المسائل التي ألقاها رؤساء يهود بني إسرائيل على المسلمين
*
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ (رَحِمَهُ اللَّهُ) قَالَ :
قَدِمَ يَهُودِيَّانِ أَخَوَانِ مِنْ رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ ، فَقَالا :
يَا قَوْمِ ، إِنَّ نَبِيَّنَا حَدَّثَنَا عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ نَبِيٌّ بِتِهَامَةَ يُسَفِّهُ أَحْلَامَ الْيَهُودِ وَيَطْعُنُ فِي دِينِهِمْ ، وَنَحْنُ نَخَافُ أَنْ يُزِيلَنَا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُنَا فَأَيُّكُمْ هَذَا النَّبِيُّ ؟ فَإِنْ يَكُنِ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ دَاوُدُ آمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُورِدُ الْكَلَامَ عَلَى ائْتِلَافِهِ وَيَقُولُ الشِّعْرَ وَيَقْهَرُنَا بِلِسَانِهِ جَاهَدْنَاهُ بِأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا فَأَيُّكُمْ هَذَا النَّبِيُّ ؟
فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ : إِنَّ نَبِيَّنَا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَدْ قُبِضَ !
فَقَالا : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، فَأَيُّكُمْ وَصِيُّهُ ؟ فَمَا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّاً إِلَى قَوْمٍ إِلَّا وَلَهُ وَصِيٌّ يُؤَدِّي عَنْهُ مِنْ بَعْدِهِ وَيَحْكِي عَنْهُ مَا أَمَرَهُ رَبُّهُ .
فَأَوْمَأَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا هُوَ وَصِيُّهُ .
فَقَالا لِأَبِي بَكْرٍ : إِنَّا نُلْقِي عَلَيْكَ مِنَ الْمَسَائِلِ مَا يُلْقَى عَلَى الْأَوْصِيَاءِ ! وَنَسْأَلُكَ عَمَّا تُسْأَلُ الْأَوْصِيَاءُ عَنْهُ .
فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ : أَلْقِيَا مَا شِئْتُمَا أُخْبِرْكُمَا بِجَوَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
فَقَالَ أَحَدُهُمَا : مَا أَنَا وَأَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ وَمَا نَفْسٌ فِي نَفْسٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ وَلَا قَرَابَةٌ ؟ وَمَا قَبْرٌ سَارَ بِصَاحِبِهِ ؟ وَمِنْ أَيْنَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَفِي أَيْنَ تَغْرُبُ ؟ وَأَيْنَ طَلَعَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ لَمْ تَطْلُعْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ ؟ وَأَيْنَ تَكُونُ الْجَنَّةُ وَأَيْنَ تَكُونُ النَّارُ ؟ وَرَبُّكَ يَحْمِلُ أَوْ يُحْمَلُ ؟ وَأَيْنَ يَكُونُ وَجْهُ رَبِّكَ ؟ وَمَا اثْنَانِ شَاهِدَانِ وَمَا اثْنَانِ غَائِبَانِ ؟ وَمَا اثْنَانِ مُتَبَاغِضَانِ ؟ وَمَا الْوَاحِدُ وَمَا الِاثْنَانِ ؟ وَمَا الثَّلَاثَةُ وَمَا الْأَرْبَعَةُ ؟ وَمَا الْخَمْسَةُ وَمَا السِّتَّةُ وَمَا السَّبْعَةُ ؟ وَمَا الثَّمَانِيَةُ وَمَا التِّسْعَةُ وَمَا الْعَشَرَةُ ؟ وَمَا الْأَحَدَ عَشَرَ وَمَا الِاثْنَا عَشَرَ ؟ وَمَا الْعِشْرُونَ وَمَا الثَّلَاثُونَ ؟ وَمَا الْأَرْبَعُونَ وَمَا الْخَمْسُونَ ؟ وَمَا السِّتُّونَ وَمَا السَّبْعُونَ ؟ وَمَا الثَّمَانُونَ وَمَا التِّسْعُونَ ؟ وَمَا الْمِائَةُ ؟
فَبَقِيَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَرُدُّ جَوَاباً وَتَخَوَّفْنَا أَنْ يَرْتَدَّ الْقَوْمُ عَنِ الْإِسْلَامِ .
