سنوات قليلة قادمة ولن نرى السيارات التقليدية تسير في طرقات النرويج، هذا هو شعار الحكومة النرويجية وطموحها للسنوات القادمة. بالطبع من الممكن أن يكون شعارًا طموحًا وبرّاقًا للغاية خصوصًا عندما نتحدّث عن تقنية جديدة نسبيًا كالسيارات الكهربائية.
ولكن هل نتحدّث هنا عن أحلام وفقاعات وردية أم نتحدّث عن واقع حقيقي وجميل؟
في الحقيقة، يا ليت الطموحات كطموحات النرويج فهذا النوع من الطموحات يشعرك بالغيرة للحظة! فقد فاجأتنا النرويج مؤخّرًا من حيث اعتمادها على السيارات الكهربائية الصديقة للبيئة كوسيلة رئيسية للنقل، وازداد الطلب على هذه السيارات أضعافًا مضاعفة ووصلت مبيعات السيارات الكهربائية إلى أقصى معدّلاتها في عام 2018.
عندما نلقي نظرة على التجربة النرويجية في الحقيقة هي مزيج غريب جدًا من الشعور بالمسؤولية الاجتماعية من جانب المواطنين إضافةً لجهود حكومية حثيثة لاعتماد هذه السيارات كوسيلة رئيسية للنقل ولو كانت هذه الخطوة على حسابها الخاص!
التجربة النرويجية تجربة جميلة للغاية فيما يتعلّق بالسيارات الكهربائية، تعالوا نتعرّف على هذه التجربة المميّزة عن قرب لنعرف كيف استطاعت الحكومة النرويجية إنجاز هذا التغيير الجذري في المجتمع، فاعتماد سيارات كهربائية عوضًا عن التقليدية ليس تغييرًا بسيطًا يمر مرور الكرام، نحن نتحدّث عن ثورة تقنية هائلة ستغير النرويج بأكملها.
كيف استطاعت الحكومة النرويجية فعل ذلك؟
السيارات الكهربائية في النرويج عبارة عن نتيجة حتمية لسنين من العمل والجهود المتراكمة. فالأحلام بلا عمل تبقى مجرّد أحلام، ولكن عندما ننوي تنفيذ أحلامنا وجعلها واقعًا فذلك كلام آخر.
حيث بدأت خطّة النرويج الحكومية بسياسات تشجيعية منذ عودة السيارات الكهربائية للانتشار، حيث قدمت ما بوسعها لتشجيع المواطنين لتغيير سياراتهم التقليدية التي تستخدم الوقود الأحفوري واستخدامهم لسيارات كهربائية صديقة للبيئة.
وكنتيجة لهذه السياسات، أبدى قلّة قليلة من المواطنين رغبته بالعودة لسيارته القديمة فبمجرد تجربتهم للسيارات الكهربائية الجديدة تعلّقوا بها كثيرًا، فهي سيارات فخمة بمواصفات مميّزة، يمكننا القول بأن الخلطة السريّة لهذا التغيير الجذري يكمن في نوعية السيارات الجديدة الممتازة والتسهيلات الحكومية التي قدّمتها النرويج.
ما التسهيلات التي قدّمتها الحكومة النرويجية؟
الإعفاءات الضريبية وميّزات حكومية
للدعم الحكومي الفضل الأكبر في هذه الثورة التقنية التي تعيشها النرويج، فقد أخذت الحكومة الأمر على عاتقها وحاولت تغيير الأشياء نحو الأفضل، حيث ساهمت في إنشاء سوق قوي ومستدام للسيارات الكهربائية من خلال توفير السيارات الكهربائية بأسعار مختلفة تناسب جميع الشرائح في المجتمع من حيث الحجم والميّزات.
ثم أتى دور الضرائب الحكومية لتلعب دورًا أساسيًا في هذه المعادلة، ففي البداية خفّضت ضرائب القيمة المضافة لسعر السيارات الكهربائية الصديقة للبيئة، ورفعت الضرائب المتعلّقة بالسيارات التقليدية التي تستخدم الوقود الأحفوري بنسبة 20 إلى 40 بالمئة بحسب وزن السيارة وكمية الانبعاثات الكربوينة المنطلقة من السيّارة.
