تعتبر الترجمة من أهم الأمور وأصعبها في علوم اللغة، حيث أنها تعمل بشكل أساسي على الانتقال من لغة إلى أخرى باعتماد مصطلحات متقاربة تفيد نفس المعنى.
ويعتبر تحقيق ذلك أمرًا صعبًا لما في اللغات من اختلافات ثقافية أو تعبيرية يمكن أن تغير الأمر بدرجات فارِقَة قد تنعكس سلبًا على الصياغة وعلى المحتوى. تخيل أن تحدث أخطاء الترجمة في المجال الاقتصادي أو السياسي، ما الأضرار التي يمكن أن تأتي بها على الدول؟ قدم موقع Babbel+ المختص بخدمات الترجمة وتعليم اللغات مقالًا يستعرض أشهر ثلاثة أخطاء ترجمة خالدة عبر التاريخ، حيث كان لها انعكاسات لا يمكن تجاهلها. وسنحاول أن نقدمها من خلال هذا الموضوع.
اليابان: عندما تتسبب الترجمة بقتلى
عادة ما يعتبر هذا الخطأ الأكثر فجاعة وكارثية في التاريخ. مع نهاية عام 1941، دخلت الولايات المتحدة الحرب مع اليابان لكبح تمددها في منطقة المحيط الهادئ وردًا على هجومها على أراضٍ أمريكية. في تلك الأثناء، كانت فرنسا تنحني وتتعثر أمام ألمانيا، بينما تنخرط اليابان في مواجهة أخرى في آسيا ضمن مساعيها التوسعية ضمن بقية الصين بعد سيطرتها على منشوريا. في شهر يوليو 1945، استسلمت ألمانيا بعدما انقلبت موازين الحرب لصالح الحلفاء، لذا نظّمت البلدان المنتصرة مؤتمر بوتسدام. الولايات المتحدة بقيادة هاري ترومان، الاتحاد السوفياتي بقيادة جوزف ستالين والمملكة المتحدة متمثلة بونستون تشرشل، ثلاثة أقطاب عالمية اجتمعت حينئذ لتحديد مصير الدول الأعداء المنهزمة. لكن في تلك الأثناء، كانت حرب المحيط الهادئ لا تزال قائمة. مع تفرغ دول الحلفاء للجبهة الآسيوية من الحرب، والهزائم المتتالية لليابانيين في المحيط الهادئ، وجه القادة الثلاثة إنذارًا نهائيًا لرئيس الوزراء الياباني لمطالبته بالاستسلام الفوري وغير المشروط لليابان، ففي ذلك الوقت كان مصير اليابان محسومًا بعد العديد من الهزائم وانهيار حليفتها الأوروبية: ألمانيا النازية. تماشيًّا مع الأمر، أراد رئيس الوزراء الياباني آنذاك، كانتارو سوزوكي Kantaro Suzuki، كسب الوقت للحصول على إجماع داخل حكومته المنقسمة بشدة. لذا -وفي تصريح للصحافة- استُخدم مصطلح ياباني شديد الحساسية هو: mokusatsu للتعبير عن رغبته بـ “الامتناع عن التعليق في الوقت الحالي”. لحق هذا الاختيار غير الموفق كلمات دراماتيكية! حيث فسّرت وكالات الأنباء اليابانية والمترجمون هذه التصريحات على أنها تجاهل لطلب الحلفاء. هذا الخطأ في الترجمة دفع الأمريكيين لاعتبار الأمر رفضًا واضحًا للاستسلام. ومن هنا بقي الخيار إما غزوًا بريًا أو استعراض قوة مرعب هو إسقاط القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناغازاكي لإجبار اليابان على الاستسلام. بالطبع شرح اليابانيون لاحقًا أنهم كانوا يماطلون فقط ولم يرفضوا رفضًا كاملًا، لكن ذلك أتى بعد فوات الأوان وموت عشرات آلاف اليابانيين.
