الحقوق الأُسريّة
وضع المنهج الإسلامي حقوقاً وواجبات على جميع أفراد الأُسرة ، وأمر بمراعاتها من أجل إشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الأُسرة ، والتقيّد بها يسهم في تعميق الأواصر وتمتين العلاقات ، وينفي كل أنواع المشاحنات والخلافات المحتملة ، والتي تؤثّر سلباً على جوّ الاستقرار الذي يحيط بالأُسرة ، وبالتالي تؤثّر على استقرار المجتمع المتكوّن من مجموعة من الأُسر .
أَوّلاً : حقوق الزوج :
من أهمّ حقوق الزوج حقّ القيمومة ، قال الله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) (1).
فالأُسرة باعتبارها أصغر وحدة في البناء الاجتماعي بحاجة إلى قيّم ومسؤول عن أفرادها ، له حقّ الإشراف ، والتوجيه ، ومتابعة الأعمال ،
ـــــــــــــــــــ
(1) النساء 4 : 34 .
والممارسات ، وقد أوكل الله تعالى هذا الحق إلى الزوج ، فالواجب على الزوجة مراعاة هذا الحق المنسجم ، مع طبيعة الفوارق البدنية والعاطفية لكلٍّ من الزوجين ، وأن تراعي هذه القيمومة في تعاملها مع الأطفال وتشعرهم بمقام والدهم .
ومن الحقوق المترتبة على حق القيمومة حق الطاعة ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أن تطيعه ولا تعصيه ، ولا تصدّق من بيتها شيئاً إلاّ بإذنه ، ولا تصوم تطوعاً إلاّ بإذنه ، ولا تمنعه نفسها ، وإن كانت على ظهر قتب ، ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه... ) (1) .
حتى إنّه ورد كراهة إطالة الصلاة من قِبل المرأة ؛ لكي تتهرّب من زوجها ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لا تُطوِّلنّ صلاتكنّ لتمنعنَّ أزواجكنّ ) (2) .
ويجب عليها إحراز رضاه في أدائها للأعمال المستحبة ، فلا يجوز لها الاعتكاف المستحب إلاّ بإذنه (3) ، ولا يجوز لها أن تحجّ استحباباً إلاّ بإذنه ، وإذا نذرت الحج بغير إذنه لم ينعقد نذرها (4) .
ومن أجل تعميق العلاقات العاطفية ، وإدامة الروابط الروحية ، وإدخال السرور والمتعة في نفس الزوج ، يستحب للمرأة الاهتمام بمقدمات ذلك ، فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( جاءت امرأة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : يا رسول الله ، ما حقّ الزوج على المرأة ؟ قال : أكثر من ذلك ،
ــــــــــــــــــ
(1) مَن لا يحضره الفقيه 3 : 277 .
(2) الكافي 5 : 508 .
(3) الكافي في الفقه : 187 .
(4) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 191 .
فقالت : فخبّرني عن شيء منه فقال : ليس لها أن تصوم إلاّ بإذنه ـ يعني تطوعاً ـ ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه ، وعليها أن تطّيّب بأطيب طيبها ، وتلبس أحسن ثيابها ، وتزيّن بأحسن زينتها ، وتعرض نفسها عليه غدوةً وعشية ، وأكثر من ذلك حقوقه عليها ) (1) .
ويستحب لها كما يقول الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) : ( .. إظهار العشق له بالخِلابة ، والهيئة الحسنة لها في عينه ) (2) .
وفي رواية جاء رجل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : إنّ لي زوجةً إذا دخلت تلقّتني ، وإذا خرجت شيّعتني ، وإذا رأتني مهموماً قالت : ما يهمّك ، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفّل به غيرك ، وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( بشّرها بالجنة ، وقل لها : إنّك عاملة من عمّال الله ، ولك في كلِّ يوم أجر سبعين شهيداً ) .
وفي رواية : ( إنّ لله عزَّ وجلَّ عمّالاً ، وهذه من عمّاله ، لها نصف أجر الشهيد ) (3) .
ويحرم على الزوجة أن تعمل ما يسخط زوجها ويؤلمه ، في ما يتعلق بالحقوق العائدة إليه ، كإدخال بيته مَن يكرهه ، أو سوء خُلقها معه ، أو إسماعه الكلمات المثيرة وغير اللائقة .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها ، لم يُقبل منها
ـــــــــــــــــ
(1) الكافي 5 : 508 .
(2) تحف العقول : 239 .
