أحكام العلاقة بين الجنسينِ
سنكرّس البحث في هذا الفصل عن أحكام العلاقات بين الرجل والمرأة ، والتي ينبغي أن تكون منسجمةً مع أُسس وقواعد المنهج الإسلامي ، الذي رسم لها هدفاً بيّناً ، وحدّد لها طريقاً معلوماً ، فلم يتركها للنزوة العارضة والرغبة الغامضة ، والفلتة التي لا تستند إلى موازين ثابتة ، بل أراد لها أن تكون على مستوى الأمانة العظيمة التي أناطها الله تعالى ببني الإنسان ، فقد جعلها علاقة سكن للنفس ، وطمأنينة للروح ، وراحة للجسد ، ثمّ ستراً ، وإحصاناً ، وصيانةً ، ثمّ مزرعةً للنسل ، وامتداداً للحب والودّ .
فقد تعامل مع الجنسينِ على أساس الفطرة ، مراعياً الحاجات المادية والروحية ، بلا إفراط ولا تفريط ، فحرّم جميع مظاهر وألوان العلاقات المخالفة للنزاهة والعفّة ، والمؤدية إلى الانحراف والانزلاق والشذوذ ؛ لكي يأخذ الجنسان نصيبهما في إصلاح النفس والأُسرة والمجتمع .
وقد جعلنا هذا الفصل ضمن آداب الأُسرة ؛ لأنّ الغالب في عصرنا
الحاضر ابتلاء الأُسر بمثل هذه الأحكام .
أحكام النظر :
النظر إلى الجنس الآخر من قِبل أحد الجنسين تترتب عليه آثار عملية عديدة ، ومواقف سلوكية متباينة ، قد تؤدي إلى إثارة الشهوة والوقوع في الفتنة .
قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوةَ ، وكفى بها لصاحبها فتنة ) (1) .
والنظر يؤدّي في أغلب الأحيان إلى الوقوع في شباك إبليس ، فتعقب صاحبها الندامة والحسرة ، قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( النظرة سهم من سهام إبليس مسموم ، وكم من نظرة أورثت حسرةً طويلة ) (2) .
والنظر قد يكون مقصوداً وبشهوة فيكون إحدى مقدمات الزنا ، قال الإمامان محمد الباقر وجعفر الصادق ( عليهما السلام ) : ( ما من أحد إلاّ وهو يصيب حظّاً من الزنا ، فزنا العينين النظر ، وزنا الفم القُبلة ، وزنا اليدين اللّمس ، صدّق الفرج ذلك أم كذّب ) (3) .
ولأجل الحفاظ على المجتمع من الانحراف ، والابتذال ، والسقوط ، دعا الإسلام المؤمنين والمؤمنات إلى غض البصر ، وتجنّب النظر إلى الجنس الآخر ، قال تعالى : ( قُلْ لِلمؤمِنينَ يَغُضُّوا من أبصَارِهِم ويَحفظُوا فُرُوجَهم
ــــــــــــــــ
(1) مَن لا يحضره الفقيه / الصدوق 4 : 18 / 4970 ، جماعة المدرّسين ، ط2 ، قم 1404 هـ .
(2) الكافي / الكليني 5 : 559 ، دار الكتب الإسلامية ، طهران 1403 هـ .
(3) الكافي 5 : 559 .
ذلكَ أزكَى لَهُم إنَّ اللهَ خَبيرٌ بما يَصنَعُونَ * وَقُل لِلمؤمِناتِ يَغْضُضْنَ مِن أَبصارِهِنَّ ويَحفظنَّ فُرُوجَهُنَّ ولا يُبدِينَ زِينتَهُنَّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنها وليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ على جيُوبهِنَّ ... ) (1) .
وفي هذه الآية أمر الله تعالى الجنسينِ بغض البصر ، وأمر المرأة بالحجاب بتغطية رأسها ورقبتها ، وحفظ مواضع الزينة إلاّ ما ظهر منها كالوجه والكفينِ (2) .
أمّا إظهار الزينة بنفسها فحرام ، ولكن المقصود هو مواضع الزينة عند أغلب المفسّرين .