جورجيا: شهر إضافي في الحرب بسبب الترجمة
يبدو أن الحرب تعتبر أرضًا خصبة لأخطاء الترجمة والكوارث التي تنتج عنها. ففي شهر أغسطس 2008، احتدمت الحرب بين كل من جورجيا وروسيا، والسبب هو المطالبة الروسية بالسيطرة على المناطق الانفصالية في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. وبالطبع تابع العالم هذا الصراع عن كثب حيث اعتبر ذا تهديد كبير على المنطقة نظرًا لكون روسيا أحد أطرافه والصراع يتم في القوقاز التي تعد منطقة غير مستقرة أصلًا. في ذلك الوقت، تدخل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كوسيط بين البلدين لدفع القوات الروسية إلى الانسحاب من جورجيا. وبالنتيجة قدمت فرنسا اتفاقًا لوقف إطلاق النار، وقدمته إلى روسيا، الولايات المتحدة وجورجيا. تضمنت الوثائق المقدمة إلى روسيا وجورجيا أخطاءً في ترجمة المصطلحات الفرنسية. ففي النسختين الفرنسية والإنجليزية، تم كتابة “لِأوسيتيا” بينما تم كتابتها “في أوسيتيا” في النسخة الروسية. هذا الاختلاف الذي يبدو تافهًا أدى إلى ترتبات وعواقب كبيرة. فقد تم تفسير بعض الفقرات من قِبَل الكرملن الروسي على أنها سماح وترخيص بوضع دبدباتها (في) المناطق الانفصالية في جورجيا، بينما المحتوى الأصلي للاتفاق يطالب الكرملن بسحب كافة قواته من جورجيا. نتيجة هذا الخطأ في الترجمة استمر الصراع لأكثر من شهر إضافي مع محاولات دبلوماسية حثيثة للتوصل إلى اتفاق سلام جديد.
الاتحاد الأوروبي: خطأ ترجمة تسبب بانهيار اليورو
على عكس الحالتين السابقتين، لم يكن هذا الخطأ متعلقًا بحروب ولم يخلف قتلى أو مصابين، لكن هذا لا يعني أنه لم يمتلك تأثيرًا كبيرًا للغاية حينها. في شهر يونيو 2010، انخفض اليورو إلى أقل من 1.20 دولار (حينها كان متوسط السعر يتراوح بين 1.4 و1.5) ليتسبب بتعثر الاتحاد الأوروبي إلى حد بعيد، وتعتبر واحدة من أسوأ أزمات العملة الأوروبية المشتركة منذ نشأتها. لم يكن سبب ذلك أزمة مالية أو كارثة طبيعية، بل مجرد خطأ بترجمة تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك، François Fillon – فرانسوا فيون! في 4 يونيو 2010، عقد رئيس الوزراء الفرنسي مؤتمرًا صحفيًا للإبلاغ عن زيارته الرسمية إلى كندا، كما هو معتاد. في تلك الفترة، كان اليورو يمر باهتزاز وانخفاض طفيف في سوق الصرف الأجنبي، وهذا ما دفع أحد الصحفيين الحاضرين إلى سؤال الرئيس عن رأيه بهذا الخصوص. أجاب فرانسوا فيون بهدوء إلى أنه يرى “أنها مجرد أخبار جيدة في التكافؤ (parité) بين اليورو والدولار”. مستخدمًا للمصطلح الفرنسي ”parité économique” – “التعادل الاقتصادي” والذي يُعَرّفُ في قاموس Larousse بأنه “سعر صرف عملة ثابت بالنسبة إلى عملة أخرى”. بمجرد إعرابه عن الأمر، بدأت وكالات الأنباء الناطقة بالإنجليزية والصحف بتناول الأمر وترجمته، لكن بصورة سيئة. حيث أن ترجمة parité للانجليزية بكلمة parity لا يفيد نفس المعنى إطلاقًا، فهذه الأخيرة تعني مساواة قوة العملات الشرائية. دفع هذا الأمر الصحف الناطقة بالإنجليزية للاعتقاد بأن رئيس الوزراء الفرنسي يريد تحقيق المساواة الكاملة بين الدولار واليورو قصد التمهيد لإنشاء عملة مشتركة عابرة للأطلسي. لم يتطلب الأمر الكثير من أجل إغراق اليورو، فبعد بضع ساعات من انتشار الخبر بصورته المترجمة الخاطئة، انخفض سعر اليورو بشكل حاد، مما دفع العديد من المستثمرين إلى الخوف وبالتالي أنتج ذلك المزيد من الانخفاض مع بيع لليورو على نطاق واسع. بالطبع فزيادة العرض دون طلب مقابل تعني خفضًا سريعًا للأسعار، حيث هبطت قيمة اليورو قبالة الدولار حينها إلى أدنى مستوى منذ 4 سنوات سابقة. لمواجهة حالة الطوارئ هاته، اضطرت Matignon (مقر الحكومة الفرنسية) إلى نشر بيان رسمي لتوضيح كلمات رئيس الوزراء وتدارك الموقف.
من خلال هذه الأمثلة التاريخية، يظهر بوضوح كون أخطاء الترجمة يمكن أن تصبح وخيمة أكثر مما نعتقد، حيث أن سوء فهم بسيط من الممكن أن يقود إلى نتائج سيئة لا تحمد عقباها.