النتائج 1 إلى 3 من 3
الموضوع:

قراءة في قصص الكاتبة حوا سكاس بقلم: د.نافذ الشاعر

الزوار من محركات البحث: 5 المشاهدات : 294 الردود: 2
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    لدمع حبرالعيون /علي
    تاريخ التسجيل: January-2019
    الدولة: العراق
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 1,915 المواضيع: 154
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 7
    التقييم: 1573
    مزاجي: متغير كالحكايات
    أكلتي المفضلة: الاكلات الغربيه - بالدجاج -
    موبايلي: samsung-galaxy-s10-plus
    آخر نشاط: 27/June/2023
    مقالات المدونة: 12

    Coffee4 قراءة في قصص الكاتبة حوا سكاس بقلم: د.نافذ الشاعر

    قراءة في قصص الكاتبة حوا سكاس بقلم: د.نافذ الشاعر


    عندما أبديت نقدا لإحدى قصص الكاتبة حوا سكاس، معترضا على أسلوب سردها الروائي، ردت بأنها كتبت روايتين بالأسلوب الذي مدحته، فلما طلبت تلك الروايتين، أهدتني – مشكورة- مجموعتها القصصية المعنونة بـ(الرجل الخطأ) ومن ضمنها الروايتين، وقد صدرت تلك المجموعة القصصية عن دار الغاوون البيروتية..

    والكاتبة حوا سكاس، كاتبة شركسية من مواليد الجليل في فلسطين. والملاحظ أنها تشذ عن القاعدة العامة المتبعة لدي الكاتبات العربيات بإخفاء تاريخ ميلادهن؛ فتذكر أنها من مواليد عام 1975، وهي تحمل إجازة في علم الاجتماع والتربية من جامعة حيفا، ومتزوجة وأم لثلاثة أطفال.
    وقد تنوع إنتاجها الأدبي ما بين الرواية الطويلة والقصة القصيرة والسيرة الذاتية، والخاطرة النثرية، والتعليقات النقدية، والمقالة الاجتماعية.. أما الشعر فعلى حد علمي ليس لها قصائد شعرية..

    أسلوب السرد:
    إن القارئ لأعمال حوا سكاس يشعر أنها لا تكتب لمجرد التعبير عن شيء ما، إنما لتتحرر من شخصيتها، وتزيح عن نفسها ضواغط ثقيلة، وتقدم من خلال أدبها ما تساعد به المتلقي على التحرر من الضواغط، ومن ثم تصيبه الجذوة الإبداعية مثلما أصابتها. ولا شك أن الذاتية صفة مستقطبة في أعمالها؛ لكنها ليست الذاتية التي تذكرنا بالأدب الرومانسي، بل إنها ذاتية تسجل ما يجري في الشعور بأمانة وحيادية، فهي لا تحول معطيات الشعور إلى واقع خارجي معقد أو نافر تجعله مختلفا عن إدراكنا، إنما تلجأ إلى التبسيط والتنوير والتفسير.

    وأسلوب السرد الروائي لدى الكاتبة أميل إلى الشكل الراسخ في الرواية؛ حيث الاهتمام بالشخصية في نموها وتطورها وتسجيل مواقفها والعناية بالزمن الروائي المتطور في هيكل القصة العام من البداية والوسط والنهاية.. مع وجود الوصف الاستهلالي في بداية القصة أحيانا، لكن بدون تكثيف الوصف الخارجي للشخصيات..
    ومن التكنيك الروائي الأساسي لدى الكاتبة؛ أنها تترك نهاية قصصها مفتوحة غالبا وقابلة لشتى التأويلات والتفسيرات؛ ربما لشد انتباه القارئ ودعوته إلى التفكر والتبصر، كما سنرى لاحقا من خلال تحليل مضامين قصصها.
    وأسلوبها في مجمله منطقي متدرج لا يشعر فيه القارئ بالغموض أو القلق من عدم الفهم، غير جانح إلى السوريالية؛ فهو أسلوب واضح من الطراز الكلاسيكي على غرار الأدباء من جيل الأربعينات، وهو شيء نادر الوجود في زمن بدأت الراويات تجنح نحو إلى السوريالية والتكثيف والغموض بدعوة الحداثة والتجديد والتحديث..
    فلم تعمد الكاتبة إلى التجريب أو التغريب أو استخدام الرمز المغلق والمبهم.. بل ينساب عملها في سلاسة ويسر وبراعة تحليلية، فهي غير منبهرة بغرابة الأشكال أو صخب الأضواء والغموض والتحديث؛ في حين أنها منفتحة على الثقافات العالمية؛ تجيد اللغة العربية والانجليزية والعبرية والشركسية؛ وقد قرأت معظم ما وقع تحت يدها من الأعمال الأدبية بهذه اللغات. وهي تستغرب من غموض الراويات العربية المعاصرة بقولها: "أرى أن معظم الروايات العربية المعاصرة، مثقلة بالرموز والمعاني الكبيرة والكثيرة، التي تحتاج إلى جهد لفهمها وتذوّقها وهذا يفقدنا المتعة في قراءتها. بينما القارئ عادة يحب أن يقرأ القصص والروايات ليستمتع بها ويروّح عن نفسه، لا أن يجهد نفسه في التفكير وفك الرموز.."

    وإنه لمن المؤسف حقا أنه قد أصبح لا يقرأ هذه الراويات المعاصرة إلا بعض النقاد، وليست قراءتهم تلك من باب الشغف بتلك الرواية، إنما من باب استعراض العضلات في قدرتهم على الغوص والنفاذ إلى الأعماق وفك رموز الرواية وحل شفرتها.. أما جمهور القراء فقد عزف تماما عن مطالعة أمثال هذه الروايات؛ فما أن يطالع القارئ صفحة أو صفحتين من هذه الروايات حتى يمجّها ويفر من قراءتها فلا يعود إليها أبدا. في حين أن كل كتاب القصة العالميين اشتهروا بفضل رواياتهم الواضحة والشيقة والسلسة ولم يحدث لأي أديب منهم أن قام بكتابة رواية مثقلة بهذه الرموز والطلاسم..

