ليلى زانا ((رمز المرآة الكوردية))
عندما
ولدت ليلى زانا عام 1961في قرية ( باخجة ) النائية بولاية ديار بكر
الكوردية ، لم يكن يخطر ببال احد بأن هذه الطفلة الضعيفة والأمية ستصبح
إمرأة وسجينة رأي ، تتحدث عنها منظمات عالمية ومشاهير السياسة والفكر في
العالم الحر ، نموذجاً لأمرأة تحمل معها الكثير لشــعبها في المستقبل .
عاشت
ليلى زانا شأنها في ذلك شأن بنات جنسها في قرى كوردستان النائية محرومة من
فرص التطور .. رفضت عادات القرية ومفاهيمها في حجب شخصية المرأة ، وأنها
للزوج والمطبخ وإنجاب الأطفال .. تزوجت في الرابعة عشر من عمرها ورغم انها
ثارت ضد القرار، إلا انها أُجبرت في النهاية على الرضوخ لرغبات الأب ورجال
العائلة ..إذ لم يكن لبنات القرى وحتى بنات جنسهن في المدن ايضاً أن يتمردن
على قرارات الرجال ..
لقد
وجدت في ذلك عادة سيئة وحمّلت النظام الإجتماعي المسؤولية ، ووظفت
إمكانياتها من أجل تغيير تلك المفاهيم والقيم البالية ، وفي عام 1980 حدث
الأنقلاب العسكري في تركيا فوقع زوجها مهدي في السجن لنشاطاته السياسية ..
كانت ليلى تبلغ في تلك الأيام
(
19 عاماً ) من العمر ولها طفل رضيع ( رونايي) وحامل بأبنتها ( روكن ) ،
وكانت تنتقل من مدينة لأخرى مع إنتقال زوجها من سجن لأخر .. وقررت ليلى في
خضم هذه العواصف الحياتية أن تتعلم القراءة والكتابة ..
لم
تلجأ إلى الأهل والأقارب في مواجهة الحياة القاسية ، بل قررت أن تعتمد على
نفسها وتواجه مصيرها .. فبدأت تقرأ لوحدها مع ذاتها ، وتتعلم دون أن تذهب
إلى المدرسة ، مع الزمن بدأت بالكتابة من خلال الصحف ، وبدأت تتحدث بإسـم
أهالي السجناء السياسيين ، وكانت تشارك في نشاطات منظمة حقوق الإنسان في
ديار بكر ، فأصبحت معروفة في الأوساط الأعلامية نتيجة لنضالها في سبيل حقوق
الأنسان ، ومن ثم أصبحت مديرة لمكتب جريدة ( يني أولك ) في ديار بكر ،
وخاضت تجربة الأنتخابات عام 1991 فحصلت على
(45)
ألف صوت ، وكانت أول إمرأة كوردية في تركيا تدخل البرلمان التركي ، فتحدثت
وأقسمت اليمين داخل البرلمان التركي باللغة الكوردية مما أغضب الأتراك ،
ورفضت أن تتراجع عن موقفها وإنسحبت من الحزب الذي كانت عضوة فيه
. وفي آذار 1994 جرى رفع الحصانة البرلمانية عن ليلى زانا ،
والقي القبض عليها وحكمت بالسجن خمسة عشر عاماً، قضت ليلى عشر سنوات من
عمرها في السجن إلا أنها لم تركع ولم تتراجع رغم تدهور صحتها وتراجعها ،
كما أن عذابات السجن والبعد عن الأحبة لم تدعها تنكســر أو تلجأ إلى السكوت
وحافظت على روحها الأنسانية الشفافة والقيم النبيلة التي آمنت بها ، ولم
تدع الحقد والثأر يعرفان طريقهما إلى قلبها الكبير ، وخرجت ليلى من السجن
بعد ضغوط أوروبية وعالمية وأصبحت جسراً لدخول تركيا إلى النادي الأوروبي.
بعد
يوم واحد من إطلاق سراحها كتبت إحدى الجرائد الهولندية " إطلاق سراح ملكة
الكورد التي هي من اشهر سجينات الرأي في العالم السياسية الكوردية
والبرلمانية السابقة ليلى زانا ، قضت عشر سنوات من عمرها في زنزانة صغيرة
لا تتجاوز مساحتها عدة امتار مربعة في سجن أنقرة ، بدلاً من القصور
والأبراج الملكية ".. قيم البرلمان الأوروبي مواقف ليلى عالياً ، فتم منحها
عدة جوائز منها ( جائزة مؤسسة رافتو للسلام النروجية (1994) ، وجائزة
ساخاروف لحرية التعبير للبرلمان الأوروبي (1995) – جائزة فالدوست لحقوق
الأنسان الأيطالي (1996)- جائزة آخن لحقوق الأنسان الألمانية (1996) ،
وأعتبرت مواطنة شرف لمدينة روما وكان اسمها بين أسماء المرشحين لجائزة نوبل
للسلام مرتين خلال عامي (95-98) .
وقفت
ليلى أمام أعضاء النادي الأوروبي بعد خروجها من السجن فرحة .. تحدثت عن
الحرية وحقوق الأنسان ونبذ العنف والقتل وأنها دخلت السجن لأجل ضرورة تعايش
الشعوب والثقافات واللغات مع بعضها في أجواء صحية بعيدة عن العنف
والكراهية وإنكار الآخر.. وختمت حديثها بدعوة شعوب العالم إلى العيش بسلام
وصداقة ، واستعانت بمقولة مشهورة للكاتب الفرنسي فيكتور هوغو" ننظر جميعاً
إلى نفس النجوم ونسير في نفس الركب على كوكبنا ونعيش جميعاً تحت نفس
السماء " ..
هكذا
هي ليلى زانا المرأة المليئة بالحب والطموح ، التي أصبحت نموذجاً ملهماً
للمرأة العصرية ، والتي دفعت بالآلاف من النساء الكورديات يحاولن تقليدها
في الدفاع عن حرية المرأة .. أعتقد أن هذه المرأة البسيطة في رحلتها تلك،
الرحلة المليئة بالعذاب وقصص الصمود والقيم الأنسانية النبيلة ، يمكن أن
تشكل مُعيناً مهماً للنساء في مجتمعاتنا الشرقية في نضالهن من أجل الحرية
وكسر قيود العبودية والأنظمة الأبوية الجائرة والقيم البالية .
اذاً ومن هنا اقول......
ألا يجب علينا تقديس المرآة الكوردية
ألا يجب علينا الإنحناء لأجلها
ألا يجب علينا الوقوف ليس دقيقة صمت بل سنين صمت على ما
فعلته ليلى زانا
أي رجل يستطيع فعل هذا
أي رجل يستطيع مجارات فكرها و ثقافتها و عزيمتها
من من نساء العالم فعلت كما فعلت هي
فلنفتخر بالمرآة الكوردية