(3) مكارم الأخلاق : 200 .
صرفاً ، ولا عدلاً ، ولا حسنةً من عملها حتى ترضيه ) (1) .
وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حقّ ، لم تُقبل منها صلاة حتى يرضى عنها ، وأيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها ، لم تُقبل منها صلاة حتى تغتسل من طيبها ، كغُسلها من جنابتها ) (2) .
ويحرم على الزوجة أن تهجر زوجها دون مبرّر شرعي (3) ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة ، حُشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون ، في الدَرك الأسفل من النار ، إلاّ أن تتوب وترجع ) (4) .
ومن أجل الحيلولة دون تمادي الزوجة غير المطيعة في ارتكاب الممارسات الخاطئة ، التي تخلق أجواء التوتر في الأُسرة ، جعل الإسلام للزوج حق استخدام العقوبات المؤدّبة لها ، إذا لم ينفع معها الوعظ والإرشاد ، وتندرج العقوبة من الأخف أَوّلاً ثمّ الأشد ثانياً ، حسب حال المرأة ، ومقدار نشوزها ، وإعراضها ، وعدم طاعتها ، بعد بذل النصيحة والموعظة ، قال الله تعالى : ( ... وَاللاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ... ) (5) .
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مكارم الأخلاق : 202 .
(2) الكافي 5 : 507 .
(3) جواهر الكلام 31 : 201 . ومنهاج الصالحين ، المعاملات : 103 .
(4) مكارم الأخلاق : 202 .
(5) سورة النساء : 4 / 34 .
فتجوز له العقوبة إذا منعته من نفسها ، وتسلّطت عليه بالقول أو الفعل ، فيبدأ بوعظها وتخويفها من الله تعالى ، فإن أثّر ذلك وإلاّ هجرها بالإعراض عنها في مدخله ، ومخرجه ، ومبيته ، من غير إخلال بما يحفظ حياتها من غذاء ولباس ، فإن أثّر ذلك وإلاّ ضربها ضرباً غير مبرّح ، وإن خرجت من منزله بغير إذنه أو بإذنه وامتنعت عن الرجوع إليه فله ردّها ، وإن أبت فله تأديبها بالإعراض عنها وقطع الإنفاق (1) .
وأكّدت الروايات على مراعاة حق الزوج ، واتّباع الأساليب الشيّقة في إدامة أواصر الحبّ والوِئام ، وخلق أجواء الانسجام والمعاشرة الحسنة داخل الأُسرة ، فجعل الإمام الباقر ( عليه السلام ) حُسن التبعّل جهاداً للمرأة فقال ( عليه السلام ) : ( جهاد المرأة حُسن التبعّل ) (2) .
ولأهمية مراعاة هذا الحق ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لا تؤدي المرأة حقّ الله عزَّ وجلَّ ، حتى تؤدي حقّ زوجها ) (3) .
وذكر ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طاعة الزوج في سياق ذكره لسائر العبادات والطاعات ، التي توجب دخول الجنة ، حيث قال : ( إذا صلّت المرأة خَمسها ، وصامت شهرها ، وأحصنت فرجها ، وأطاعت بعلها ، فلتدخل من أيّ أبواب الجنة شاءت ) (4) .
ووضع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأهل بيته ( عليهم السلام ) منهجاً في العلاقات بين
ــــــــــــــــــ
(1) الكافي في الفقه : 294 .
(2) مَن لا يحضره الفقيه 3 : 278 .
(3) مكارم الأخلاق : 215 .
(4) مكارم الأخلاق : 201 .
الزوجين ، يعصم الحياة الزوجية من التصدّع والاضطراب ، فأكّد على الزوجة أن لا تكلّف زوجها مالا يطيق في أمر النفقة ، وهو أمر يسبّب كثيراً من المتاعب في الحياة الزوجية ، ويضرّ بصفوها وانسجامها .
قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته ما لا يطيق ، لا يقبل الله منها صرفاً ، ولا عدلاً ، إلاّ أن تتوب ، وترجع ، وتطلب منه طاقته ) (1) .
وحثّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المرأة على إصلاح شؤون البيت ، واستقبال الزوج بأحسن استقبال فقال : ( حقّ الرجل على المرأة إنارة السراج ، وإصلاح الطعام ، وأن تستقبله عند باب بيتها فترحّب به ، وأن تقدّم إليه الطشت والمنديل ... ) (2) .
