القبة المرابطية في مراكش… جمال لا ينتهي!


0
إنّها رمز وتاريخ ممتد بتفاصيله في الكتب وفي جغرافية المكان، فلمراكش – أو «المدينة الحمراء» – تاريخ غني بأحداث صنعت تاريخ منطقة ممتدة بجغرافيتها، ولقد شهدت أحداثًا تاريخيةً استثنائيةً وعرفت رجالًا عظامًا غير عاديين في حياة مدينة مجيدة غير عادية، واليوم رغم التحولات المتسارعة، التي طالت البشر والشجر والحجر، يرى كثيرون من الذين يزورون مراكش بين الحين والآخر، أنّها ما زالت تحتفظ لنفسها بكثير من أسرارها، ويشددون على أنّ تناسل البنايات الزجاجية لن يغطي على قيمة وفرادة ما تضمه «المدينة القديمة»، التي يحتضنها قلب «المدينة الحمراء» من نفائس الحضارة والتراث.
القبة المرابطية في المغرب
تاريخ القبة المرابطية


وتعد القبة المرابطية إحدى المعالم التاريخية القديمة التي تركها المرابطون، الذين أسسوا مراكش وعززوا الوجود الإسلامي في الأندلس، ويعود تاريخ أبنائِها إلى القرن الحادي عشر، في عهد السلطان علي بن يوسف المرابطي عام 1106 و 1143، وكان السلطان علي قد شيدها لتكون دار وضوء للمصلين الذين كانوا يقصدون جامع بن يوسف الذي بناه السلطان نفسه، وكان السلطان ورث الحكم عن والده أمير المرابطين ومؤسس مراكش يوسف بن تاشفين، الذي يزيّن قلب المدينة الحمراء وذلك لمركزها وتموقعها في مكان مميز يجعلها قبلةً لكل زائر يحط رحاله في مراكش، فتوجد على بعد خطوات بسيطة من ساحة جامع الفنا، مرورًا بسوق السمارين الذي يعد من أشهر الأسواق التقليدية في المغرب وخارجه.
وصف القبة المرابطية


يعتبر تصميم هذه المَعْلَمة من المميزات التي أكسبتها سمة التفرد، حيث برع مشيدوها في إعطائِها شكلًا مستطيلًا، تحمل الواجهات الخارجية للقبة نقوشًا غنيةً تمثل أقواسًا وأشكالًا تحاكي نجمةً سباعيةً، يزيّن مدخلها من جهتي الشمال والجنوب قوسان مزدوجان على شكل حدوة فرس، ومن جهتي الشمال والشرق قوسان مفصصان، وتحتوي القبة المرابطية مستويين متمايزين بوضوح يفصل بينهما على ارتفاع خمسة أمتار وشريط زخرفي رقيق أملس ناعم وقليل الظهور، وتتكون زواياها الخارجية من أربع دعائم متينة وقوية، كما أنّها تتميز بمخططها المستطيل وطولها البالغ سبعة أمتار ونصف وعرضها البالغ خمسة أمتار ونصف، فضلًا عن علو يبلغ 12 مترًا، ويتوسطها صهريج للوضوء يحيط به مجرى لتصريف المياه المستعملة، وتم اكتشاف أربعة صهاريج أُخرى تعلو الصهريج الأول، كل واحد كان يمثل طبقة أرض، كما أنّ القبة تتميز بهندستها المعمارية التي يعادلها شيء، التي تبرز جمالية الثقافة المغربية وتظهر في مجموعة من الأقواس المتناسقة والمميزة بتصميمها وزخارفها المنقوشة، وتبيّن مدى براعة المهندسين والصُنّاع التقليديين المغاربة.
زخرفة القبة المرابطية


