الأول عربياً في استخدام التلفزيون.. الأخير في الدراما!


ليست مجرد مفارقة تلك التي ينوه إليها الناقد الفني العراقي مهدي عباس بأن يكون "العراق أول بلد عربي يدخله التلفزيون فيما يحتل اليوم مركزاً متأخراً من حيث ما يقدمه من دراما وبرامج".
وبنبرة يمتزج بها الحزن والغضب يقول عباس متسائلاً "هل يعقل أن ما يقدم اليوم من أعمال هابطة ومتخلفة هي نتاج بلد عرف التلفزيون عام 1956 وقدم أعمالا درامية قبل أن يؤسس التلفزيون المصري في 1960".
تلك انطباعات يتفق فيها قطاع عريض من الجمهور العراقي مع ما ذهب إليه الناقد الفني، بعد نحو أسبوع من بدء شهر رمضان الذي صار ساحة تتنافس فيها أغلب القنوات التلفزيونية لعرض نتاجها الدرامي والمنوع (الكوميدي على الأغلب).
الحصيلة عراقياً تبدو ضعيفة فـ"لا توجد أعمال درامية تستوفي الشروط المعروفة لتتجه القنوات بشكل عام إلى برامج التسلية والترفيه والفكاهة والألغاز منها مقبول والآخر مستهجن، لقلة خبرة كتاب هذا النوع من البرامج وحتى مقدميه"، بحسب الممثل العراق أياد الطائي.
خفة الدم "الثقيلة"
ومع غياب الدراما وسيادة برامج الكوميديا بدا أنه "لا شيء سوى التهريج والضحك على الذقون، أسماء وأعمال تتكرر كل رمضان بنفس التفاهة والسماجة ومن خلال نفس القنوات التلفزيونية"، يوضح الناقد عباس في تصريح إلى موقع (ارفع صوتك).
هنا يعتبر كاتب السيناريو علي صبري، هذا المستوى الهش من العرض الفني التلفزيوني، نوعا من "الإذلال للفنان العراقي".
صبري يؤكد "ما يعرض على شاشات القنوات الفضائية العراقية، هو اذلال حقيقي وواضح للفنان العراقي، واستهانة واستخفاف بتاريخ الفنان، والفن في العراق عموماً".
وفيما خلت الفضائيات العراقية هذا العام والتي سبقته من الدراما تماما، "يكون ما يشاهده المتلقي برامج كوميدية، لا تخضع لأدنى معايير الفن والجمال".
هي برامج "أقرب للارتجال منها إلى البرامج التي تعتمد على تقاليد وأعراف التلقي، وفيها إساءة كبيره للفن العراقي المعروف برصانته وجماليته" على حد وصف الكاتب علي صبري.
لكن لماذا غابت الأعمال الرصينة التي لطالما عرفت بها الدراما العراقية طوال العقود الأخيرة من القرن الماضي؟
يقول الطائي "الدراما العراقية دخلت غرفة الإنعاش منذ حوالي 4 سنوات"، في إشارة إلى توقف عجلة الإنتاج الدرامي الذي كانت تتولاه "الفضائية العراقية" المدعومة من المال العام.
وفي حين غابت الدراما الجادة التي تغرف من قصص الحياة العراقية وشخصياتها، بدت "الدراما العراقية وهي تفقد بشكل ممنهج تاريخها ومكانتها، وتتحمل ذلك جهات عدّة بما فيها من يتحدث كثيراً عن دعم الدراما" يقول الناقد مهدي عباس.
توقفت عجلة الدراما العراقية قبل سنوات، ولجأت القنوات الفضائية إلى "تصنيع برامج كوميدية، غير مسؤولة وسطحية وتستجدي فيها ضحكة المتلقي، وتعتمد في سخريتها على الكلمة والحركة والعوق الجسدي" يعلّق الكاتب صبري.
ولا يتردد الممثل أياد الطائي عن وصف عروض رمضان العراقية "من الناحية الفنية لا تشكل هذه الأعمال أي أثر أو معالجة اجتماعية رصينة، ومن الناحية الإنسانية اشتغل الكوميديانات (ممثلو الكوميديا) وهم قلة قليلة على حساب مجاميع الممثلين الذين طالتهم البطالة القسرية".