تناول الأطباء المسلمون الأمراض التي تعرض للنساء تناولاً ينمّ عن سعة اطِّلاع وعمق استنتاج؛ فقد تحدّثوا عن اضطرابات الطمث والدورة الشهرية، والآلام المرافقة لذلك، وتشريح الرحم وأمراضه.
وكتب الرازي في أمراض النساء والولادة، وضمَّن ابن سينا الجزء الثالث من قانونه الحادي والعشرين كلامًا مفصلاً عن أمراض النساء والولادة بما في ذلك مختلف الأمراض التي تعرض للرحم ومسبباتها، والحامل وما يعتريها أثناء الحمل والولادة. ونجد في الفصل الأول من المقالة الأولى وصفًا تشريحيًّا دقيقًا للرحم، وأنه "آلة التوليد التي للإناث... وليس يستتم تجويفها إلا عند استتمام النُّمو... لأنه يكون قبل ذلك معطلاً ولا يحتاج إليه... وموضعها خلف المثانة... ومن قدّام المِعَى، وطولها المعتدل في النساء ما بين ستة أصابع إلى أحد عشر إصبعًا... والرحم تغلظ وتثخن وكأنها تسمن، وذلك في وقت الطمث، ثم إذا طهرت ذبلت ويبست. ولها أيضًا ترفق مع عظم الجنين، وانبساطها بحسب انبساط جثة الجنين. ورقبة الرحم عضلية وفيها مجرى محاذية لفم الفرج... ومنها تبلغ المني، وتقذف الطمث، وتلد الجنين، وتكون في حالة العلوق في غاية الضيق" .
وشرح ابن سينا وغيره آلية الولادة وكيفية خروج الجنين طبيعيًّا بنزول رأسه أولاً، والولادة غير الطبيعية (القيصرية) بخروج الرجلين أولاً، وقد أجرى الأطباء المسلمون عمليات قيصرية ناجحة، وكتبوا عن العقم وأسبابه، وعزوه إلى أسباب في الرجل وأسباب في المرأة. وعزاه ابن سينا إمّا لسببٍ "في مني الرجل أو مني المرأة، وإما في أعضاء الرحم، وإما في أعضاء القضيب وآلات المني. أو السبب في المبادئ، كالغم والخوف والفزع، وأوجاع الرأس وضعف الهضم والتخمة، وإما لخلط طارئ" .
وقالوا: إن من العقم ما يعود إلى العوائق الآلية في عنق الرحم من تشنج أو تضييق أو بسبب ندب، أو انسداد، أو انقطاع الطمث، أو انقلاب الرحم، أو أمراض الرحم من ورم وقروح وزوائد لحمية. ومن هذا القبيل ما قال به ابن سينا: "أما السبب في الرحم فإما سوء مزاج مفسد للمني أو مُضْعِف للقوة الجاذبة للمني... أو مانع إياه عن الوصول لانضمام من الرحم، أو التحام من قروح أو لحم زائد ثُؤْلولي... أو يعرض للمني في الرحم الباردة الرطبة، ما يعرض للبذور في الأراضي النزَّة، وفي المزاج الحار اليابس ما يعرض في الأراضي التي فيها نورة مبشوشة، وإما لانقطاع المادة وهو دم الطمث... وإما لميلان فيه (أي الرحم)، أو انقلاب... أو لشدة هزال البدن... أو آفة في الرحم ومن ورم وقروح... وزوائد لحمية مانعة". أما السبب عند الرجل فقد أرجعوه إلى ضعف أوعية المني أو ضعف قوتها المولدة للمني، أو بسبب قصر القضيب نفسه، أو لاعوجاجه فلا يزرق المني في فم الرحم . والمتمعن في كل ما سبق، يجد أن معظم ما وصفه الأطباء المسلمون من أسباب للعقم، قال بها العلم الحديث وزاد عليها من واقع التطور.
وقد بحث الأطباء المسلمون أيضًا في الحمل والوضع، وتطور الجنين داخل الرحم بعد الإخصاب، وشكاوى الحمل ومخاطره والتغيرات التي تطرأ على الحامل، ووجوب مكافحة الإمساك بالملينات لا المسهلات، وأنواع الأطعمة التي ينبغي أن تتناولها الحامل، والابتعاد عن اضطرابات المعدة، وبضرورة ممارسة نوع من الرياضة المعتدلة المتمثلة غالبًا في المشي دون إفراط، واجتناب الحركة المفرطة، والوثب، والضرب، ومراعاة الجانب النفسي لديهن، "ولا يورد عليهن ما يغمهن ويحزنهن، ويبعد عنهن جميع أسباب الإسقاط وخصوصًا في الشهر الأول... ويجب أن تشتد العناية بمعدتهن" .
كما شخصوا أعراض ما نسميه الآن بالحمل الكاذب (الرحا). وبيّنوا الصفات التشريحية المرضية له، فمثلاً يقول ابن سينا: "إنه ربما تعرض للمرأة أحوال تشبه أحوال الحبالى من التباس دم الطمث وتغيير اللون وسقوط الشهوة، وانضمام فم الرحم. ويعرض انتفاخ الثديين وامتلاؤهما وربما عرض تورمهما، وتحس في بطنها بحركة كحركة الجنين وبحجم كحجم الجنين... وربما عرض طلق ومخاض ولا يكون مع ذلك ولد؛ وربما كان السبب فيه تمددًا وانتفاخًا في عروض الطمث، ولا تضع شيئًا" .
وتحدث الأطباء المسلمون عن عسر الولادة، وبينوا أن ذلك يعود إلى واحد من: 1- الحامل. 2- الجنين. 3- الرحم. 4- القابلة. 5- أسباب أخرى.
وبينوا تفاصيل مسئولية كل واحد منها في عسر الولادة. وبحثوا في أنواع أمراض الرحم من أورام حميدة وخبيثة، وهبوط الرحم وتشوهاته وسيلاناته ونزفه. ولم تغب عنهم الأدوية التي تعالج كلاًّ من هذه الأمراض، سواء أكانت عقاقير عشبية، أم حِمْيات غذائية أو أبخرة أو مسهلات منقية. وتكلم ابن سينا بإسهاب عن آفات وضع الرحم وأورامها، ونتوء الرحم وانقلابها وميلانها واعوجاجها، وكذلك الورم الحار في الرحم والورم البلغمي والورم الصلب.
المصدر: كتاب (قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية) للدكتور راغب السرجاني.