المتحف العراقي.. تاريخ يروي حضارة وادي الرافدين
تأریخ التحریر: : 2019/1/16 21:30 •
في منطقة العلاوي بقلب العاصمة بغداد، يبدو المتحف العراقي وكأنه في غير محله بالنظر إلى مشهد عام يتمازج فيه صخب السيارات وعوادمها، وأصوات الباعة المتجولين، أما مبنى المتحف فلا تميزه سوى أناقته وبساطته وحديقة، وفي الجانب الآخر مكتبة المتحف، وكل هذا خلف سياج ذي قضبان حديدية سود.
ويعود تاريخ المتحف لبدايات نشوء الدولة العراقية الحديثة إبان الانتداب البريطاني، فمع إقبال بعثات التنقيب وتزايد القطع الأثرية المكتشفة، تولّدت عند مستشارة الحاكم البريطاني السيدة دونت بيل فكرة إنشاء متحف يعرض هذه القطع النفيسة، وطبقت فكرتها سنة 1923، وعرضت في أحد جوانب بناية القشلة في السراي {شارع المتنبي حالي} مجموعة من القطع الأثرية، وتولّت بنفسها الإشراف على المتحف لتكون أول مديرة له.
لكن ومع ارتفاع عدد القطع المكتشفة، ضاق المكان بمقتنياته، فنُقل سنة 1927 إلى بناية أكبر سعةً في شارع المأمون، ومع استمرار علماء الآثار في كشف المواقع الأثرية وتكاثر مقتنياته، صارت الحاجة ماسة لإنشاء متحف وفق المقاييس المعمول بها في المتاحف العالمية.
بدأ العمل في المتحف المصمم من قبل مهندس ألماني عام 1957 وانتهى بناؤه عام 1963، تحولت محتويات المتحف إلى البناية الجديدة وتم افتتاحه في موقعه الحالي عام 1966، ومنذ ذلك الحين شهد المتحف أكثر من توسعة، ففي العام 1983 أضيفت بناية أخرى للمتحف لتضم الكميات المتضاعفة من القطع الأثرية، وافتتحت قاعات جديدة على مر هذه السنوات، كانت آخرها عام 2017.
تتوزع معروضات المتحف العراقي على 25 قاعة عرض، روعي فيها التسلسل الزمني للحضارات والحقب التاريخية التي شهدتها أرض الرافدين، ويبدأ الزائر جولته من أولى القاعات في الطابق العلوي التي تعرض فيها آثار عصور ما قبل التاريخ، وتحتوي على أقدم القطع الأثرية الموجودة في المتحف، والتي يعود عمرها إلى 65 ألف سنة قبل الميلاد، ثم تتعاقب العصور بمعروضاتها مع تعاقب قاعات العرض.
ووفق المدير العام لدائرة المتاحف العراقية لمى ياس الدوري، فإن عدد القطع المعروضة في المتحف العراقي تبلغ عشرة آلاف قطعة تغطي جميع الحقب التاريخية، بدايةً من العصور الحجرية الأولى وانتهاءً بالحضارة الإسلامية، مع وجود أضعاف هذا العدد في مخازن المتحف.
وفي تصريح للجزيرة نت قالت الدوري إن المتحف الحالي لم يعد يسع الأعداد الكبيرة للآثار التي يمتلكها، ولم يعد أيضا يليق بتاريخ البلاد.
وعن الحلول الممكنة لهذه المشكلة، أضافت أنه تم تخصيص قطعة أرض في مطار المثنى ببغداد تبلغ مساحتها 50 دونما لبناء متحف جديد، لكن عوائق التخصيصات المالية تحول دون تنفيذ المشروع، إلا أنهم ما زالوا يأملون أن ينفذ بأسرع وقت ممكن.
وكغيره من مؤسسات الدولة، تعرض المتحف مع الغزو الأميركي عام 2003 لسرقة وتخريب كبيرين، فَقَدَ على أثرها نحو 15 ألف قطعة، اُعيد منها 4300 فقط، وما زالت الجهات المعنية تعمل على استعادة القطع المتبقية.
وأشارت الدوري إلى أن وزارة الثقافة تواصل العمل بالتعاون مع جهات حكومية أخرى على إعادة الإرث المنهوب جراء تلك الفوضى، وقد تكللت الكثير من مساعيها بالنجاح.
يبدي الكثير من المهتمين بالآثار أسفهم على ضياع هذه القطع النفيسة، ويقول خبير الآثار عامر عبد الرزاق إن فقدان هذا الإرث "يعتصر قلبه"، فهم يشاهدون بعض هذه القطع معروضة في متاحف دول أخرى ولا يعلمون مصير البقية.
وينظم المتحف جولات منتظمة لطلبة المدارس، يرافقهم دليل يشرح لهم قصة كل قطعة يقفون عندها وأهميتها التاريخية، فينصتون للقصص ويلتقطون الصور مع القطع والتماثيل.
يأخذ المتحف زائريه في رحلة إلى الماضي، تبدأ مع إنسان عصور ما قبل التأريخ وأدواته التي كان يستخدمها للصيد، وتمر بالحضارة السومرية وأساطيرها عن الآلهة القديمة، ثم البابلية والآشورية فالأكادية، وصولا للحضارة الإسلامية بمراحلها المتعددة، وتمنح هذه الرحلة الزائرين فرصة التعرف على شكل الحياة في كل حقبة من هذه الحقب.
وتتولد لدى الزائرين عاطفة تدفعهم لتكرار التجربة، كما يقول أحمد ناصر وهو يتأمل إحدى القطع الأثرية بالمتحف "لا أتذكر كم مرة زرت المتحف لكنني في كل مرة أزوره لا أكتفي بمتعة للتجول في التاريخ".
أما أنوار كامل فقد ذهبت أبعد من ذلك بوصفها شعورها وهي تتجول في المتحف بالقول إنها تشعر في كل مرة أنها تزور "إينانا" -آلهة في الأساطير السومرية- وتشاطرها الحديث عن الحياة وعن أرض العراق الثرية وما الذي أصابها، بحسب تعبيرها