الحب الأول .. هل هو الحب الأخير ؟
دراسات تؤكد أن أثره يبقى مدى الحياة
ذكرياته محفورة في الوجدان تعزف السيمفونية الخالدة للمشاعر على أوتار الحنين. الأوّل، الذي يقول البعض، إنّ للقلب خفقة واحدة في حياته تتشابه بعدها كل الخفقات. فهل حقاً ما يشعر به الإنسان من عواطف لاحقاً، ليس سوى نسخة مُقلَّدة من مقطوعة المشاعر الأولى؟ وهل الحب الأوّل هو الأخير؟
ما من حُب نال حظاً وافراً من تمجيد الشعراء والأدباء كالحب الأوّل، حيث قال فيه أبو تمام قديماً:
نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شئتَ من الهَوى
كم مَنزِلٍ في الأرض يألفُهُ الفَتى
ما الحُبُّ إلا للحَبيبِ الأوَّلِ
وحَنينُهُ أبداً لأوّلِ مَنزِلِ
- الأول هو الأخير:
ليست هناك قناعة أشد رسوخاً لدى أماني الزرد (ربة منزل، متزوجة منذ 8 أعوام)، من إيمانها بأنّ "الحبيب الأوّل هو الأخير"، حيث إنها تؤكد "أنّ الوقوع في الحب للمرة الأولى، هو بمثابة شُعور لا يُوصَف"، لافتةً إلى أنّه "أمر لا يُنسى أبداً". وتقول: "أوّل إحساس، وأول دقّة قلب، لابدّ أن يكون لهما طعمهما الخاص، حيث تبقى ذكرياتهما عنواناً لأوّل خبرة وجدانية يُعايشها الإنسان، مُعلناً خروجه من ذاته ليحاول الاندماج في حياة إنسان آخر، وهو حُب مثالي من حيث النَّقاء، وتُزيّنه البراءة والطُّهْر". وتعترف أماني بأنها كانت محفوظة، لأنها تزوجت ببطل قصة حبها الأوّل، فصار هو الأخير. ومن خلال تجربتها، زاد إيمانها بأنّ الحب الأوّل دائماً هو الحب الأخير.
- لا يُنسى:
مع الرأي السابق، يتفق أيضاً محمود مداح (مستثمر عقاري، متزوج منذ 4 أعوام) مُبيّناً "أنّ القلب مهما ذاق من الهوى، يحن دائماً إلى أول طارق على بابه". ويشير محمود إلى أن "أول حُب بالنسبة إليَّ هو آخر حب، وهو من نصيب زوجتي". ويضيف: "إن نسينا، فلن نستطيع أن ننسى حبنا الأوّل، حيث تُرافقنا ذكرياته وهمساته، ولن نستطيع أبداً أن نتحرر منه، خاصة حينما يكون صادقاً، ونابعاً، من القلب والعقل معاً".
مُتغيّرات:
في المقابل، ثمّة فريق من الناس أداروا ظهورهم للرأي القائل، إنّ الحب الأوّل هو الحب الأخير، إذ إنّ هذه المقولة لا تتفق مع ما يُؤمن به تامر أبو عيد (مهندس ديكور، متزوج منذ 3 سنوات)، الذي يُقدّم حجَّته بعدم إمكان أن يكون الحب الأوّل هو الأخير، لافتاً إلى أن "مشاعر الإنسان في مقتبَل حياته، غالباً ما تكون طفولية تسيطر عليها أحلام المراهقة وغير ناضجة، وقد يكون ما يشعر به تجاه الطرف الآخر، مجرد إعجاب وانبهار يزولان بسبب ظهور أشخاص أكثر إبهاراً". ويستطرد قائلاً: "لكن، الحب الأخير يتشكل على قاعدة صلبة من المشاعر، فيصبح رصيناً وثابتاً، بعد أن ينضج على نار الخبرة والتجارب. لذا، فإنّ الحب الحقيقي لا يبقَى مقصوراً على الحبيب الأوّل".