عن مسعدة بن زياد قال : سمعت جعفراً ( عليه السلام ) ، وسُئل عمّا تظهر المرأة من زينتها ، قال : ( الوجه والكفيّن ) (3) .
والنظر الجائز هو النظرة الأُولى ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لا تُتبع النظرة النظرة ، فليس لك إلاّ أَوّل نظرة ) (4) .
والجمع بين الأدلة في جواز النظر وحرمته ، يقيّد بجواز النظرة الأُولى غير المقصودة وغير المتعمدة .
ومعاودة النظر حرام ( ولا ينظر الرجل إلى المرأة الأجنبية إلاّ مرةً من غير معاودة ... ) (5) .
ـــــــــــــــــ
(1) سورة النور : 24 / 30 ـ 31 .
(2) مجمع البيان / الطبرسي 4 : 138 ، مطبعة العرفان ، صيدا 1355 هـ . وجواهر الكلام 29 : 75 .
(3) الكافي 5 : 522 .
(4) وسائل الشيعة 20 : 193 .
(5) اللمعة الدمشقية / محمد مكي العاملي : 183 ، دار الناصر ، ط1 ، طهران 1406 هـ . وجامع المقاصد 12 : 32 .
وإنّه لا خلاف في ( تحريم نظر المرأة إلى الأجنبي أعمى كان أو مبصراً ) (1) .
والنظرة الأُولى مهما كانت أسبابها ودوافعها مقيّدة بعدم التلذّذ والريبة ، كأن تقع مصادفةً ، أو لضرورة ، أو غير ذلك ، فالنظرة بتلذّذ وريبة حرام (2) .
المستثنى في جواز النظر إلى غير الوجه والكفين :
هنالك مستثنيات لحرمة النظر يجوز فيها النظر لأشخاص معيّنين مطلقاً ، ولحالات ومواقف معيّنة ، وجميع هذا الجواز مقيّد بعدم التلذّذ والريبة إلاّ في ( الزوجين ) (3) .
أَوّلاً : استثناء بعض الأشخاص :
جوّزت الآية المتقدمة لبعض الأشخاص النظر إلى الجنس الآخر كما جاء في قوله تعالى : ( ... وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ) (4) .
تقدم أنّ المراد هو موضع الزينة وليست الزينة نفسها ، وموضع الزينة هو الوجه والكفان ، فيجوز لأشخاص معيّنين النظر إلى أكثر من الوجه
ــــــــــــــــــ
(1) الحدائق الناضرة / يوسف البحراني 23 : 65 . وجامع المقاصد 12 : 41 ـ 42 .
(2) المقنعة : 521 . والحدائق الناضرة 23 : 61 .
(3) الحدائق الناضرة 23 : 61 .
(4) سورة النور : 24 / 31 .
والكفيّن ، كالشعر وباقي أجزاء الجسد عدا العورة ، وهم :
1 ـ الزوج والأب وأبو الزوج .
2 ـ الابن وابن الزوج من زوجة ثانية .
3 ـ الأخ وأبناء الأخ وأبناء الأخت .
ويجوز للرجل النظر إلى زوجته وأُمّه ، وأمّ زوجته وبنته ، وبنت زوجته من زوج ثانٍ ، وأُخته وبنات أخيه وبنات أخته ، أي يجوز النظر إلى مطلق المحارم (1) ، وبمعنى آخر لا يتوجب على المذكورات لبس القناع ، وتغطية الرأس ، وعدم وجوب الحجاب مخصوص بما ذكرته الآية الشريفة .
أمّا ما تعارف عليه عند البعض ، وهو عدم الحجاب من أخ الزوج ، أو زوج الخالة ، أو زوج العمة ، أو ابن العم ، وابن الخال ، ومَن بدرجتهما ، أو عدم تحجّب أخت الزوجة ، أو زوجة ابن الأخ ، أو زوجة ابن الأخت ، فهذا لا جواز له ؛ لأنّ هذه الأصناف ليست من المحارم ، وعدم وجوب الحجاب مخصوص بالمحارم فقط .