حينها أصبح الموضوع قابلًا للقياس بالنسبة للمواطنين، فسعر مخفض وضرائب أقل يعني أن السؤال الحقيقي هو لماذا لا ننتقل لاستخدام السيارات الكهربائية؟
لكن لدينا مشكلة هنا ماذا سنفعل حيال الكهرباء؟
توفير الكهرباء اللازمة لاستيعاب الطلب المتزايد على السيارات
عندما تخيّلت نفسي أقود سيارة كهربائية تبادر إلى ذهني السؤال الآتي: ماذا سأفعل إن انتهى شحن سيارتي؟ هل سأتابع رحلتي مشيًا على الأقدام؟
تعتبر مسألة الكهرباء إحدى المسائل الحساسّة عند الحديث حول السيارات الكهربائية، لذا وفّرت الحكومة خيارات مختلفة بالنسبة لها، فالنقطة الحرجة هي المدى المتعلّق بالسيارة أي بعبارة أخرى ما هي المسافة التي تسيرها السيارة دون الحاجة للشحن مرّة أخرى.
حاولت الحكومة توفير سيّارات كهربائية ذات مدى متنوع بأسعار منافسة إضافةً لمحاولتها وضع محطّات الشحن الكهربائي وتوزيعها بكثرة ضمن المدن.
بالطبع هذا ليس حلًا مثاليًا بشكل كامل وبالأخص للمناطق الريفية، لكنه أفضل ما هو متاح حتى الآن على الأقل.
مخاوف بيئية تدفع المزيد من البلدان لاعتماد السيارات الكهربائية!
على الرغم من جميع التسهيلات والحوافز التي قدّمتها الحكومة النرويجية، بقي الحافز الأهم لاقتناء سيارة كهربائية هو الحافز الإنساني والأخلاقي في المقام الأول، حيث وجدوا بأن انبعاثات الكربون المنطلقة من السيارات التقليدية تقدّر بـ 17 بالمئة من مجمل الانبعاثات الكربونية الكلّية في النرويج.
وأتت سياسة اعتماد السيارات الكهربائية صديقة البيئة ليكون للنرويج دورًا فعّالًا في دفع بقية البلدان باتباع سياسات مشابهة للاعتماد أكثر على التقنيات الخضراء صديقة البيئة لنعيش في كوكب أكثر سلامًا وأكثر اخضرارًا ونحافظ عليه للأجيال القادمة.
ما هي العوائق الممكنة في المستقبل القريب؟
على الرغم من توفير العديد من العوامل المشجّعة لاستخدام السيارات الكهربائية كوسيلة للنقل، ولكن ما زلنا نعاني من بعض المشكلات والتحدّيات التي تواجه هذه التقنية الحديثة ومن هذه التحدّيات:
- أسعار السيارات الكهربائية العالية جدًا!
لابدّ من الاعتراف أنّ أسعار السيارات الكهربائية عالية جدًا حاليًا، ومهما بلغت الجهود الحكومية للبلدان فلن تصل لأهدافها المرجوة والأسعار على وضعها الحالي.
وبينما يتم العمل على تخفيض أسعار السيارات الكهربائية تدريجيًا فالأمر يتطلّب المزيد من الوقت لنأمل بمستقبل القريب أن نستطيع شراء سيارات كهربائية بأسعار مقبولة خلاله.
- هل نملك ما يكفي من البطاريات؟ تعتبر حاجتنا الدائمة للبطاريات إحدى التحدّيات التي تواجه مستقبل السيارات الكهربائية، فنحن نستهلك كميّة كبيرة من البطاريّات منذ الآن، وإضافةً لقلّة الكمّية المتاح زيادتها فلدينا مشكلة تكاليف الإنتاج، فعلى الرغم من انخفاض تكلفة البطاريات الخاصة بالسيارات الكهربائية نسبيًا، فما تزال أعلى تكلفة من محركات الاحتراق التقليدية.
حتى الآن تعتبر الإعانات الحكومية هي الرافعة الحقيقية للسيارات الكهربائية، فبدون هذه الإعانات تواجه السيارات الكهربائية سوقًا تنافسيًا لا يرحم. وبالحديث عن التجربة النرويجية تتوقّع الحكومة رفع يدها عن الإعانات تدريجيًا عامًا بعد عام ولكن ذلك بطريقة مدروسة ومخطط لها بعد تواجد سوق سيارات كهربائية حقيقي ويمكن الاعتماد عليه. أمّا حاليًا تعتبر الجهود الحكومية هي العصب الحقيقي لهذه الثورة التقنية.
زين الهوشي- اراجيك