    إن عالمنا العربي قد أصبح يعاني من أزمة إفلاس النقد، للأسف الشديد، وأصبحت الرواية تقوم على أساس من اللعب؛ مما حدا بالناقد أن يتلقى العمل الأدبي بلعب مماثل من النقد، فنشأ نقد هو بحاجة إلى نقد!.
    ولقد أتى على الرواية العربية، حينٌ من الدهر، في بداية القرن المنصرم، كادت أن تكون هي "ديوان العرب" بحق التي تكشف فيه عن جمال اللغة العربية وجوهرها وأصالتها وعبقريتها.. لكن ياللأسف ضاعت هذه المحاولات الوليدة في مهدها وذهبت أدراج الرياح.. فتذكر الكاتبة أنها وقعت في حب اللغة العربية لدرجة أنها لم تعد قادرة على تركها، مما حدا بها لترك الكتابة باللغة العبرية والانتقال للكتابة باللغة العربية، وذلك بفضل روايات الأديب الكبير إحسان عبد القدوس"

    أما أسلوب الكاتبة في الوصف فهي لا تعطي مساحة كبيرة لوصف الأشياء الخارجية غالبا، فلا تصف البيوت أو الشوارع أو الأسواق أو المطاعم، إلا وصفا عابرا.. إنما جُلّ تركيزها على الغوص داخل الذات ورصد المشاعر والأفكار والانفعالات..
    فقد كنت أتمنى أن تصف المدن التي ورد ذكرها في روايتها كـ (تل أبيب أو حيفا) ومن ثم تعطي القارئ انطباعاتها عن المكان، ليكتمل المشهد الروائي. لكن على ما يبدو لم تجد الكاتبة في هاتين المدينتين شيئا يستحق الذكر..!

    هذه المجموعة:
    ومجموعتها القصصية (الرجل الخطأ) تحتوي على 16 قصة تتراوح بين القصة القصيرة والرواية المتوسطة، فتبدأ بقصة الرجل الخطأ وتنتهي بقصة أحلام كبيرة.. وسوف أقف عند كل قصة في مجموعتها بشيء من التحليل والتبسيط وأبدأ بما بدأت به وهو قصة الرجل الخطأ:

    الرجل الخطأ:
    قصة واقعية ترصد مشاعر الزوجة (صوفيا) التي اضطرت للزواج بعد تخرجها من الجامعة زواجا تقليديا من (فراس) وهو شخص ثري، لكنها لم تستطع أن تحبه برغم ثرائه، فقد كانت تحب (عامر) زميلها أيام دراستها في الجامعة ثم انقطعت علاقتها به بعد الزواج. وتمر السنون وتلتقي بزميل الدراسة (عامر)، في فترة عاطفية حرجة عندما كانت بينها وبين زوجها قطيعة، فعاد الحب القديم، تحت مسمى الصداقة، ثم تطور الأمر فأصبح ملاحقة وتطفل؛ فلما أرادت وقف هذه العلاقة كان الأوان قد فات..

    إلى هنا والقصة كانت تسير بوتيرة طبيعية، إلا أننا نفاجأ بتلاحق الأحداث وحدوث عمليات قتل واغتصاب ثم تحقيقات للشرطة، ونفاجأ بأن (عامر) وفراس)زوجها وحبيبها، كلاهما على قدر كبير من التوحش الإنساني وافتقاد الحب..!
    وتتشابك خيوط الجريمة على منوال الروايات البوليسية بما صعب الأمر على القارئ والكاتبة على حد سواء، وينعطف مسار الرواية إلى رواية بوليسية، بعدما كانت تسير بهدوء وروية؛ فلم تترك مساحة كافية لتحليل المشاعر واستكناه الذات، وبدا الأمر شديد التكلف في نهاية القصة..
    وعلى ما يبدو أن خيوط شخصيات القصة التي كانت تمسك بها الكاتبة قد أفلتت من يدها فتمردت عليها، ثم فرضت نفسها عليها في نهاية الأمر..
    لكن القصة في مجملها تمتاز بالتحليل النفسي العميق في صبر وأناة من الكاتبة، وهي تسردها بطريقة السيرة الذاتية، مما يدل على أن الكاتبة قد تعودت تسجيل يومياتها منذ الصغر أولا بأول..
    وقد نجحت الكاتبة في عدة أماكن من رواياتها بجعلنا نحبس الأنفاس ونتلهف لمعرفة قرار الشخصيات وخصوصا القرار الذي كانت تريد أن تتخذه (صوفيا) وكيف ستحسم الصراع الدائر في نفسها، وهل تعود إلى زوجها وتدوس على عواطفها، أو ترجع إلى حبيبها مهما كلفها من تضحيات؟

    الحب العتيق:
    قصة الحب العتيق قصة قصيرة مروية بضمير المتكلم المذكر وليس المؤنث كما عودتنا الكاتبة في قصصها، وهي قصة مؤثرة أقرب إلى لوحة شعرية منها إلى قصة نثرية، وتسري في القصة حركة ونبض وحياة..

    ويسرد فيها الرجل بطريقة السيرة الذاتية موقف حبيبته التي هجرها قبل عشرين عاما، عندما تغرب عنها، لكنه في غربته يندم على فعله ولا تفارقه صورة حبيبته في ليله أو نهاره. وبعد عودته يراها كما هي بوجهها المرمري الجميل، فيأتي إلى شقتها المحاذية لشقته بحجة طلب بعض "السكر".. وقد تعمد أن يطلب السكر بالذات، لأن أول معرفته بها كان من خلال "السكر" عندما طلبه منها قبل عشرين عاما، فيريد بهذا الطلب أن يحيي في نفسها ذكرى حبه العتيق.. لكنها تنظر إليه بازدراء، وكأنه متسول، وتقول انتظر هنا، حتى آتيك بالسكر، وتغلق الباب في وجهه؛ لئلا يخطو خطوة داخل البيت، الذي طالما دخله وجلس على أريكة رمادية كانت فيه..
    ثم تفتح الباب بعد لحظات وتعطيه السكر، فيسير خطوتين، ثم يرجع إليها فتسأله: لماذا عدت؟ فيقول: بيتي ما زال هنا، فتقول: أعلم لكن لماذا عدت؟
    فأراد أن يعتذر لها عن الماضي، لكنه لا تبالي باعتذاره، وقبل أن تغلق الباب في وجهه تسمع خطوات على درجات سلم البناية، فيظهر رجل يناديها بقوله "حبيبتي" فتقول لجارها القديم، الذي جاء يطلب السكر، هذا زوجي، وتقول لزوجها هذا جارنا جاء يطلب مني بعض السكر، ثم تدخل مع زوجها مسرورة وتغلق في وجهها الباب.