- الاحتفاء بالبدايات:
"ليس شرطاً أن يكون الحب الأوّل هو الحب الأخير"، من وجهة نظر عبداللطيف رحالي (موظف، عازب)، الذي يصمت قليلاً قبل أن يقول: "المشاعر غير قابلة للترقيم، بحيث نقوم بترتيبها إلى حب أوّل وحب أخير. فكل علاقة عاطفية تطرق أبوابنا، إن لم تكن عميقة فإنها ستختفي مع مرور الوقت، وهذا بفضل نعمة النسيان التي خَصَّنا بها الله كبشر". ويضيف: "الإنسان جُبِل دائماً على الاحتفاء ببدايات الأشياء، إذ نفتقدها ونمارس حنيننا الدائم إليها، حتى إن لم تكن عميقة. وهذا هو السر الذي يجعلنا نقول واهمين، إنّ الحب الأوّل هو الأخير". "الحب الصادق هو الحب الأخير أيّاً كان رقمه"، يقول عبداللطيف، لافتاً إلى "أنّ الحب الحقيقي، هو وحده الذي يستحق أن نطلق عليه اسم الحب الأوّل والأخير معاً، لأن قبله لم يكن حباً وبعده لن يكون".
تجارب غير ناضجة:
كذلك، يَعتبر وائل غندور (موظف، متزوج منذ عامين)، أن "لدى كل إنسان تجربته الخاصة في الحب"، مشيراً إلى أن "هناك مَن سيظل حبه الأوّل أحلى ما عاش، وهناك مَن حصد الندم والمرارة بسبب حبه الأوّل، وهناك مَن يعيش اللحظة بلحظتها، يحب أكثر من مرة ويعيش أكثر من تجربة بالإحساس والدرجة نفسهما في الحب". ويرى وائل، أنّ مقولة "الحب الأوّل.. هو الحب الأخير" عندما تُطرح على أرض الواقع، فإنها تجافي كثيراً الحقيقة، موضحاً أنّه "إذا نظرنا حولنا، فإننا نجد تجارب الحب الأوّل عند معظم الناس، قد اتَّسمت بالفشل وخلّفت وراءها كثيراً من الجراح والآلام، لأنها كانت غير ناضجة، ولا تقوم على أي حسابات واقعية. لذا، يُفضّل الكثيرون نسيانها".
وبعد قرون عديدة وفي العصر الحديث، اتَّفق الكاتب المصري إحسان عبدالقدوس مع أبي تمّام على الفكرة ذاتها، حيث ذكر "أنّ في حياة كل منا وهماً جميلاً يُسمّى الحب الأوّل". وقال: "لا تُصدّق.. فإنّ حبّك الأول هو حبك الأخير!!". كما عَنْوَن الكاتب المغربي ذو الأصول الفرنسية، الطاهر بن جلون، رواية قصصية كاملة باسم "الحب الأوّل هو الحب الأخير دائماً". ولم تتوقف آراء المتأمّلين والمهتمين بشؤون الحب حول هذه المسألة، فأخضعوا الحب الأوّل للدراسة العلمية، حيث أكدت معظم الدراسات النفسية التي أجريت في الغرب، تأثير الحب الأوّل في حياة الإنسان، كاشفةً أن أصعب ما يُواجهه المرء طوال حياته، هو ذكريات هذا الحب والوعود التي قطعها على نفسه، من دون أن يُدرك معناها. حتى إنّ بعض الباحثين من جامعات عالمية مرموقة، أكدوا الأثر العميق للحب الأوّل في العلاقات اللاحقة، إذ قال باحثون في "جامعة إيسكس" الإنجليزية، إنّ ذكريات الحب الأوّل يمكن أن تُعرِّض العلاقات العاطفية المستقبلية للخطر. وأفادت صحيفة "دايلي ميل" البريطانية، أنّ الدراسة التي اعدّها معهد الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية في الجامعة، التي يقوم بتنقيحها الدكتور مالكولم برينن، تشير إلى أنّ الناس الذين يقيمون علاقة ما، لن يتوصلوا إلى التزام وارتباط دائمَيْن، في حال كانوا يسترجعون ذكريات الشغف والحب التي ترافقت مع علاقة حب سابقة. وقال برينن: "من المثير للدهشة، أنّ سر السعادة طويلة الأمد في علاقة ما، هو نسيان العلاقة الأولى". وأضاف: "إذا ترك المرء ذكريات علاقة الحب الأولى تسيطر عليه، ستكون العلاقات في المستقبل من دون أدنى شك مضجرة ومخيّبة للآمال".
منقول