ويستحب للزوجة أن تكسب رضا الزوج وتنال مودته ، قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( خير نسائكم التي إن غضبت أو أُغضبت قالت لزوجها : يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتى ترضى عني ) (3) .
وجعل الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) رضا الزوج على زوجته شفيعاً لها عند الله تعالى ، فقال : ( لا شفيع للمرأة أنجح عند ربّها من رضا زوجها ، ولمّا ماتت فاطمة ( عليها السلام ) ، قام عليها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال : اللهمّ إنّي راضٍ عن ابنت نبيك ، اللهمّ إنّها قد أوحشت فآنسها ) (4) .
ـــــــــــــــــ
(1) مكارم الأخلاق : 202 .
(2) مكارم الأخلاق : 215 .
(3) مكارم الأخلاق : 200 .
(4) بحار الأنوار 103 : 257 .
ومن أجل التغلّب على المشاكل المعكّرة لصفو المودّة والوِئام ، يستحب للزوجة أن تصبر على أذى الزوج ، فلا تقابل الأذى بالأذى والإساءة بالإساءة ؛ لأنّ ذلك من شأنه أن يغمر أجواء الأُسرة بالتوترات الدائمة ، والمشاكل التي لا تنقضي ، والصبر هو الأسلوب القادر على إيصال العلاقات إلى الانسجام التام ، بعودة الزوج إلى سلوكه المنطقي الهادئ ، فلا يبقى له مبرّر للإصرار على سلوكه غير المقبول ، قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغَيرته ) (1) .
ومن آثار مراعاة الزوجة لحقوق الزوج في الوسط الأُسري ، أن تصبح له مكانة محترمة في نفوس أبنائه ، فيحفظون له مقامه ، ويؤدّون له حق القيمومة فيطيعون أوامره ، ويستجيبون لإرشاداته ونصائحه ، فتسير العملية التربوية سيراً متكاملاً ، ويعمّ الاستقرار والطمأنينة جوّ الأُسرة بأكمله ، وتنتهي جميع ألوان وأنواع المشاحنات والتوترات المحتملة .
ثانياً : حقوق الزوجة :
وضع الإسلام حقوقاً للزوجة يجب على الزوج تنفيذها وأداءها ، وهي ضرورية ؛ لإشاعة الاستقرار والاطمئنان في أجواء الأُسرة ، وإنهاء أسباب المنافرة والتدابر قبل وقوعها .
ومن حقوق الزوجة على زوجها : حق النفقة ، حيث جعله الله تعالى من الحقوق التي يتوقف عليها حقّ القيمومة للرجل ، كما جاء في قوله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا
ــــــــــــ
(1) مَن لا يحضره الفقيه 3 : 277 .

مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) (1) .
فيجب على الزوج الإنفاق على زوجته ، وشدّد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على هذا الواجب ، حتى جعل المقصّر في أدائه ملعوناً ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( ملعون ملعون مَن يضيّع مَن يعول ) (2) .
والنفقة الواجبة هي الإطعام ، والكسوة للشتاء والصيف ، وما تحتاج إليه من الزينة حسب يسار الزوج (3) .
والضابط في النفقة القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام ، وأداء ، وكسوة ، وفراش ، وغطاء ، وإسكان ، وإخدام ، وآلات تحتاج إليها لشربها ، وطبخها ، وتنظيفها (4) .
ويقدّم الإطعام والإكساء على غيره من أنواع النفقة ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( حقّ المرأة على زوجها أن يسدَّ جوعتها ، وأن يستر عورتها ، ولا يقبّح لها وجهاً ، فإذا فعل ذلك أدّى والله حقّها ) (5) .
والنفقة هي ملك شخصي للزوجة ، فلو دفع لها الزوج نفقتها ليوم ، أو أسبوع ، أو شهر ، وانقضت المدة ، ولم تصرفها على نفسها بأن أنفقت من غيرها ، أو أنفق عليها أحد بقيت ملكاً لها (6) .
ـــــــــــــــــ
(1) النساء 4 : 34 .
(2) عدّة الداعي / أحمد بن فهد الحلي : 72 ـ مكتبة الوجداني قم .
(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 285 .
(4) مهذّب الأحكام 25 : 298 . والصراط القويم : 215 .
(5) عدّة الداعي : 81 .
(6) مهذّب الأحكام 25 : 305 .
ولو مضت أيام ولم ينفق الزوج عليها ، اشتغلت ذمته بنفقة تلك المدة ، سواء طالبته بها أو سكتت عنها (1) .