    الرجل الآخر:
    هذه القصة تروي بطريقة "السيرة الذاتية" مشاعر امرأة متزوجة؛ ظهر في حياتها رجل آخر، دغدغ مشاعرها وأثار أعصابها وحرك مياه حياتها الراكدة، بشعره الأشقر، وعينيه الزرقاوين وكلماته الرقيقة.. فإذا عادت إلى البيت أحست بوخز الضمير، وضغط الخيانة، وتمنت أن يهتم زوجها بكيانها كامرأة كاهتمام الرجل الآخر بها؛ فيقول لها على الأقل: (كم تبدين جميلة)!. فقد أصبحت وظيفتها في بيت زوجها فقط تحضير القهوة، وجلي الصحون، وتنظيف المطبخ وترتيب البيت..
    وبهذا اختل توازن المرأة وكيانها وأصبح لديها حلقة مفقودة تنشدها خارج البيت من خلال هذا الرجل الآخر الذي ظهر في حياتها..
    ويحدث أن يكتشف زوجها هذه العلاقة يوما ما فيصفعها على وجهها، ثم يستكثر عليها كلمة "طالق".. !
    إلى هنا والقصة كانت واضحة تسير بسلاسة ويسر، لكن الكاتبة بعد ذلك لجأت إلى التكثيف والترميز على غير عادتها في قصصها، فتعذر فهم نهاية القصة؟ وأصبحت نهايتها مفتوحة تحتمل شتى التأويلات..

    فتقول: "ماذا يريد مني الرجل الآخر؟ أيحبني أم يحب رؤيتي لبضع دقائق فقط؟ هل هو يقبل الارتباط بامرأة مطلقة؟ ..نهضتُ من بين ركام أفكاري على صوت الرعد المنذر بالمطر. أخذت قبعتي الحمراء من على رأسي ودسستها في حقيبتي، ثم اندفعت تاركة المكان، أحسست بقطرات المطر تتساقط على وجهي وكأنها تمسح عنه البؤس والضجر، وشرعت أركض. وفجأة اصطدمت برجل، نظر إلى نظرة مستغربة، قامته قصيرة، جسمه بدين، شعره أسود، عيناه فاحمتان، شفتاه تسألان: "عفوا هل رأيت امرأة تعتمر قبعة حمراء وتجلس على مقعد خشبي؟ وقبل أن أدعه يتم سؤاله، قلت لا، وعدت إلى البيت" أ.هـ.

    لقد فتحت هذه السطور القلائل، التي انتهت بها القصة- فتحت تأويلات شتى، أقربها إلى المنطق: أن الصفعة التي تلقتها الزوجة من زوجها أعادت لها عقلها المستطار بهذا الأشقر الجميل، فلما جلست تنتظره على الأريكة أمام البحر، كعادتها كل يوم، أخذت تفكر بعقلانية في هذا الرجل الآخر: هل يحبها حقا، وهل يرضى بالارتباط بمطلقة؟..
    إن هذه التفكير العقلاني جعلها ترى الأمور على حقيقتها، فلم تعد تراه طويلا أشقر بعينين خضراوين، إنما رأته على حقيقته شيطانا رجيما.. رأته أسودا، قصيرا، بدينا، يخلو من الوسامة والجمال.. وهنا يظهر الرجل على حقيقته كذلك، بأنه كان ينظر إليها نظرة سطحية لا يرى منها إلا القبعة الحمراء الجميلة، لدرجة أنها لما خلعت قبعتها الحمراء الجميلة، لم يعرفها مع أنها اصطدمت به وكلمها وكلمته..!

    لكن هل دافع الخيانة لدى الأنثى هو الضجر من حياتها الرتيبة التي تتمثل في تحضير القهوة وجلي الصحون وكنس البيت..؟
    إن الحقيقة المؤكدة أنه لم يخلق للآن الرجل الذي يفهم دوافع الأنثى حق فهمها؛ لأنه لا توجد قاعدة ثابتة أو نظرية معلومة يمكن تطبيقها على كل النساء، أو حتى على أنثى واحدة في كل الأحوال والأوقات..!
    لكن الحقيقة التي لا تقبل الشك؛ أنه ما من زوج تخونه زوجته، وتوجد قوة على الأرض لتهدئ غيرته وتنسيه ما كان منها، وغالبا ما يطلقها. ومتى طلقها يستحيل أن يعيدها إلى عصمته مهما كانت الأسباب ومهما استعطفت وتمسكت، ومهما اعترفت بخطيئتها وأعلنت التوبة والندم؛ إلا في الحالات الشاذة القليلة، والتي لا يمكن الأخذ بها أو القياس عليها، عندما يرضى الزوج فيها بإعادة زوجته إلى عصمته مدفوعا بحاجته الملحة إلى جسدها.
    إن خيانة الزوجة ولو لمرة واحدة ستنزل بزوجها حتما ضربة هيهات أن يزول أثرها أو ينمحي جرمها.
    ومع ذلك وتوحي نهاية القصة بأن الزوجة عادت إلي البيت وانتهى الأمر، ومن ثمّ رجعت المياه إلى مجاريها!

