اختيار الزوجة :
العلاقة الزوجية ليست علاقةً طارئة ، أو صداقة مرحليّة ، وإنّما هي علاقة دائمة وشركة متواصلة ؛ للقيام بأعباء الحياة المادية والروحية ، وهي أساس تكوين الأُسرة ، التي ترفد المجتمع بجيل المستقبل ، وهي مفترق الطرق ؛ لتحقيق السعادة ، أو التعاسة للزوج وللزوجة ، وللأبناء وللمجتمع ؛ لذا فينبغي على الرجل أن يختار مَن يضمن له سعادته في الدنيا والآخرة .
عن إبراهيم الكرخي قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إنّ صاحبتي هلكت رحمها الله ، وكانت لي موافقةً ، وقد هممت أن أتزوج ، فقال لي : ( انظر أين تضع نفسك ، ومَن تُشركه في مالك ، وتُطلعه على دينك وسرّك ، فإن كنت فاعلاً فبكراً ، تُنسب إلى الخير وحسن الخلق ، واعلم :
ـــــــــــــــ
(1) تهذيب الأحكام 7 : 407 .
أَلا إنّ النســـاءَ خُلقنَ شتّى فمنهنَّ الغنيمة والغَـــــرامُ
ومنهنَّ الهــــلال إذا تجلّى لصاحبـهِ ومنهنَّ الظَــــلامُ
فمَن يظفر بصــالحهنَّ يسعد ومَن يعثر فليس له انتقامُ ) (1)
وراعى الإسلام في تعاليمه لاختيار الزوجة ، الجانب الوراثي ، والجانب الاجتماعي الذي عاشته ، ومدى انعكاسه على سلوكها وسيرتها .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( اختاروا لنطفكم ، فإنّ الخال أحد الضجيعَينِ ) (2) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( تخيّروا لنطفكم ، فإنّ العِرق دسّاس ) (3) .
وروي أنّه جاء إليه رجل يستأمره في النكاح ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( نعم ، انكح ، وعليك بذوات الدِّين ، تربت يداك ) (4) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( من سعادة المرء الزوجة الصالحة ) (5) .
فيستحب اختيار المرأة المتديّنة ، ذات الأصل الكريم ، والجو الأُسري السليم (6) .
وبالإضافة إلى هذه الأُسس ، فقد دعا الإسلام إلى اختيار المرأة التي
ــــــــــــــــ
(1) مَن لا يحضره الفقيه 3 : 386 ، وتهذيب الأحكام 7 : 401 .
(2) تهذيب الأحكام 7 : 402 .
(3) المحجّة البيضاء ، الفيض الكاشاني 3 : 93 ، ط3 ، دار التعارف ، 1401 هـ .
(4) تهذيب الأحكام 7 : 401 .
(5) الكافي 5 : 327 .
(6) انظر : الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 290 . والسرائر 2 : 559 . وجامع المقاصد 12 : 11 .
تتحلّى بصفات ذاتية من كونها ، ودوداً ولوداً ، طيبةَ الرائحة ، وطيبةَ الكلام ، موافقةً ، عاملةً بالمعروف إنفاذاً وإمساكاً (1) .
وفضّل تقديم الولود على سائر الصفات الجمالية ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( تزوجوا بِكراً ولوداً ، ولا تزوجوا حسناء جميلةً عاقراً ، فإنّي أُباهي بكم الأُمم يوم القيامة ) (2) .
ولم يُلغِ ملاحظة بعض صفات الجمال ؛ لإشباع حاجة الرجل في حبه للجمال ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( إذا أراد أحدكم أن يتزوج ، فليسأل عن شَعرها كما يسأل عن وجهها ، فإنّ الشَعر أحد الجمالينِ ) (3) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( تزوجوا الأبكار ؛ فإنّهنّ أطيب شيء أفواهاً ) (4) .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( أفضل نساء أمّتي أصبحهنَّ وجهاً ، وأقلهنَّ مهراً ) (5) .
ويستحب أن تكون النية في الاختيار منصبّةُ على ذات الدِّين ، فيكون اختيارها لدينها مقدّماً على اختيارها لمالها أو جمالها ؛ لأنَّ الدِّين هو العون الحقيقي للإنسان ، في حياته المادية ، والروحية ، قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا تزوج الرجل المرأة لمالها أو جمالها ، لم يرزق ذلك ، فإن
ـــــــــــــــــــ
(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 290 . ونحوه في : جواهر الكلام 29 : 36 وما بعدها .
