ابراهيم امين مؤمن يكتب ...........
الربابة الموروثة..... قصة قصيرة
انا اسمى عازف .
اجدادى وابى يعزفون الربابة ولم يكن لهم نظراء.
كم اطربوا الآذان وقت الافراح .
كم جسدوا الاحزان .
كم قصّوا حكايات الامم والزمان .
كم تضاحكت الربابة وقت الانتصار .
كما تباكتْ وقت الهزائم والانكسار.
و ذبّتْ عن مظلوم سيف ظالم.
وعن موجوع وجع طاعن .
وعن شريف تجنّى داعر.
ومسحتْ عرق الجبين .
واستنفرتْ الهمم وقت النفير .
وكانت لهم نعم الصديق والحبيب والاخ والقريب.
امضيتُ مرحلة الحضانة والطفولة والمراهقة والنضوج بين ترنيمات الربابة التى كانت تتوالى على سمعى كفيض من آيات محكمات ترسخ فى سمعى وبصرى وفؤادى وتمتزج بالدم والعروق .
فصرنا معا ونضجنا معا (ترانيم الربابة ) حتى اصبحت شابا يافعا ليس لى نظير فى عزف الربابة وقصّ الاساطير .
وكل اجدادى ماتوا وتركونى فردا ,وحملونى امانة العزف وقول الصدق وحمل الامانة كالرسول .
ولم ارث منهم لا مالا ولا واخا ولا اختا ولا قريبا الا الربابة , فكانت نعم الصاحب والرفيق.
تناولت الربابة فى ليل حالك مظلم , وظللت اعدو حاملا الربابة بيمينى ورافعا اياها كالعلم ., حتى وصلت الى تل عال بالقرية قاصدا العزف عليه .
وقفت على قمة التل واخذت فى العزف حتى تفجرت كل تعابير نفسى من الحزن على اهلى الذين تركونى فردا اعزل .
تفجر حمل الرسالة التى كلّفونى بها ,وورّثونى ايّاها ,واستا منونى عليها بقول الصدق وندْب الافضل .
توالى العزف وعلا حتى بلغ الآفاق وصافح نور الشمس .
كان العزف لحنا يقص ملحمة الماضى كله ويؤذن بعهد جديد , هو عهدى , الشاب اليتيم .
الان , بلغ العزف افاق النسور وعلا حتى بلغ قرص الشمس .
الان , اشعر باصدائه تتردد فى اعماق نفسى آيات من حياة الجلد والصبر والامل والعزيمة والانتصار .
توالتْ اصداء العزف فكانت تعود الى قلبى محملة بتعابير الياس المهزوم بالامل .
والحرمان المنهزم بالانس .
والحبس الذى انكسرت قضبانه بعزائم الابطال فانطلقت الحرية .
والظلام المتولى بالنور .
والتفت الطيور حولى تحف باجنحتها مع عزف الربابة , وازيد لحنا فتزيد حفا , يرتفع الصوت فتعلو محلقة نشوانة .
كم شعرت الطيور والبلابل بمشاعر ربابتى فاستقرءوا بين ترنيماتها الامل والحرية والانس والانتصار .
نزلت من التل واعتليتُ شجرة ورقاء تتوسط حديقة غنّاء .
واسترسلتُ فى العزف المستمر دون انقطاع , فشعرت وكأن البلابل تطرب من عزف الحانى .
وان الاغصان ترقص على انغامى .
وان الماء فى مجراه يجرى على ترتيب ترنيماتى , فيسقى الاغصان كما انا اشفى القلوب الحزينة فتشبُّ جذلانة .
ولا ارانى الا راسما لوحة عبقرية من رياض تجرى من تحتها الانهار قطوفها دانية وتاوى اليها البلابل والطيور والانسان .
او قصر مكين لحاكم امين مطاع تاوى اليه النا س من كل فجٍّ يبحثون عن الامل والحرية والعدل والامان .
لقد احييتُ بربابتى وقلبى العفيف الامل والحياه والسرور فالتفّ حولى الانس والطير واقتفوا اثرى الطيور والفراشات وطاوعنى خريرالماء وتمايلت نحو عزفى الازهار .
هي الحياه ...عشْ متفائلا وبثْ الامل والفرح تجدونهم حولك ..عشْ متشائما وكسّر الاجنحه ينفضضون من حولك .. فاختر لنفسك من تكون ... حولك مجتمعين ام عنك معرضين؟؟؟
ذاعت اناشيدى بين اهل القرية مع فقرى المضجع وضعف جسدي ولم يكن لى وليا من اهل او عشيرة .
وآثرتُ على نفسى حمل رسالة آبائى وإرث اجدادى لا ابغى منه جزاءا ولا شكورا ولا مالا ولا قصورا الا الوفاء بالرسالة والارث .
يمضى شبابى حاملا على كتفى احمالا من الوفاء والعهود , حتى مرّتْ بى زهرة من ازهار الربيع العذرىْ الفتّان من بنى حوآء .