ويحرم على المرأة المسلمة أن تتجرّد أمام اليهودية ، أو النصرانية ، أو المجوسية ، إلاّ إذا كانت أَمَةً ، أي مملوكةً (2) .
ويجوز تعمّد النظر دون ريبة من قِبل ( أولي الإربة ) ، وهو كما قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( الأحمق الذي لا يأتي النساء ) (3) ، وليس له حاجة
ــــــــــــــــ
(1) الحدائق الناضرة 23 : 61 . وجامع المقاصد 12 : 33 .
(2) مجمع البيان 4 : 183 .
(3) مجمع البيان 4 : 138 .
جنسية في النساء .
ويجوز النظر للأطفال الذين لم يعرفوا عورات النساء ، ولم يقووا عليها ؛ لعدم شهوتهم ، وكذلك جواز التبرّج أمامهم ، قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( لا تغطّي المرأة رأسها من الغلام حتى يبلغ ) (1) .
ويجوز إدامة النظر إلى البنت الصغيرة ، والعجوز المسنّة (2) دون تلذّذ وريبة .
ثانياً : استثناء بعض النساء من غير المحارم :
إنّ علة تحريم النظر الدائم والمتواصل ، هو منع مقدمات وأسباب الانحراف ، والأمر بعدم النظر موجّه للرجل والمرأة على حدٍّ سواء ، ولكنّ الإسلام استثنى بعض النساء ، وجوّز النظر إليهنّ دون تلذّذ ؛ مراعاةً للأمر الواقع .
فجوّز النظر إلى وجوه وأيدي وشعور نساء أهل الكتاب وأهل الذمة (3) .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهنّ وأيديهنّ ) (4) .
ويجوز النظر إلى كلِّ متبرّجة غير متقيّدة بالحجاب الإسلامي ، ويجوز النظر غير المتعمّد إلى المجنونة .
ــــــــــــــــــ
(1) الكافي 5 : 533 . وجامع المقاصد 12 : 33 .
(2) الحدائق الناضرة 23 : 64 .
(3) المقنعة : 521 . وجامع المقاصد 12 : 31 .
(4) الكافي 5 : 524 .
قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة ، والأعراب ، وأهل السواد ، والعُلُوج لأنّهم إذا نُهوا لا ينتهون ) .
وقال ( عليه السلام ) : ( والمجنونة والمغلوبة على عقلها ، ولا بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها ما لم يتعمد ذلك ) (1) .
والنظر الجائز مختصّ بنظر الرجال إلى الأصناف المذكورة من النساء ، وأن لا يكون نظر شهوة وتلذّذ ، ولا يجوز تعميم الحكم للنساء المسلمات بأن ينظرنَ إلى رجال أهل الكتاب .
ثالثاً : استثناء بعض الحالات :
المحرّم في الشريعة يصبح جائزاً عند الضرورة ، فالنظر المتبادل بين الرجل والمرأة ـ سواء كان متوالياً أو متقطعاً ـ يكون جائزاً في حال الضرورة (2) .
والضرورة قد تكون حاجةً مخفّفةً ، وقد تكون ضرورةً شديدة ، وجواز النظر عند الحاجة يكون مختصاً بالنظر إلى الوجه واليدين ، والحاجة مثل الشهادة للمرأة أو عليها ، فلابدّ من رؤية وجهها ليعرفها (3) .
وجواز النظر للحاكم والقاضي من أجل ؛ التعرّف عليها للمثول أمامه ، أو الحكم عليها (4) .
ــــــــــــــــ
(1) الكافي 5 : 524 .
(2) اللمعة الدمشقية : 183 . وجواهر الكلام 29 : 89 .
(3) المبسوط 4 : 161 . والحدائق الناضرة 23 : 63 .
(4) المبسوط 4 : 161 .
وجواز النظر لمَن أُريد التعامل معها ، في بيع ، وشراء ، وإجارة ، وغير ذلك من أنواع المعاملات (1) .