ولضرورة هذا الحق جعل الإسلام للحاكم الشرعي ـ وهو الفقيه العادل ـ صلاحية إجبار الزوج على النفقة ، فإن امتنع كان له حق التفريق بينهما (2) ، قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا أنفق الرجل على امرأته ما يقيم ظهرها مع الكسوة ، وإلاّ فرّق بينهما ) (3) .
ولا تسقط النفقة حتى في حال الطلاق ، فما دامت المطلّقة في عدّتها فعلى الزوج الإنفاق عليها ، وتسقط نفقتها في حال الطلاق الثالث ، قال الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) : ( إنَّ المطلّقة ثلاثاً ليس لها نفقة على زوجها ، إنّما هي للتي لزوجها عليها رجعة ) (4) ، إلاّ الحامل فإنّها تستحقُّ النفقة بعد الطلاق الثالث (5) .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا طلّق الرجل المرأة وهي حبلى ، أنفق عليها حتى تضع .. ) (6) .
وتسقط النفقة في حال عدم التمكين للزوج ، ولا تسقط إن كان عدم التمكين لعذر شرعي أو عقلي ، من حيض ، أو إحرام ، أو اعتكاف ، واجب ، أو
ــــــــــــــــــ
(1) مهذّب الأحكام 25 : 304 .
(2) مهذّب الأحكام 25 : 305 .
(3) وسائل الشيعة 21 : 512 .
(4) الكافي 6 : 104 .
(5) المقنعة : 531 .
(6) الكافي 6 : 103 .
مرض (1) .
وتسقط النفقة إن خرجت بدون إذن زوجها ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أيّما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها ، فلا نفقة لها حتى ترجع ) (2) .
وحثّ الإسلام على اتخاذ التدابير الموضوعية ؛ للحيلولة دون وقوع التدابر والتقاطع ، فدعا إلى توثيق روابط المودّة والمحبة ، وأمر بالعشرة بالمعروف ، قال الله تعالى : ( ... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) (3) .
ومن مصاديق العشرة بالمعروف حُسن الصحبة ، قال الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في وصيته لمحمد بن الحنفية : ( إنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ، فدارِها على كلِّ حال ، وأَحسن الصحبة لها ، فيصفو عيشك ) (4) .
ومن حقها أن يتعامل زوجها معها بحسن الخلق ، وهو أحد العوامل التي تُعمّق المودة والرحمة والحب داخل الأُسرة ، قال الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) : ( لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته ، وهي : الموافقة ؛ ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها ، وحسن خلقه معها واستعماله ، استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها ، وتوسعته عليها .. ) (5) .
ـــــــــــــــــ
(1) مهذّب الأحكام 25 : 292 .
(2) الكافي 5 : 514 .
(3) سورة النساء : 4 / 19 .
(4) مكارم الأخلاق : 218 .
(5) تحف العقول : 239 .
ومن حقها الإكرام ، والرِفق بها ، وإحاطتها بالرحمة والمؤانسة ، قال الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) : ( وأمّا حقُّ رعيتك بمِلك النكاح ، فأن تعلم أنّ الله جعلها سكناً ، ومستراحاً ، وأُنساً ، وواقيةً ، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ، ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه ، ووجب أن يُحسن صُحبة نعمة الله ، ويكرمها ويرفق بها ، وإن كان حقك عليها أغلظ ، وطاعتك بها ألزم ، فيما أحبّت وكرهت ما لم تكن معصيةً ، فإنّ لها حقّ الرحمة والمؤانسة ، وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابدّ من قضائها .. ) (1) .
وقد ركّز أهل البيت ( عليهم السلام ) على جملة من التوصيات ؛ من أجل إدامة علاقات الحب والمودّة داخل الأُسرة ، وهي حق للزوجة على زوجها .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( خيّركم خيّركم لنسائه ، وأنا خيّركم لنسائي ) (2) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( مَن اتخذ زوجةً فليكرمها ) (3) .
وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته ) (4) .
وجاءت توصيات جبرئيل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، مؤكدّة لحق الزوجة قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أوصاني جبرئيل ( عليه السلام ) بالمرأة ، حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها ،
ـــــــــــــــــ
(1) تحف العقول : 188 .
(2) مَن لا يحضره الفقيه 3 : 281 .
(3) مستدرك الوسائل / النوري 2 : 550 .
