العـيـن والحسـد فـي ثـقـافـة الشـعـوب
منصور ابراهيم الدخيل
أثناء قراءتي لمقالة منشورة في مجلة التراث الشعبي التي تصدر عن وزارة الثقافة والإعلام العراقية العدد الفصلي الأول 1985م، شدّتني هذه المقالة التي كتبها الأستاذ محمد الظاهر من الأردن بعنوان (معالم تراثية في الموسوعة البريطانية العين الشريرة أو عين الحسود)، فوجدت فيها أنّ الشعوب مهما اختلفت ديانتها إلاّ أنها تلتقي في الكثير من المواقف التراثية سواء كانت في المجتمعات الغربية أو الشرقية أو الأفريقية، فالعين الشريرة والحسد وحالة التوجُّس منها وطرق معالجتها تكاد تكون متشابهة وإن اختلفت سبل معالجتها، مع يقيني التام أنها لا تخلو من الخزعبلات إذا أصلناها في تراثنا الإسلامي الذي يقر بالعين والحسد ولكن ليست إلى درجة المبالغة وبعيداً عن الخزعبلات، وأنا عندما اقتبست البعض من هذه المقالة أهدف تنوير القارئ بثقافة الشعوب الأخرى التي نلتقي معها في جوانب إنسانية كثيرة لا يفصلنا عنها الإسلام المعتقد، علماً بأنّ الشعوب من خلال ما قرأته في هذه المقالة متفقه، حيث إنها لا تنظر إلى الإصابة بالعين على أنها مقصودة أو متعمّده (نظرة لا إرادية)، إلا أنها تخشاها وتحسب لها ألف حساب، ومن الحكايات التي قرأتها عنها أنّ هناك رجلاً بولندياً يدعي (سلاف slav) أبتلي بعين شريرة فاضطر في النهاية إلى أن يفقأ عينيه وفضّل العمى حتى لا يصيب أطفاله بأذى عينه الشريرة، كذلك الكتاب الكلاسيكيون فقد أشاروا إلى تلك القوة الرهيبة، ففي روما كان للعين الشريرة تأثير كبير خاصة في ولاية بليني (pliny)، حيث سنّت تلك الولاية قوانين خاصة للأضرار التي تلحق بالمحاصيل عن طريق التعاويذ والرقى والسحر، وهذه القوة تسمّى (Bookavla) عند الاغريق وfdstlnatic بالآتنيه وكانوا يعتقدون أنّ الأطفال والحيوانات الصغيرة من أكثر المخلوقات عرضة للإصابة بهذه القوة، وهناك الكثير من الإشارات عن هذه القوة أثناء الحديث عن أدوات الزينة والحلي التي كانت تعلق بأعناق الجمال، وفي العصور القديمة كان لبس الحجاب والتميمة عاماً وشاملاً، وكانت هذه الحجب والتمائم تقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- الرقي التي تلبس من أجل حماية النفس عن الحسد والنظرات الخبيثة
2- الرقية التي تخبى في صدر الثوب
3- بعض الكلمات المأخوذة من الكتب الدينية
ولكن الصنف الأول كان أكثر هذه الأصناف انتشاراً وذيوعاً وكان يأخذ شكل الفرتسك
وغالباً ما كنت تضخم تلك الأشكال بشكل يسيء لطبيعة الأشياء ويشوهها، وكان يعمل أيضاً على شكل ضفادع وخنافس وغيرها:
الفرتسك: قطعة من الفن الزخرفي تتميز بأشكال بشرية غريبة متناسجة عادة مع رسوم أوراق نباتية أو نحوها، مما يحيل كل ما هو طبيعي إلى بشاعة، ولكن القدماء لم يعتمدوا اعتماداً كليا على الحجب والتمائم، فقد كانت هناك وسائل أخرى لمقاومة سحر العين الشريرة، (فالبصاق) عند الاغريق والرومان كان عادة شائعة لتجنب أذى هذه العين، يقول (ليوقربطس) من الضروري البصق ثلاث مرات في صدر الشخص المصاب بسحر تلك العين، كما أنّ الإيماءات أيضاً كانت تستعمل لنفس الغرض، وكان يعتقد أنّ العين الشريرة هي نوع من الحسد ولهذا كانوا يستاؤون من الإنسان الذي يثني على شيء أو يبالغ في ذكر الأشياء من ممتلكاتهم، لذلك الرومان حين يثنون على شيء يضيفون (preafiscini dlxerim) (من عين الشر)، وما تزال هذه العادة باقية حتى الوقت الحاضر في إيطاليا حيث يقولون simal-occhio non cifoss ((عسى لا تصيبك عين الشر))، والهدف من هذه الكلمات التقليدية هو الإفصاح عن المتكلم مخلص وليس لديه أي نوايا شريرة، وبالرغم من عدم وجود أي أشكال سابقة أو آثار لهذه العادة. في الأمثال البريطانية فإنّ (سـومر ستشاير) يقول إنّ لا أريد أن أسبب لك أي أذى لهذا لم أقل شـيئاً وهذا ما يقوله الاسكتلنديون، حيث يطلقون اسم (نبؤة) على التمجيد الزائد عن حده والذي ينتح عنه مرض أو حادث، لذلك نرى (الما نكمان) Mankman لا يقول عن نفسه إنه على أحسن حال بل يعترف دائماً بأنه متوسط الحال وإذا اعترف بأنه بصحة جيدة يضيف إلى كلامه (الآن) أو الآن فقط، هذا الاعتقاد أدى إلى توليد كلمات مأثورة تقال عندما يفرط الإنسان في تمجيد شيء أو إنسان فيقولون (حماه الله)، فإذا أراد الناس تجنب الأشياء بالإصابة بالعين الشريرة في إيرلندا يقولون عندما ينظرون إلى الطفل (ليباركه الله)، وعندما يمر أحدهم من أمام حظيرة أبقار في الوقت الذي تتجمّع فيه الأبقار للحلب يقول (بارك الله لك فيها وبارك لك في جهدك)، وهذا الاعتقاد سائد في مجتمعنا الإسلامي عندما يشاهد أو يعجب بشيء عند أخيه المسلم فتجده يبادره بعبارة ما شاء الله لا قوة إلاّ بالله، وهذه لم ترد من فراغ إنما رسّخها نبي الرحمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه إذا رأى أحدكم شيئاً أعجب به فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والله من وراء القصـد..