صورة للجاسوس المزدوج السوفيتي أوليغ بنكوفسكي
خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر سنة 1962، كان العالم على شفا حرب عالمية ثالثة إثر أزمة الصواريخ الكوبية. فأثناء تلك الفترة، بلغت حدة التوتر أشدها بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية عقب اكتشاف الأخيرة لمواقع إطلاق صواريخ نووية سوفيتية موجهة نحوها بجزيرة كوبا والتي كانت تبعد مئات الكيلومترات عن أراضيها.
وفي غضون ذلك، لعب جاسوس مزدوج سوفيتي دورا حاسما خلال هذه الأزمة التي انتهت باتفاق سوفيتي أميركي نتج عنه سحب الصواريخ السوفيتية من كوبا.
التحق أوليغ بنكوفسكي، المولود يوم 23 من شهر أبريل/نيسان سنة 1919 بمدينة فلاديكافكاز (Vladikavkaz) الروسية، بالجيش الأحمر السوفيتي سنة 1937 ليعمل كجندي بإحدى فرق المدفعية. وأثناء فترة الحرب العالمية الثانية، تعرض بنكوفسكي سنة 1944 إلى إصابة خطيرة أجبرته على المكوث فترة طويلة بالمستشفى.
صورة التقطتها طائرة تجسس أمريكية لعدد من مواقع الصواريخ السوفيتية بكوبا
صورة للقائد السوفيتي نيكيتا خروتشوف
وعقب نهاية النزاع العالمي وهزيمة دول المحور، التحق أوليغ بنكوفسكي ما بين عامي 1945 و1948 بإحدى الأكاديميات العسكرية الروسية المرموقة، وبفضل ذلك نقل الأخير من الجيش السوفيتي ليعمل لصالح مديرية المخابرات الرئيسية.
لاحقا ما بين عامي 1949 و1953، واصل بنكوفسكي تكوينه بالأكاديمية الدبلوماسية ليتحول بناء على ذلك لعنصر استخباراتي هام بالاتحاد السوفيتي خاصة مع حصوله على رتبة كولونيل سنة 1960.
مع مرور الوقت، فقد بنكوفسكي ثقته بالنظام السوفيتي، حيث عارض هذا الجاسوس سياسات القائد السوفيتي نيكيتا خروتشوف (Nikita Khrushchev) والتي زادت من حدة التوتر بين المعسكرين الشرقي والغربي.
خلال شهر أبريل/نيسان سنة 1961، التقى بنكوفسكي بشكل سري بالجاسوس ورجل الأعمال البريطاني غريفيل واين (Greville Wynne) ليعرض خدماته على جهاز المخابرات البريطاني كجاسوس مزدوج متمركز بالاتحاد السوفيتي.
صورة للجاسوس أوليغ بنكوفسكي عقب اعتقاله
صورة للجاسوس البريطاني غريفيل واين
وما بين شهري أبريل/نيسان سنة 1961 وآب/أغسطس سنة 1962، نقل أوليغ بنكوفسكي للبريطانيين والأميركيين ما يزيد عن 5000 صورة لوثائق سوفيتية حساسة تعلقت بالمجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية.
خلال النصف الثاني من عام 1962، اتجه الاتحاد السوفيتي وكوبا لإنشاء منصات سرية لصواريخ نووية متوسطة المدى على الأراضي الكوبية. وفي الأثناء، سعى السوفييت لإنجاز هذا المشروع بشكل سري وإتمامه في أسرع وقت لتجنب إمكانية كشفه من قبل السلطات الأميركية والتي كانت قادرة على إفشاله بشتى السبل.
صورة لطائرة تجسس أمريكية يو 2 شبيهة بتلك التي استخدمت أثناء أزمة الصواريخ الكوبية
صورة لجواز سفر أوليغ بنكوفسكي
في غضون ذلك، لعب الجاسوس المزدوج بنكوفسكي دورا هاما في كشف البرنامج السوفيتي، حيث قدّم الأخير للبريطانيين والأميركيين معلومات عن مواقع منصات الصواريخ السوفيتية بكوبا، وقد ساعد ذلك طائرة التجسس الأميركية يو-2 في تحديد أماكن القواعد السوفيتية بشكل واضح في كوبا.
وعلى إثر ذلك، اتجهت الولايات المتحدة الأميركية يوم 22 من شهر تشرين الأول/أكتوبر سنة 1962 لفرض حصار بحري على كوبا لمنع وصول مزيد من الصواريخ السوفيتية. أيضا، قدّم بنكوفسكي خلال الأشهر السابقة معلومات حاسمة طمأنت الأميركيين وجعلتهم في مأمن من هجوم نووي انطلاقا من الأراضي السوفيتية، حيث أكد الجاسوس المزدوج على بطء وتأخر برنامج تطوير الصواريخ بعيدة المدى السوفيتية.
بفضل المعلومات التي قدّمها بنكوفسكي والذي تم منحه الاسم الرمزي هيرو (Hero)، تمكنت الولايات المتحدة الأميركية من وضع حد للطموحات السوفيتية بكوبا بشكل مبكر ولتشهد الفترة التالية حلا للأزمة التي كادت تتسبب في حرب نووية، انتهى باتفاق سوفيتي أميركي سحب من خلاله الاتحاد السوفيتي صواريخه من كوبا.
صورة التقطت من قبل طائرة تجسس أمريكية يو 2 لأحد مواقع الصواريخ السوفيتية بكوبا
في غضون ذلك، ألقى الاتحاد السوفيتي، في أشد الأزمة مع الأميركيين، يوم 22 من شهر تشرين الأول/أكتوبر سنة 1962 القبض على بنكوفسكي عقب تسرّب معلومات حساسة وكشفه في وقت سابق من قبل جاسوسها بأميركا جاك دانلوب (Jack Dunlap) ليحاكم بنكوفسكي على إثر ذلك بتهمة الخيانة ويعدم يوم 16 من شهر أيار/مايو سنة 1963 حسب مصادر رسمية سوفيتية.