من أجمل القصائد في الشعر العربي قصيدة ابن الرومي في مغنية اسمها وحيد يقول فيها:
يا خليليّ تيمتني وحيدُ
ففؤادي بها معنّى ً عميدُ
غادة ٌ زانها من الغصن قدٌّ
ومن الظبي مقلتان وجيدُ
تتغنى كأنها لا تغني
من سكون الأوصال وهي تجيدُ
لا تراها هناك تجحظ عينٌ
لك منها ولا يدرّ وريدُ
مدّ في شأوِ صوتها نفسٌ كافٍٍ
كأنفاس عاشقيها مديدُ
وأرقّ الدلالُ والغنج منه
وبراه الشجا فكاد يبيدُ
فتراه يموت طوراً ويحيا
مستلذٌ بسيطه والمديدُ
( ثغبٌ ) ينقع الصدى وغناءٌ
عنده يوجد السرور الفقيدُ
ليت شعري إذا أدام إليها
كرة الطرف مبدئ ومعيدُ
أهي شيئٌ لا تسأم العين منه
أم لها كل ساعةٍ تجديدُ
شرح كلمة ( ثغب ):
الشرح الذي ينقله الشارحون في كل المراجع:
الثغب: الغدير في ظل الجبل.
لم يسأل أحد الشارحين نفسه ما علاقة الغدير في ظل الجبل بالغناء؟
والغدير ماء راكد بعد المطر فلا هو الجدول المتدفق على الحصى ليكون له صوت ولا هو خرير الماء في مسارب قصر الحمراء بهندسة متقنة يجعل صوت الماء موسيقى دائمة ينام الخليفة على لحنها. ما هو الغدير أيها المحققون؟
وفي شرح القاموس المحيط الذي يستند إليه الشّراح:
(الثغب ) هو الطعن والذبح، وأكثر ما يبقى من الماء في بطن الوادي، والثغب محّركة ذوب الجمد، والغدير في ظل جبل.
واضح أن الشرّاح أستبعدوا الطعن والذبح وأختاروا أهون الخطأ «الغدير في ظل جبل».
بينما لو سألت أية امرأة من جنوب العراق (ومن مدينة العمارة التي أغنت مفرداتي) ما معنى الثغب؟ لأجابت ببساطة بأن الثغب أو الثغيب هو الصراخ بأعلى طبقات الصوت.
ويؤكد هذا الشرح المنطق والذوق .
وفي الغناء الحديث سواء كان باللغات الأجنبية أو العربية يتنقل المغني بين الصراخ والهدوء .
وتعمد أبن الرومي بلاغة الطباق بين شدة الصراخ وعلو الصوت مقابل النشيد أو انسياب اللحن بهدوء في غناء الطرب.
تعلمت هذاالشرح من بعض ما تعلمت من أهل العمارة وأنا أسمع مراراً: جاءت المعزية تثغب من بداية الشارع.
وظل الطفل يثغب وراء أمه .
وسمعنا ثغيب ببيت الجيران فعلمنا أن هناك ميت .والآن هل اقتنعتم يا أعزائي بأن الثغـــــب هو الصــــراخ من الأعماق الذي يشفي الغليل (ينقع الصدى وليس الغديرفي ظل الجبل؟ ولماذا لازم في ظل الجبل و ما يصير غديربغير مكان؟
٭ أديبة عراقية تقيم في كاليفورنيا/ سان دييغو
لميعة عباس عمارة