نسب السلمي ونشأته

هو أبو مروان أو أبو هارون، عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جاهمة بن العباس بن مرداس السلمي الإلبيري القرطبي الأندلس المالكي. ولد سنة 174هـ = 790م. وعبد الملك بن حبيب كان من موالي سُليم، وفي جمهرة تراجم الفقهاء المالكية: "قيل: من أنفسهم، وقيل: من مواليهم، وقيل: إنه من موالي سليم، أصله من طليطلة وانتقل جده سليمان إلى قرطبة وانتقل أبوه حبيب وإخوته في فتنة الرّبض إلى إلبيرة، ثم انتقل عبد الملك إلى قرطبة نقله إليها الأمير عبد الرحمن بن الحكم". والأصح أنه قد سكن قرطبة في زمن الأمير عبد الرحمن الأوسط، ومن بعده ابنه محمد الأول بن عبد الرحمن الأوسط، أي خلال فترة حكمهما الممتد بين العامين 206 - 273هـ.

شيوخ السلمي

كان ابن حبيب فقيهًا كثير الحديث، رحل وحج في حدود سنة 220هـ. وروى عن صعصعة بن سلام، والغازي بن قيس، وزياد بن عبد الرحمن. ورحل فسمع من عبد الملك بن الماجشون، ومطرف بن عبد الله، وإبراهيم بن المنذر الجذامي، وإسماعيل بن أويس، وأصبغ بن الفرج، وأسد بن موسى وجماعة سواهم كثير. وانصرف إلى الأندلس وقد جمع علمًا عظيمًا. ويقال إنه أدرك الإمام مالك في آخر عمره، وروى عن بعض أصحابه.

وفي كتاب "الحسبة" لابن تيمية أقوال كثيرة، يعزوها المؤلف إلى ابن حبيب، وهي تتعلق خاصة بأحكام السوق، كالبيع والشراء، والمكاييل والأوزان، وأسعار الحبوب وتوحيد الأسعار.

تلامذة السلمي

روى عنه مطرف بن قيس، وبقي بن مخلد، وابن وضاح، ويوسف بن يحيى المغامي في جماعة، وكان المغامي آخرهم موتًا. ومن أشهر تلامذته ابنه محمد، قال ابن الأبار عن محمد بن عبد الملك: "روى عن أبيه وحدث. وكان عالمًا فاضلًا. وعقب عبد الملك من ولده محمد هذا. إذ توفي سعيد وعبد الله ولم يعقبا وتوفي عبيد الله شابًا لم يكتهل. وقال بعض أهل العلم أعلى الرواة عن عبد الملك ابنه عبيد الله ثم سعيد بن النمير ثم محمد بن عبد الملك ثم يوسف بن يحيى المغامي من خط أبي الخطاب بن واجب وإفادة أبي عبد الله بن عتاب".

تضعيف السلمي في الحديث

كان عبد الملك مع علمه وفقهه إلا أنه كان صعيفًا في الحديث، وقال أحمد بن عبد البر النارنجي: هو أول من أظهر الحديث بالأندلس، وكان لا يميز صحيحه من سقيمه، ولا يفهم طرقه، ويصحف أسماء الرجال، ويحتج بالمناكير. فكان أهل زمانه لا يرضون عنه، وينسبونه إلى الكذب. قال الذهبي: " وقد أضعف ابن حزم وغيره عبد الملك بن حبيب، ولا ريب في أنه كان ضعيفًا". وقال القاضي عياض: وحكى الباجي وابن حزم أن أبا عمر ابن عبد البر كان يكذبه. قال الصدفي في تاريخه: "كان كثير الرواية، كثير الجمع، يعتمد على الأخذ بالحديث. ولم يكن يميزه، ولا يعرف الرجال. وكان فقيهًا في المسائل".

قال ابن الفرضي: "ولم يكن لعبد الملك بن حبيب علم بالحديث، ولا كان يعرف صحيحه من سقيمه، وذكر عنه أنه كان يتساهل، ويحمل على سبيل الإجازة أكثر روايته".

