الاستهلاك طويل الأمد للماريجوانا والحشيش، ضار أم نافع؟
2
“مفيد”، “ضار”، “شرعي”، “ممنوع”، “يؤذي الصحة”، “لا يضرّ ولا ينفع”، “يفيد الجسد والروح”، “يرفع نسبة الذكاء”، “أشعر بتركيزٍ رهيبٍ لم أعرفه من قبل”، “أرغب أن أشعر بالسعادة!”، عندما أدخّن هذه السيجارة أنسى كل همومي ومشاكلي”، “الماريجوانا هروب وانسحاب من المجتمع”؛ كان هذا، عزيزي القارئ، جزءً صغيراً من الجدل اللامتناهي حول موضوع الماريجوانا والحشيش.
وقد قمنا في أراجيك بتسليط الكثير من الأضواء على تلك النبتة، القنب (Cannabis). فكما ذكرتُ في مقالةٍ سابقة، فإنّ الماريجوانا هي خليط مجفف من زهور وأوراق نبات القنب، أما الحشيشفهي مستخلص فعّال (راتينج) مستخرج من نفس النبات.
ولعلّ الوضع الطبيعي للإنسان الراغب في البحث عن الحقيقة في أمورٍ جدليةٍ كذلك الأمر، أن يبحث وينقّب ليصل إلى الحقيقة. فانطلقت أتقصّى عن الموضوع، ورحت أنبّش في كل المصادر الموثوقة التي عرفتها، أو تعرّفت عليها. تخيلت أنني سأصل في نهاية المطاف إلى جوابٍ شافٍ، حكمٍ صارمٍ واضحٍ يبتُّ في هذا الأمر. لكن، كم كنت مخطئاً، لا أدري لماذا غاب عن ذهني أنّ هذا الأمر، مثله مثل كل الأمور العلمية في هذه الدنيا، لا يمكن البتّ فيه بالمطلق، فالعلم قائمٌ على النظريات المتبدلٌة المتقلّبة. ولا أريد أن أخرج عن السياق، لكنّي ولأواسيكم ونفسي سأذكر نظرية نيوتن التي اعتمدها العالم بأسره حينها لفترة زادت عن 200 عام، حول شكل الكون والجاذبية بين الكواكب، أتت بعدها نسبية آينشتاين لتنسفها وتستبدل مبادئها بشكلٍ شبه كامل. فتلك الحادثة أهم ما يمكن ذكره عن تقلب العلم وعدم ثباته المطلق.
وبالعودة إلى حديثنا، وفي أحد الأيام، أرسل لي صديقي دراسةً تتحدث عن تأثير استخدام الماريجوانا طويل الأمد على الصحة الجسدية، وكانت النتيجة المفاجئة لها: “إنّ استخدام الماريجوانا لفترة طويلة ليس مرتبطاً مع أي مشاكل صحية، فيما عدا الصحة الفموية”.
حيث قامت د. مادلين ماير من جامعة أريزونا الحكومية بالتعاون مع زملاء لها بتتبع عادات تدخين الماريجوانا لـ 1,037 نيوزيلندي مشارك بالدراسة من الولادة وحتى أعمارهم المتوسطة لترى ما التأثير التي تمتلكه تلك العادات على بعض معايير الصحة الجسدية، بما في ذلك: الوظيفة الرئوية، الالتهاب الجهازي، مستويات الكوليسترول، ضغط الدم، وزن الجسم ومؤشر كتلة الجسم، السكر في الدم، والصحة الفموية.
وما وجدوه كان حقاً مفاجئاً، فبعد أخذ العوامل الأخرى المعروفة التي يمكن أن تؤثر بالصحة بعين الاعتبار، وخاصةً استهلاك التبغ والحالة الاقتصادية الاجتماعية، وجِد أن استهلاك الماريجوانا لا يحمل أي تأثيرات سلبية على أي ناحية من مناحي الصحة باستثناء الصحة الفموية، فالأشخاص الذين يدخنون أكثر لديهم نسبة وقوع أعلى لأمراض اللثة.