(4) مَن لا يحضره الفقيه 3 : 281 .
إلاّ من فاحشة مبيّنة ) (1) .
ونهى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن استخدام القسوة مع المرأة ، وجعل من حق الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها ، ففي جوابه على سؤال خولة بنت الأسود حول حق المرأة قال : ( حقكِ عليه أن يُطعمك ممّا يأكل ، ويكسوكِ ممّا يلبس ، ولا يلطم ولا يصيح في وجهكِ ) (2) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( خير الرجال من أُمّتي الذين لا يتطاولون على أهليهم ، ويحنّون عليهم ، ولا يظلمونهم ) (3) .
ومن أجل تحجيم نطاق المشاكل والاضطرابات الأُسريّة ، يستحسن الصبر على إساءة الزوجة ؛ لأنّ ردّ الإساءة بالإساءة أو بالعقوبة يوسّع دائرة الخلافات ، والتشنّجات ، ويزيد المشاكل تعقيداً ، فيستحب الصبر على إساءة الزوجة قولاً كانت أم فعلاً ، قال الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) : ( مَن احتمل من امرأته ولو كلمةً واحدة ، أعتق الله رقبته من النار ، وأوجب له الجنّة ) (4) .
وحثّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الزوج ، على الصبر على سوء أخلاق الزوجة ، فقال : ( مَن صبر على سوء خلق امرأته ، أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيوب على بلائه ) (5) .
ولقد ورد في سيرته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أنّه كان يصبر على أذى زوجاته ، وغضبهنّ
ــــــــــــــــــ
(1) مَن لا يحضره الفقيه 3 : 278 .
(2) مكارم الأخلاق : 218 .
(3) مكارم الأخلاق : 216 ـ 217 .
(4) مكارم الأخلاق : 216 .
(5) مكارم الأخلاق : 213 .
عليه ، وهجرهنّ إيّاه ، فحري بنا أن نقتدي بسيرة سيّد البشر ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؛ لكي نتجنّب كثيراً من حالات التصدّع والتفكك في حياتنا الزوجية ، ونحافظ على سلامة العلاقات داخل محيط الأُسرة .
عن عمر بن الخطاب قال : غضبت على امرأتي يوماً ، فإذا هي تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر من ذلك ! فو الله إنّ أزواج النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليراجعنه ، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل (1) .
وقال عمر لحفصة ابنته : أتغضب إحداكنّ على النبي ( صلى الله عليه وآله ) اليوم إلى الليل ؟ قالت : نعم (2) .
وكانت سيرة أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، مثالاً لسيرة جدهم المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، في كل مفردات العقيدة والسلوك ، وهكذا كانت في مسألة الصبر على أذى الزوجة ؛ لأجل تقويم سلوكها وإصلاحها ، فعن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) قال : ( كانت لأبي ( عليه السلام ) امرأة ، وكانت تؤذيه ، وكان يغفر لها ) (3) .
ومن حقوق الزوجة حق المضاجعة ، فإذا حرمها الزوج من ذلك ـ كما هو الحال في الإيلاء ، بأن يحلف أن لا يجامع زوجته ـ فللزوجة حق الخيار ، إن شاءت صبرت عليه أبداً ، وإن شاءت خاصمته إلى الحاكم الشرعي ، حيث يمهله لمدّة أربعة أشهر ؛ ليراجع نفسه ، ويعود إلى مراعاة حقها ، أو يطلّقها ، فإن أبى كليهما حبسه الحاكم ، وضيّق عليه في المطعم
ــــــــــــــــــــ
(1) الدر المنثور 6 : 243 .
(2) المعجم الكبير 23 : 209 .
(3) مَن لا يحضره الفقيه 3 : 279 .
والمشرب ؛ حتى يرجع إلى زوجته ، أو يطلّقها (1) .
وإذا تزوجت من رجل على أنّه سليم ، فظهر أنه عنّين انتظرت به سَنة ، فإن استطاع مجامعتها فتبقى على زوجيتها ، وإن لم يستطع كان لها الخيار ، فإن اختارت المقام معه على أنّه عنّين لم يكن لها بعد ذلك خيار (2) .
ولا يجوز إجبار المرأة على الزواج من رجل غير راغبة فيه ـ كما تقدّم ـ .
وإن كان للرجل زوجتان ، فيجب عليه العدل بينهما (3) .
ووضع الإسلام حدوداً في العلاقات الزوجية ، فلا يجوز للزوج أن يقذف زوجته ، فلو قذفها جُلد الحدّ (4) .