والضرورة تبيح جميع المحظورات حتى النظر إلى جسد المرأة ، وأفضل مصداق للضرورة ، هو حالات العلاج التي قد تكون على أيدي الرجال في حال الاضطرار ، أو عدم وجود المِثل ـ أي المرأة ـ التي تقوم بنفس دور الطبيب من الرجال ، ويشمل ذلك جميع حالات العلاج وما يتوقف عليه من ( فصد ، وحجامة ، ومعرفة نبض العروق ، ونحو ذلك ) (2) .
وعند الضرورة يجوز النظر إلى أي موضع لا يمكن العلاج إلاّ بعد الوقوف عليه (3) .
روى أبو حمزة الثمالي ، عن الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) ، قال : سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها ، إمّا كسر ، أو جِراح ، في مكان لا يصلح النظر إليه ، ويكون الرجال أرفق بعلاجه من النساء ، أيصلح له أن ينظر إليها ؟ قال : ( إذا اضطرت إليه فيعالجها إن شاءت ) (4) .
وهذا يعني جواز إجراء العمليات الجراحية من قِبل الرجال للنساء ، ومنها عملية الولادة حيث يطّلع الطبيب فيها على عورة المرأة ، وهذا الجواز مشروط بالضرورة ، والضرورة تأتي بعد عجز النساء عن علاج المرأة في الولادة ، أو عدم توفّر القابلة من النساء .
ـــــــــــــــــ
(1) المبسوط 4 : 161 . والحدائق الناضرة 23 : 63 . وجامع المقاصد 12 : 34 .
(2) الحدائق الناضرة 23 : 63 .
(3) راجع المبسوط 4 : 161 .
(4) الكافي 5 : 534 .
والقاعدة الكلية في النظر أنّه ( يجوز نظر الرجل إلى مِثله ما خلا العورة ، والمرأة إلى مِثلها كذلك ، والرجل إلى محارمه ما عدا العورة ، كل ذلك مقيّد بعدم التلذّذ والريبة إلاّ في الزوجين ) (1) .
وشرط عدم التلذّذ والريبة نافذ الحرمة في جميع الحالات ، حتى في النظر إلى المحارم كالأخت والخالة ، والعمة وزوجة الأب ، وبعكسها في النساء أيضاً ، كنظر الأخت والخالة ، والعمة وزوجة الأب ، إلى مقابلها من الرجال .
ويُكره النظر إلى أدبار النساء من خلف الثياب ، وإذا كان هذا النظر مصحوباً بالتلذّذ والريبة فهو حرام .
سُئل الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) عن هذا النظر فقال : ( أَما يخشى الذين ينظرون في أدبار النساء أن يبتلوا بذلك في نسائهم ) (2) .
ــــــــــــــــــ
(1) الحدائق الناضرة 23 : 61 .
(2) الكافي 5 : 520 .
أحكام متفرّقة في العلاقات العملية
1 ـ حكم سماع صوت المرأة الأجنبية :
سماع صوت المرأة الأجنبية جائز من قِبل الرجال ، وقد دلّت السيرة على جوازه ، فرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ كما هو متواتر ـ كان يسمع صوت النساء ، وكنّ يسألنه عن شؤون الدين ، وقد اشتهر عن الزهراء ( عليها السلام ) خطبتها في المسجد النبوي الشريف ، ومعارضتها لأبي بكر وعمر في خصوص الخلافة ، وفدك (1) .
والمحرّم من السماع هو السماع الموجب للّذة والفتنة (2) .
ولذا حرّم الإسلام على المرأة ترقيق القول ، وتليين الكلام بالصورة التي تثير الرجال ، أو يكون الكلام بنفسه مؤدياً للإثارة ؛ لاحتوائه على معانٍ مثيرة ، فلابدّ أن يكون الكلام مستقيماً بريئاً من الريبة موافقاً للدين (3) .
قال تعالى : ( ... فلا تَخْضَعْنَ بالقولِ فَيَطمَعَ الَّذي في قَلبهِ مَرضٌ وقُلنَ قَولاً مَّعرُوفاً ) (4) .
ــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري ، أحداث سَنة 11 هـ . والإمامة والسياسة . وتاريخ اليعقوبي . والكامل في التاريخ ، أحداث سنة 11 هـ .
(2) الحدائق الناضرة 23 : 66 ـ 67 . وجامع المقاصد 12 : 43 .
