حوار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع سلمان (رضي الله عنه)
عن آخر الزمان
*
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ :
حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) حَجَّةَ الْوَدَاعِ ، فَأَخَذَ بَابَ الْكَعْبَةِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ :
أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ ؟ وَكَانَ أَدْنَى النَّاسِ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ سَلْمَانُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) فَقَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ .
فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ الْقِيَامَةِ إِضَاعَةَ الصَّلَاةِ وَاتِّبَاعَ الشَّهَوَاتِ ، وَالْمَيْلَ مَعَ الْأَهْوَاءِ وَتَعْظِيمَ الْمَالِ ، وَبَيْعَ الدِّينِ بِالدُّنْيَا ، فَعِنْدَهَا يُذَابُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ وَجَوْفُهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ مِمَّا يَرَى مِنَ الْمُنْكَرِ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَهُ .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، إِنَّ عِنْدَهَا أُمَرَاءَ جَوَرَةً وَوُزَرَاءَ فَسَقَةً ، وَعُرَفَاءَ ظَلَمَةً وَأُمَنَاءَ خَوَنَةً .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، إِنَّ عِنْدَهَا يَكُونُ الْمُنْكَرُ مَعْرُوفاً وَالْمَعْرُوفُ مُنْكَراً وَيُؤْتَمَنُ الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ الْأَمِينُ ، وَيُصَدَّقُ الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ الصَّادِقُ .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، فَعِنْدَهَا إِمَارَةُ النِّسَاءِ وَمُشَاوَرَةُ الْإِمَاءِ وَقُعُودُ الصِّبْيَانِ عَلَى الْمَنَابِرِ ، وَيَكُونُ الْكَذِبُ طَرَفاً وَالزَّكَاةُ مَغْرَماً وَالْفَيْءُ مَغْنَماً وَيَجْفُو الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ وَيَبَرُّ صَدِيقَهُ ، وَيَطْلُعُ الْكَوْكَبُ الْمُذْنِبُ .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، وَعِنْدَهَا تُشَارِكُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي التِّجَارَةِ وَيَكُونُ الْمَطَرُ قَيْظاً وَيَغِيظُ الْكِرَامَ غَيْظاً وَيُحْتَقَرُ الرَّجُلُ الْمُعْسِرُ ، فَعِنْدَهَا يُقَارِبُ الْأَسْوَاقُ إِذَا قَالَ هَذَا لَمْ أَبِعْ يَقِيناً وَقَالَ هَذَا لَمْ أَرْبَحْ شَيْئاً فَلَا تَرَى إِلَّا ذَامّاً لِلَّهِ .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، فَعِنْدَهَا يَلِيهِمْ أَقْوَامٌ إِنْ تَكَلَّمُوا قَتَلُوهُمْ وَإِنْ سَكَتُوا اسْتَبَاحُوهُمْ لِيَسْتَأْثِرُوا بِفَيْئِهِمْ وَلِيَطَؤُنَّ حُرْمَتَهُمْ وَلِيَسْفِكُنَّ دِمَاءَهُمْ وَلِتُمْلَأَنَّ قُلُوبُهُمْ رُعْباً ، فَلَا تَرَاهُمْ إِلَّا وَجِلِينَ خَائِفِينَ مَرْعُوبِينَ مَرْهُوبِينَ .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، إِنَّ عِنْدَهَا يُؤْتَى بِشَيْءٍ مِنَ الْمَشْرِقِ وَشَيْءٍ مِنَ الْمَغْرِبِ يُلَوَّنُ أُمَّتِي ، فَالْوَيْلُ لِضُعَفَاءِ أُمَّتِي مِنْهُمْ وَالْوَيْلُ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ لَا يَرْحَمُونَ صَغِيراً وَلَا يُوَقِّرُونَ كَبِيراً ، وَلَا يَتَجَاوَزُونَ عَنْ مُسِيءٍ أَخْبَارُهُمْ خَنَاءٌ جُثَّتُهُمْ جُثَّةُ الْآدَمِيِّينَ وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، وَعِنْدَهَا تَكْتَفِي الرِّجَالٌ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ وَيُغَارُ عَلَى الْغِلْمَانِ كَمَا يُغَارُ عَلَى الْجَارِيَةِ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا ، وَيَشَّبَّهُ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ وَالنِّسَاءُ بِالرِّجَالِ وَيَرْكَبْنَ ذَوَاتُ الْفُرُوجِ السُّرُوجَ فَعَلَيْهِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَعْنَةُ اللَّهِ .