    العودة:
    تجيء قصة العودة بعد قصة "الرجل الآخر" وكأنها تتمة لها أو هي تلقي الضوء على تفاصيل أخرى أهملتها قصةُ "الرجل الآخر" السابقة. فقد انتهت قصة "الرجل الآخر" بقول المرأة: (وعدت إلى البيت)، فبدأت هذه القصة بعنوان (العودة) فهي تبدأ عنوانها من حيث انتهت القصة السابقة.
    وتروى بطريقة "السيرة الذاتية" لكنها مغايرة للقصة السابقة؛ حيث تروى على لسان رجل وليس امرأة، فيقول الرجل الآخر: "أبحث عنك في كل بقعة من الأرض.. ها قد وجدتك أخيرا جالسة على مقعدنا القديم نفسه أمام البحر.. ماذا جئت تفعلين هنا في مقعدنا القديم؟"
    وهنا يظهر شخص خارجا من البحر فيجلس بجانب حبيبته، ويتبين له أنه صديقه (رامي)..
    وكما انتهت القصة السابقة بنهاية تحتمل شتى التأويلات؛ انتهت هذه القصة أيضا بهذه النهاية فيقول الرجل الآخر:
    (تلبدت السماء بالغيوم، والريح أخذت تزعق وتعصف بكل شيء أمامها، طرت مع الريح، عصفت مثلها، إلى حيث كنت، إلى حيث يجب أن أكون.. أرى أمي جالسة على ركبتيها، والدموع ما زالت تغمر عينيها، والحزن يغشي وجهها، إنها الوحيدة التي لم تنس.. إنها الوحيدة التي أحبتني بلا حد وبلا نهاية، حبا إلى الأبد) أ.هـ

    ويبدو أن تلك الصدمة أعادت الحبيب القديم إلى رشده كما حدث تماما في قصة "الرجل الآخر". وأيضا تلبدت السماء بالغيوم وعصفت الريح كما حدث تماما في القصة الأولى، ثم عاد إلى بيته.. فيجد في فناء البيت أمه جالسة تنهمر الدموع من عينيها وقد اكتسى وجهها بالحزن..)

    إن أقرب التأويلات لهذه النهاية هي أن هذا الرجل وجد أن الحب مزيف لدى النساء كلهن، حيث فقد ثقته في حبيبته عندما عشقت صديقه وتركته، فوصل إلى قناعة تقول: أن الحب الحقيقي لا يوجد لدى امرأة في هذا العالم إلا لدى الأم..!
    هذه إحدى التأويلات عندما نأخذ هذه القصة على حدة دون ارتباطها بالقصة السابقة.
    أما عندما نربط هذه القصة بالقصة السابقة؛ فنقول: أن المرأة بعد الصفعة عادت إلى زوجها، وتحسنت العلاقة بينهما، وأصبح زوجها يُرضي حاجتها كأنثى، من خلال كلامه الشاعري، وخروجه للبحر للترفيه عن زوجته، فلم يُشْعرها أن وظيفتها عمل القهوة وجلي الصحون وتنظيف البيت فقط.. فلما أراد الرجل الآخر، أن يعود ليقتحم حياتها مرة أخرى، لم يستطع لأنها لا تفتقد الحب من زوجها لتبحث عنه عند رجل آخر. وكان هذا "الرجل الآخر" يبحث عندها عن الحب كذلك؛ لأنه غير ناضج عاطفيا، ولا زال يرتبط بأمه التي لم يستطع الانفصال عنها، فلما افتقد الحب هنا عاد يلتمسه لدى الأم من جديد، وكأنه كان مصابا بعقدة "أديب" التي تحدث عنها فرويد، مستنبطا إياها من مسرحيات شكسبير)!

    بقي أن نقول: أن اسم المرأة في القصة كان (زينة) واسم الزوج (رامي) أما "الرجل الآخر" المهمل؛ فلم تذكر القصتان اسمه، فيبدو أن الكاتبة تعمدت إهماله وعدم ذكر اسمه، لأنه شخص متطفل لا مكان له في حياتها فكان حقه أن يُهمل كذلك!

    انتقام امرأة:
    قصة زميلين تفرق بينهما زميلة حاسدة، تجعل (علي) وهذا اسمه؛ يعيش في كدر لبعض الوقت؛ ثم يتصادف أن يكون من المتفوقين هو وغزلان زميلته، فيحصلان من خلال القرعة، على رحلة دراسية معا آخر العام..
    وكانت المفارقة أو المصادفة أن "غزلان" هي الطالبة التي انتدبها رئيس الجامعة لسحب قرعة الطالب المتفوق؛ فأذهلتها المفاجأة، عندما وقعت القرعة على زميلها المفترى عليه، وأزالت كل ما علق في نفسها تجاه زميلها (علي) لأن المصادفة لا يمكن أن تكون عشوائية، فمدت له يدها مصافحة وهي تقول: "مبروك (يا) علي"
    وأدهشت تلك المفاجئة زملاءهم أيضا فهتفوا قائلين "ليست غزلان من اختارت.. بل قلبها"!

    لكن الكاتبة كعادتها، من باب التشويق، تجعل النهاية مفتوحة وقابلة لشتى التأويلات، ولذلك فإن (علي) يبقى حائرا مترددا لم يصرح لها بهذا الحب، فتقول في آخر سطور القصة: "نظر (علي) إليها بنظرة حانية، وأراد أن يهمس في أذنيها قائلا أحبك، لكنه بقي جامدا، يتساءل هل سيعلن لها هذا الحب ذات يوم" لكنه ترك للأيام إجابة هذا السؤال؟
    ومن الملاحظ أن الكاتبة جعلت لاستبطان الذات في هذه القصة مساحة كبيرة؛ حيث رصدت ما يرد على النفس من أحاسيس وخواطر في بعض الأحيان فتعكر المزاج وتملأ النفس بالقلق؛ وتصيب النفس بالتشاؤم، وتجعل الشخص يظن أن هناك مكروها سوف ينزل به.. وقد ظهر هذا في بداية القصة عندما استيقظ (علي) من النوم فراوده شعور غامض بحدوث مكروه، هذا اليوم، فحدث المكروه ما توقع..
    والحق إن هذا قانون نفساني يصعب تفسيره بشكل قاطع، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يكره التشاؤم ويحب الفأل الحسن، والفال الحسن معناه أن ينظر الإنسان إلى المعنى الايجابي في الشيء السيئ، مثلما تنكسر الكأس فنقول "انكسر الشر"! فهذا أمر جيد إذا اتخذه الإنسان كسلوك لحياته؛ فإن الله سوف يكسر بهذا القول شرا لا نعلمه. أما التشاؤم فهو يؤدي إلى وقوعه وتحققه، على حسب ظن الإنسان. ويدل على هذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما دخل على رجل يعاني من الحمى فقال كيف أنت الآن؟ فقال الرجل: "حمى تفور على شيخ كبير لتورده القبور" فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هي كذلك!