(3) مجمع البيان 4 : 356 .
(4) سورة الأحزاب : 33 / 32 .
2 ـ حكم مصافحة المرأة الأجنبية :
يحرم مصافحة المرأة الأجنبية مباشرةً ، ويجوز من وراء الثياب بأن يكون عازلاً بين اليدين ، بشرط أن لا يغمز كفّها ، فإنّ غمز الكفّ من المحرّمات ، قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( لا يحلّ للرجل أن يصافح المرأة ، إلاّ امرأة يحرم عليه أن يتزوّجها : أخت أو بنت ، أو عمة أو خالة ، أو ابنة أُخت أو نحوها ، فأمّا المرأة التي يحلُّ له أن يتزوجها ، فلا يصافحها إلاّ من وراء الثوب ولا يغمز كفّها ) (1) .
فالمصافحة حرام بين الرجل والمرأة ، ويمكن للإنسان الذي يعيش في أوساط الاختلاط ، أو في مجتمعات غير إسلامية أن يصافح من وراء الثياب ؛ دفعاً للحرج الذي يواجهه .
3 ـ حكم الخلوة بالمرأة الأجنبية :
حرّم الإسلام الاختلاء بالمرأة الأجنبية التي يحلُّ له أن يتزوجها ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لا يخلونّ رجل بامرأة ، فإنّ ثالثهما الشيطان ) (2) .
وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( فيما أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من البيعة على النساء ... ولا يقعدنّ مع الرجال في الخلاء ) (3) .
والاختلاء يعني الانفراد في مكان خالٍ من الناس ، في موضع واحد لا يصله أحد ، مع عدم الأمن من الفساد ؛ لأنّ الاختلاء يؤدّي إلى إثارة
ــــــــــــــــــ
(1) الكافي 5 : 525 . وجامع المقاصد 12 : 44 .
(2) مستدرك الوسائل 14 : 266 .
(3) الكافي 5 : 519 .
الشهوة ، وتيسير مقدمات الانحراف ، وقد اعتاد البعض على ترك الأخ مع الزوجة ، أو ابن الأخ مع زوجة العم ، أو ما شابه ذلك ، وهو من الأمور التي حرّمتها الشريعة إلاّ في حالات الضرورة القصوى .
4 ـ حكم مشي المرأة في الطريق :
من الأفضل للمرأة أن لا تمشي وسط الطريق ، وإنّما في جانبه ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( ليس للنساءِ من سَرَوات الطريق شيء ، ولكنّها تمشي في جانب الحائطِ والطريقِ ) (1) .
5 ـ حكم الدخول على النساء :
أوجب الإسلام الاستئذان في حالة دخول الرجل على المرأة ، قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( نهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يدخل الرجال على النساء إلاّ بإذنهنّ ) .
وفي رواية ( أن يدخل داخل على النساء إلاّ بإذن أوليائهنّ ) (2) .
فالاستئذان واجب ، وهو حق شخصي للمرأة من جهة ، وهو يحول عن الوقوع في ما هو حرام على الرجال من جهة أُخرى ، فطلب الإذن يتيح للمرأة الفرصة لارتداء حجابها ، وبذلك يتجنّب الرجل النظرة المحرّمة .
ويجوز للعبيد المملوكين لمرأة معيّنة أو الأطفال الدخول على المرأة المالكة في أي وقت ؛ لأنّ الاستئذان المتكرّر يولّد الحرج في مسألة
ــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 5 : 518 .
(2) الكافي 5 : 528 .
الخدمة (1) ، واستثنى الإسلام ثلاث أوقات ، فلا يباح لهم الدخول إلاّ بعد الاستئذان ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ .... ) (2) .
أمّا إذا بلغ الطفل الحُلُم فيجب عليه الاستئذان عند الدخول ، على أيّة امرأة وإن كانت محرّمةً عليه قال تعالى : ( وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا ... ) (3) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( ومَن بلغ الحُلُم فلا يلج على أُمّه ، ولا على أُخته ، ولا على خالته ، ولا على سوى ذلك ، إلاّ بإذن ... ) (4) .
