الشاي.. مشروب الأتراك الأول دون منافس
معدل استهلاك الشاي للمواطن التركي يصل خلال فصل الشتاء إلى عشرة أكواب (الجزيرة)
محمد عبد الملك-إسطنبول
"ما أفعله هو أنني أشعل سيجارتي في أحد أركان مقهى الحي، وآخذ نصيبي من الشاي وأشعر بالكثير من الاسترخاء والطمأنينة". بهذا بادرنا المواطن التركي أركان شفيق (43 عاما) عندما سألناه عن السر في حرصه على زيارة المقهى وشرب الشاي بشكل يومي.
"أحياناً أحتسي كوباً واحداً، وفي بعض المرات أطلب ثلاثة أو أربعة أكواب بحسب الأصدقاء الموجودين، والرغبة في البقاء في المكان لوقت أطول"، يضيف أركان في حديثه للجزيرة نت.
بالنسبة للتركي أركان فالشاي هو جزء من متعته اليومية، يبتسم ويشير لنا وهو يحمل كوب الشاي بإحدى يديه وفي الأخرى جريدته المفضلة قائلاً "لا أتخيل كيف ستكون الحياة بدون الشاي، إنه شيء مختلف حقاً، ويصعب وصفه، ويمكن أن أقول عنه أجمل ما تنتجه أرض الأناضول ليس للأتراك فحسب، بل لبقية الناس من كل العالم أيضاً".
علاقة وثيقة
ليس شفيق الوحيد بالطبع الذي تربطه علاقة وثيقة بالشاي التركي، ولكن يمكن إسقاط هذه الحالة على أغلب الأتراك أيضا، وقد صنفهم تقرير حديث أصدرته لجنة الشاي العالمية بأنهم أكثر شعوب العالم استهلاكا للشاي، حيث يتراوح معدل شربهم له بين ثلاثة وأربعة أكواب للشخص الواحد يومياً، ويرتفع هذا العدد إلى عشرة أكواب خلال فصل الشتاء.فمثلا الشاي بالنسبة للفتاة التركية أرجوان أدالي هو مفتاح الحل لجميع مشكلاتها التي قد تواجهها، وبحسب حديثها للجزيرة نت فإن أول ما تفكر به عندما تحيط بها مشاكل الدراسة أو العمل هو الاتصال بإحدى صديقاتها والالتقاء في أحد الأماكن العامة واحتساء الشاي، ومن ثم فتح النقاش في أي أمر وإيجاد الحلول له.
الشاي التركي يقدم في أكواب زجاجية صغيرة من أجل إبراز لون الشاي (الجزيرة)
ويقدم الشاي عند الأتراك في كل الأوقات والمناسبات غالباً، بدءا من الزيارات العائلية إلى أوقات تناول الوجبات وما بعدها.
ويمكن استنتاج إدمان الأتراك على الشاي من خلال ردة فعلهم في إحدى التجارب الاجتماعية التي أجراها أحد برامج الكاميرا الخفية، حيث أظهر المواطنون ردات فعل عدائية بعد أن أخبرهم أحد العاملين في المطعم بعدم توفر الشاي لديهم، ورد عليه أحد الزبائن قائلاً: أريد شايي وإلا سأقوم بكسر رأسك.
أنواع متفرقة
كما يمكن تلخيص مدى الارتباط الوثيق للأتراك بالشاي من خلال المثل التركي الذي يقول "محادثة دون شاي كسماء الليل دون قمر". وبالطبع فإن تركيا تزرع محلياً عشرات الأصناف من الشاي، وتصدرها إلى أكثر من مئة دولة حول العالم كمنتج وطني رئيسي، وتختلف قيمته بالتأكيد من صنف إلى آخر.
وهناك أنواع رئيسية من الشاي التركي، من أبرزها الشاي الأسود المتخمر، وهو الأكثر استخداماً في الأماكن العامة، ويستهلكه أغلب الأتراك، حيث يتفننون في طريقة تحضيره باستخدام إبريقين فوق بعضهما، ويتم وضع الشاي في الإبريق الثاني الصغير وفي الأول الذي يكون في الأسفل يسخن داخله الماء من أجل تحضير الشاي عن طريق البخار، ويمكن إضافة ماء الورد إلى الشاي لإضافة مذاق رائع.وهناك الشاي الأخضر غير المتخمر، وتجري له معالجة عالية عند صناعته، حيث تعلق أوراق الشاي أولاً على خطاطيف وتجفف بالهواء الساخن، ثم ينخل عن طريق الضغط على الأوراق في مكان رطب بارد، وبعد ذلك تسود الأوراق وتلتقط من جذورها.
في منطقة السليمانية وسط إسطنبول توجد عشرات المقاهي على أسطح المنازل (الجزيرة)
كما يوجد الشاي الأبيض الذي بدأ إنتاجه مؤخراً، إضافة إلى أنواع أخرى تنتج من الأعشاب ومن أوراق شجر الزيتون، وأنواع تكون مختلطة بنكهات الفواكه أيضاً.
وفي إطار البحث أكثر عن تفسير وبداية الارتباط الوثيق للأتراك بالشاي؛ تحدثت الجزيرة نت مع أستاذ علم الاجتماع مصطفى أوغلو الذي قال إن المرء قد يتخيل في الوهلة الأولى عند زيارته تركيا بأن المواطنين يتمسكون بالشاي كثقافة وتقليد عثماني، وفي الحقيقة أن الأتراك خلال تلك الحقب كانوا مرتبطين بالقهوة، لكن حضور الشاي كان شبه منعدم.
وبعد سقوط الدولة العثمانية بدأ زعيم الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك يحفز الشعب على الانتقال منالقهوة إلى الشاي، خاصة أن القهوة كانت تصل خلال فترات الحكم العثماني من اليمن بسهولة، وانقطعت بعد ذلك، وأصبح استيرادها مكلفاً جداً.
وبذلك بدأ الأتراك يعملون على زراعة الشاي في مناطق شرق البحر الأسود، وتحديداً المناطق المحيطة بمدينة ريزا وطرابزون، حتى تطور الأمر ووصل حد إدمان الأتراك على الشاي وهجر القهوة مع الحفاظ على مكانتها.
المصدر : الجزيرة