صلاة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء.. تساؤلاتٌ وتأمّلات!

يُذكَر دائماً ـ في سياق التأكيد على الصلاة وأدائها في أوّل وقتها وعدم تفويتها وتضييعها ـ أنّ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ترك القتال يوم عاشوراء ووقف للصلاة لمّا حان وقتها، ولذا فمن الأَولى أن نوقِف مراسم العزاء على الحسين (عليه السلام) والمواكب الحسينيّة ومسير المشي إلى الزيارة ونهرع إلى الصلاة؛ تأسّياً بالحسين (عليه السلام) الّذي قُتل من أجل الصلاة!
ويبدو أنّ المردّدين لهذا الكلام حفظوه من دون قراءة ما جاء في كتب المقاتل بتأنٍّ وتأمّل..


فلْنرجع مثلاً إلى كتاب الطبريّ (تاريخ الأُمم والملوك)، وهو من الكتب الّتي يكثر اعتمادهم ورجوعهم إليه، نظراً لكونه من أعلام العامّة في القرن الرابع الهجريّ، فهو مصدرٌ متقدّم.
جاء الخبر في (الطبريّ) على هذا النحو:


… وتعطّف الناس عليهم فكثروهم، فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين قد قُتِل، فإذا قُتل منهم الرجل والرجلان تبيّن فيهم، وأُولئك كثيرٌ لا يتبيّن فيهم ما يُقتَل منهم.

قال: فلمّا رأى ذلك أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائديّ قال للحسين: يا أبا عبد الله، نفسي لك الفداء، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله لا تُقتَل حتّى أُقتَل دونك إن شاء الله، وأُحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيتُ هذه الصلاة الّتي قد دنا وقتها.

قال: فرفع الحسين رأسه، ثمّ قال: «ذكرتَ الصلاة، جعلَك الله من المصلّين الذاكرين، نعم هذا أوّلُ وقتها»، ثمّ قال: «سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي» (تاريخ الأُمم والملوك 4: 334 ـ سنة إحدى وستّين).

وهنا يلزم أن نلتفت أنّ المبادِر باقتراح أداء الصلاة هو أبو ثُمامة الصائديّ (رضوان الله عليه)، فلمّا رغب بأن يكون آخر عملٍ في عمره الشريف هو الصلاة خلف سيّد شباب أهل الجنّة (عليه السلام)، أجابه الحسين ودعا له، ثمّ أمرهم أن يسألوهم بأن يكفّوا حتّى يصلّي هو وأصحابه (عليهم السلام)!

ولا يمكن أن نتصوّر أبداً أنّ سيّد شباب أهل الجنّة (عليه السلام) كان غافلاً ـ والعياذ بالله ـ عن دخول وقت الصلاة، ليحتاج مَن يذكّره بها!

ثمّ يستمرّ الخبر، فيذكر أنّ الـحُصين بن تميم (لعنه الله) قال لهم: إنّها لا تُقبَل! وتشاجر هو وحبيب بن مظاهر (رضوان الله عليه)، ثمّ حمل الـحُصين، وخرج إليه حبيب بن مظاهر فضرب وجه فرسه بالسيف فوقع، وحمله أصحابه فاستنقذوه.

ثمّ إنّ حبيب بن مظاهر خرج إلى الميدان مرتجزاً بأبياتهالمعروفة، وقاتل قتالاً شديداً، فحمل عليه رجلٌ من بني تميمٍ فضربه بالسيف على رأسه فقتله!

وهنا نتساءَل: لماذا ترك حبيب بن مظاهر الأسديّ ـ وهو الفقيه على حدّ تعبير سيّد الشهداء (عليه السلام) ـ صلاته وذهب إلى ساحة القتال حتّى قُتل وهو لم يصلِّ؟!

ونعود إلى الخبر.. ففيه أنّ الحرّ أخذ يرتجز، ثمّ قاتل هو وزهير بن القين قتالاً شديداً، فكان إذا شدّ أحدهما فإن استلحم شدّ الآخَر حتّى يخلّصه، ففعلا ذلك ساعة! ثمّ إن رجّالةً شدّت على الحرّ بن يزيد فقُتل.