فَأَتَيْتُ مَنْزِلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) فَقُلْتُ لَهُ : يَا عَلِيُّ ، إِنَّ رُؤَسَاءَ الْيَهُودِ قَدْ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَأَلْقَوْا عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَسَائِلَ فَبَقِيَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَرُدُّ جَوَاباً .
فَتَبَسَّمَ عَلِيٌّ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) ضَاحِكاً ثُمَّ قَالَ : هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي وَعَدَنِي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) .
فَأَقْبَلَ يَمْشِي أَمَامِي وَمَا أَخْطَأَتْ مِشْيَتُهُ مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) شَيْئاً حَتَّى قَعَدَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يَقْعُدُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْيَهُودِيَّيْنِ فَقَالَ :
يَا يَهُودِيَّانِ ، ادْنُوَا مِنِّي وَأَلْقِيَا عَلَيَّ مَا أَلْقَيْتُمَاهُ عَلَى الشَّيْخِ .
فَقَالَ الْيَهُودِيَّانِ : وَمَنْ أَنْتَ ؟
فَقَالَ لَهُمَا (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، أَخُو النَّبِيِّ وَزَوْجُ ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ ، وَأَبُو الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَوَصِيُّهُ فِي حَالاتِهِ كُلِّهَا ، وَصَاحِبُ كُلِّ مَنْقَبَةٍ وَعِزٍّ وَمَوْضِعُ سِرِّ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) .
فَقَالَ لَهُ أَحَدُ الْيَهُودِيَّيْنِ : مَا أَنَا وَأَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : أَنَا مُؤْمِنٌ مُنْذُ عَرَفْتُ نَفْسِي وَأَنْتَ كَافِرٌ مُنْذُ عَرَفْتَ نَفْسَكَ ، فَمَا أَدْرِي مَا يُحْدِثُ اللَّهُ فِيكَ يَا يَهُودِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ .
فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : فَمَا نَفْسٌ فِي نَفْسٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ وَلَا قَرَابَةٌ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : ذَاكَ يُونُسُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي بَطْنِ الْحُوتِ .
قَالَ : فَمَا قَبْرٌ سَارَ بِصَاحِبِهِ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : يُونُسُ حِينَ طَافَ بِهِ الْحُوتُ فِي سَبْعَةِ أَبْحُرٍ .
قَالَ : فَالشَّمْسُ مِنْ أَيْنَ تَطْلُعُ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : مِنْ بَيْنِ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ .
قَالَ : فَأَيْنَ تَغْرُبُ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ ، قَالَ لِي حَبِيبِي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لَا تُصَلِّ فِي إِقْبَالِهَا وَلَا فِي إِدْبَارِهَا حَتَّى تَصِيرَ مِقْدَارَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ .
قَالَ : فَأَيْنَ طَلَعَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ لَمْ تَطْلُعْ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : فِي الْبَحْرِ ، حِينَ فَلَقَهُ اللَّهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ لِقَوْمِ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) .
قَالَ :‏ فَرَبُّكَ يَحْمِلُ أَوْ يُحْمَلُ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ يَحْمِلُ كُلَّ شَيْ‏ءٍ بِقُدْرَتِهِ وَلَا يَحْمِلُهُ شَيْ‏ءٌ ؟
قَالَ : فَكَيْفَ قَوْلُهُ : ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ﴾ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : يَا يَهُودِيُّ ، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ‏ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى‏ . فَكُلُّ شَيْ‏ءٍ عَلَى الثَّرَى وَالثَّرَى عَلَى الْقُدْرَةِ وَالْقُدْرَةُ تَحْمِلُ كُلَّ شَيْ‏ءٍ .