ثالثاً : حقوق الوالدَينِ :
للوالدينِ الدور الأساسي في بناء الأُسرة ، والحفاظ على كيانها ابتداءً وإدامةً ، وهما مسؤولان عن تنشئة الجيل ، طبقاً لموازين المنهج الإسلامي ؛ لذا حدّد الإسلام أُسس العلاقة بين الوالدينِ والأبناء ، طبقاً للحقوق والواجبات المترتّبة على أفراد الأُسرة تجاه بعضهم البعض ، فقد قرن الله تعالى في كتابه الكريم وجوب برّ الوالدين والإحسان إليهما بوجوب عبادته ، وحرّم جميع ألوان الإساءة إليهما صغيرها وكبيرها ، فقال تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ
ــــــــــــــــ
(1) المقنعة : 523 .
(2) المقنعة : 520 .
(3) المقنعة : 516 .
(4) المقنعة : 541 .

الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ) (1) .
وأمر بالإحسان إليهما ، والرحمة بهما ، والاستسلام لهما ، فقال تعالى : ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) (2) .
وقرن الله تعالى الشكر لهما بالشكر له ، فقال : ( ... أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) (3) .
وأمر تعالى بصحبة الوالدينِ بالمعروف ، فقال : ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ... ) (4) .
وتجب طاعة الأبناء للوالدينِ ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( ... ووالديك فأطعهما ، وبرهما حيّين كانا أو ميتين ، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فإنّ ذلك من الإيمان ) (5) .
وقرن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) بر الوالدين بالصلاة والجهاد ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : قلت : أي الأعمال أفضل ؟ قال : ( الصلاة لوقتها ، وبرّ الوالدين ، والجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ ) (6) .
ومن حقوق الوالد على وَلده ، كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لا يسمّيه
ـــــــــــــ
(1) سورة الإسراء : 17 / 23 .
(2) سورة الإسراء : 17 / 24 .
(3) سورة لقمان : 31 / 14 .
(4) سورة لقمان : 31 / 15 .
(5) الكافي 2 : 158 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب البر بالوالدينِ .
(6) الكافي 2 : 158 / 4 .
باسمه ، ولا يمشي بين يديه ، ولا يجلس قبله ، ولا يستسبّ له ) (1) .
ومعنى ( لا يستسبّ له ) أي لا يفعل ما يصير سبباً لسبّ الناس له .
وقدّم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) برّ الوالدة على برّ الوالد ؛ لأنّها أكثر منه في تحمّل العناء من أجل الأولاد ، في الحمل ، والولادة ، والرضاع ، عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، قال : ( جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : يا رسول الله ، مَن أبرُّ ؟ قال : أُمّك ، قال : ثمّ مَن ؟ قال : أُمّك ، قال : ثمّ مَن ؟ قال : أُمّك ، قال ثمّ مَن ؟ قال : أباك ) (2) .
وكانت سيرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قائمةً على تكريم مَن يبرّ والديه ، فقد أتته أُخته من الرضاعة ، فلمّا نظر إليها سرَّ بها ، وبسط ملحفته لها فأجلسها عليها ، ثمّ أقبل يحدّثها ويضحك في وجهها ، ثمّ قامت وذهبت وجاء أخوها ، فلم يصنع به ما صنع بها ، فقيل له : يا رسول الله ، صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجل ؟! فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( لأنّها كانت أبرَّ بوالديها منه ) (3) .
وقدّم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طاعة الوالدين على الجهاد ، ففي رواية جاءه رجل وقال : يا رسول الله ، إنّ لي والدَينِ كبيرينِ ، يزعمان أنّهما يأنسان بي ويكرهان خروجي ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( فقرّ مع والديك ، فوالذي نفسي بيده لأُنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سَنة ) (4) .
وورد في الحديث أنّه يجب برّ الوالدين وإن كانا فاجرين ، قال الإمام
ــــــــــــــــ
(1) الكافي 2 : 159 / 5 .
(2) الكافي 2 : 159 ـ 160 / 9 .
(3) الكافي 2 : 161 / 12 .
(4) الكافي 2 : 160 / 10 .
محمد الباقر ( عليه السلام ) : ( ثلاث لم يجعل الله عزَّ وجلَّ لأحد فيهنَّ رخصة : أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبرّ الوالدينِ برّين كانا أو فاجرين ) (1) .