صوتها كصوت ربابتى .
تدرّ الحسن بل ان الحسن يرفد منها فكانها بحور الجمال وطلابه يغترفون من بحورها .
فى طلعتها طلعة الشمس واذا غربتْ اظلم المكان فكان كالليل البهيم .
فى بسمتها تتفتح براعم الازهار .
وهى تسير تدق خطواتها الارض كدفّ من دفوف اللحن الجميل .
فقلت لها هلا تكونى اميرة هذه الربابة ؟
وخليلة هذا القلب الفرد اليتيم ؟
وان تمتزج الروح بالروح .؟
واذوب فى روحك تلك الروح (الجنان ) .
ثم عزفتُ على ربابتى ترانيم الحب الخالص .
ودعوة الى عشق روحى ذائب مع رسالة اجدادى ليحيا معا بين الناس ويضربا اروع المثل العليا فى الوفاء والحب والاخلاص .
لقد استرسلتُ بالربابة بين خفض ورفع وقطع ووصل وتهجين من الحروف , وكل الاسترسال ينمُّ عن دعوة الى عشّ جميل فيه مودة ورحمة ووفاء .
فابتسمتْ لى ثم قالت :
انت عازف الربابة ؟
تسال وكانها لا تعرف فقلت :
نعم .
قالت : اتريد الزواج منى ؟
فهامت روحى بين حور حسان .
وجنات تجرى من تحتها الانهار .
وعوض من الاهل والخلان .
هيام من ظن امتزج بداخل خلجات نفسى , وما نفسى الا فى حرمان .
ظنتتُ القبول والايجاب .
فاخذتُ الربابة لاعزف سيمفونية الخلاص من الحرمان .
( الان ايها القراء نحن مع عزف الربابة .. تعزف .... سيمفونية الخلاص ...)
خذينى , خذينى , خذينى : كى
اضع راسى على كتفك .
واضم بيدى الاثنين المرتعشتين جوانحك .
وابكى بعد طول انتظار ,
وابكى بعد حرقة اشتياق ,
وابكى بعد التلاقى .
احشائى تنشل احشائك لروعة التلاقى , فما اروع لذيذ الضم والتوحيد.
اتلمس خدّيك ِتارة , واتلمس دقات قلبكِ تارة , وامرر يدى على شعركِ تارة ., واضع يدى ليقتبس من نو رعينيك تارة ........................ وابكى , فما الذّ قرب الحبيب.
تلتف حولنا ملائكة الحب , وتظلنا سماء الغيث , وتغازلنا تغاريد الاوكار ,فنخشع ..
الان , الان , الان :
لاسطر دستورا للحب .
اجد فيه الامل بعد الياس.
والآنسة بعد الوحشة .
والبسمة بعد الحزن .
واروى لعالمى الحب وكان حقا عليا بعد الفوز ..
وما زالت الروح بين الم الاحشاء ووحشه الصحراء من الماضى المنصرم , والقلب بين المهابة والرجاء فى الحاضر الآنى , وبين تراقص القلب وسكر جوارحه فى لذات كموج البحر الذى لا ينتهى فى المستقبل السارى , وما زالت الربابة تتكلم وتعزف الاوجاع التى تستقراين بين ترنيماته عذاب الماضى ولهفة ورجاء الحاضر ونعيم المستقبل .
فابسطى اليد حورائى واخشعى ........
فولتْ عابسة مستنفرة .
متقززة متكبرة .
وقال ما بقى لى الا فتى الربابة .
فتذكرتُ عدوتى بعد وفاة اهلى فعدوت حتى بلغت بئر ماء .
وكنت الهث عطشا من عدوتى , لا بل من انكار النفس للنفس وذهاب معنى الوفاء .
وتقديس المظاهر على اعتاب نفوس النفاق .
وترك الجوهر واحتضان المظهر فى زئير متواصل من المرضى من بنى الانسان .
وتعالت ترنيمات الربابة فى عزف كسياط من نار على ظهور ابرياء .
والتفتْ حولى الطيور تحفُّ حفيف مذبوح بسكين الغاب .
ووقعتْ الربابة من يدي فداستها نفوس عوتْ كالذئاب .
او افاعى فحّتْ فحيح الموات .
او عقارب تلدغ ذكورها بعد رقصة النشوة والانتهاء .
وذهبت الربابة فى قبر مظلم كظلمة اكثر النفوس من بنى الانسان .
اخوتى من بنى الانسان :
لما كثر الخبث هلك الزرع وغاضت الانهار او تبخرت فى سديم السماء .
وما عاد للحق قائمة فى شر مظلم حالك كظلمة بحر لجى فى الاعماق .
ما كانت الربابة الا صوتا انكسر وسط افواه الطامعين والطغاة .
المؤلف : ابراهيم امين مؤمن
اليوم 14 من يناير 2017
.