من أزقة عشوائية تختبئ بينها منازل استغلها الإرهابيون ومروّجو المخدرات وتجار الأسلحة، كمقرات لهم شرق السعودية، إلى حي يضج بالتراث القطيفي، هكذا تحول "حي المسورة" خلال 8 أشهر فقط.
فقد كان هذا الحي القديم والشعبي ملجأ لشتى الأعمال الإجرامية، حيث كان المطلوبون أمنياً يتوارون في مزارع النخيل الكثيفة، متخذين من هذا الحي قاعدة لانطلاق العمليات الإرهابية، التي كانت تستهدف رجال الشرطة والمواطنين والمقيمين الآمنين.

يعد حي "المسورة" الواقع في الجهة الشمالية الشرقية من بلدة العوامية بالقطيف، أقدم أحياء البلدة، وتصل مساحته إلى 120 ألف متر مربع، ويتكون من 488 منزلاً قديماً آيلاً للسقوط، يقطنها 1500 شخص، حياتهم كانت معرَّضة للخطر نتيجة استغلال الحي من قِبل ضعاف النفوس للجرائم الإرهابية، خاصة أنه مكان غير آمن للمواطنين والمواطنات.
ففي تصريح سابق في مارس 2017، قال المتحدث الأمني بوزارة الداخلية السعودية، اللواء منصور التركي: "لا أستبعد أن يكون عدد من المطلوبين أمنيًّا لا يزالون يختبئون داخل حي المسورة، فتركيبة الحي تتيح لتلك العناصر الإرهابية إطلاق النار من جهة، والانتقال إلى جهات أخرى في لمح البصر".
وكان حي المسورة شهد العديد من الأحداث الإرهابية، كما رصد العديد من المجرمين في داخله، مما دعا الجهات الأمنية في السعودية إلى إخلاء الساكنين من المواطنين، عقب نزع ملكية 488 عقاراً، وتعويض ملاكها بمبالغ تجاوزت 750 مليون ريال، للبدء في تنفيذ مشروع تطوير حي المسورة.
وفي حين أخلى المدنيون الحي، أصرَّ الإرهابيون على البقاء والتحصن فيه، وحاولوا تعطيل المشروع، بإطلاق نار كثيف على معدات الشركة المنفذة مع استهداف الآليات المستخدمة في المشروع ‏بعبوات ناسفة لتعطيلها، بهدف حماية أنشطتهم الإرهابية، إذ كانوا يتخذون من المنازل المهجورة منطلقًا لعملياتهم التخريبية، من قتل وخطف مواطنين ورجال دين. حي المسورة قبل وبعد
ما دفع الجهات الأمنية السعودية إلى القيام بحملة أمنية مكثفة، تمكنت عبرها من تطهير حي المسورة من الإرهابيين، بعد عمليات أمنية دامت أياما، وأسفرت عن مقتل عدد من الإرهابيين والقبض على آخرين، والكشف عن مواقع داخل الحي لتصنيع المقذوفات والقنابل المتفجرة.
هكذا بعد سنوات طويلة من "الغرق" في براثن المجرمين، تحول حي المسورة في غضون 8 أشهر، إلى مشروع "وسط العوامية" الذي نفذ بأسلوب نموذجي كمركز حضاري وثقافي واجتماعي، يجذب الاستثمارات والسياح، ويغدو مركز تنمية لأهل البلدة الذي عانوا منذ سنوات من الجماعات الإرهابية، التي هددت المواطن والمقيم واستهدفت رجال الأمن.
من المسورة إلى "وسط العوامية"
فقد تم إحياء البلدة برؤية مستقبلية، تخدم أهالي المنطقة المتعطشين للمشاريع بعد الدمار الذي غطاها بفعل مجرمين أدخلوا الرعب في نفوس المواطنين.
ومن التراث وفن العمارة التاريخي للقطيف، استوحى مشروع الترميم تصاميم الأبنية، لتحتضن عراقة الماضي، وجمال الحاضر، ورؤية المستقبل.
إلى ذلك، تضمن مشروع #وسط_العوامية عددا من المعالم التي توفر خدمات متعددة ثقافية وسياحية، من أجل خدمة سكان وزوار القطيف.
وأصبح بذلك معلماً بحد ذاته، وقلبا نابضا بالحياة، مجسدا رؤية 2030 .
كما جمع المشروع الجديد الذي وثقته عدسة "العربية.نت" بين شجر النخيل الشاهقة، والشجيرات الملونة والمناطق الخضراء، بالإضافة إلى جلسات للاستجمام وللأنشطة الترفيهية وملاعب للأطفال، وممرات للتنزه في الهواء الطلق.
واستخدمت عدة عناصر في التصميم الخارجي، كالمعالم التاريخية مثل الأبراج، وعيون الماء القائمة، التي ربطت ببعضها البعض بواسطة قنوات تحاكي القنوات المستخدمة قديما لري المزارع، وتم إنشاء مركز ثقافي سيكون نبراس ومنطقة علمية، إلى جانب السوق الشعبي و94 ألف متر مربع من الحدائق والمتنزهات.
إلى ذلك، استخدمت المواد الطبيعية في المشروع، مثل الخشب والصخور لاستحداث بيئة تراثية، تعيد إلى الأذهان الكثير من الذكريات لسكان القطيف.