أهوار العراق.. مهد الحضارات تأبى النسيان
ادراج الاهوار على لائحة التراث العالمي سيمنع ارتكاب جريمة تجفيفها مرة اخرى
تنوع مائي واحيائي كبير ومشروع مهم لانعاش السياحة في العراق
الأهوار موطن حضارات العراق وجنانه على الأرض، أبت النسيان رغم التحديات والتخريب التي طالتها بيد البشر.
ها هو العالم يعترف "أخيراً " بالاهوار كتراث للبشرية بعد ان صادقت منظمة اليونسكو هذا الاسبوع على ضمها الى لائحة التراث العالمي بعد جهود عراقية مضنية.
الأهوار موطن سومر مهد تاريخ العراق، عاش فيها الانسان منذ خمسة الاف عام، وترعرت بمياهها الجواميس في تنوع احيائي وبيئي فريد من نوعه في العالم، وشكلت رمزا لحضارة وادي الرافدين، حيث منها كتب القلم حروفه، ونطق الانسان بلغته، فكانت حقاً فخراً للبشرية.
رغم بساطة بيئتها ومعيشة سكانها "البدائية" لكنها كانت جامعة للادب والفنون وساحرة بمناظرها للأدباء والمثقفين والشعراء المتغزلين بها.
جسدت الاهوار التكافل الاجتماعي والتعاون الأسري حيث المرأة والرجل يتقاسمان المسؤولية.
والاهوار هي مجموعة المسطحات المائية التي تغطي الاراضي المنخفضة الواقعة في جنوبي السهل الرسوبي العراقي، وتكون على شكل مثلث تقع مدن العمارة والناصرية والبصرة على رؤوسه، وتتسع مساحة الاراضي المغطاة بالمياه وقت الفيضان في اواخر الشتاء وخلال الربيع وتتقلص ايام الصيهود [الحر].
وأطلق العرب الاوائل على هذه المناطق اسم [البطائح]، جمع بطيحة، لأن المياه تبطحت فيها، أي سالت واتسعت في الأرض، وكان ولا يزال ينبت فيها القصب والبردي.
وتبلغ مساحة اجمالي الاهوار، بين 9 الاف و20 الف كيلومترا مربعا، وتقع ضمن محافظات [ميسان - ذي قار- البصرة]، ويعيش سكان الأهوار في جزر صغيرة طبيعية أو مصنعة، ويستخدمون، في الغالب، نوعا من الزوارق يسمى بالمشحوف في تنقلهم وترحالهم.
للأهوار تأثير إيجابي على البيئة فهي تعتبر مصدرا جيدا لتوفير الكثير من المواد الغذائية من الأسماك والطيور والمواد الزراعية التي تعتمد على وفرة وديمومة المياه مثل الرز وقصب السكر.
وظهرت فكرة تجفيف هور الحمار في تقرير وليم ويلكوكس عام 1911 عندما اقترح تنفيذ ربط نهاية نهر الفرات في منطقة الطار مع مخرج هور الحمار في مدينة الجبايش ووضع سداد لهذا المجرى على الجانبين ليحرم هور الحمار من أهم مصادره المائية ونفذ هذا المقترح في ثمانينات القرن الماضي باسم الحفار.
كما ظهر تجفيف هور الحمار في تقرير شركة تبيت وشركائها عام 1958 باسم مشروع ري وبزل المالحة وقد تعرضت للتجفيف في التسعينيات من القرن الماضي وتحديدا بعد انتفاضة عام 1991 أو ما تعرف بالانتفاضة الشعبانية، عقابا لسكان الأهوار الذين قامو بأنتفاضة ضد صدام حسين. ولم تتبق بعد تجفيفها سوى 4% من اجمالي مساحتها، إلا أن الحكومات المتعاقبة بعد 2003 بدأت بمشاريع لتنمية الأهوار، وفي يوم 17 يوليو تموز 2016 وافقت منظمة اليونسكو على وضعها ضمن لائحة التراث العالمي كمحمية طبيعية دولية بالإضافة إلى المدن الأثرية القديمة الموجودة بالقرب منها مثل أور و إريدو والوركاء، ما يعطيها أملا بالعودة الى وضعها السابق وان كان تحقيق ذلك ليس قريبا.
وعن أهمية قرار اليونسكو بالنسبة للأهوار يقول عضو الوفد العراقي والخبير الاحيائي خضر عباس سلمان لوكالة كل العراق [أين]، أن "ادراج الاهوار الى لائحة التراث العالمي أمر مهم لانعاشها وسيوفر دعماً دولياً لذلك".
ويشير الى ان "هور الحويزة في محافظة ميسان يعتبر اول موقع وطني ضمن اتفاقية رامسار للاراضي الرطبة [اتفاقية رامسار: هي معاهدة دولية للحفاظ والاستخدام المستدام للمناطق الرطبة، من أجل وقف الزيادة التدريجية لفقدانها]، ويتميز هذا الهور بالذات، بمقومات فريدة من نوعها يمكن استغلالها للسياحة البيئة والاستثمارات الصديقة للبيئة التي من شأنها ان توفر دخلا وموردا اقتصاديا للبلد الذي يواجه ازمة مالية، كما انه أصبح وبعد ضمه الى لائحة التراث العالمي مصدرا علميا يدرس في كافة الجامعات العالمية".