    بقي أن نقول أنه لم يعكر صفو هذه القصة غير بعض الصياغات اللغوية الطفيفة مثل: اسم (علي) الذي يُحدث لبسا وارتباكا لدى القارئ؛ فيظن أن اسم (علي) حرف جر بمعنى(على)، وخصوصا أن الكاتبة تقول في بداية القصة: (دخل علي القاعة..)، فربما أوحت كلمة (علي) أنها حرف جر وليس اسم..!
    أيضا: قول غزلان لعلي عند اختيار اسمه للرحلة: "مبروك علي" بدون حرف النداء (يا) ؛ لأن هذه الجملة تقال بدون حرف النداء (يا) باللكنة العامية لدى سكان الشمال وبعض الشوام، لكنها قد توقع اللبس لدى القراء الآخرين، الذي لم يتعودوا على هذه اللكنة العامية.

    صدفة:
    تروي بطريقة السيرة الذاتية مشاعر فتاة تشاهد وهي ذاهبة إلى المدرسة يوميا شابا يجلس في ساحة البيت، ينظر إلى المارة.. فتتوهم أن هذا الشاب ما جلس إلا من أجلها، فتشعر نحوه بالألفة وكأنها تعرفه منذ زمن بعيد، لكن الأيام تمر دون مبادرة من أي واحد منهما تجاه الآخر. ويحدث أن تجمع بينهما الصدفة في أحد الأعراس فيرقصون سويا، ويومئ لها بإشارات تفهمها، لكنها لا تستجيب لإيماءاته خوفا من كلام الناس ومن مقالة السوء وتشويه السمعة..
    وتمر الأيام وتصبح رؤيته مجرد صدفة. لكن الأمل لا يزال حيا في نفسها أنه سيتقدم لخطبتها يوما ما، لكن الأيام مرت، والأعوام انقضت، وبقي الأمر على حاله، ولم تعد تراه أو يراها، فشعرت أنها كانت تعيش في (وهم) اسمه صدفة..

    هذا هو ملخص الرواية، وهي قريبة الشبه برواية المقهى التي سيأتي الحديث عنها بعد قليل.. كما أن الرواية لو كان اسمها (وهم) بدلا من صدفة، لكانت تعبر عن مضمونها أكثر!

    صراع مع القلق:
    تحكي مشاعر فتاة دائما في نفسها شيء من القلق، ولا تمر عليها فترة من حياتها إلا أن تكون قلقة من شيء ما؛ فإذا لم يوجد القلق في حياتها فإنها تسعى لإيجاده، فهي مصابة بداء القلق، ويبدو أن هذا الداء أصابها من يوم موت أبيها فجأة دون إنذار. فمن يومها ترسخت في نفسها عقدة أن تكون هي في كل لحظة عرضة لكارثة وفقدان شيء عزيز..
    فبالرغم من أن والدتها تحبها وخطيبها يعبدها، كما تقول، فإنها تشعر بالقلق، فلديها إحساس أنه ستفقد خطيبها فجأة ودون سابق إنذار كما فقدت والدها!
    فقد عودها خطيبها أن يهاتفها يوميا، وذات ليلة لم يهاتفها كعادته، فاستقر في نفسها أن خطيبها ضاع منها وشغلته امرأة أخرى.. وفي الصباح عندما ذهبت للجامعة وعاتبته، أبدى لها سببا قد يكون وجيها؛ حيث تعطلت سيارته وتأخرت عودته للبيت، فلم يتصل بها من أجل ذلك.. وشعرت أنه صادق في كلامه، إلا أنها ما زالت تشعر بالقلق..
    (أحدق في عينيه، وأنا أدرك في أعماقي أنه على حق، وبعد أن أخطو خطوتين وألتفت ورائي ألمح فتاة تستوقفه، وكأنه يعرفها جيدا، يبتسم لها ويكلمها، فيذهبان معا ويبتعدان ثم يختفيان.. وأغرق من جديد في صراع مع القلق لا ينتهي، وما زلت لا أدري لِمَ أنا قلقة دائما، برغم أنه لا شيء في حياتي يدعو إلى القلق) أ.هـ

    وكما لم يوجد علاج حاسم وواضح لمرض القلق إذا تسلط على إنسان، فإن الكاتبة كذلك قد تعمدت ترك نهاية القصة مفتوحة بدون نهاية حاسمة، حتى لا تقضي على القلق بشكل نهائي، لأن هذا مستحيل في الواقع، فهي لم تحسم أمر الخطيبين، ولم تحسم هل بقي الحب بينهما؟ ولم تحسم هل كان يحبها حقا؟ ولم تحسم هل حدث بينهما الزواج ؟..
    كل هذه الأسئلة تركتها مفتوحة بدون إجابة حاسمة؛ فلم تخبر القارئ أين طوحت بها المقادير بعد ذلك.

    لن أعود:
    هي أقرب إلى خاطرة نثرية منها إلى قصة قصيرة، فيها خيال ومونولوج داخلي..
    يمكننا أن نعتبرها مكملة لقصة "صراع مع القلق" حيث أن هذه الانفعالات المتأججة سوف تكون في نفس الفتاة القلقة بعد الزواج؛ فهي تروي قصة فتاة قلقة ثائرة بعد عشر سنين من زواجها؛ لأنها تشعر أن زوجها أسعدها أياما ثم أهملها، وباءت كل محاولتها لإصلاحه بالفشل، لكنها في النهاية عندما لم تجده قد تغير شيئا قررت أن تتركه وتهجره وألا تعود إليه مرة أخرى..

