منذ مدّة وأنا اتحاشى الإمسّاك بقلمي، خوفًا منه أن يضعف فيكتبك.
ومع ذلك ها أنا ذا أكتب إليك بيدان مرتجفتان، وعينان أغرقهما الدّمع، فباتتا لا تريان سوى محلامحك.
صدّقني أنا لا أبكي فراقك المرّ ذاك، ولكنني أبكي حظ قلبي العاثر الذي لم يرَ في غيرك خليلًا له، ولم يجد منك سوى خيبةٍ بعدَ خيبة وخذلانًا في آخر الأمر.
بتُ لا أعلم كم هي المرّات التي أقسمتُ فيها على تجاهل أيّ شعورٍ قد يؤدي إليك!، ولكنّك كَروما كل الطرق مهما كانت ملتوية تؤدي إلى طيفك وحبك، حتى عيناك بخضرتهما الدّائمة المستوحاة من عشب الجنّة وزيتونها، ربّاه ما أعظم آيات الجّمال التي تُليت على عينيك فاستولت على قلبي وأحكمت قبضتها عليه، وكأنّها تقول: أولم تعلم يا قلبها أنّك في حضرةِ الحبّ ضعيف هش؟!، كم عشقتُ لذّة النّظر إلى تفاصيلكَ صغيرها قبلَ كبيرها، حتى حفظتُها عن ظهرِ قلب، فأمست لا تزورني إلّا ليلًا مسيطرة على كافّة حواسي، مغترةً بما حققته من نصرٍ عندما استسلمتُ لتأملِ كلّ ما فيك، خاضعة لثغركَ الباسم كإشراقِ شمسِ صباحٍ مفعمٍ بالأمل بعد ليلٍ طويلٍ من الحزن والدّموع.
قد علّمتني في الماضي أن أعد حتى رقم عشرة قبلَ اتخاذِ أيّ قرارٍ مهما كانَ حجمه، وها أنا أعُد حتى الألف مئةَ مرّةٍ في اليوم، لاتخاذ قرارِ هجرك، ولكن هل يمكن فصلُ الرّوحِ عن الجسدِ إلّا بالموت؟
أجلسُ الآن على ذات المقعد الخشبي، أتعلم، لم يطرئ عليه أيّ تغيير سوى أنّه أصبحَ مهترئًا كفايّة لِيَشي بشيخوخةِ المشاعر، وتساقطِ آخر قطرةِ عشقٍ في خريف الحبّ الذي أقسمنا أن لا يَفنى إلّا بفَنائنا.
أنظرُ إلى السّماءِ بعينين يملؤهما شيءٌ من بقايا دمعٍ قد ذُرف، وقلبٍ أجوف فارغ إلّا منك، وعقلٍ باتَ يكتبُ على سطور الزمن أمنياته علّ جنيةَ الحظّ تنظر إلى حالِ صاحبته، فتشفق على ما أصابها من وهمِ الحظّ العاثر الذي أبى أن يُجاري ولو جزءًا من أحلامها، علّها تعلم كم حاربت عبثًا ظروفها، فتأتي بها مطيعةً لرغباتها.
كنتُ أخشى على قلمي أن يكتبك، وكم حاولت الفرار من تلك اللقاءات التي ينسجها عقلي من خيوط الشّوق الممزقة، لكن ليس هناك مفرٌ بعد الآن من أبجديةٍ لا تعترف إلّا بحروف اسمك.
هكذا أنهت رسالتها، ثم وضعت رأسها على الوسادة مطلقة العنان لِخصلات شعرها الكستنائيّة بالتنفس.
وقد رسمت خيال ابتسامة على شفتيها ينمّ عن سخريتها من ذاك اللقاء الورقيّ، ثمّ أغمضت عينيها في استسلامٍ تام، غارقة هي في هروبها المعتاد من إرسال مشاعرها إليه، تعتقد في قرارة نفسها أنّ هذا الشّوق سيفقد عذريته إذا هي افصحت عنه، لذلك لا بأس بقليلٍ من الثّقوب في الرّوح تغدو نايًا يعزفُ لحنَ الألم كواحدٍ من أعذب سيمفونيّات الحبّ الخالد.


لين محمد