لكن سبب ذلك كان غامضاً في الحقيقة. فالنتائج التحليلية لهذه الدراسة أظهرت أن تدني الصحة الفموية عند مستهلكي الماريجوانا لا يمكن تفسيره بتدخين التبغ، تعاطي الكحول، أو حتى قلة تنظيف الأسنان. وإضافةً إلى ذلك، فإنّ غياب المشاكل الصحية المرتبطة باستخدام الماريجوانا عند أفراد المجموعة المستهلكين للماريجوانا لم يكن بسبب تمتّعهم بنمط حياة أفضل أو أنّه تحسنت صحتهم أكثر.
الدكتورة فرانسيسكا فيلبي
لكن، وعندما قرأت تلك الدراسة، خطر في بالي فوراً دراسةٌ أخرى كنت قد قرأتها عن التأثير الذي يحمله استهلاك الماريجوانا طويل الأمد على دارات المكافأة في الدماغ، حيث وجدت مع زملائها في تلك الدراسة أن أدمغة متعاطي الحشيش والماريجوانا هي حقاً مختلفة عن الأدمغة الطبيعية، فهي تستجيب بصورة مختلفة للحوافز الطبيعية بالمقارنة مع الأشخاص الطبيعيين.
حيث قاموا بفحص أدمغة مدخني الحشيش عبر تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وسؤال المشاركين بالدراسة البالغ عددهم 59 مستهلك للماريجوانا بشكلٍ يومي لمدة 60 يوم قبل بدء الدراسة عن طريقة تعاطيهم للماريجوانا، بالإضافة لسؤالهم عن فاكهتم المفضلة.
ثم عرضوا لهم صوراً مرتبطة بالماريجوانا وبطريقة استهلاكها، متبوعةً بصور عن فاكهتم المفضلة، وذلك أثناء مسح أدمغتهم بأجهزة تعتمد التقنية السابقة.
تقنية fMRI
واتضح لهم بعد ذلك، أنّه عند عرض الصور المرتبطة باستهلاك الماريجوانا وأدواتها، فإنّ مستهلكي الماريجوانا أظهروا استجابة أعظم في مناطق الدماغ المسؤولة عن المكافأة، عند مقارنتها مع أدمغتهم عند رؤيتهم للصور الخاصة بالفواكه المفضلة لديهم.
وبما أنّ تلك المادة تتلاعب بالدارات الدماغية المسؤولة عن المكافأة، فهي حتماً ستؤدي إلى الإدمان، وقد علّقت أشيش ميهتا مديرة مختبرات الصحة لتمثيل الدماغ في مانهاست، نيويورك لموقع Livescience: “إنّ الإدمان هو مشكلة خطيرة على صعيد الصحة العامة، وإنّ جذوره متأصلة في دارات الدماغ، حيث أظهرت تلك الدراسة أنّه هناك نشاط زائد في دارة تتضمن المناطق الدماغية المعروف ارتباطها بعددٍ من أشكال الإدمان عند عرض صور تذكّر بالماريجوانا عند مقارنتها بصور أخرى وذلك عند متعاطي الحشيش والماريجوانا بشكلٍ مزمن.
وبحسب الدكتورة مادلين ماير صاحبة الدراسة الأولى: “لا نريد أن يظن الناس أنّ الماريجوانا غير مؤذية، لأن هناك دراساتٍ أخرى عن نفس العينة من الأشخاص النيوزيلنديين أظهرت أن استهلاك الماريجوانا مرتبط مع زيادة في خطر حدوث الأمراض النفسية، تدني معدل الذكاء IQ وانخفاض الحركية الاقتصادية والاجتماعية”.
وتضيف زميلتها آيشلوم كاسبي البروفيسورة في علم الأعصاب في جامعة ديوك: “ما نراه من خلال هذه الدراسة أنّه يمكن أن تكون الماريجوانا مؤذية في بعض المناحي، لكن ليست مؤذية بالمطلق وعلى جميع الأصعدة، فنحن نعرف أنّ استهلاك الماريجوانا له نتائج سلبية عديدة، لكننا في هذه الدراسة لم يتضح لنا أي أثر سلبي على الصحة الجسدية”.