    منازلة الصمت:
    ترويها بطريقة السيرة الذاتية كعادتها، وهي تحكي مشاعر فتاة قررت أخيرا أن تواجه حبيبها مواجهة قاسية، وقررت أن تضع حدا لصمتها الذي طال إزاء ألاعيبه معها.. وعلى غير عادة الكاتبة جعلت الحوار يتسيد في هذه القصة.. فتقول:
    "وفجأة رن الهاتف، ومع رنته قفز صدري داخل قلبي، نظرت إلى الرقم، إنه هو.
    قال: ألو! فاجأتني الرجفة التي في صوته..
    قلت: نعم..
    قال: كيف حالك؟..
    قلت: ماذا تريد؟
    قال: اشتقت لسماع صوتك!
    قلت: أحقا!؟
    قال:ألا تصدقين؟
    قلت: لا يهم
    قال: لكن أنا يهمني، أريدك أن تصدقي كم أنا..
    قلت: لم يعد يهمني ماذا أنت!
    قال: أبهذه السرعة نسيتني؟
    قلت: بل تذكرت نفسي قبل فوات الأوان.
    قال: لكني مازلت احبك..
    قلت: تأخرت كثيرا.. (وانتهت القصة إلى هنا)

    وكعادة الكاتبة لم تضع نهاية حاسمة للقصة، فلم تخبرنا أنها أقفلت الخط بينها وبينه أم لا؟ فيبدو أنها كانت على استعداد أيضا للصفح عنه هذه المرة؛ لو أبدى الندم والتأسف على ما سلف. والقصة يمكن أن نلخصها في عنوان آخر هو (ثورة الصمت).

    المقهى:
    يشعر القارئ في هذه القصة أن لدى الكاتبة مرونة عالية ولياقة تحليلية واضحة، في الانتقال من مشاعر الرجل إلى المرأة ثم العكس. فتصور مشاعر رجل وامرأة التقيا صدفة في مقهى، وقد كانا يحبان بعضهما البعض منذ 35 عاما، لكن يصرح أحدهما للآخر بهذا الأمر، فلا يعرف كل منهما ما ينطوي عليه قلب صاحبه من مشاعر وأحاسيس كل هاتيك السنين. ولم يجر بينهما أي حوار مذ كانا يسكنان في حارة واحدة، فكانت أفكارهم بمثابة سجن حال بينهما في النهاية.
    لقد تتبعت الكاتبة حتى النهاية مشاعر الرجل والمرأة كل على حدة، من خلال استكناه الذات وتنوع المشاعر والانفعالات، حتى أن سير الإحداث كان يبدو يقيني إلى حد كبير.
    وفي هذا تؤكد الكاتبة على ملمحين أساسيين، الأول؛ أن أفكارنا عن أنفسنا وعن الآخرين غالبا ما تكون خاطئة ومضللة في كثير من الأحيان، وأن انطباعاتنا الشخصية من الوهلة الأولى غالبا ما تكون خاطئة، وبالتالي نسجن أنفسنا داخل سجن من صنع أفكارنا، ومن ثم نتحمل وزر أفكارنا الخاطئة مدى العمر..
    والملمح الثاني؛ أن الإنسان قد يكون بينه وبين الفردوس الذي يبحث عنه مجرد كلمة أو إشارة أو مبادرة، يميط بها اللثام، فيبدأ مغامرة جديدة واقتحام، ولكنه غالبا لا يفعل، فيدفع ثمن ذلك الإحجام بقية عمره..

    القدر:
    هذه القصة تختلف في مضمونها ومغزاها عن باقي قصص المجموعة، فهي لا تروى بطريقة السيرة الذاتية، إنما بالطريقة السردية؛ هذا أولا. وثانيا وهو الأهم؛ أن المرأة في هذه المجموعة القصصية، التي بين أيدينا، كانت دوما متمردة ثائرة على الرجل غير متسامحة معه كثيرا إذا اقترب من كرامتها، بل كان أول شيء يجعلها تثور هو عزة نفسها وكبرياؤها.. أما في هذه القصة فيبدو أنها تنازلت كثيرا عن كبريائها هذا، بل إنها أصبح تتصف بالغلاسة نوعا ما..
    فالعروس الجميلة المتألقة في فستانها الأبيض تبادر العريس في ليلة زفافها قائلة: أحبك، ولم أحب أحدا سواك في حياتي!
    فيرد العريس ببرود: أعرف!
    فتعلق الكاتبة قائلة: لقد قالت له هذه الكلمة قبل ذلك مرات ومرات ولم تهزه أو تثيره.. بل إنه كان يقول لها عندما تقول له هذه الكلمة: إن قلبه مع امرأة أخرى..
    وبقي الأمر على هذا الحال، حتى توفيت محبوبته في حادث سيارة، فحزن عليها حزنا شديدا، ومن ثم اضطر إلى يقبل بها عوضا عن حبيبته المتوفاة!
    وعندما سرح العريس واخذ يفكر في "القدر" الذي جمع بينهما أخيرا، فتسأله العروس: بم تفكر؟ فيقول لها: في القدر!
    فتقول له: إذن أنت تفكر بي، فأنا قدرك!
    ثم تختم القصة بهذه الجملة:
    ومنذ تلك اللحظة لم يشعر إلا بها، ولم يفكر إلا بها!
    والملاحظ أن الكاتبة لجأت في أكثر من مرة للتخلص من إحدى شخصياتها القصصية بموتها، وهذا هو أضعف حالات حل العقدة الروائية التي يلجأ إليها الكاتب مضطرا؛ عندما تتعذر كل الحلول الممكنة للخروج من المأزق الروائي.

