السؤال: أهمية الصلاة عند المؤمن

ما أهمية الصلاة عند المؤمن ؟
الجواب:

لا يخفى عليكم أن الصلاة هجرة روحية ، يطوي الإنسان فيها فواصل البعد بينه وبين الله تعالى ، وممارسة تعبدّية يستهدف بها اكتشاف العلاقة بينه وبين بارئه عزّ وجل .
ففي الصلاة يكون الإنسان المؤمن في موارد القرب والحب الإلهي العظيم .
وفي الصلاة يعلن عن تصاغره وعبوديته لخالقه .
وفي الصلاة تتسع أمام الإنسان المؤمن آفاق العظمة والقدرة الإلهية .
وفي الصلاة يتجسّد للإنسان فقره وضعفه ، وحاجته إلى غنى بارئه ، وتتابع إفاضاته ورحمته .
وفي الصلاة تهبط الحجب بين العبد وربّه ، فتفيض اشراقات الحب والجمال الإلهي على النفس ، لتعيش أسعـد لحظات الإستمتاع والرضى ، وهي في أرقى ما تكون من حالات الصحو الوجداني ، والإستعداد للتلقّي والقبول التعبّدي .
وفي الصلاة عودة للوعي ، واكتشاف لحقيقة الذات ، ومعرفة قدرها أمام خالقها العظيم .
وفي الصلاة محاولة صادقة للهجر والخلاص من الذنوب .
وفي الصلاة سعي للعودة بطهارة النفس ، وسلامتها إلى لحظة ميلادها الفطري ، بنقائه وطهارته ؛ لأن في الصلاة عزيمة جادّة لهجر الذنوب والمعاصي ، ومحاولة مخلصة للانفلات من قيود المادة والشهوة .
فهي سعي للهجرة إلى الله تعالى ، والتسامي نحوه ، وهي محاولة للتعالي والانتقال إليه ، وهي عودة إلى الله بعد كل فترة زمنية يمارس فيها الأنسان حياته ؛ فيتعامل مع نفسه ، أو مع الله ، والناس الذين يعيش معهم ، فيتهاون بأداء حقوق الله عليه حيناً ، أو يسيء إلى الناس فيسلك سلوكاً شاذاً ومنحرفاً حيناً آخر ، فيكون بحاجة إلى التخلّص من هذه الآثار السلوكية السلبية ، والتوجهات النفسية المنحرفة ، فيجد في الصلاة محطة لتطهير النفس ، والتأمل في خيرها وصلاحها ، ومنطلقاً لتغيير مساره وتوجهه في الحياة .
فهو في وقفته الصادقة بين يدي الله تعالى ، يستغفره ويتضرّع إليه ، ويعلن براءته وندمه ، ورغبته في الإستقامة والطهارة ، فيجدّد بذلك عهده مع الله ، ويستشرف آفاق مسيرته الحياتية من أوضح مداخلها ، وأصفى أجوائها ، فتنمو بكثرة الممارسة والإقبال على الصلاة ملكات الخير ، وتتصاغر نوازع الشر ، وتتوارى عن الظهور مناشئ الإجرام ، فتقوى بذلك العزيمة ، وتشتّد الإرادة على الإصلاح وارتياد سبل الخير ، وتنمو الرغبة في الطرح والخلاص من كل سييء في الحياة ، بممارسة انسحاب النفس الدائم ، وإخلاء آفاقها من عتمة الجرائم والآثام . لذا كانت الصلاة نظاماً تعبدياً لوقاية النفس من شذوذها ، وعلاجاً جذرياً يداوي أمراضها ، بتعهّد قواها وملكاتها ونوازعها بالتنشئة الصحيحة ، والتربية المستقيمة .
وصدق الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله) وهو يصف أهمية الصلاة ، ودورها في تطهير النفس ، وتقويم السلوك البشري في الحياة بقوله : لو كان على باب دار أحدكم نهر فاغتسل في كلّ يوم منه خمس مرّات ، أكان يبقى في جسده من الدرن شيء ؟ قلنا : لا .
قال : فإنّ مثل الصلاة كمثل النهر الجاري ، كلّما صلّى صلاة كفّرت ما بينهما من الذنوب .
وجاؤه (صلى الله عليه وآله) رجل فقال له : يا رسول الله أوصني ، فقال : لا تدع الصلاة متعمّداً ، فإنّ من تركها متعمّداً فقد برئت منه ملّة الإسلام .
وجاء عنه (صلى الله عليه وآله) : ما بين الكفر والإيمان إلاّ ترك الصلاة .