ثناء العلماء عليه

قل ابن سعيد في المُغرب: "أبو مروان عبد الملك بن حبيب السلمي الإلبيري، فقيه الأندلس الذي يضرب به المثل، حج وعاد إلى الأندلس بعلم جم وجل قدره عند سلطان الأندلس عبد الرحمن الأوسط المرواني، وعرض عليه قضاء القضاة فامتنع. وهو نابه الذكر في تاريخ ابن حيان والمسهب وغيرهما". وجاء في كتاب نفح الطيب: (كان محمد بن لبانة، الفقيه القرطبي، يقول: "فقيه الأندلس عيسى بن دينار، وعالمها عبد الملك بن حبيب، وراويها يحيى بن يحيى").

وقال ابن الفرضي: "وكان مشاورًا مع يحيى بن يحيى، وسعيد بن حسان. وكان حافظًا للفقه على مذهب المدنيين، نبيلا فيه". وكان إبراهيم بن قاسم بن هلال يقول: "رحم الله عبد الملك بن حبيب فقد كان ذابًا عن قول مالك". وسُئل ابن الماجشون: "من أعلم الرجلين عندك: القروي التنوخي؛ أم الأندلسي السلمي؟ فقال: السلمي مقدمه علينا أعلم من التنوخي منصرفه عنا. ثم قال للسائل: أفهمت؟ قال: نعم. يعنى: سحنونا، وعبد الملك". وعن ابن وضاح قال: "سمعت أبا زيد بن أبي الغمر بالفسطاط يقول: لم يقدم إلينا هاهنا أحد أفقه من سحنون؛ إلا أنه قدم علينا من هو أطول لسانا منه. يعنى: ابن حبيب".

قال ابن الفرضي: "وكان: عبد الملك بن حبيب رحمه الله نحويًا، عرضيًا شاعرًا، حافظًا للأخبار والأنساب والأشعار؛ طويل اللسان، متصرفًا في فنون العلوم". وقال الذهبي: "وكان موصوفًا بالحذق في مذهب مالك". وقال الذهبي: "وقال بعضهم: هاجت رياح وأنا في البحر، فرأيت عبد الملك بن حبيب رافًعا يديه متعلقًا بحبال السفينة يقول: اللهم إن كنت تعلم أني إنما أردت ابتغاء وجهك وما عندك فخلصنا. فسلم الله".

وقال الحميدي: "وقال ابن حارث: هو من أنفسهم، فقيه مشهور متصرف في فنون من الآداب وسائر المعاني، كثير الحديث والمشايخ".

الفقيه الطبيب

وبجانب أن عبد الملك بن حبيب كان فقيها ومؤرخًا ونحويًا، فهو من أوائل من اشتهروا بمزاولة الطب، في عهد الإمارة الأموية بالأندلس. وقد ورد في فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية "الطب والصيدلة" أنه عُثر على مخطوط في الطب، محفوظ في الخزانة العامة والوثائق برباط الفتح، مدون بالخط المغربي، وهو من تصنيف عبد الملك بن حبيب.

جمع فيه أقوالًا وأمثالًا ونصائح تتعلق بحفظ الصحة، والوقاية من الأمراض، وفيه كثير من الأحاديث المأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والأقوال المنقولة عن لسان الحارث بن كلدة، وغيره من المتطببين الذين ظهروا في العصر الجاهلي وصدر الإسلام، ويحوي هذا المختصر أيضًا النهي عن الإيمان بالسحر والتمائم، والنهي عن الجراحة، خوفًا من قطع العروق ونزف الدم، كما يضم شرحًا لمنافع الحجامة ومساوئها، وبيان الأسباب التي دعت المسلمين إلى كراهة الحجامة والكي، والوصية باستعمال الماء البارد في معالجة الحمى، وشرحًا لطرق معالجة المصابين بالصداع والجذام.