وفي الآية المتقدمة ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلاّ برحمة ورقّة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ، ولا يدك فوق أيديهما ، ولا تقدَّم قدّامهما ) (2) .
وبرّ الوالدين لا يقتصر على حال حياتهما ، بل يشملهما حال الحياة وحال الممات ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( ما يمنع الرجل منكم أن يبرَّ والديه حيّين وميّتين ، يصلي عنهما ، ويتصدّق عنهما ، ويحجّ عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما ، وله مثل ذلك ، فيزيده الله عزَّ وجلَّ ببرّه وصلته خيراً كثيراً ) (3) .
ويجب على الولد الأكبر أن يقضي عن والده ما فاته من صلاة وصوم (4) ، أمّا بقية الأولاد فلا يجب عليهما القضاء عن والدهم ، بل يستحب للرواية المتقدمة .
وحرّم الإسلام عقوق الوالدين بجميع ألوانه ومراتبه ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( مَن أحزن والديه فقد عقّهما ) (5) .
ـــــــــــــــ
(1) الكافي 2 : 162 / 15 .
(2) الكافي 2 : 158 / 1 .
(3) الكافي 2 : 159 / 7 .
(4) منهاج الصالحين / السيد السيستاني ، العبادات : 248 ، 338 .
(5) بحار الأنوار 74 : 72 ، كتاب العشرة ، باب برّ الوالدين / 53 .
وعن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) قال : ( أدنى العقوق أُفّ ، ولو علم الله عزَّ وجلَّ شيئاً أهون منه لنهى عنه ) (1) .
وقال ( عليه السلام ) : ( ... ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحدّ النظر إليهما ) (2) .
وقال ( عليه السلام ) : ( مَن نظر إلى أبويه نظر ماقتٍ وهما ظالمان له ، لم يقبل الله له صلاة ) (3) .
وعقوق الوالدينِ من الكبائر التي تستلزم دخول النار ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( عقوق الوالدينِ من الكبائر ؛ لأنّ الله عزَّ وجلَّ جعل العاقّ عصياً شقياً ) (4) .
ولا يقتصر وجوب البرّ وحرمة العقوق ، على الجوانب المعنوية والروحية ، بل يتعداها إلى الجوانب المادية ، فتجب النفقة عليهما إن كانا معسرين (5) .
وتجب رعاية الوالدين رعايةً صحية ، عن إبراهيم بن شعيب قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إنّ أبي قد كبُر جداً وضعُف ، فنحن نحمله إذا أراد الحاجة ؟ فقال : ( إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل ، ولقّمه بيدك ، فإنّه
ـــــــــــــــــــ
(1) الكافي 2 : 348 كتاب الإيمان والكفر ، باب العقوق .
(2) الكافي 2 : 349 .
(3) الكافي 2 : 349 .
(4) بحار الأنوار 74 : 74 .
(5) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 286 .
جُنّة لك غداً ) (1) .
وخلاصة القول :
يجب طاعة الوالدينِ في جميع ما يأمران به ، إلاّ المعصية أو ما يترتب عليه مفسدة فلا تجب طاعتهما .
ومع جميع الظروف يجب على الأبناء إحراز رضا الوالدينِ بأيّ أُسلوب شرعي إن أمكن ؛ لأنّ رضاهما مقروناً برضا الله تعالى ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( رضا الله مع رضا الوالدينِ ، وسخط الله مع سخط الوالدينِ ) (2) .
وبرّ الوالدين بطاعتهما والإحسان إليهما ، كفيل بإشاعة الودّ والحبّ والوِئام في أجواء الأُسرة ، وبالتالي إلى تحكيم بنائها ، وإنهاء جميع عوامل الاضطراب والتخلخل الطارئ عليها ، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بالالتزام بالحقوق والواجبات المترتبة على أفرادها .
رابعاً : حقوق الأبناء :
للأبناء حقوق على الوالدين ، وقد لخصّها الإمام علي بن الحسين ( عليهما السلام ) بالقول : ( وأمّا حق وَلدك ، فإنّك تعلم أنّه منك ، ومضاف إليك ، في عاجل الدنيا بخيره وشرّه ، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته به من حُسن الأدب ، والدلالة على ربّه عزَّ وجلَّ ، والمعونة له على طاعته ، فاعمل في أمره عمل مَن يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه ، معاقب على الإساءة إليه ) (3) .
ـــــــــــــــــــ
(1) الكافي 2 : 162 .