فمن جهةٍ أخرى، لا تتفق جميع الدراسات مع الآثار السلبية للماريجوانا، فبحسب دراسة نشرت في كانون الثاني من عام 2016 في مجلة سايكوفارماكولوجي، فقد قام الباحثون بتتبع 2,235 مراهق بريطاني كان حوالي ربعهم قد تعاطى الحشيش أو الماريجوانا ولو لمرة واحدة بعمر الـ 15 سنة. وتوصّلوا إلى أنّه لا يوجد أي علاقة بين التعرض التراكمي للماريجوانا بعمر الخامسة عشر ومعدل الذكاء IQ أو الأداء التعليمي بعمر السادسة عشر وذلك عند الذين استهلكوا الماريجوانا لخمسين مرة أو أكثر. وهنا يجب التنويه إلى أنّ هذه الدراسة اقتصرت على فترة قصيرة ولم تتطرّق للتأثيرات طويلة الأمد.
وفيما يردّ البعض سبب التراجع الفكري والذهني عند متعاطي الحشيش والماريجوانا إلى الأسباب الاجتماعية، الاقتصادية، الشخصية، والعائلية، فقد وجد باحثون آخرون طريقة لحساب تأثير الماريجوانا بشكلٍ يستبعد كل تلك المؤثرات والعوامل الخارجية، قاموا بإجراء دراستهم على أكثر من 3,000 زوج من التوائم المتطابقين ومقارنة مستهلكي الماريجوانا مع توائمهم غير المستهلكين، وذلك ليزيلوا كافة العوامل الأخرى الوراثية والاجتماعية وغيرها.
فوجدوا أنّ مستهلكي الماريجوانا كانوا أسوء من الناحية المعرفية، لكنّهم كانوا أيضاً أسواً قبل بدء تعاطيهم. وعندما قام الباحثون بمقارنة متعاطي الماريجوانا مع توائمهم الحقيقية، لم يجدوا أي اختلاف من الناحية المعرفية. مما يعني أنّ تعاطي الماريجوانا لم يكن السبب في تدني القدرة المعرفية، لكنّ هناك عامل أو عوامل غير مكتشفة بعد (يُعتقد أنّها عائلية) تستطيع التأثير في كلا التوأمين، سواء استهلكوا الحشيش أم لا.
ويقترح جاكسون، الباحث ضمن هذه الدراسة، أنّه مهما كان تأثير الماريجوانا، فإنّه نتيجة للأسباب التي أدت إلى اللجوء إلى الماريجوانا في المرة الأولى. وفي تعليقه يشكك بنتائج الدراسة التي أجريت على النيوزيلنديين، والتي درست مستهلكي الماريجوانا بشكلٍ كبير على مدى فترة زمنية طويلة، رأى أنّ تلك الدراسة عكست المشاكل التي لدى المشاركين في الدراسة منذ طفولتهم ولم تعكس المشكلات الناجمة عن الماريجوانا بحد ذاتها.
يقول جاكسون:” لا نقول أنّ الماريجوانا غير ضارة، فهناك العديد من الدراسات التي أجريت على حيوانات المخابر والتي أظهرت تغير في سلوك الحيوانات النفسي والمعرفي، لكنّ هل يجب علينا أن نكون قلقين من كيفية تأثير الماريجوانا على الدماغ، أم من الأسباب التي دفعت ذلك الشخص ليطلب الملاذ في الماريجوانا أصلاً؟”
لكن، وكتلخيص للموضوع الذي ربما نحتاج لكتبٍ في بيان تأثيره والتحقق من سلامته أو تأكيد خباثته، لا يمكننا من خلال الأبحاث المذكورة في المقال أو غيرها من الأبحاث الكثيرة تأكيد سلامة الماريجوانا وتدخين الحشيش. وبالرغم من كون النتائج متضاربة إلا أنّه يمكن القول أنّ هناك إجماعٌ على وجود آثارٍ سلبية مرتبطةٍ بالماريجوانا وخاصة من الناحية النفسية والمعرفية الإبداعية.
وما أرجوه منك عزيزي القارئ، ألا تُخدع بالعناوين العريضة التي تتداولها صفحات الإنترنت وحتى كبرى المجلات الإخبارية، دائماً أطلب المصدر في الأمور العلمية وخاصةً الجدلية. فليست كل دراسةٍ تُنشر في المجلات العلمية العالمية، مع احترامنا لكافة الآراء وتقديرنا لجميع الجهود، هي دراساتٌ هدفها الوحيد إيجاد الجواب أو نشر المعرفة فهناك الكثير من الباحثين، وللأسف، لا يراعي في بحثه ودراسته أصول البحث العلمي ومبادئه.