قَالَ : فَأَيْنَ تَكُونُ الْجَنَّةُ وَأَيْنَ تَكُونُ النَّارُ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : أَمَّا الْجَنَّةُ فَفِي السَّمَاءِ ، وَأَمَّا النَّارُ فَفِي الْأَرْضِ .
قَالَ : فَأَيْنَ يَكُونُ وَجْهُ رَبِّكَ ؟
فَقَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : لِي يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ائْتِنِي بِنَارٍ وَحَطَبٍ .
فَأَتَيْتُهُ بِنَارٍ وَحَطَبٍ فَأَضْرَمَهَا ثُمَّ قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) :
يَا يَهُودِيُّ ، أَيْنَ يَكُونُ وَجْهُ هَذِهِ النَّارِ ؟
قَالَ : لَا أَقِفُ لَهَا عَلَى وَجْهٍ !
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : فَإِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ عَنْ هَذَا الْمَثَلِ ، وَلَهُ‏ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ‏ .
فَقَالَ مَا اثْنَانِ شَاهِدَانِ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، لَا يَغِيبَانِ سَاعَةً .
قَالَ : فَمَا اثْنَانِ غَائِبَانِ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : الْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ ، لَا يُوقَفُ عَلَيْهِمَا .
قَالَ : فَمَا اثْنَانِ مُتَبَاغِضَانِ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ .
قَالَ : فَمَا الْوَاحِدُ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
قَالَ : فَمَا الِاثْنَانِ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : آدَمُ وَحَوَّاءُ .
قَالَ : فَمَا الثَّلَاثَةُ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : كَذَبَتِ النَّصَارَى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالُوا ثالِثُ ثَلاثَةٍ ، وَاللَّهُ لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً .
قَالَ : فَمَا الْأَرْبَعَةُ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : الْقُرْآنُ وَالزَّبُورُ وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ .
قَالَ : فَمَا الْخَمْسَةُ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : خَمْسُ صَلَوَاتٍ مُفْتَرَضَاتٍ .
قَالَ : فَمَا السِّتَّةُ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : خَلَقَ اللَّهُ‏ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ‏ .
قَالَ : فَمَا السَّبْعَةُ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : سَبْعَةُ أَبْوَابِ النَّارِ مُتَطَابِقَاتٍ‏ .
قَالَ : فَمَا الثَّمَانِيَةُ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ .
قَالَ : فَمَا التِّسْعَةُ ؟
قَالَ‏ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ‏ .
قَالَ : فَمَا الْعَشَرَةُ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : عَشَرَةُ أَيَّامِ الْعَشْرِ .
قَالَ : فَمَا الْأَحَدَ عَشَرَ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : قَوْلُ يُوسُفَ لِأَبِيهِ‏ : ﴿يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ﴾ .
قَالَ : فَمَا الِاثْنَا عَشَرَ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : شُهُورُ السَّنَةِ .
قَالَ : فَمَا الْعِشْرُونَ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : بَيْعُ يُوسُفَ بِعِشْرِينَ دِرْهَماً .
قَالَ : فَمَا الثَّلَاثُونَ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : ثَلَاثُونَ يَوْماً شَهْرُ رَمَضَانَ ، صِيَامُهُ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ إِلَّا مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ .
قَالَ : فَمَا الْأَرْبَعُونَ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : كَانَ مِيقَاتَ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، ثَلَاثُونَ لَيْلَةً فَأَتَمَّهَا اللَّهُ‏ عَزَّ وَجَلَّ بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً .
قَالَ : فَمَا الْخَمْسُونَ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : لَبِثَ نُوحٌ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي قَوْمِهِ‏ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً .
قَالَ : فَمَا السِّتُّونَ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ : ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً﴾ . إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ .
قَالَ : فَمَا السَّبْعُونَ ؟
قَالَ‏ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : اخْتارَ مُوسى‏ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِ رَبِّهِ .