(2) بحار الأنوار 74 : 80 .
(3) بحار الأنوار 74 : 6 .
ومن حقّ الأبناء على الآباء الإحسان إليهم ، وتعليمهم ، وتأديبهم ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( رحم الله عبداً أعان وَلده على برّه بالإحسان إليه ، والتآلف له ، وتعليمه ، وتأديبه ) (1) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( رحم الله مَن أعان وَلده على برّه ... يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره ، ولا يرهقه ولا يخرق به ) (2) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أكرموا أولادكم ، وأحسنوا آدابهم ) (3) .
وتترتب على الوالدينِ جملة من الحقوق ، ينبغي مراعاتها من أجل ؛ إعداد الأبناء إعداداً فكرياً ، وعاطفياً ، وسلوكياً ، منسجماً مع المنهج الإلهي في الحياة ، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بإشباع حاجات الأبناء الأساسية ، كالحاجة إلى الإيمان بالغيب ، والحاجة إلى الأمان ، وتوكيد الذات والمكانة بالمحبة والتقدير ، والحاجة إلى التربية الصالحة .
ويمكن تحديد أهم حقوق الأبناء بما يلي :
1 ـ ينبغي على كلِّ من الوالدين اختيار شريك الحياة على أساس الإيمان ، والتديّن ، والصلاح ، والسلامة من العيوب العقلية كالجنون والحمق ؛ لأنّ ذلك يؤثّر على تنشئة الجيل وسلامته .
وينبغي الاهتمام بالصحة الجسدية والنفسية للأُمّ أثناء الحمل ؛ لكي يخرج الأبناء إلى الدنيا وهم يتمتّعون بالصحة الجسدية والنفسية ؛
ـــــــــــــــــ
(1) مستدرك الوسائل 2 : 626 .
(2) الكافي 6 : 50 .
(3) مستدرك الوسائل 2 : 625 .
لانعكاسها عليهم أثناء الحمل .
2 ـ يستحب تسمية الأبناء بأحسن الأسماء ، ورعاية الأُمّ رعايةً صالحة ، وتوفير حاجاتها اللازمة ؛ للتفرّغ إلى رعاية الأبناء في مهدهم ، ويجب على الوالد إشباع حاجات الوليد من الرضاعة ، وذلك بالاعتماد على حليب الأُمّ ، أو اختيار المرضعة الصالحة ، وإشباع حاجاته المادية والمعنوية في فترة الحضانة .
3 ـ يجب على الوالدينِ تعليم الطفل معرفة الله تعالى ، وتعميق الإيمان في قلبه وجوارحه ، وتعليمه سائر أصول الدين ؛ ليترعرع على الإيمان بالله ، وبرسوله ، وبالأئمة ( عليهم السلام ) ، وبيوم القيامة ، ليكون الإيمان عوناً له في تهذيب نفسه في الحاضر والمستقبل .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال : حبّ نبيكم ، وحبّ أهل بيته ، وقراءة القرآن ) (1) .
ويجب تربية الأطفال على طاعة الوالدين .
4 ـ ويجب الإحسان إلى الأبناء في هذه المرحلة وتكريمهم ؛ من أجل تعميق أواصر الحبّ بينهم وبين الوالدينِ ، وذلك ضروري في كمالهم اللغوي ، والعقلي ، والعاطفي ، والاجتماعي ، فالطفل يقلّد مَن يحبّه ، ويتقبّل التعليمات والنصائح والأوامر ممّن يحبّه .
والمنهج الإسلامي في التعامل مع الأبناء ، يؤكّد على التوازن بين اللين والشدة في التربية ، ويؤكّد على العدالة بين الأطفال في الحبّ والتقدير
ـــــــــــــــــــــ
(1) كنز العمال 16 : 456 /45409 .
وفي العطاء ، وإشباع الحاجات ؛ لكي يترعرعوا متحابين متآزرين ، لا عداء بينهم ، ولا شَحناء ، ولا تقاطع ، ولا تدابر .
ويجب على الوالدين وقاية الأبناء من الانحراف الجنسي ، والانحراف السلوكي ، وتنمية عواطفهم اتجاه الأعمال الصالحة ، وتوجيهها توجيهاً سليماً ، يقوم على أساس المنهج الإسلامي في التربية والسلوك .
ويجب الاهتمام بالطفل اليتيم ، ورعايته رعايةً حسنة ؛ لكي يكون رجلاً صالحاً في المستقبل .