أما الأدوية والعقاقير الوارد ذكرها في هذا الكتاب فهي: الترياق، دهن البنفسج، الملح، الحرمل، السمن، اللبن، الحبة السوداء، الحناء، الحلبة، العسل، السكر.

مؤلفات السلمي

كان ابن حبيب غزير الإنتاج الفكري، وقيل إن عدد مؤلفاته يزيد على الألف، قال القاضي عياض: "قال بعضهم: قلت لعبد الملك كم كتبك التي ألفت؟ قال: ألفُ كتابٍ وخمسون كتابًا". ولكن فقد أكثرها، وبقي منها القليل، قال ابن الفرضي: "وله مؤلفات في الفقه والتواريخ، والأداب كثيرة حسان". وأشهرها كتاب "الواضحة" في السنن والفقه المالكي، وهو من أكبر مؤلفاته و"غريب الحديث" و"حروب الإسلام" و"طبقات المحدثين" و"طبقات الفقهاء والتابعين" و"إعراب القرآن" و"تفسير موطأ مالك" و"مصابيح الهدى" و"الفرائض"و"مكارم الأخلاق" و"الورع" و"استفتاح الأندلس" (وهو مطبوع) و"وصف الفردوس" و"الغاية والنهاية" .

وفاة السلمي

وتوفي عبد الملك بن حبيب رحمه الله في أول ولاية الأمير محمد بن عبد الرحمن رحمه الله يوم السبت لأربع مضين من رمضان، وقيل في ذي الحجة، سنة 238هـ = 853م، وجعل بعضهم وفاته سنة 239هـ. وقيل: سنة 237هـ. وله ست وخمسون سنة، ويقال: ثلاث وخمسون سنة، ويقال: أربع وستون سنة. وقال ابن عذاري المراكشي: "وكانت علته التي مات منها الحصى. وتوفي وسنه أربع وستون سنة".

قال ابن بشكوال: "قيل لسحنون: مات ابن حبيب. فقال: مات علم الأندلس، بل والله عالم الدنيا".

________________

المصادر والمراجع:
- ابن الأبار: التكملة لكتاب الصلة، تحقيق: عبد السلام الهراس، الناشر: دار الفكر للطباعة – لبنان، 1415هـ / 1995م.
- ابن الفرضي: تاريخ علماء الأندلس، عنى بنشره؛ وصححه؛ ووقف على طبعه: السيد عزت العطار الحسيني، الناشر: مكتبة الخانجي – القاهرة، الطبعة: الثانية، 1408هـ / 1988م.
- ابن سعيد المغربي: المغرب في حلى المغرب، تحقيق: د. شوقي ضيف، الناشر: دار المعارف – القاهرة، الطبعة: الثالثة، 1955م.
- ابن عذاري: البيان المغرب فب أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ومراجعة: ج. س. كولان، إِ. ليفي بروفنسال، الناشر: دار الثقافة، بيروت – لبنان، الطبعة: الثالثة، 1983م.
- الذهبي: تاريخ الإسلام، تحقيق: عمر عبد السلام التدمري، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت الطبعة: الثانية، 1413هـ / 1993م.
الحميدي: جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، الناشر: الدار المصرية للتأليف والنشر - القاهرة، 1966م.
- ابن تيمية، الحسبة في الإسلام (مكتبة دار الأرقم، الكويت 1403هـ/1983م).
- سامي خلف حمارنة، مخطوطات المكتبة الظاهرية (الطب والصيدلة)، (مجمع اللغة العربية، دمشق 1969م).
- د. قاسم علي سعد: جهرة تراجم الفقهاء المالكية، الناشر: دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث - دبي، الطبعة: الأولى، 1423هـ / 2002م.
- زهير البابا: ابن حبيب (عبد الملك)، الموسوعة العربية العالمية، المجلد الثامن، ص34.
- قصة الإسلام .