علمياً: لماذا تتلون السماء باللون الأزرق صباحاً، والأحمر وقت الغروب؟
التساؤل جزء من الطبيعة البشرية، ويمكن تقديم تعريف جيد للإنسان بأنه كائن متسائل، و الأسئلة الجيدة دوماً هي أسئلة بسيطة، قليلة الكلمات، تعتمد على أداة بسيطة أيضاً وهي الملاحظة..
والأسئلة الجيدة دائماً تفضي إلى نتائج عظيمة لأنها تركب حصان الخيال الجامح، والأسئلة الكبرى التي رافقت البشرية منذ وجودها في هذا الكون الواسع كانت السبب الحقيقي وراء فتوحاتها الحضارية العظمى. لماذا تطير الطيور؟ لماذا تسقط الأجسام للأسفل؟ وإذا ركبت على موجة ضوء ماذا يحصل؟ وغيرها الكثير … وسؤالنا اليوم هو سؤال بسيط أيضاً، ولكنه من الأسئلة التي يطرحها الجميع وخصوصاً الأطفال.
لماذا تتلون السماء باللون الأزرق؟ ولماذا تتلون باللون الأحمر وقت الغروب والشروق؟
عندما نحاول الإجابة عن أي تساؤل ما فنحن بحاجة لأدوات علمية حقيقة لنصل للإجابة .. ودائماً في طريقنا لنصل للإجابات البسيطة على تلك الأسئلة البسيطة نجد أنفسنا نكتشف معارف جديدة لم تكن بالحسبان..
وفي طريقنا لمعرفة سبب لون زرقة السماء يجب أن نعرج على عدة مفاهيم وعلوم من الفيزياء والكيمياء
الضوء والطيف
الضوء حسب آخر ما توصلت لها الفيزياء الحديثة بأنه طاقة وهذا الطاقة تأتي على هيئة إشعاع كهرومغناطيسي مرئي للعين البشرية، ويقع في منطقة وسطى بين الأشعة تحت الحمراء “موجات طويلة و طاقة منخفضة” والأشعة ما فوق البنفسجية “موجات قصيرة وطاقة كبيرة”.
وبدوره يتدرج لون طيف الضوء المرئي حسب طول الموجة فاللون الأحمر ذو طول موجة أكبر، والأزرق ذو طول موجة أقصر.
وما يمكن استخلاصه هنا .. بأن كل لون تراه العين يوافق طول موجة للضوء محددة و تحمل طاقة معينة أيضاً.
ولكن كيف نربط كل هذا بلون السماء؟
طبعا الحكاية لم تنتهي هنا فعلاً فعلينا مواصلة بحثنا في دنيا العلوم لنصل لإجابة تشفي صدرونا وترضي فضولنا.
الكيمياء الغروية
ربما يكون الاسم غريباً لأول وهلة لغير المختص، لأن هذا الفرع الرائع من علم الكيمياء رغم اتصاله الوثيق بحياتنا اليومية إلا أنه لا يملك شهرة كافية مثل باقي أقسام علم الكيمياء المعروفة لغير المختصين.
وتبدأ حكاية الغرويات مع العالم الاسكتلندي توماس غراهام والذي ركز في دراسته على المحاليل وقوانين الانتشار وله قانون شهير معروف بقانون غراهام الذي يتحدث عن معدل تدفق الغاز في عام (1861) قسم هذا الرجل المحاليل الكيميائية إلى ثلاثة أقسام معتمداً على حجم جزيئات المادة المنحلة
وكانت كالآتي من الأصغر إلى الأكبر:
- محاليل حقيقية: مثل سكر منحل في ماء
- محاليل غروية: مثل الحليب، الجيلي
- معلقات: مثال الوحل (تراب في ماء )
وهنا شهدنا أول تعريف للحالة الغروية للمادة ومنها نتج علم واسع هو الكيمياء الغروية والتي تصدت لتفسير الكثير من الظواهر الطبيعية مثل لون السماء، تشكل قطرات على أوراق الأشجار، صعود الرطوبة من أسفل الجدران إلى أعلاها (الخاصية الشعرية) والضباب و هناك غيرها الكثير، وتطورت تطبيقاتها واستعمالاتها إلى حقول واسعة نذكر منها على سبيل الذكر وليس الحصر عملية غسيل الكلى.
تأثير تندال وتبعثر ريليه
عندما يعبر الضوء محلولا حقيقاً، مثل محلول السكر في الماء فإنه يعبر المحلول بسهولة وما يحصل هنا ماهو إلا القليل من الانكسار للضوء (أي تغير بسيط في الاتجاه)
اما في الحالة الغروية، الحليب مثلاً فإن الضوء لا يعبر من الطرف الآخر، حيث قام العالم الويلزي تندال (1869) بتفسير هذا الظاهرة التي اسمها تبعثر الضوء ومعنى هذا أن الضوء يصطدم بجزئيات المحلول الكبيرة نسبياً فيرتد في اتجاهات متعددة فيتشتت أو يتبعثر فلا يصل منها للطرف الآخر إلا كمية قليلة جداً تعتمد كميتها على نوع المحلول وحجم جزيئاته وتركيزه.
وقد تابع دراسته العالم جون ويليم ريليه، شارحاً تبعثر الضوء الحاصل ضمن الغازات وعن جسيمات حجومها أقل من الطول الموجي للضوء وارتباطه بالقطبية المغناطيسية
لون السماء؟
من وجهة نظر الكيمياء الغروية يعتبر الغلاف الجوي بحالة غروية، فهو مملوء بجزيئات الغاز من (النتروجين بشكل رئيسي) زائد لجزيئات الغبار وغيرها من المواد الصلبة فعند مرور أشعة الضوء في الغلاف الجوي في ساعات النهار فإنها تأتي من مسافة قصيرة وشبه عمودية على الأرض، فيحصل تبعثر للضوء كبير بفعل اصطدامه بجزئيات الغاز والأتربة وغيرها و فيتم امتصاص كل الموجات وعكس الموجات الأقصر والتي توافق هنا اللون الأزرق ..
أما في حالة الغروب و فجهة ورود أشعة الشمس تكون من أبعد نقطة لها وبشكل مائل فيكون التبعثر في أقل صورة وهذا يوافق طول موجي كبير يوافق فعلياً اللون الأحمر.
وطبعا لاحظنا أن الكيمياء الغروية هي علم يأخذ مفاهيمه من علمي الكيمياء والفيزياء على حد سواء.