الملكة زنوبيا..
عند الحديث عن الملكات تتصدر زنوبيا زوجة الملك أذينة التي حكمت تدمر في منتصف القرن الثالث باسم ابنها “وهب اللاة” بعد وفاة أبيه وتذكر الأخبار أن اسمها الزباء بنت عمرو بن الطرب بن حسان وينسب إليها قتل جذيمة الأبرش انتقاماً لأبيها.
كانت زنوبيا تتمتع بثقافة عالية، تتكلم إلی جانب العربية والآرامية اليونانية وتجيد اللاتينية وتتقن المصرية وينسب إليها تأليف كتاب عن مصر، وقد اهتمت بالفلاسفة ودرست الفلسفة اليونانية وقربت المفكرين منها وكان الفيلسوف “لونجينوس” أحد المشاهير الذين عاشوا في بلاطها، وكانت مولعة بالفروسية والصيد وتلم بالحروب والمعارك لأنها رافقت زوجها وشاركته فيها وتشبهت بكليوباترا وادعت أنها من نسلها.
وقد اتسعت الدولة التدمرية في فترة حكمها وأعلنت استقلالها عن روما، ووسعت مملكتها وضمت الكثير من البلاد، لكن الإمبراطور الروماني أورليانوس صمم على التصدي للمملكة التدمرية القوية التي سيطرت على العديد من المناطق.
في سنة 271 أرسلت روما جيش قوي مجهز إلى أطراف تدمر لتدور معركة كبيرة بين مملكة تدمر والإمبراطورية الرومانية، وتواجه أورليانوس مع زنوبيا بتجهيزات كبيرة وهزمها هناك في (معركة أنطاكية)، مما جعلها تنسحب إلى تدمر وكان أورليانوس قد بلغ مدينة حمص، فدارت بينهما معارك شرسة قدمت فيها زنوبيا الكثير ودفع أورليانوس بالمزيد من القوات في مواجهة جيش زنوبيا، تراجع جيشها إلى تدمر، فتقدم أورليانوس إلى تدمر وحاصر أسوارها المنيعة حصاراً محكما، وكانت زنوبيا قد حصنت المدينة ووضعت على كل برج من أبراج السور ثلاثة من المجانيق تقذف بالحجارة المهاجمين لأسوارها وتمطرهم بقذائف النفط الملتهبة، والتي كانت تعرف بالنار الإغريقية، وقاومت الغزاة بشجاعة معلنة القتال حتى الموت دفاعا عن مملكتها.
عرض أورليانوس عليها التسليم وخروجها سالمة من المدينة التي لن تمس، لكنها رفضت ووضعت خطة وحاولت إعادة الالتفاف على جيش أورليانوس فتحصنت بالقرب من نهر الفرات إلا أنها وبعد معارك ضارية وقعت في الأسر ولاقاها أورليانوس وهو في ميدان القتال فأحسن معاملتها وكان ذلك سنة 272م، ثم اصطحبها معه إلى روما ولم يقتلها بل قتل بعض كبار قادتها ومستشاريها بعد محاكمة أجريت لهم في مدينة حمص.
وقد دخلت زنوبيا مدينة (روما) أسيرة في موكب الإمبراطور الظافر، وارتضت خذلانها في عزة نفس وشمم، و قضت أيامها الأخيرة في (تيبور) إحدى ضواحي روما والمعروفة اليوم بـ(تيفولي). حيث عاشت هي وابنها عيشة سيدة رومانية، ولم تمض أشهر قلائل حتى ثارت (تدمر) ثانية فعاد إليها (أورليان) على غير انتظار ودمَّرها ولم يُبقِ على أهلها هذه المرة. توفيت زنوبيا في روما سنة 274 في ظروف غامضة.