وهنا أيضاً نجد أنّ الحرّ وزُهير (رضوان الله عليهما) انشغلا عن الصلاة، حتّى قُتل الحرّ أيضاً وهو لم يصلِّ بحسب ظاهر الخبر!

ثمّ قَتل أبو ثمامة الصائديّ ابنَ عمٍّ له كان عدوّاً له!

وهذا أعجب ممّا قبله؛ فإنّ أبا ثمامة (رضوان الله عليه) ـ وهو الّذي أحبّ أن يلقى ربّه وقد صلّى ـ انشغل بالقتال عن الصلاة أيضاً!

هذا كلّه ولا زال الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه لم يصلّوا بعد، ولك أن تحسب الوقت الّذي مضى منذ دخول وقت الصلاة إلى هذه اللحظة.

ثمّ قال الطبريّ ـ بعد ذِكر هذا كلّه وتفصيله ـ:

ثمّ صلّوا الظهر، صلّى بهم الحسين صلاةَ الخوف (تاريخ الأُمم والملوك 4: 336 ـ سنة إحدى وستّين).

أقول: ولا يخفى أنّ صلاة الخوف ينقسم فيها الجيش إلى طائفتين، فيقوم الإمام بطائفةٍ معه، وطائفةٌ يُقبِلون بوجوههم على العدوّ.

قال السيّد ابن طاووس:

وحضرَت صلاة الظهر، فأمر الحسين (عليه السلام) زهيرَ بن القَين وسعيدَ بن عبد الله الحنفيّ أن يتقدّما أمامه بنصف مَن تخلّف معه، ثمّ صلّى بهم صلاة الخوف.

فوصل إلى الحسين (عليه السلام) سهم، فتقدّم سعيد بن عبد الله الحنفيّ ووقف يقيه بنفسه، ما زال ولا تخطّى حتّى سقط إلى الأرض، وهو يقول: اللّهمّ العنْهم لعنَ عادٍ وثمود، اللّهمّ أبلِغْ نبيَّك عنّي السلام، وأبلِغْه ما لَقِيتُ من ألم الجراح، فإنّي أردتُ ثوابك في نصر ذرّيّة نبيّك. ثمّ قضى نحبه (رضوان الله عليه)، فوُجِد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به مِن ضرب السيوف وطعن الرماح (اللهوف في قتلى الطفوف: 66 ـ المسلك الثاني).

وهنا أيضاً نجد أنّ سعيد بن عبد الله الحنفيّ (رضوان الله عليه) قد ترك صلاته ليقف يقي بنفسه سيّد شباب أهل الجنّة (سلام الله عليه)، حتّى قضى وهو يريد ثواب الله في نصر ذريّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله)!

إذن، فقد تبيّن ممّا مضى ما يلي:

أوّلاً: ما يُتناقَل على أفواه الخطباء وأرباب المنابر وأصحاب الأقلام ليس دقيقاً جدّاً، وليست الصورة كما تُصوَّر عادة، فيلزم الالتفات.

ثانياً: لا شكّ ولا ريب أنّ الصلاة فريضةٌ على كلّ مؤمنٍ بالله ورسوله، وهي عمود الدين وركن الإسلام، بَيد أنّ أداءها في أوّل وقتها عملٌ مستحبٌّ قد يعارضه ما هو أوجب منها، ولا يضرّ أداؤها ولو متأخّراً قليلاً فيما إذا تعارضَت مع أداء العزاء على سيّد الشهداء (عليه السلام) أو زيارته مثلاً في بعض الأحيان النادرة.

ثالثاً: مُدّعى أنّ الحسين (عليه السلام) قُتل من أجل الصلاة لم يثبت بوجه، وليست الصلاة بأوجب من نصرة سيّد الشهداء (عليه السلام)، ولنا في فعل أصحابه خير عِبرة، هذا فضلاً عن أن يكون دم الحسين الزاكي نفسُه فداءً للصلاة.


تحياتي : al-rawi