قَالَ : فَمَا الثَّمَانُونَ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : قَرْيَةٌ بِالْجَزِيرَةِ يُقَالُ لَهَا ثَمَانُونَ ، مِنْهَا قَعَدَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ‏ وَأَغْرَقَ اللَّهُ الْقَوْمَ .
قَالَ : فَمَا التِّسْعُونَ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : الْفُلْكُ الْمَشْحُونُ ، اتَّخَذَ نُوحٌ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِيهِ تِسْعِينَ بَيْتاً لِلْبَهَائِمِ .
قَالَ : فَمَا الْمِائَةُ ؟
قَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : كَانَ أَجَلُ دَاوُدَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) سِتِّينَ سَنَةً ، فَوَهَبَ لَهُ آدَمُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ عُمُرِهِ ، فَلَمَّا حَضَرَتْ آدَمَ الْوَفَاةُ جَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ .
فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : يَا شَابُّ ، صِفْ لِي مُحَمَّداً ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى أُومِنَ بِهِ السَّاعَةَ .
فَبَكَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) ثُمَّ قَالَ :
يَا يَهُودِيُّ ، هَيَّجْتَ أَحْزَانِي .. كَانَ حَبِيبِي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) صَلْتَ الْجَبِينِ‏ ، مَقْرُونَ الْحَاجِبَيْنِ ، أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ ، أَقْنَى الْأَنْفِ ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ ، كَثَّ اللِّحْيَةِ ، بَرَّاقَ الثَّنَايَا كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ ، كَانَ لَهُ شُعَيْرَاتٌ مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ مَلْفُوفَةً كَأَنَّهَا قَضِيبُ كَافُورٍ ، لَمْ يَكُنْ فِي بَدَنِهِ شُعَيْرَاتٌ غَيْرُهَا ، لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الذَّاهِبِ وَلَا بِالْقَصِيرِ النَّزْرِ ، كَانَ إِذَا مَشَى مَعَ النَّاسِ غَمَرَهُمْ نُورُهُ ، وَكَانَ إِذَا مَشَى كَأَنَّهُ يَتَقَلَّعُ مِنْ صَخْرٍ أَوْ يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ‏ ، كَانَ مُدَوَّرَ الْكَعْبَيْنِ لَطِيفَ‏ الْقَدَمَيْنِ دَقِيقَ الْخَصْرِ ، عِمَامَتُهُ السَّحَابُ وَسَيْفُهُ ذُو الْفَقَارِ ، وَبَغْلَتُهُ دُلْدُلٌ وَحِمَارُهُ الْيَعْفُورُ وَنَاقَتُهُ الْعَضْبَاءُ وَفَرَسُهُ لَزَّازٌ ، وَقَضِيبُهُ الْمَمْشُوقُ . وَكَانَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أَشْفَقَ النَّاسِ عَلَى النَّاسِ وَأَرْأَفَ النَّاسِ بِالنَّاسِ . كَانَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ ، مَكْتُوبٌ عَلَى الْخَاتَمِ سَطْرَانِ :
أَمَّا أَوَّلُ سَطْرٍ : ﴿فَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ .
وَأَمَّا الثَّانِي : ﴿فَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾ ، (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) . هَذِهِ صِفَتُهُ يَا يَهُودِيُّ .
فَقَالَ الْيَهُوِديَّانِ : نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّكَ وَصِيُّ مُحَمَّدٍ حَقّاً .
فَأَسْلَمَا وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمَا وَلَزِمَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَكَانَا مَعَهُ . حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِ الْجَمَلِ مَا كَانَ فَخَرَجَا مَعَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ ، فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَبَقِيَ الْآخَرُ حَتَّى خَرَجَ مَعَهُ إِلَى صِفِّينَ فَقُتِلَ بِصِفِّينَ .

*
المصدر : (الخصال : ج2، ص595.)