قارئُ كفٍّ - أحمد عبدالحسين
.....
خُذْ طائراً من عُنقيْ وقُدْنيْ إلى أسمالِكَ،
إلى يديكَ المدهونتينِ بأنقاضِ الجهاتِ الأربعِ،
واحملْنيْ في قلبِكَ الذي يرقّقُهُ الرعبُ
أسودَ على أبيضَ
غراباً على الثلجِ
أو ساعةً في يدِ مجنونْ.
خذْ الريحَ العميقةَ التي لامستْ كتفيَّ،
خذْ وحدانيةَ الينبوعِ في لساني المُتأتئ،
وسرْ بي إلى هواءٍ أعمى
يفتحُ عينيهِ على بغداد.
ضَعْ على شُرشفِ أرقي
تضاريسَ جراحِكَ التي – مِن أزلٍ – تحفرُ
في نومها تمثالاً لمسافرينِ
وحقيبةً ليستْ لأحدٍ.
وإذا أخذتَ خطوطَ يدي اليسرى
وقرأتَ في عويلِها مئذنتي تذبلُ وأهواري تجفُّ
وقرأتَ الأبَ يقطعُ صلاتَه ليشيّعَ ابنَه
أو الأبنَ يحثو الترابَ على صلاةِ أبيهِ
فاعلمْ أنك بوقٌ مدنّسٌ في فمِ المعنى
وأنا دليلُك إلى العدم.
وقلْ عني بعدَ ذلكَ ما شئتَ:
أنا الأيقونةُ تنحلُّ فيها الظلمةُ إلى شموسِها العمياءِ
أنا السماءُ الخفيضةُ تمسحُ بالرعدِ السامِّ رؤوسَ المنهزمينَ
والجيشُ، بمخالبَ بيضاءَ، يحتضنُ الفراغَ
ويقولُ له: يا أخي.
ثمّ قلْ عنك أنك حديقةٌ مكذوبةٌ تتفرّس بالصحراء.
مصباحٌ مثقوبٌ في أعلى السريرِ
حيثُ المعجزةُ عناقُ مخمورينِ في فجرٍ يصحو.
وسأسمعُكَ
شاسعاً ومندثراً سأنصتُ لحفيفِ أسمالِكَ
توقظُ آلهةً خضراءَ حيرى في أقفاصِها؛
أترقّبُ التماعةَ عينيكَ
توزّعُ أطفالها البكّائينَ على مدارسَ مغسولةٍ باللهبِ.
وأُريكَ – ولو من بعيدٍ – أماً طفلةً في أوّلِ البلوغِ
تتعرّى
ونهدُها، مثل ياقوتةٍ لمْ تختنْ بعدُ،
يذوبُ في ماءِ القبلات.
أريك – ولو من بعيدٍ – كيف يُدارُ الربيعُ
بملاعقَ من فضّةٍ في فمِ أحمدَ
وكيف البيتُ، كالبيتِ، يكشفُ عن جرحهِ المُهيمنِ،
والهواءُ يضمّدُهُ بالهواءْ.