اهتمام العلماء والمثقفين الأوروبيين بدراسة اللغة العربية
في العصر الحديث انكب الغرب على دراسة التراث العربي والإسلامي، فالمستشرقين قاموا بجمع المخطوطات العربية والإسلامية وفهرستها وحققوا العديد منها بأعلى المقاييس العلمية المتعارف عليها حينئذ ونشروها نشرًا علميًا خالصًا وترجموا الآلاف من هذا التراث إلي اللغات العالمية، فضلاً عن التوجيه إلى الأخذ بالمناهج الحديثة في البحث والدراسة وعرّفوا الآخرين بحضارتنا وتراثنا ومآثرنا وقدموا للفكر الإسلامي أشياء كثيرة نافعة لا يمكن تجاهلها.
وتأسست بعد الحرب العالمية الثانية عدة كراسي لتدريس اللغة العربية والأدب والحضارة والتاريخ والفلسفة الإسلامية منها: مجمع فينا الكنسي الذي أقر إنشاء كراسي لدراسة اللغة العربية في كل من باريس وبولونيا في عام 1312م، وتم إنشاء كرسي اللغة العربية في جامعة كامبردج عام 1636م. وقام المستشرقون بتدريس كتب العرب في الجامعات الأوروبية كمؤلفات ابن سينا وابن رشد وصارت تدّرس في تلك الجامعات حتي نهاية القرن الخامس عشر [1].
وقامت فرنسا بإنشاء مدارس لتدريس اللغة العربية مثل ريمس وشارتر وإنشاء كرسي للغة العربية في باريس وإنشاء كرسي للدراسات الاسلامية في جامعة السوربون والتي الحق بها فيما بعد معهد الدراسات الإسلامية وكانت جامعة السوربون ولا زالت تلعب دوراً هاماً في مضمار الدراسات العربية والإسلامية[2].
وكان علي رأس المهتمين بالدراسات العربية سيمون أوكلى الذي تولي مهمة تدريس اللغة العربية في جامعة كمبريدج 1711 وألف كتابه الشهير (تاريخ المسلمين) الذي تناول التاريخ الثقافي والسياسي للإسلام[3]. ويأتي من بعده جورج سال [4]George Sale الذي ترجم القرآن الكريم، وأصبحت ترجمته المرجع الأساسي للترجمات الواردة بعدها لسنين عديده، كما خلفت هذه الترجمة حركة واسعة للتعرف إلي الثقافة الإسلامية وبيان خصائصها الإيجابية.
ومن كبار المستشرقين يوليوس فلهوزن Wellhausen Julius الذي برز في مجال الدراسات الإسلامية فحقق تاريخ الطبري، وكذلك نجد تيودور نولدكه Theodor Noldeke الشهير وكارل بروكلمان Carl Brockelmann صاحب تاريخ الأدب العربي[5] الذي يعد موسوعة لا غنى عنها لأي باحث في مجال الدراسات الإسلامية.
وفي روسيا، فاللغات الشرقية في مفهوم الروس، كانت لغات الشرق الإسلامي، وشغلت اللغة العربية المكانة الأولى وقد أُنشأ قسم اللغة العربية في جامعة خاركوف بعد صدور مرسوم بذلك عام 1804 م مباشرة[6].
ومن أشهر المستشرقين الروس كراتشكوفيسكي [7]Kratchkovski الذي شغف منذ صغره بدراسة آراء المستشرقين ودراسة اللغة العربية وذهب إلي الشرق فزار مصر وسوريا وفلسطين، فأطلع علي خزائن كتبها وتعرف إلي علمائها وأدبائها ثم عاد إلي بلاده وعين أستاذًا للعربية [8] وثمة رأي يقول أنه كان مكتشف الأدب العربي الجديد بالنسبة للغرب[9].
ومن بعض جهود المستشرقين أيضاً:
ما قام به: توماس إربنيوس [10] Erpenius، نشر العمل لعبد القاهر الجرجاني بروما 1617م. وسلفستر دي ساسي Silvester de Sacy (ت 1838م)، نشر كليلة ودمنة، وألفية ابن مالك، ووصف مصر لعبد القادر البغدادي، وفريتس كرنكوف (ت 1953م)، الذي حقق الأصمعيات، ومقامات بديع الزمان الهمذاني، وجمهرة اللغة لابن دريد. وليفي بروفنسال الفرنسي[11] Lévi Provençal محقق الروض المعطار في خبر الأقطار للحميري، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم، وتاريخ قضاة الأندلس للنباهي[12] وكترمير الفرنسي Étienne Marc Quatremère تلميذ دي ساسي Silveste de Sacy (ت 1857م)، نشر مقدمة ابن خلدون، ومنتخبات من أمثال الميداني. وفرايتاج الألماني (ت 1861م)، الذي نشر حماسة أبي تمام، وأمثال الميداني. ورينهارت دوزى الهولندي (ت 1883م)، الذي وضع معجما عربياً يعد ذيلاً للمعاجم العربية[13] Supplément aux dictionnaires arabes، إذ جمع فيه من الألفاظ العربية ما لم يرد فيها.
وقد أفاد الاستشراق الثقافة العربية فوائدَ عديدةً منها:
• نشر الثقافة العربية في أوروبا.
• وترجمة كثير من كتب التراث العربي إلى اللغات الأخرى.
• وتصحيح فكرة الشعوب الأوروبية عن العرب والإسلام.