وقال ( عليه السلام ) : ( يستأذن الرجل إذا دخل على أبيه ، ولا يستأذن الأب على الابن ، ويستأذن الرجل على ابنته وأُخته إذا كانتا متزوجتين ) (5) .
فالاستئذان حقّ يجب العمل به ؛ لكي لا يفاجأ الداخل المرأة وهي في حالة لم تكن متهيّئةً لاستقباله .
6 ـ حكم تشبّه الرجال بالنساء وبالعكس :
خلق الله تعالى الإنسان ذكراً وأنثى ، ووضع لكل جنس خصوصياته ،
ـــــــــــــــــــــ
(1) مجمع البيان 4 : 154 .
(2) سورة النور : 24 / 58 .
(3) سورة النور : 24 / 59 .
(4) الكافي 5 : 529 .
(5) الكافي 5 : 528 .
التي تميّزه عن غيره من الحركة والسكون ، ومن الاندفاع نحو ممارسة معيّنة والانكماش عنها ؛ ولذا فمن الواجب على الجنسين أن يحافظ كل منهما على خصوصياته المميّزة له ، في كلامه وجلوسه ومشيته ، ولباسه وعاداته وتقاليده ؛ لذا حرّم الإسلام تشبّه أحد الجنسين بالجنس الآخر ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء ، والمتشبّهات من النساء بالرجال ) (1) .
وتشديداً على الحرمة قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أخرجوهم من بيوتكم فإنّهم أقذر شيء ) (2) .
وأعراف المجتمع وتقاليده هي التي تشخّص وتحدّد طبيعة التشبّه ، وهو قد يختلف من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر .
7 ـ حكم العلاقة مع الصبيان قبل البلوغ :
وضع الإسلام بعض الأُسس والقواعد السلوكية ؛ لوقاية الإنسان من الانحراف ، وتهذيب ممارساته عن طريق التمرّن ، والتدريب ، ومجاهدة النفس ؛ لتكون له حصانة من الانزلاق ، ولهذا وضع الإسلام أحكام الاستحباب والكراهة لهذا الغرض ، فمن المستحسن للإنسان المسلم أن يداوم على المستحبات ، ويتجنّب المكروهات وإن كانت جائزةً ، ومن هذه المكروهات التي نهى عنها الإسلام ، هي تقبيل الصبي من قِبل المرأة ، وتقبيل الصبيّة من قِبل الرجل من غير محارمه ، فهو مكروه إن كان بدون شهوة ، ومحرّم إن كان بشهوة .
ـــــــــــــ
(1) علل الشرائع / الصدوق : 602 ، دار إحياء التراث العربي ، ط2 ، بيروت 1385 هـ .
(2) علل الشرائع / الصدوق : 602 ، دار إحياء التراث العربي ، ط2 ، بيروت 1385 هـ .

عن الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) : إنّ بعض بني هاشم دعاه مع جماعة من أهله ، فأتى بصبيّة له ، فأدناها أهل المجلس جميعاً إليهم ، فلمّا دنت منه سأل عن سنّها ، فقيل : ( خمس سنين ، فنحّاها عنه ) (1) .
وعن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا بلغت الجارية ستّ سنين ، فلا ينبغي لك أن تقبّلها ) (2) .
وقال ( عليه السلام ) : ( إذا بلغت الجارية ستّ سنين فلا يقبّلها الغلام ، والغلام لا يقبّل المرأة إذا جاز سبع سنين ) (3) .
فمن المستحسن عدم تعويد الصبيان على هذه الممارسات ؛ لكي لا يشبّوا عليها ؛ لأنّهم سوف لا يجدون حرجاً منها عند بلوغهم ، وقد أثبت الواقع صحة ذلك ، فكثير من الانحرافات عند البلوغ تكون مستشريةً بين النساء أو الرجال ، الذين واجهوا مثل هذه الممارسات في مرحلة الصبا .
ـــــــــــــــــ
(1) الكافي 5 : 533 .
(2) تهذيب الأحكام 7 : 481 . والكافي 5 : 533 .
(3) وسائل الشيعة 20 : 230 / 25502 .