار الفلوكستين وعقار السيرترالين وعقار سيتالوبرام لهم فاعلية جيدة في علاج الاكتئاب عند الأطفال والمراهقين ولكن حتى الآن فإن الإدارة الدوائية والغذائية العالمية (وهى الجهات التي تختص بتقييم مدى فاعلية وأمن الأدوية الجديدة) لم تصرح باستخدام سوى عقار الفلوكستين في الأطفال، وهناك العديد من الدراسات الحديثة على دواء فلوكستين التي أثبتت فاعلية ولكن مع بعض الآثار الجانبية مثل الصداع والشعور بالنعاس وقد يسبب بعض اضطرابات النوم.
دواء السيرترالين من الأدوية الفعالة في علاج الاكتئاب فقد بينت الدراسات التي أجريت على عدد كبير من الأطفال الذين يعانون من الاكتئاب والذين خضعوا للعلاج بدواء السيرترالين في جرعات من 50 إلى 200 مجم كان التحسن حوالي 69% بين الأطفال لكن لهذا الدواء بعض الآثار الجانبية مثل الشعور بالغثيان والقئ والإسهال والأرق والتوتر عند بداية استعمال الدواء.
سيتالوبرام: أثبتت الأبحاث التي أجريت على دواء سيتالوبرام فعاليته في علاج الاكتئاب لكن ربما تظهر بعض الآثار الجانبية مثل الصداع والغثيان، الأرق وبعض الشعور بالإجهاد وحتى الآن لم تبين الدراسات مدى فاعلية كل من دواء الباروكستين ودواء إسيتالوبرام ودواء الفينلافاكسين ودواء الميرتازيبين و النيفازودون وكذلك مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة.. لكن دواء البوبروبيون لم يتم دراسة فاعليته بشكل كبير في الأطفال والمراهقين حتى الآن. وبالطبع تكون جرعة هذه الأدوية في الأطفال أقل من جرعة البالغين لكن الجرعة المناسبة في المراهقين لا تختلف عن جرعة البالغين.
إلى متى يستمر العلاج؟
ينصح باستمرار المريض على أدوية الاكتئاب لفترة لا تقل عن عام في الأطفال والمراهقين الذين بدأت عليهم علامات التحسن ولكن من الأفضل أن يكون وقف الدواء خلال فترة لا يشوبها أى ضغوط عائلية أو نفسية أخرى وبالطبع تحت إشراف طبي.
وماذا إذا لم يستجيب المريض للعلاج؟
لابد أن يخضع المريض لفترة لا تقل عن 3 أشهر وبجرعة مناسبة حتى يقال أنه لم يستجيب للعلاج عندها يتم تغيير الدواء إلى دواء آخر من نفس مجموعة مثبطات استرجاع السيروتونين الاختيارية وإذا لم يستجب المريض إلى الدواء الجديد يتم إعطاءه دوائين بدلاً من دواء واحد.
ماذا عن استخدم الجلسات الكهربائية ECT في علاج الاكتئاب في الأطفال؟
على الرغم من استخدام الجلسات الكهربائية في علاج البالغين في العديد من الاضطرابات النفسية إلا أنه من النادر استخدامها في المراهقين على الرغم من فاعليتها مع العلم أنه في الفترات الأخيرة قد ثبتت فاعليتها ومدى أمانها على المراهقين في علاج حالات الاكتئاب والهوس مما قد يجعله خيارًا متاحًا في السنوات القادمة.