• ونشر كثير من كتب التراث نشرًا علميًا.
• أضف إلى ذلك كتابة العديد من المؤلفات النفيسة عن الحضارة العربية والإسلامية، ويمكن زيادة الاستفادة من بعض العلماء المستشرقين في كثير من الميادين الثقافية في البلاد العربية"[14].
هذا الزخم إن دل على شئ فإنما يدل على عمق التواصل الحضاري بين شعوب الأرض قاطبة.
[1] لمزيد من التفاصيل انظر: سيجريد هونكه: شمس الله تسطع علي الغرب، أنخل بالينثيا: تاريخ الفكر الأندلسي، ترجمة حسين مؤنس ترجمة حسين مؤنس، ط 1، مكتبة النهضة المصرية، 1955 م. وحسين مؤنس: قُرْطُبَة، درة مدن أوروبا في العصور الوسطى، مجلة العربي، عدد 95، أكتوبر 1966.
[2] نفسه، ص 107.
[3] ميشيل جحا: الدراسات العربية والأسلامية في أوروبا، معهد الأنماء العربي، بيروت 1982، ص 33.
[4] جورج سال 1697م - 1736م: ولد في لندن التحق في البداية بالتعليم اللاهوتي تعلم العربية على يد معلم من سوريا وكان يتقن اللغة العبرية أيضاً، من أبرز أعماله ترجمته لمعاني القرآن الكريم التي قدم لها بمقدمة احتوت على كثير من الافتراءات والشبهات، ومن الغريب أن يقول عنها عبد الرحمن بدوي "ترجمة سال واضحة ومحكمة معاً، ولهذا راجت رواجاً عظيماً طوال القرن الثامن عشر إذ عنها ترجم القرآن إلى الألمانية عام 1746م.
[5] Carl Brockelmann: Geschichte der Arabischen Literatur, Leiden 1938
[6] راجع، كراتشكوفسكي:تاريخ الاستعراب الروسي، منشورات أكاديمية العلوم للاتحاد السوفييتي، موسكو، ليننجراد، 1950.
[7] إغناطيوس كراتشكوفسكي: مستشرق روسي ولد في 16 مارس 1883م، أمضى طفولته في طشقند حيث تعلم اللغة الأوزبكية، درس اللغات الكلاسيكية اليونانية واللاتينية، بدأ بتعلم اللغة العربية بنفسه. وفي عام 1901م التحق بكلية اللغات الشرقية في جامعة سان بترسبرج، ودرس عدداً من اللغات منها العبرية والحبشية والتركية والفارسية، درس التاريخ الإسلامي على يد المستشرق بارتولد، زار العديد من الدول العربية والإسلامية منها تركيا وسوريا ولبنان ومصر وتعرف إلى كثير من أعلام الفكر العربي الإسلامي منهم الشيخ محمد عبده والشيخ محمد كرد علي وغيرهما اهتم بالشعر العربي في العصر الأموي وفي العصر العباسي.
[8] نجيب العقيقي: المستشرقون، ج 3، دار المعارف، القاهرة 1964، ص 954.
[9] أنا دولينينا: من تاريخ الاستشراق في الاتحاد السوفييتي، مجلة الاستشراق، ج 2، بغداد 1987 م ص 57.
[10] توماس إربنيوس: مستشرق هولندي، يعد مؤسس النهضة الاستشراقية ومنظمها في بلاده وأنشأ في بيته مطبعة عربية صارت أساس المطبعة العربية المعروفة اليوم في ليدن بمطبعة بريل (Brill) وعين أستاذاً للغات الشرقية في جامعة ليدن سنة 1613م، راجع، أنور محمود زناتي: زيارة جديدة للاستشراق، مكتبة الأنجلو المصرية، 2006 م.
[11] ليفي بروفسال (ت 1956م): مستشرق فرنسي الأصل. كثير الاهتمام بتصحيح المخطوطات العربية ونشرها. ولد وتعلم في الجزائر. عُين سنة 1920 مدرساً في معهد العلوم العليا المغربية في الرباط فمديراً له سنة 1926 - 35 وانتدب في خلال ذلك سنة 1928 لتدريس تاريخ العرب والحضارة الإسلامية في كلية الآداب بالجزائر، كما انتدب لتدريس تاريخ العرب وكتاباتهم، بمعهد الدراسات الإسلامية في السوربون ودعي لإلقاء محاضرات في جامعة القاهرة سنة 1938 وألحقه وزير التربية الفرنسية بديوانه في باريس سنة 1945 وعين في السنة ذاتها أستاذاً للغة العربية والحضارة الإسلامية في كلية الآداب بباريس، ووكيلاً لمعهد الدراسات الساميّة في جامعتها. وكان من أعضاء المجمعين: العلمي العربي بدمشق، و اللغوي بالقاهرة، راجع أنور محمود زناتي، زيارة جديدة للاستشراق، مكتبة الأنجلو المصرية، 2006 م.
[12] محمد عبد المنعم خفاجي: حركة الاستشراق، مجلة المنهل، العدد 471 أبريل - مايو 1989م، ص 199.
[13] معجم موسوعيّ، جعل فيه دوزي الكلمات العربية مع مرادفاتها الفرنسية وأسمائها العلمية، وهو من المراجع الرئيسية للمفردات والألفاظ التي لم ترد في المعاجم العربية.
[14] نفسه.