وقال (صلى الله عليه وآله) : لكلّ شيء وجه ، ووجهف دينكم الصلاة ، فلا يفشفينَنَّ أحَدفكفم وجهَ دينه .
وروي عنه (صلى الله عليه وآله) : ليسَ منّي من استخفّ بصلاته ، لا يَردف عليَّ الحوضَ لا والله .
وقال (صلى الله عليه وآله) : لا يزال الشيطان ذعراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن ، فإذا ضيّعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم .
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) : ( ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ، ألا ترى العبد الصالح عيسى بن مريم قال : وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّاً) .
وروي أيضاً عنه (عليه السلام) : إذا قام المصلّي إلى الصلاة ، نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى الأرض ، وحفت به الملائكة ، وناداه ملك ، لو يعلم هذا المصلّي ما في الصلاة ما انفتل . ولهذه الأهمية العظمى للصلاة أصبحت فريضة عبادية في كل رسالة إلهية بشّر بها الأنبياء ، لأنها الصلة بين العبد وربّه ، ولأنها معراج يتسامى الفرد بها إلى مستوى الإستقامة والصلاح .
ولذلك فإنّ القرآن الكريم عندما تحدّث عن الأنبياء ورسالتهم في الحياة ، قال : (( وَجَعلناهم أئمةً يَهدونَ بأمرنا وأوحينا إليهم فعلَ الخيرات وإقامَ الصّلاة وإيتاءَ الزَّكاة وكانوا لنا عابدين )) (الأنبياء:73) .
فالصلاة شعار وعلامة للفرد المؤمن ، وللافمة المؤمنة ، وهي حدّ فاصل بين المؤمن الحق ، وبين من لا ينتمي لفامّة الإيمان .
لذا جاء قوله تعالى : (( فَأَقيموا الصَّلاَةَ إنَّ الصَّلاَةَ كَانَت عَلَى المؤمنينَ كتَابًا مَّوقوتًاً )) (النساء:103) .
فهي شعار أهل الإيمان ، وصفة أفمة التوحيد على تعاقب الأجيال ، وتتابع الرسالات والعصور . لذلك تحدّث القرآن الكريم عن أفولئك المسلمين ، وعن شعارهم مع النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فأثنى عليهم ، وقرن صفتهم بصفة أسلافهم من أتباع الأنبياء ، وأصفياء الرسل ، فقال عزّ من قائل : (( محَمَّدٌ رسول الله وَالَّذينَ مَعَه أشدّاء على الكفّار رحَماء بينهم تَراهم ركَّعاً سجَّداً يبتَغونَ فضلاً منَ الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثَر السّجود ذلكَ مَثَلهم في التَّوراة ومَثَلهم في الانجيل كزَرع أخرَجَ شَطأََه فآزره فاستغلظَ فاستَوى على سوقه يعجب الزّراعَ ليَغيظَ بهم الكفَّارَ .. )) (الفتح:29) .
وما كان للقرآن هدف في هذا العرض التاريخي للصلاة ، إلاّ ليؤكّد للمؤمنين أنّ الصلاة في كل الرسالات الإلهية كانت أفولى شعائرها ، ومخّ عبادتها بعد الإيمان بالله تعالى .
وكم أوحى لنا القرآن بقداسة الصلاة ، وأهميتها في دعوة الأنبياء ؛ فحدّثنا عن مناجاة أبي الأنبياء (عليهم السلام) وشعاره الحنيفي ، الذي تلقّاه من ربّه ، والذي كان يردّده خشوعاً ينساب في نفوس أتباعه ، عقيدةً ، ووعياً ، وطريقةً : (( قل إنّ صلاتي ونسكي وَمَحيايَ ومَماتي لله رب العالَمينَ * لا شَريكَ له وبذلكَ أمرت وَأنا أوَّل المسلمين )) (الأنعام:162 ـ 163).
وكم كان يشتد بإبراهيم (عليه السلام) الشوق إلى الله فيرفع دعاءه إليه راجياً منه أن يجعله وذرّيته من مقيمي الصلاة والمتعبّدين بها ، فيقول : (( رَبّ اجعلني مقيمَ الصَّلاة وَمن ذرّيتي... )) (إبراهيم:40) .
وهكذا عرض لنا القرآن نماذج من الخطابات الإلهية الموجّهة للأنبياء ، بوجوب الصلاة فريضة على أفممهم وأتباعهم ، ليؤكد لنا أهمية الصلاة ، ويوضح مركزها في دعوات الأنبياء ورسالات الرسل (عليهم السلام) .