ويتابع سلمان: كما ان هذا الهور "بعتبر أول موقع وطني وعربي وعالمي ينضم الى قائمة اليونسكو كونه مختلطا، أي أنه طبيعي وتراثي، ويمكن فيه الاستثمارات بكل النواحي الصديقة للبيئة من بناء المعامل وصناعة الالبان وتربية الجاموس واستزراع الأسماك المهددة بالانقراض التي ادرجت ضمن القائمة الحمراء وهناك طيور لا تعيش الا في هور الحويزة، بالاضافة الى الحيوانات البرمائية، مثل [كلب الماء] كما انه [الهور] يعتبر المصرف المورد للكائنات الحية".
ويضيف "عند قيام النظام السابق بتجفيف الاهوار وهي جريمة لا تُغتفر بحقها بقي جزء غير مجفف من هور الحويزة وهذا الجزء القليل حافظ على التنوع الاحيائي به وبعد تغيير النظام عام 2003 عادت الاهوار الى شبه عهدها وانتشر هذا التنوع لباقي الاهوار".
ويتابع الخبير الاحيائي، ان "هور الحويزة أصبح مكاناً بيئيا متكاملا ونسبة الغمر فيه من المياه تصل الى نحو 65%،" مبينا ان "المساحة الرسمية للأهوار في العراق تبلغ 90.600 هكتار تتكون من منطقتين الاولى العازلة والاخرى القلب [المحمية]".
أما بالنسبة للطيور المهاجرة فيقول سلمان ان "أهوار العراق وخاصة الحويزة قد صنفت ضمن الخطوط العالمية الثلاثة لهجرة الطيور الآوراسية واليوم عادت الى موطنها الاهوار لان بعضها لا تتكاثر الا بهور الحويزة".
وشددت الحكومات المحلية للمحافظات التي تضم الاهوار [ميسان، ذي قار، البصرة] على ضرورة تشريع القوانين لانعاش الاهوار وتحديد مرجعية ادارتها.
وقال نائب محافظ ميسان جاسب الحجاج، لـ[أين]، انه "بعد ضم الاهوار الى لائحة التراث العالمي، يجب على الحكومة الاتحادية في بغداد ان تشرع قانوناً للاهوار وبدونه سنبقى بدوامة في تحديد مسؤولية ومرجعية ادارتها بين الوزارات والحكومات المحلية" مشددا على وجوب ان "تكون ادارة الاهوار من قبل المحافظات المعنية من ذي قار وميسان والبصرة".
ودعا الحكومة الى "اعلان الاهوار كمحميات لا يجوز التجاوز عليها مثل هور الحويزة والحمار الشرقي والغربي والاهوار المركزية التي لم تدخل الى الان المحميات الوطنية".
ولفت الحجاج الى ان "الحد الأدنى من المياه للاهوار متحقق لكن يجب ان ترصد لها كميات تعويضية مع ارتفاع التبخر العالي بسسب درجات الحرارة المرتفعة لاسيما في شهري تموز وآب".
وحول تأمين الحصص المائية للأهوار أكدت وزارة الموارد المائية انها تسعى جاهدة لذلك.
وقال المتحدث باسم الوزارة علي راضي، أن "نسبة الاغمار في الأهوار العراقية بتزايد وتجاوزت الـ 60%، وهي أكثر مما متوقع وضمن الدراسات الموجودة في الظروف الصعبة مع ارتفاع درجات الحرارة بأعلى من معدلاتها".
وأضاف أن "خطة الوزارة تعمل على تأمين الحصص المائية اللازمة للاهوار وهذه الجهود أثمرت نوعا ما الى اعادة الحياة اليها بالتعاون مع باقي الوزارات والجهات المعنية التي ساهمت في النهاية الى ادراج الاهوار الى لائحة التراث العالمي".
وبين "كنا نواجه بعد احداث حزيران 2014 [سقوط الموصل] تحدياً بتامين حصص العراق لاسيما وان المجاميع الارهابية سيطرت على منشآت مائية مهمة كسد الموصل وسدة الفلوجة وغيرها ولكن بتحقيق الانتصارات طرد الارهابيون منها وعادت السيطرة على منشآت الري، حيث نرى اليوم تطورا وتوسعا لنسب الاغمار في الاهوار".
وعن مدى التزام تركيا وسوريا باطلاق حصص العراق من المياه في نهري دجلة والفرات بعد قرار اليونسكو، قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية "بالتاكيد ان ادراج مناطق الاهوار في لائحة التراث العالمي منح دعماً دوليا للعراق في هذا الجانب وستكون له نتائج ايجابية ومهمة وسيسهم بتأمين الكميات اللازمة من المياه للأهوار".
وعلى صعيد الثروة الحيوانية والسمكية في الاهوار أعلنت وزارة الزراعة عن خطط لدعم المنتجين والمربين للمواشي والاسماك هناك.
وقال المتحدث باسم وزارة حميد نايف، أن "ادراج الاهوار في لائحة التراث العالمي، سيؤمن الحصص المائية الكافية لها ومنع تجفيفها ثانية كما سينعكس ايجابا على انعاش البيئة العراقية والقطاع الزراعي المتمثل بالثروة الحيوانية في تربية الجاموس والاسماك والطيور المتنوعة والمهاجرة".
وأكد "انه لا يخفى على الجميع ان حيوان الجاموس الذي يشكل العمود الفقري لمعيشة وقوت سكان الأهوار تعرض لهلاكات في السنوات السابقة بسبب شحة المياه وتلوثها"، مشيرا الى ان "لدينا خططا لدعم المربين للمواشي كجزء من إيفاء الحكومة العراقية بالتزامتها الدولية في انعاش الاهوار".
وأضاف "كما سيتم الاهتمام بالثروة السمكية وستطلق وزارة الزراعة ملايين الاصبعيات من الاسماك لغرض زيادة نسبتها في العراق والحفاظ عليها من الانقراض".