    مذكرات عاملة في سوبر ماركت:
    تدور هذه القصة حول امرأة صغيرة شارفت على الثلاثين تبحث عن عمل لتعيل أولادها وزوجها الذي لا يعمل لأسباب رفضت الكاتبة الإفصاح عنها. فتختار (سلمى) وهذا هو اسمها، العمل في سوبر ماركت عربية برغم الأجر الزهيد، وشروط العمل المجحفة بحق العاملين والعاملات، لدى أرباب العمل العرب. وكان عملها في هذه السوبر ماركت بتشجيع من (سامية) بنت بلدها التي تعمل مديرة حسابات في ذلك المكان..

    وقد أكثرت الكاتبة في هذه القصة من استخدام الحوار بالعامية، وقد كانت موفقة في ذلك؛ حيث كان خاليا من التعليقات السردية، وبلغة حاسمة ومحددة تؤدي الغرض.
    كذلك نجد أن الصورة التي رسمتها للشيخ ماجد، ذلك الشيخ اللطيف كما تطلق عليه، الذي كان في أواخر العشرينات من عمره، بلحيته الخفيفة وأسلوبه الفكاهي، الذي كانت البنات يرينه به، إلا أن فجوة حدثت بين هذا الشيخ اللطيف وسلمى، عندما سألها: (أم أيش إنتي؟) فردت سلمى: (إنها تحب أن يناديها باسمها بدون أم فلان)!
    وهنا بدأت تشعر بعدم الارتياح في حضور ذلك الشيخ اللطيف، برغم تواضعه الشديد. وبدأ الشيخ يتعمد إبعادها عنه بلطف ودهاء، ولم تهتد لسبب تغير معاملته معها؟ فقد تكون بطيئة، أو مملة، أو جديدة، أو متزوجة.. فافترضت في آخر الأمر حسن النية وأنه يتصرف معها هكذا لأنها أم أولاد لا يريد إرهاقها في العمل!

    صورة نفسية حقيقية، فربما أحس ماجد بأن سلمى تجاوزت الحد فأصبحت كنبات العليق يزحف ثم يتشبث، وتشبثه في نهاية الأمر يكون خانقا، فأراد ألا يجعل لها جذورا في أرضه، فأبقى نفسه في مسافة آمنة نسبيا، فربما مر بتجارب ماضية سببت له بعض حدة المزاج وشدة الحذر في تعامله مع النساء..

    وكما أبعد الشيخ ماجد عنه (سلمى) بمكر ودهاء، فقد تم طردها من العمل بعد ثلاثة أسابع بمكر ودهاء كذلك؛ حيث بدأ المدير يعطيها إجازات لثلاثة أيام متوالية، ولما راجعت المسئول ادعي أن هناك (خربطة) في برنامج توزيع العمل، ثم قال لها بالعبرية (بكرة أنتي بوكير) يعني صباحا! (وكان المفترض أن تكتب (بوكِرْ) هكذا بكسر الكاف وسكون الراء، أو تكتبها بالحرف العبري בוקר).
    ثم بدأت الإجازات تعود مثل الأول وبدا المسئول يتهرب منها فلا يرد على تلفوناتها.. فاحتفظت بما تبقى لها من كرامة، فلم تتصل هي فيهم، ولا هم اتصلوا فيها؛ حتى سامية بنت بلدها تنكرت لها مثلهم. وتوصلت لقناعة شخصية في نهاية الأمر: (أن أحدا لا يبالي بأحد، والكل يلا نفسي نفسي)!

    أحلام كبيرة:
    قصة أحلام كبيرة تسرد بطريقة السيرة الذاتية على لسان "عمر" طالب الجامعة المسلم، الذي حدثت بينه وبين (منى) الفتاة المسيحية الجميلة قصة حب؛ توثقت على أمل أن يتم الزواج بينهما يوما ما، لكن أهله وأهلها عارضوا هذا الأمر بشدة من بدايته، وقال له أخوه متهكما القول التقليدي الذي يقال في أمثال هذه المناسبات: "أنت مش لاقي سوى المسيحية ؟"
    أما أهلها فقد اتخذوا حلا حاسما لعلاج الأمر بإرسالها إلى أمريكا لتكمل تعليمها هناك وانقطعت علاقتها بعمر، بعدما تركت في نفسه جرحا لا يندمل!

    وكان المفترض أن تنتهي القصة إلى هذا الحد؛ لكن الكاتبة قامت بحبك قصة أخرى، لها تفاصيل مختلفة أقحمتها على الرواية فأفسدت علينا هضم المشاعر والأحاسيس الجياشة التي تركتها فينا حكاية منى وعمر. فبدأت القصة الثانية بتخرج عمر من الجامعة واشتغاله بالمحاماة، ثم التقائه بالصحفية (وفاء) التي أخفت عن عمر أنها متزوجة من رجل ثري يكبرها بعشرين عاما أو يزيد، وبدأت تنشأ بينهما علاقة حب صغيرة لم تلبث أن كبرت وانتهت بالزواج بعد وفاة زوجها.
    وكعادة الكاتبة تركت النهاية مفتوحة بين عمر ومنى؛ حيث عادت منى من أمريكا بعد أن تخرجت وتزوجت من رجل هناك ثم توفى في حادث سير، وتأتي إلى مكتب "عمر" باحثة عن مكتب للمحاماة لتتدرب فيه، فيرسلها إلى أحد زملائه.. وبرغم خروجهما معا، وقضاء ساعات في تناول الطعام سويا، فإنه لا يفاتحها ولا تفاتحه في علاقتهما القديمة، ويبقى الأمر مفتوحا دون حسم نهائي؛ لأنه لم يكن لحضورها فائدة أصلا في مجرى أحداث القصة!

