هل يمكن حماية الأرض من الكويكبات والنيازك والمذنبات؟
المصدر: حسن الخاطر



تتعرَّض الحياة والحضارة الإنسانية على الأرض لمخاطر عديدة من داخلها ومن خارجها. من داخلها بسبب أسلحة الدمار الشامل التي جعلتنا جميعاً رهائن عند من يمتلكونها، وبسبب الإيقاع السريع للحضارة المعاصرة وما تنطوي عليه السرعة والتكنولوجيا السريعة من حوادث مميتة. ومن خارجها بسبب الكويكبات والمذنبات والنيازك والشهب والأشعة الكونية والرياح الشمسية وغير ذلك، مما يمكن أن يصطدم بها ويدمِّرها.
فالحيـاة على الأرض هي هبة حقل قـوة يلف الكرة ويشكِّل درع حمايـةٍ لها من كــل تلك المخاطر الخارجية. فهل من الممكن أن نتمثل بالطبيعة نفسها ونشكِّل حقول القوة الخاصة بنا لننعم بالأمان؟
ما هو حقل القوة؟
إنه حاجز أو جدار غير مرئي وغير قابل للاختراق، مكوَّن من الطاقة أو البلازما أو الموجات الكهرومغناطيسية أو أنابيب الكربون النانوية، ويقدِّم حماية كاملة على الأرض لأي مركبة أو بناء أو مدينة، وفي الفضاء يحمي أي شيءٍ معرَّض للهجوم أو الاصطدام بشيء آخر من خارجه. وهذا يعني أن حقل القوة هو عبارة عن نظام حماية متقدِّم جداً، لكنه لا يزال في حيِّز الخيال العلمي على الرغم من التقدُّم في ما يتعلق بتحقيقه على أرض الواقع.
ولدت فكرة حقل القوة في الأوساط العلمية نتيجة الأعمال التي قام بها الفيزيائي البريطاني مايكل فاراداي خلال القرن التاسع عشر، وذلك من خلال توليد تيار كهربائي أثناء تدوير مغناطيس حول ملف نحاسي. وهذا يعني أن الحقل المغناطيسي غير المرئي أثَّر على الإلكترونات الموجودة في السلك النحاسي لينتج تياراً كهربائياً، وافترض أن المغناطيس يقوم بخلق حقل قوة من حوله، وهذا ما يدفع الإلكترونات في السلك النحاسي إلى التحرُّك. وعلى هذه الفكرة قام بنثر برادة من الحديد فوق قضيب مغناطيسي، فشكّلت البرادة خطوطاً منحنيةً حوله تصل بين القطبين الشمالي والجنوبي مشكلاً نوعاً من حقل قوة. وكان هذا العمل فتحاً علمياً ضخماً وخطوة أولى في محاولة توحيد القوى الفيزيائية الأربع الأساسية في الكون.
إن حقول القوة غير المرئيـة التي اكتشفهـا فاراداي ألهمت كتّاب الخيال العلمي، وشكّلت أرضاً خصبة لهم. فقد استخدمها إسحاق عظيموف في قصة الخيال العلمي القصيرة (?...Breeds There a Man) المنشورة في عام 1951م، حيث يقوم الفيزيائي إلوود رالسون، وهو شخصية خيالية، بتصميم حقل قوة لحماية المدينة من الهجوم النووي. وفي مسلسل الخيال العلمي الشهير ستار تريك تم استخدام حقل القوة لحماية السفينة النجمية إنتربرايز من أسلحة العدو.
حزام فان ألن
وفي الواقع، تستخدم الأرض حقل قوة خاصاً بها لحماية نفسها. فالحقل المغناطيسي الذي يلف الأرض يحميها من الأشعة الكونية ومن الرياح الشمسية وغير ذلك. وقد اكتشف باحثون من جامعة كولورادو بولدر بعد دراسة استمرت سنتين، ونشرت نتائجها بمجلة نايتشر 2014م، أن ثَمَّةَ حقل قوة يقع على ارتفاع 7200 ميل فوق الأرض، عند الحافة الداخلية للحزام الخارجي لما يُعرف بمنطقة حزام فان ألن الإشعاعية، يؤدي دور الدرع غير المرئية الذي يحمي الأرض من الإلكترونات عالية الطاقة والقاتلة والتي لديها القدرة على تدمير الأقمار الاصطناعية وأنظمة الفضاء وتهديد روَّاد الفضاء. فقد لاحظ العلماء أن هذه الإلكترونات تتوقف فجأة عند حوالي 7200 ميل فوق سطح الأرض. وفي هذا يقول عالم الفضاء بجامعة كولورادو بولدر دانيال بيكر:
"هذا الحاجز يشبه الجدار الزجاجي في الفضاء الذي تصطدم به الإلكترونات". وهو يشبه الدروع التي تم إنشاؤها بواسطة حقول القوة في فِلْم ستار تريك لصد أسلحة الغزاة الفضائيين. ولا شك أن معرفتنا بوجود حقل القوة هذا، ودراستنا كيفية عمله سوف تساعدنا كثيراً في تصميم حقل قوة لحماية الحياة والحضارة الإنسانية.
