للعقل البشري تفاوت واضح، ولا يحتاج إدراك هذا الامر الى أي جهد فكري، بل الأمر يكاد يكون مسلم به. لذلك نرى واضحاً الاختلاف في المستوى الثقافي والعلمي .
ولكن .. من أين جاء هذا التفاوت؟ ومن المسؤول عنـه؟ بمعنى أقرب؛ ما الذي صنع هذه المستويات؟ وكيف؟
برأيي (أنا الفقير؛ جواد الزهيراوي) إن الله حين خلق العقل.. خلقه واحداً * ، لذا كان هو الحجة على الانسان.
لقد أعطى الله تكليفـاً مشتركاٌ لكل البشر، مما يثبت فكرة وحدانية العقل. طبعاً يصح ذلك بعد الأعتماد على قاعدة العدالة الإلهية ، وهي قاعدة متحققة وإن أختلفت صورة الأله .
كيف حصل هذا التفاوت ؟
جعل الله للأنسان ميزانـاً واحداً، وهو العقل، ولكنه (ومن باب جعله مخيراً لا مسير) أعطاه حرية تشكيل هذا العقل وتوجيه فكره ورغباته. من هُنـا جاء التفاوت، كيف ؟
العقل جاء في البدء (حين المنح) بصورته الاولى، النقية والشفافة. ويصح النعت هنا لو قلنا ( العقل الخام ) .
بعد ذلك تبدء الآله ( الحياة ) بصقل تلك القطعة الخام وتشكيلها الى أشكال مختلفة، بعض تلك الأشكال تبلغ مستوى عال وذلك لدقة العمل، وبعضها تفشل تلك الآله بأخراج شيء ذَا مستوى أو ذَا قيمة من تلك المادة الخام، ويقع بينهما عدة مستويات، تلك المستويات هي ما نبحث عن أجابته هنا ( التفاوت ).
كيف يكون الانسان مسؤولاً عن ذلك التفاوت؟
الحياة عبارة عن عقبات ومصاعب وتيارات، لذلك فالإنسان يكون عرضـه لها، وبشكل متفاوت.
أشد ما يتعرض له الانسان (برأيي) هو التيار الديني أو المعتقدي، فتكون فكرة وجود (أله) من عدمه هي المحور الاول في صقل مادتنا الخام، ثم يأتي بعد ذلك دور صورة الانسان داخل الانسان، هنا يلعب العقل دوراً مهماً في أظهارها ليبدو الانسان أقرب لما يليق به من صورة، أو يفشل العقل في أظهارها ليبدو الانسان أقرب للصورة الحيوانية! أو يزيد في طمسها لتكون أشد من الصورة التي سبقتها!
وتلعب البيئة بتفاصيلها الكثيرة، كالبقعة الجغرافية والحالة المعيشية والمستوى الفكري فيها وكيفية وطريقة الصقل المستعملة لمادتنا الخام .... كل ذلك وغيره يكون جزء من الآله.
على الانسان هُنـا مقاومة كل تلك التأثيرات بصورتها السلبية وقبول ما يأتي منها بالإيجاب. ليكون قد حصل على أفضل (صقل) لمادته.
ولكن..؟ كيف يميز الانسان ما ينفعه هنا منا يضره؟ الجواب : بواسطة العقل .
كيف يميز العقل بين أدوات الصقل الإيجابية والسلبية وهو في طور ( الخام ) ؟!
عندما قُلْنـا بـ (خامية) العقل - لو صح التعبير- لم نشير الى كونه فارغاً! لانه وببساطة لا يمكن صناعة شيء من مادة فارغة، أو تكوين شيء من الفراغ وإن كان شيئـا سلبياً
بمعنى؛ جاء العقل بهداية معينة* أو قُل قدرة مُعطاة من قبل الصانع، وهي قدرة التمييز بين النفع والضرر.. الإيجاب والسلب.. الخير والشر. ليكون بعد ذلك دور الانسان بالاختيار، فهو مخير باختيار مستواه، طبعاً بقدر مقاومته وإرادته. وهذه المقاومة لها نتيجتها الرائعة، فهو الفائز في الدارين، الاولى بالايمان والانسانية وفِي الثانية بما وعد الصانع، وإن لم يكن يُؤْمِن بالثانية، فكفى به فخراً أن يكون فائزاً بالأولى بكونه أنسانـاً .
الصقل الأسوء أو الانحراف الأخطر !
بعد تعرض العقل لعدة من تلك العقبات (أدوات الصقل) يأتي بصورتين :
- العقل الصريح : وهو العقل الباحث عن الحقيقة والذي يوصل الانسان الى النجاة (على اعتبار الانسانية-نجاة- وهو أعتبار صحيح) فيقود الانسان الى المستويات إيجابيه تختلف بأختلاف ما تقدم ذكره.
- العقل التبريري : وهو العقل المزيف للحقيقة، والذي يصنع الاعذار والتبريرات للأفعال السيئة فيجعل الانسان يرى ادواة الصقل السلبية بصورة الإيجاب ليقع تحت تأثيرها، فيوصل بذلك الانسان الى الهلاك.
*بمستوى واحد
*(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا )
الفقير : جواد الزهيراوي .