المضاف المعرف بأل في شعر المتنبي

مما شد بصري وانتباهي في تراكيب المتنبي إكثارُه من استعمال المضاف المعرف بـ(أل)، ومعروف أن المعرف بـ(أل) تحذف منه هذه (الألف واللام) عند إضافته، اللهم إلا إذا كان هذا المعرف بـ(أل) هو صفة والمضاف إليه معمول لتلك الصفة، مثل (الضاربا زيد)، و(الضاربو زيد)، و(الضارب الرجل)، و(الضارب رأس الرجل)، و(الضارب غلامه)[1].

معروف كذلك أن المضاف إليه في هذا التركيب يمكن أيضًا رفعه أو نصبه حسب العلاقة التي تربطه بالمضاف (فاعلًا له، أو نائب فاعل، أو مفعولًا مثلًا)[2].

وقد استطعت أن أعد للمتنبي من هذا النوع من الإضافة، الذي لا نقابله كثيرًا في كتابات الأدباء ونظم الشعراء، نحو الأربعين استعمالًا.

وأظن أننا يمكن أن نضمَّ هذه الملاحظة مع الملاحظات الأخرى التي تشير أيضًا إلى أن المتنبي يميل إلى تنكُّب الطريق المألوف والخطوط الواضحة، لفتًا للأنظار، أو بغية الإدهاش، أو إهمالًا في الصياغة، أو لهذا كله معًا.

وعلى أية حال فهاك عددًا كافيًا من الأمثلة على ما أقول، جريًا مع عادتي من أول الكتاب، وهي الإكثار من الشواهد لتكون كل كلمة من كلامي موثَّقة، وبخاصة أن كثيرًا من هذه الملاحظات لم يسبق، فيما أذكر، أنه نبه عليها أحدٌ من قبل، ومن ثم فلا يكفي فيها المثال أو المثالان، وإنما لا بد من سوق عدد كبير من الأمثلة عليها؛ حتى يقتنع القارئ بما أقول، وترسخ هذه الملاحظات الجديدة في ذهنه:
فيقلقُ منه البعيدُ الأناةِ *** ويغضب منه البطيءُ الغضبْ
كل من (الأناة) و(الغضب) يمكن إعرابهما مضافًا إليه أو فاعلًا.
♦ ♦ ♦
وما عدم اللاقوك بأسًا وشدةً
ولكنَّ مَن لاقوا أشدُّ وأنجَبُ

• • •


أنا من شدةِ الحياءِ عليلٌ
مكرمات المعلهِ عوَّادُه
(المعله: المعل إياه؛ أي الذي سبب له العلة، ومعنى البيت أن مكارم من أعلني تصل إلي، وسبب العلة شدة حيائه، كما يقول).
♦ ♦ ♦
الخائضَ الغمراتِ غيرَ مدافعٍ
والشِّمِّريَّ المِطعنَ الدعيسا

• • •


أسائلُها عن المتديِّريها
فلا تدري ولا تذري دموعا
(أي أسائل الديار عن الذين اتخذوها دارًا: أين ارتحلو؟).
♦ ♦ ♦
وما لكلامِ الناسِ فيما يريبني
أصولٌ ولا للقائليهِ أصولُ

• • •


قفي تغرم الأولى من اللحظ مهجتي
بثانية، والمتلف الشيء غارمُه

ويضحى غبارُ الخيلِ أدنى ستورِه
وآخرها نشرُ الكِباءِ الملازمُه
♦ ♦ ♦
الراجعُ الخيل مُحفاةً مقوَّدةً
مِن كلِّ مثلِ وبارٍ أهلُها إرمُ

• • •


بنفسي الخيالُ الزائري بعد هجعةٍ
وقولته لي: (بعدَنا الغمضُ تطعمُ؟)

• • •


ليت الحبيبَ الهاجري هجرَ الكرى
مِن غير جرمٍ واصلي صلةَ الضنى

• • •


لو كان ذا الآكلُ أزوادنا
ضيفًا لأوسعناه إحسانا

• • •


الواسعُ العذرِ أن يتيهَ على الدْ
دُنْيا وأبنائها وما تاها

وأحياناً يستخدم مثل هذا التركيب (الأمير الرحب منزله) (2 /16 /3)، وهو كما ترى قريب من تركيب الإضافة الذي بصدده.

وهذه أمثلة أخرى له: (الذهب المعروف مخبره) (2/140/2)، و(الحبيب لقاؤه إلينا) (4 /166 /6)، و(الطويل نجاده) (4 /247 /25)، و(المثنى عليه الوغى وخيلاها) (4 /278 /39).

وكما أن المتنبي مثلما رأينا يُكثِر من الإبقاء على (الألف واللام) في المضاف، فهو في أحيان أخرى قد يبقي أيضًا على نونه (إذا كان مثنى أو جمع مذكر سالِمًا)، فيخرج التركيب بذلك عن حالة الإضافة، ويأخذ اللفظ الذي كان حقه أن يكون مضافًا إليه (لو كانت هذه النون قد حذفت)، إعرابًا آخر حسب علاقته بالكلمة التي كانت ستضاف إليه؛ مثل:
من القاسمينَ الشكرَ بيني وبينهم
لأنهمُ يُسدَى إليهم بأن يسدوا

• • •


هم المحسنون الكرَّ في حومةِ الوغى
وأحسنُ مِنه كرُّهم في المكارمِ
♦ ♦ ♦

ومثل إبقائه على (النون) في المثنى والمذكر السالم قد يبقي على التنوين في المفرد، فتنفك الإضافة هنا أيضًا وتنشأ عَلاقة جديدة بين الكلمتين؛ مثل:
فلا يُبَلْ قاتلٌ أعادِيَهُ *** أقائمًا نال ذاك أم قاعدْ
(فلا يبل: فلا يبال).


[1] انظر هذه المسألة باختصار في: (قطر الندى) لابن هشام، بحاشية السجاعي / 102.
[2] وفي الحقيقة لقد ضُبِطت أواخر بعض هذه الأسماء التي احتلت مواقع المضاف إليه (في شرح العكبري، تحقيق السقا والإبياري وشلبي) بالضمِّ، وبعضها الأخرى بالفتح.