    وكان الأحرى بقصة "أحلام كبيرة" أن تكون قصتان وليس قصة واحدة، الأولى تنتهي بافتراق "عمر ومنى" وذهابها إلى أمريكا.. والقصة الثانية خاصة بعمر ووفاء، لكن بأسماء جديدة.
    لقد كانت قصة (عمر ومنى) مفعمة بالعواطف ومتدفقة، ثم انتقلت إلى الحديث عن وفاء فأخذت القصة تتخللها تفاصيل كثيرة، تجعل القارئ بين الحين والآخر يستعجل القراءة قائلا ما شأن (منى) بهذا الأمر؟

    كذلك كان هناك تناقض بين الصورة الخارجية لوفاء وبين الصورة النفسية التي رسمتها لنا الكاتبة فيشعر القارئ أنهما غير متوافقتين.. فقد وصفت وفاء بأنها امرأة ناضجة، تقارب الثلاثين، هيئتها بسيطة، لا تشد النظر، جسمها ممتلئ، وليست هذه مواصفات امرأة تجتذب شخصا كعمر، وتوقعه في حبها!
    لكن الصورة النفسية التي كانت تبديها تصرفات (وفاء) كانت أصدق من الصورة الخارجية للشخصية؛ حيث كانت تبدو فتاة نحيفة، خمرية، سوداء الشعر، ماكرة، جادة الملامح، سريعة البديهة، ومتدفقة الحيوية..

    تساؤلات بريئة:
    هي تساؤلات من طفلة لأمها المطلقة، وهي قصة ملائمة مع دراستها الأكاديمية في حقل علم الاجتماع والتربية، حيث يختص بعلاج المشاكل النفسية لدى الأطفال التي تسببها الخلافات الزوجية بين الرجل والمرأة، وهي أقرب إلى الإرشاد النفسي في قالب قصصي.

    طوشة كبار:
    عبارة عن خاطرة صغيرة عن خلاف نشب على قطعة أرض صغيرة أجلته إلى وقت عربة قديمة جثمت على قطعة الأرض!

    اللغة:
    ألفاظ الكاتبة وعباراتها منتقاة بعناية شديدة، فلن تجد في مجموعتها القصصية أي عبارة خادشة للحياء أو صادمة للذوق على الإطلاق. والألفاظ الجنسية، سواء كانت صريحة أو مبطنة، معدومة في قصصها تماما؛ وهذا على ندرة فريدة بين الأدباء المعاصرين، في وقت أصبح الجنس هو المحرك الرئيسي لكل الأعمال الأدبية والفنية في عالمنا المعاصر؛ منذ أن جاء "فرويد" يبشر بوجود الجنس واختفائه وراء كل أعمال الإنسان ودوافعه..
    وأقصى ما يمكن أن تجده في أعمالها القصصية عبارة ترويها على لسانها وهي طفلة في المرحلة الابتدائية، في إحدى قصصها بعنوان "المعلمة أورا" وهي معلمة يهودية كانت تدرسها، فتقول: "أنها كانت تجلس أحيانا وسروالها الداخلي مكشوف على الآخر! والغريب أنها لا تبالي كثيرا بذلك، أو أنها لا تعرف... ولكننا نحن الصغار نراها، فننادي بعضنا ونجلس من حولها ونتأمّلها بعجب ودهشة.."

    هذه هي أشد عبارة التقطتها عيناي في كل ما قرأته لها من عبارات تقترب من الصراحة في وصف جسد المرأة، هذا إن جاز لنا أن نسمي هذه العبارة صريحة.! وفيما عدا ذلك فألفاظها محسوبة بدقة ومنتقاة بشفافية، أضف إلى أنها رومانسية إلى حد بعيد..

    الصياغة اللغوية:
    هناك بعض الصياغات اللغوية التي تحتاج إلى إعادة النظر فيها؛ لكننا ربما نتسامح مع الكاتبة في هذه الصياغة إذا علمنا أن رحلتها مع اللغة العربية بدأت في سن 23 عاما، عندما بدأت تقرأ الروايات باللغة العربية، حيث أن لغة تعليمها الأساسية كانت اللغة العبرية، قبل أن تكمل تعليمها المدرسي في مدرسة عربية. وقد ساهمت كتب جدها كما تقول في حب هذه اللغة حيث كان يشجّعها على القراءة ويختار لها من كتبه ما يناسب سنها، لكنها قبل هذه السن كانت معظم قرأتها روايات مترجمة إلى العبرية، إلى أن سألت إحدى صديقاتها العربيات في الجامعة ما هي أجمل الروايات بالعربية؛ فدلتها على روايات إحسان عبد القدوس ويوسف إدريس فقرأت رواية: لا تطفئ الشمس لإحسان عبد القدوس ووجدتها جميلة وخفيفة.. وعندئذ تركت اللغة العبرية وانتقلت للكتابة باللغة العربية، وظنت أن ذلك سيكون مؤقتا ولكنها اكتشفت أنها وقعت في حب هذه اللغة لدرجة لم تعد قادرة على تركها"

    والصياغات اللغوية الخاطئة التي صاغتها تأثرا باللغة العبرية صياغات طفيفة مثل قولها: (أجبت بتهذيب، أو أجبت بتأديب..) فهذه الصياغة مستخدمة في اللغة العبرية، أما في اللغة العربية فنقول: أجبت بطريقة مهذبة، أو بطريقة مؤدبة.
    كذلك هناك بعض الصياغات الخاطئة تأثرا باللغة الانجليزية وهو وضع الفعل والفاعل في نهاية الجملة: مثل قولها:
    - ما الذي تغيّر؟ سأل..
    - هذا المكان.. أجبت.
    أما الأخطاء النحوية فهي نادرة جدا مثل: (وأحسست إنهما صديقين حقيقيين).

  2. #2
    صديق جديد
    تاريخ التسجيل: January-2019
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 11 المواضيع: 1
    التقييم: 3
    آخر نشاط: 28/January/2019
    شكرا لكم موضوع جميل جدا

  3. #3
    من المشرفين القدامى
    سَرمَديّة
    تاريخ التسجيل: August-2014
    الدولة: بغداد
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 32,335 المواضيع: 2,167
    صوتيات: 152 سوالف عراقية: 98
    التقييم: 11955
    مزاجي: الحمدلله ، جيد
    المهنة: legal
    أكلتي المفضلة: دولمة
    آخر نشاط: منذ 6 يوم
    مقالات المدونة: 19
    شكرا جزيلا

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال