أغذية مهندسة وراثيا ومخاطر صحية محتملة
ما زالت الأغذية المهندسة وراثيا (جينيا) تحظى باهتمام عالمي ، نظرا لنقص وتضارب المعلومات العلمية المتوفرة حولها ، فمن جهة ، تجد أن أصحاب الشركات العالمية المنتجة لمثل هذه الأغذية يصرون بشكل عجيب على أن أغذيتهم سليمة وصحية ولا يوجد خطر منها ، وفي المقابل تجد أن المنظمات العالمية المهتمة بالبيئة وبصحة الغذاء وكذلك جمعيات ونقابات الأطباء في الكثير من دول العالم ، تحذر بشكل متواصل من المخاطر المدمرة لهذه الأغذية سواء على الإنسان أو على الحيوان.
ففي عام 2004 أصدرت الجمعية الطبية البريطانية تقريرا مفصلا حول مخاطر هذه الأطعمة المعدلة وراثيا ،و أشار التقرير بشكل صريح إلى أن تناول هذه الأطعمة يمكن أن يحدث لدي الإنسان ردود فعل تحسسية خطيرة ، وأضاف التقرير أن المعلومات المتوفرة حول مخاطر هذه الأطعمة على صحة الإنسان سواء على المدى الزمني المتوسط أو على المدى الزمني الطويل غير متوفرة.
الهندسة الجينية
تعرف الهندسة الجينية بأنها التقنية التي تمكن العلماء والباحثين من تغير تركيب السلسلة الوراثية للكائن الحي ، فمن خلال تغير التركيب الجيني أو من خلال عملية حقن ومزج جينات أحد الأجناس في جينات جنس آخر ، مما يؤدي إلى استحداث كائنات حية جديدة محورة جينيا ، ومن الأمثلة على ذلك مزج جينات بعض الأسماك في نبات الطماطم وجينات بشرية في الأرز ، ولكن أهم هذه الإنجازات تمت في عالم النباتات ، ويكون الهدف منها إنتاج نباتات قادرة على إعطاء كميات وافرة من المحاصيل والثمار والبذور ولها القدرة على مكافحة الآفات الزراعية ويمكن أن تنمو في بيئات مناخية متطرفة كما تقاوم مبيدات الأعشاب الضارة بالنباتات.
وبالإضافة لمخاطر هذه الكائنات المعدلة وراثيا على الإنسان في حال تناوله لغذاء يحتوي عليها ، فإن العلماء يؤكدون أن المشكلة أكبر من ذلك بكثير ، فهذه الكائنات والنباتات المعدلة يمكن أن تنتشر في الطبيعة وتتهاجن مع كائنات طبيعية أخرى ، مما يؤدي إلى نشؤ أنواع جديدة من المخلوقات لا يمكن التكهن بتأثيرها على التوازن الطبيعي ،وهذا سيخلف تأثيرات غير متوقعة على صحة البشر وعلى بقية الكائنات الحية الأخرى الحيوانية والنباتية.
أمثلة لمنتجات غذائية مهندسة وراثيا
شهد العقد الأخير من القرن الماضي ظهور هذه الأغذية بشكل كبير وعلى نطاق عالمي ، وقد علل القائمون على إنتاج مثل هذه الأغذية ، بقولهم أن نقص الغذاء عالميا يتطلب زراعة نباتات معدلة وراثيا ، فتم إنتاج بعض الحبوب المعدلة وراثيا كالأرز والبازلاء والقمح والذرة والتي تبين لاحقا أنها يمكن أن تشكل خطرا على من يتناولها .
ففي شهر تشرين الثاني / نوفمبر 2005 ، أكد فريق للأبحاث في استراليا أن تناول فئران الاختبار لحبوب البازلاء المعدلة جينيا أدى إلى إحداث ردود فعل تحسسية لديها ، والسبب المباشر في ذلك يعزى إلى وجود تغيرات طفيفة على البروتين المعدل جينيا.
وفي عام 2006 تمت الموافقة من قبل اللجنة الأوروبية على إنتاج الذرة الصفراء المهندسة وراثيا والتي عرفت باسم MON 863 وهي في الأصل من ابتكار إحدى الشركات الأمريكية المتخصصة في التكنولوجيا الحيوية في مونسانتو ، ومما يثير الدهشة أن التجارب التي أجريت على هذه الذرة بينت أن فئران الاختبار التي تناولتها قد أظهرت تغيرات في كريات الدم البيضاء لديها وفي حجم الكلى وحدوث تغيرات فسيولوجية في أداء بعض أجهزة جسمها الحيوية والهامة.
توالت التجارب والأبحاث ، ليتم الكشف عن وجود أحد السموم المعروف باسم cry 1 Ac في أرز مهندس وراثيا يطلق عليه Bt 63 ، وهذا السم له تأثيرات خطيرة على الفئران ويتوقع الباحثون أن يكون له تأثيرات على الجهاز المناعي لدى الإنسان.
مطالب عادلة
في الحقيقة فان الجدل الذي أثارته هذه الأغذية المعدلة جينيا ، وكذلك الدراسات التي أجريت على هذه الأغذية ، كشفت بشكل واضح عن نقص المعلومات الضرورية حول مخاطرها ، وأن سلطة الشركات المصنعة لهذه الأغذية ونفوذهم المالي الكبير يعيق إعطاء فرصة لمزيد من الوقت للتجارب المتوسطة والطويلة الأمد والتي قد تتطلب من 10 إلى 15 عاما ، ليتبلور بعدها موقف علمي صحيح وواضح ،وبالتالي فإنه يمكننا القول أن عدم توفر مثل هذه المعلومات حاليا لا يعني أن الأغذية المهندسة وراثيا والموجودة على رفوف المتاجر سليمة ولا تشكل خطرا على من يتناولها .