حزام فان ألن الإشعاعي: الأبحاث العلمية حوله
هناك بحوث مستمرة لتصميم حقل قوة حقيقي قادر على حماية للمركبات الفضائية من الأشعة الكونية الخطيرة ومن الكويكبات والنيازك؛ فهي العدو الرئيس لسفن الفضاء النجمية.

ففي عام 2006م، قامت مجموعة من الباحثين في جامعة واشنطن في سياتل باستخدام فقاعة من البلازما المشحونة، إضافة إلى شبكة دقيقة من الأسلاك فائقة التوصيل لتغليف المركبة الفضائية لحماية روَّاد الفضاء من الإشعاعات والجسيمات الضارة. ومن المعروف علمياً أن التعرُّض للإشعاعات والجسيمات الضارة لفترة طويلة ينتج عنها مشكلات صحية وإدراكية. فروَّاد الفضاء المستقبليون الذين سيسافرون إلى المريخ سيكونون بحاجة إلى هذه الحماية، لأن أقل مسافة بين الأرض والمريخ هي 55 مليون كيلومتر، وتستغرق الرحلة عاماً أو نحو ذلك بالتقنيات الحالية. وهذه الرحلة الطويلة تجعل من الطقس الفضائي واحداً من أعظم التحديات للسفر إلى المريخ، فالحصول على حقل قوة هو ضروري لهذه الرحلات.
وفي عام 2008م، تناولت مجلة "الكونيات" في بحث علمي إمكانية محاكاة الحقل المغناطيسي للأرض وتطبيقه على المركبات الفضائية لحماية روَّاد الفضاء من الأشعة الكونية الخطيرة. واستخدم العلماء البريطانيون والبرتغاليون في هذا الصدد محاكاة رياضية لإثبات إمكانية إنشاء فقاعة مغناطيسية مصغرة ترافق سفينة الفضاء.
وفي عام 2015 حصلت شركة بوينغ الأمريكية لصناعة الطائرات على براءة اختراع لتطوير حقل قوة من البلازما يقوم بتقديم حمايةٍ للمركبات العسكرية من الموجات الضاربة والصدمات التي تسببها الانفجارات في منطقة العمليات الحربية. ويتكوَّن النظام من مزيج من أشعة الليزر والكهرباء والميكروويف لتسخين الهواء بسرعة، حيث تقوم هذه الحرارة بتأيين الهواء وتكوين درعٍ من البلازما. وقد حملت براءة الاختراع عنوان "طريقة ونظام تخفيف موجة الصدمة عبر القوس الكهرومغناطيسي".
ويُعدُّ عالم الفيزياء النظري وعالم المستقبليات ميتشيو كاكو، أحد الباحثين البارزين في هذا المجال. فقد وضع تصميماً لحقل قوة لحماية المركبات الفضائية يتألَّف من ثلاث طبقات: الأولى تتكوَّن من البلازما التي يمكنها تبخير أي شيء كالكويكبات والنيازك، سوية مع حقل كهرومغناطيسيٍ للسيطرة على هذه البلازما والتحكم بها. والطبقة الثانية تتكوَّن من شبكة ليزرية ذات طاقة عالية بإمكانها تدمير أي شيء. أما الطبقة الثالثة فتتكوَّن من صفيحة شفافة وقوية جداً من أنابيب الكربون النانوية.
مستقبل واعد
إن التطور العلمي والتقني الهائل الذي نشهده خلال هذا القرن، خاصةً في مجال البلازما والليزر والنانو، يجعلنا قريبين جداً من تحقيق حلمنا في الحصول على حقل قوة يحمي الحياة والحضارة الإنسانية. ويحمي المركبات الفضائية والسفن النجمية من مخاطر الفضاء. وبالتالي، سوف يتجدَّد حلمنا في السفر إلى الفضاء واستعماره. وعلى الأرض في هذا العالم المستقبلي، سيكون حقل القوة مصاحباً لجميع أنواع الطائرات لحمايتها. كما أن مدن المستقبل، وكل ما يتحرك داخلها، سيكون مزوداً بهذه الحماية من أي خطر ممكن. وهكذا فإن حقل القوة سوف يتسع ويتسع ليصبح جزءاً من حياتنا.