يُظهر كلًا من الثقافة والتاريخ في زخرفة القبة، حيث أنّها مزخرفة من الخارج بزخرفات محفورة بأقواس تعلوها عوارض خشبية رسمت نجمةً سداسيةً، مشهد مشابه لقبة مسجد القرويين في فاس و قهوة القبة في سوس، والتي أكسبتها مظهرًا جماليًا فريدًا ساهم فيها التوريق والكتابة والتسطير لتشكل بذلك لوحةً متناهية الدقة والتوازن، فضلًا عن المواد التقليدية التي بنيت بها التي يتقدمها حجر جيليز نسبةً إلى الجبل الذي يوجد في وسط مدينة مراكش الحديثة، وسمي أحد الأحياء الكبرى على اسمه، فضلًا عن الخشب، وأيضًا غني بمادة الجير والرمل التي ساهمت بشكل كبير في الحفاظ على هذه المَعْلَمة التاريخية ومقاومتها لمختلف عوامل الطقس.
شهرة عالمية للقبة المرابطية


تساهم بشكل كبير في إنعاش مجال السياحة على مستوى المدينة كباقي مختلف المعالم التاريخية التي تستقطب السياح من كل حدب وصوب، حيث تعتبر هذه المَعْلَمة التاريخية مقصدًا لكل زوار المدينة من مختلف الجنسيات، خصوصًا عشاق التاريخ والراغبين في اكتشاف مختلف المعالم التاريخية للمدينة التي تتنوع بين المتاحف والمساجد، ودور الثقافة ودور الضيافة والقصور والمنشآت التاريخية التي تشهد على تاريخ عتيق مميز ما زلت تلمس عبقه في كل مكان في هذه المدينة العريقة، والمميز في القبة المرابطية أنّها المَعْلَمة الوحيدة في المدينة الحمراء، التي ترتدي لونًا أبيض اللون لامع تلمحه على بعد أمتار يشع في العلالي بجماله الراقي والعريق، الذي يزرع فيك فضولًا لاكتشاف هذا الرمز الأبيض، ما جعل منها قبلةً للسياح، لا سيما الأمريكيين والفرنسيين الذين يقبلون عليها لاكتشاف جمالها وتاريخها العظيم.
معلومات ثانوية عن القبة المرابطية


تُعرف أيضًا بقبة “الباروديين” أو قبة “السعديين”، وتستعمل كلمة قبة عادةً للدلالة على بناية جنائزية، إلّا أنّها تستعمل أيضًا للإشارة إلى بنايات ذات تصميم شبيه بها، ومختلف الوظيفة كجناح داخل حديقة أو داخل صحن مسجد، أيضًا تحولت إلى كنيسة “كريستودي لا لوز”، وهي مؤرخة بواسطة نقش عام 999 كدليل على ذلك، وتصميمها منتشر بالعالم الإسلامي من إسبانيا إلى أفغانستان، ووحد المرابطون تحت رايتهم بلاد إسبانيا ابتداءً من سنة 1086، في حين ظلت “طليطلة” بين يدي المسيحيين، وهو ما حول القبة إلى كنيسة في ذلك الوقت.

وفي النهاية، وكما ذكر موقع
بطوطة ليست مراكش الحاضرة المغربية العريقة، مجرد مدينة يحددها موقعها الجغرافي على الخريطة، إنّها رمز وتاريخ ممتد بتفاصيله في الكتب وفي جغرافية المكان، فلمراكش – أو «المدينة الحمراء» – تاريخ غني بأحداث صنعت تاريخ منطقة ممتدة بجغرافيتها، ولقد شهدت أحداثًا تاريخيةً استثنائيةً، وعرفت رجالًا عظامًا غير عاديين في حياة مدينة مجيدة غير عادية، واليوم رغم التحولات المتسارعة التي طالت البشر والشجر والحجر، يرى كثيرون من الذين يزورون مراكش بين الحين والآخر، أنّها ما زالت تحتفظ لنفسها بكثير من أسرارها، ويشددون على أنّ تناسل البنايات الزجاجية لن يغطي على قيمة وفرادة ما تضمه “المدينة القديمة” التي يحتضنها قلب “المدينة الحمراء”، من نفائس الحضارة والتراث.