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، إِنَّ عِنْدَهَا تُزَخْرَفُ الْمَسَاجِدُ كَمَا تُزَخْرَفُ الْبِيَعُ وَالْكَنَائِسُ ، وَيُحَلَّى الْمَصَاحِفُ وَتَطُولُ الْمَنَارَاتُ وَتَكْثُرُ الصُّفُوفُ بِقُلُوبٍ مُتَبَاغِضَةٍ وَأَلْسُنٍ مُخْتَلِفَةٍ .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، وَعِنْدَهَا تَحَلَّى ذُكُورُ أُمَّتِي بِالذَّهَبِ وَيَلْبَسُونَ الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ وَيَتَّخِذُونَ جُلُودَ النُّمُورِ صِفَاقاً .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، وَعِنْدَهَا يَظْهَرُ الرِّبَا وَيَتَعَامَلُونَ بِالْغِيبَةِ وَالرِّشَاءِ ، وَيُوضَعُ الدِّينُ وَتُرْفَعُ الدُّنْيَا .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، وَعِنْدَهَا يَكْثُرُ الطَّلَاقُ فَلَا يُقَامُ لِلَّهِ حَدٌّ وَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، وَعِنْدَهَا تَظْهَرُ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَيَلِيهِمْ أَشْرَارُ أُمَّتِي .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، وَعِنْدَهَا تَحُجُّ أَغْنِيَاءُ أُمَّتِي لِلنُّزْهَةِ وَتَحُجُّ أَوْسَاطُهَا لِلتِّجَارَةِ وَتَحُجُّ فُقَرَاؤُهُمْ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ ، فَعِنْدَهَا يَكُونُ أَقْوَامٌ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَيَتَّخِذُونَهُ مَزَامِيرَ وَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَيَكْثُرُ أَوْلَادُ الزِّنَا وَيَتَغَنَّوْنَ بِالْقُرْآنِ وَيَتَهَافَتُونَ بِالدُّنْيَا .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، ذَاكَ إِذَا انْتُهِكَتِ الْمَحَارِمُ وَاكْتُسِبَتِ الْمَآثِمُ وَسُلِّطَ الْأَشْرَارُ عَلَى الْأَخْيَارِ ، وَيَفْشُو الْكَذِبُ وَتَظْهَرُ اللَّجَاجَةُ وَيَفْشُو الْحَاجَةُ ، وَيَتَبَاهَوْنَ فِي اللِّبَاسِ وَيُمْطَرُونَ فِي غَيْرِ أَوَانِ الْمَطَرِ ، وَيَسْتَحْسِنُونَ الْكُوبَةَ وَالْمَعَازِفَ وَيُنْكِرُونَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، حَتَّى يَكُونَ الْمُؤْمِنُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَذَلَّ مِنَ فِي الْأَمَةِ ، وَيُظْهِرُ قُرَّاؤُهُمْ وَعُبَّادُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمُ التَّلَاوُمَ فَأُولَئِكَ يُدْعَوْنَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ الْأَرْجَاسَ وَالْأَنْجَاسَ .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، فَعِنْدَهَا لَا يَخْشَى الْغَنِيُّ إِلَّا الْفَقْرَ ، حَتَّى إِنَّ السَّائِلَ لَيَسْأَلُ فِيمَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ لَا يُصِيبُ أَحَداً يَضَعُ فِي يَدِهِ شَيْئاً .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَإِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟!
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ ، عِنْدَهَا يَتَكَلَّمُ الرُّوَيْبِضَةُ .
فَقَالَ سَلْمَانُ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ؟
قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَتَكَلَّمُ ، فَلَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تَخُورَ الْأَرْضُ خَوْرَةً فَلَا يَظُنُّ كُلُّ قَوْمٍ إِلَّا أَنَّهَا خَارَتْ فِي نَاحِيَتِهِمْ فَيَمْكُثُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يَنْكُتُونَ فِي مَكْثِهِمْ فَتُلْقِي لَهُمُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا . ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ - ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْأَسَاطِينِ - فَقَالَ : مِثْلَ هَذَا فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ : ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ .
*
المصدر : (بحار الأنوار : ج6، ص306-309.)