(2) الكافي 5 : 333 .
(3) مَن لا يحضره الفقيه 3 : 388 .
(4) الكافي 5 : 334 .
(5) تهذيب الأحكام 7 : 404 .
تزوجها لدينها ، رزقه الله عزَّ وجلَّ جمالها ومالها ) (1) .
ويكره اختيار المرأة الحسناء المترعرعة في محيط أُسري سيّئ ، والسيئة الخلق ، والعقيم ، وغير السديدة الرأي ، وغير العفيفة ، وغير العاقلة ، والمجنونة (2) ؛ لأنّها تجعل الرجل في عناء مستمر تسلبه الهناء والراحة ، وتخلق الأجواء الممهّدة لانحراف الأطفال ، عن طريق انتقال الصفات السيئة إليهم ، ولقصورها عن التربية الصالحة .
عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) قال : ( قام النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خطيباً ، فقال : أيُّها الناس إيّاكم وخضراء الدِّمَن . قيل : يا رسول الله ، وما خضراء الدِّمَن ؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء ) (3) .
وحذّر الإسلام من تزوّج المرأة المشهورة بالزنا ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( لا تتزوجوا المرأة المستعلِنة بالزنا ) (4) ؛ وذلك لأنّها تخلق في أبنائها الاستعداد لهذا العمل الطالح ، إضافةً إلى فقدان الثقة في العلاقات بينها وبين زوجها المتديّن ، إضافةً إلى انعكاسات أنظار المجتمع السلبية اتجاه مثل هذه الأُسرة .
وكما نصح بتجنّب الزواج من الحمقاء ؛ لإمكانية انتقال هذه الصفة إلى الأطفال ، ولعدم قدرتها على التربية ، وعلى الانسجام مع الزوج ، وبناء الأُسرة الهادئة والسعيدة ، قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( إيّاكم وتزويج الحمقاء ؛
ــــــــــــــــــ
(1) مَن لا يحضره الفقيه 3 : 393 .
(2) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 290 .
(3) تهذيب الأحكام 7 : 403 . وجواهر الكلام 29 : 37 .
(4) مكارم الأخلاق ، الطبرسي : 305 ، منشورات الشريف الرضي ، قم 1410 هـ .
فإنّ صحبتها بلاء ، وولدها ضياع ) (1) .
وكذا الحال في الزواج من المجنونة ، فحينما سُئل الإمام الباقر ( عليه السلام ) عن ذلك أجاب : ( لا ، ولكن إن كانت عنده أَمَة مجنونة فلا بأس أن يطأها ، ولا يطلب ولدها ) (2) .
اختيار الزوج :
الزوج هو شريك عمر الزوجة ، وهو المسؤول عنها ، وعن تنشئة الأطفال ، وإعدادهم نفسياً وروحياً ، وهو المسؤول عن توفير ما تحتاجه الأُسرة ، من حاجات مادية ومعنوية ؛ لذا يستحبّ اختياره طبقاً للموازين الإسلامية ، من أجل سلامة الزوجة والأُسرة من الناحية الخُلقية والنفسية ؛ لانعكاس صفاته وأخلاقه على جميع أفراد الأُسرة من خلال المعايشة ، فله الدور الكبير في سعادة الأُسرة أو شقائها .
وعليه فقد أكّدت الشريعة المقدّسة ، على أن يكون الزوج مرضياً في خُلقه ودينه ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( إذا جاءكم مَن ترضَون خُلقه ودينه فزوّجوه ) ، وأردف ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذلك بالنهي عن ردّ صاحب الخُلق والدِّين فقال : ( إنّكم إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) (3) .
وأضاف الإمام محمد الجواد ( عليه السلام ) صفة الأمانة إلى التديّن فقال : ( مَن خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته فزوّجوه ، إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض
ــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 5 : 354 .
(2) وسائل الشيعة 20 : 85 .
(3) تهذيب الأحكام 7 : 394 .
وفساد كبير ) (1) .
(1) تهذيب الأحكام 7 : 396 .